هل لنا مكان في عالم مردوخ؟

إمبراطور الإعلام العالمي يدق ناقوس الخطر مرتين في أقل من عام.. لكن الصحف العربية تبدو وكأنها غير معنية

TT

عندما يطلق شخص بحجم روبرت مردوخ، رئيس مجموعة «نيوزكورب» الإعلامية، صفارة الانذار حول مستقبل الصحافة الورقية مرتين في أقل من عام.. فيجب على الأرجح أن يؤخذ الرجل على محمل الجد، وهذا ما يبرر المقالات والتحليلات العميقة التي غزت الصحف والندوات والمؤتمرات وحوارات اهل الصحافة العالمية. مردوخ يرى أن الإعلام سيصبح مثل المأكولات السريعة، يستهلكها المستخدم خلال تنقله على الاجهزة المحمولة مثل الجوالات والـ«أي بود» والبلاي ستايشن المحمول. ويرى ان التحدي الأكبر امام الناشرين هو الاستفادة من ثورة الانترنت، التي وصفها بأنها «على الرغم من كونها جنينا.. الا انها تدمر وتعيد بناء كل شيء في طريقها».. وأن الصحف الورقية ستصبح واحدة فقط من عدة خيارات امام مستخدم الاخبار مستقبلا.. وهذا ما يتطابق مع ما يقوله المدافعون عن قطاع الصحف الذين يقولون دائما انه في تاريخ الإعلام لم يحدث ان الغت وسيلة جديدة اخرى قديمة، والدليل هو ان التلفزيون والاذاعة والصحف لا تزال جميعا موجودة. كما يشددون من جهة ثانية على الخصائص التي تتمتع بها الصحف ومن بينها تفضيل البعض ملمس الصحيفة الورقية، وبقاءها (الصحيفة) مع الشخص طوال اليوم. لكن اللافت ان الأمر غائب تماما تقريبا في العالم العربي، وباستثناء القلة من التقارير والمقالات بدا الأمر وكأنّ كلام مردوخ لا يعنينا. وبالتالي فإن مجموعة اسئلة تطرح نفسها فهل حقا لا يعنينا ما يقوله رجل امضى حياته في هذا المجال؟.. وان كان ذلك صحيحا فلم لا؟ وهل سيعنينا الأمر في وقت لاحق؟ وللإجابة على ذلك لا بد من أخذ عدة عوامل في عين الاعتبار، فعدم التطرق للموضوع بشكل كبير عربيا يدل على الارجح ان «الصرخة لم تعلو» بعد.. سواء كانت صرخة الوجع من تدني المبيعات والإعلانات او صرخة الغضب من ادراك مدى التأخر في الادراك بأن الوقت قد حان للاستفادة من ثورة الانترنت. وربما كانت افضل طريقة لمعرفة ان كان وقت هذه الثورة قد حان عربيا هو النظر إلى الارقام والاحصاءات المتعلقة بهذا القطاع. فمن البديهي ان حجم الانفاق الاعلاني يلحق وسيلة الاعلام المفضلة للمستهلك المستهدف، لكن يبدو ان المستهلك المستهدف العربي لا يجلس امام شاشة الكومبيوتر بما فيه الكفاية في العالم العربي، ففي حين تفوق نسبة مستخدمي الانترنت في المملكة المتحدة نصف عدد السكان، ونحو 68% في الولايات المتحدة (بحسب ارقام الاستخبارات المركزية الاميركية) فإن نسبة نفاذ الانترنت في العالم العربي في افضل حالاتها لا تفوق 15%.. وهذه هي النسبة في دولة الكويت، بحسب ارقام «مجموعة المرشدين العرب» وهي شركة مقرها عمّان تتخصص في البحث والتحليل والاستشارات فيما يتعلق بمجال الاتصالات، الاعلام، والتكنولوجيا في العالم العربي. وتشير دراسة أخرى إلى أن عدد مستخدمي الانترنت في العالم العربي ككل لا يتجاوز 11 مليونا و755 الف شخص بحسب احصاءات الاتحاد الدولي للاتصالات.

من جهته يقول خميس المقله، رئيس مجموعة «ماركوم الخليج» الإعلامية بالبحرين وعضو المجلس العالمي للجمعية الدولية للإعلان، إن الإعلان الالكتروني هو وسيلة إعلانات ما زالت في بداياتها في البلاد العربية، ولا يوجد لدينا أرقام مفصلة عن حجم الصرف الإعلاني على هذه الوسيلة، لأن الإحصائيات المتوفرة لا تشمل إعلانات الانترنت، إلا أن المقله يؤكد بأن التقديرات تشير إلى إمكانية ان تتجاوز حصة إعلانات الانترنت في دول مجلس التعاون الخليجي نسبة 1% من اجمالي الصرف الإعلاني في المنطقة، أي حوالي 45 مليون دولار حسب إحصائيات عام 2005، مقارنة بحصة 5.7% في الولايات المتحدة الأميركية (9.2 بليون دولار) وحصة مقدارها 5.2% بريطانيا (بليون دولار)، وبمعدل عالمي يبلغ 4.1%، وذلك خلال عام 2005. كما تشير التقديرات إلى أن اعلانات الانترنت في الخليج والبلاد العربية سوف تشهد نمواً ملحوظاً خلال السنوات القادمة. ولكن هل سيشكل الانترنت تهديدا حقيقيا للورق عندما يحين ذلك الوقت؟ هناك عوامل عدة تتحكم في ذلك.. ففي النهاية، القارئ يتوجه للصحيفة لأنه يرغب في الاطلاع على محتواها.. أي ان المحتوى بجميع الاحوال باق وان اختلفت منصات عرضه، فالصحافة الجيدة ستبقى مطلوبة بجميع الاحوال. لكن كون نسبة استخدام الانترنت في العالم العربي ضئيلة في الوقت الحالي.. لا يجب ان يعني ان يتنفس اصحاب الورق والحبر الصعداء، فهناك مزايا عدة تجعل القارئ يفضل تصفح الجرائد الكترونيا.. لعل مجانية الصحافة الالكترونية من ابرز اسبابها... وهذا السبب عالمي ولا يخص العالم العربي وحده، حيث ان قلة من المطبوعات فقط في الغرب تفرض رسوما على استخدام المواقع الالكترونية بالكامل او جزئيا، ومن بينها صحف الـ«وول ستريت جورنال»، «فاينانشال تايمز»، والـ«نيويورك تايمز» التي سارت خطوتها الأولى في هذا المجال مؤخرا. وتشير ماجدة ابو فاضل، مديرة معهد الصحافيين المحترفين في الجامعة اللبنانية الاميركية، الى النسبة العالية من الامية والفقر في غالبية الدول العربية، «وبالتالي من لا يجد طعاما لن يجد المال لشراء الصحيفة. وغلاء ثمن الورق الذي ينعكس على ثمن الصحيفة يشكل عبئا على المواطن العادي، ناهيك بأن المادة في الصحف، لا سيما الرسمية منها مملة ومبتذلة، لا شفافية فيها ولا مهنية ولا موضوعية وبعيدة عن الدقة، والاحتراف في مثل هذه الصحف شبه معدوم واخلاقيات العمل غير موجودة. وكل هذه العوامل تحول دون رواج الصحيفة. من هنا يمكن القول ان الصحافة الورقية تحتضر لانها لا تواكب العصر. وبعض الصحف التي تكتفي بموقع لها على الانترنت تورد محتوياتها نسخا وليس بالطريقة التفاعلية المطلوبة للصحافة الالكترونية. فالكتابة العمودية في الصحف لا تصلح للكتابة الالكترونية الافقية، مما يؤدي الى سوء استخدام شبكة الانترنت الأمر الذي يسبب الملل ويفقدها الحيوية». من جهة ثانية فللصحيفة الالكترونية ميزات أخرى، فقارئ المقال على الانترنت يستطيع في معظم الأحيان التعليق عليه على الموقع نفسه، او ارساله الى صديق، او حتى طباعته. وترى الدكتورة ليلى عبد المجيد، رئيسة قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أن التحدي الحقيقي أمام الصحافة أنها يجب أن تطور من وظائفها، وأن تكتشف وظائف إضافية لها، وأن تستغل التكنولوجيا لصالحها، ربما تغير شكلها، لكنها في كل هذا يجب أن تبحث عما يريده الجمهور، وهذا شيء في اعتقادها يجب أن يحدث بشكل دائم، بغض النظر عن منافسة الإنترنت، فالصحف التي تغير من قطعها تفعل هذا لأنها تبحث عن جمهور جديد. من جهته يرفض سامي الريامي رئيس تحرير جريدة «الإمارات اليوم» فكرة تفوق الاعلام الالكتروني على الصحف الورقية تماما، مضيفا ان الواقع في العالم العربي هو ان المواقع الالكترونية تعتمد بشكل اساسي على ما تنشره الصحف لتأمين المحتوى ويقول «قرابة 70% من مواقع البحث على الإنترنت تعتمد على الصحف ووسائل الإعلام بينما العكس غير صحيح.. هذا لا ينف انه على الصحف أن تطور نفسها بشكل مستمر من الناحيتين التحريرية والفنية».

ويضيف الريامي «الحرية المطلقة على الإنترنت أتاحت إطلاق أي فرد في أي مكان في العالم لأي موقع يكتب فيه ما يريد ويهاجم فيه من يشاء، أو أن يطلق موقعاً يطلق عليه اسم صحيفة وينشر عليها مواد منقولة من أي مصدر أو مرسلة من أي قارئ، دون التأكد من مصدرها، ودون أي ضوابط للنشر نعرفها نحن كصحافيين ونلتزم بها، بل إنه في الوقت الذي انتشرت فيه المطالبة بحقوق الملكية الفكرية تهدر هذه الحقوق بسهولة من خلال مواقع الإنترنت التي تقوم بالاستيلاء على مواد صفحاتها من أي موقع». وفي هذا السياق كان رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط»، طارق الحميد، قد اعتبر في مقاله المنشور بتاريخ 10 أكتوبر (تشرين الاول) الماضي ان «الخطر الحقيقي» في العالم العربي هو غياب حماية الملكية الفكرية بالنسبة لوسائل الاعلام. ويضيف الحميد «هناك مواقع الانترنت الإخبارية التي لو توقفت عن نقل أخبار الصحف، أو كان هناك نظام صارم يكفل للصحف حقها القانوني، لأغلقت تلك المواقع لأنها لا تستطيع توفير تكلفة التغطية الإخبارية، خصوصا ان لا عائد إعلانيا من مواقع الانترنت في عالمنا العربي». إلا أن قوانين حماية الملكية الفكرية آتية عاجلا ام آجلا، خصوصا في ظل العولمة واتفاقات التجارة الدولية، وهذا ما يقوله روفان نحاس.. رئيس التحرير المسؤول في اول وكالة انباء عربية تعنى بشؤون الملكية الفكرية، وهي تعرف باسم AGIP ومقرها العاصمة الاردنية عمان. ومن المفارقات اللطيفة ان هذه الوكالة نفسها تعرضت لسرقة ادبية، بحسب ما يقول نحاس، حيث قام الكثيرون بالاستفادة من الأخبار التي تبثها الوكالة مجاناً ورغم ذلك دون الإشارة إلى المصدر، مما حدا بمسؤولي الوكالة إلى مخاطبة تلك الجهات لتصحيح الخطأ أو اللجوء للقضاء. وقد تم حل جميع تلك القضايا ودياً.

وفيما يتعلق بحقوق المؤلف والنشر في الصحافة، يوضح نحاس ان هناك اتجاهات متعددة لكنها في النهاية تصب في مصلحة صاحب العمل أو الكاتب أو هذا ما ينبغي أن يكون. فبعض وكالات الأنباء ترفض قطعيا الاستفادة من الأخبار التي تبثها دون دفع عائد مادي، ويقومون بملاحقة أي مستخدم لخدماتها حتى لو قام بذكر مصدر الخبر. بينما تكتفي بعض الوكالات الأخرى من مستخدميها بإشارة إلى مصدر الخبر.. ويختم نحاس كلامه بالقول ان على وسائل الاعلام العربية التي تعاني من هذه المسألة أخذ القضية على محمل الجد، حتى وان اقتصر الامر على مجرد مخاطبة من يقومون بسرقة موادها.. إلى حين تتم صياغة قوانين جديدة او تطبيق قوانين حالية في العالم العربي. هناك أمر آخر، ففي الغرب يعامل الاعلام كتجارة فيما القليلون في العالم العربي يرون انه كذلك.. وكما في أي تجارة هناك ما يعرف بتحليل «القوة، الضعف، الفرص.. والتهديدات» أو الـSWOT analysis وفي معظم الاحيان يتم التعرف على التهديدات فور بروزها ووضع اكثر من سيناريو لمعالجتها او استيعابها، فرابطة الصحف العالمية (وان) مثلا تقيم مؤتمرا سنويا يتمحور حول «القارئ اليافع»، وتنظم ورشات عمل وبرامج لاقحام الصحف ضمن المناهج المدرسية كوسيلة قراءة اضافية ولتعويد الشخص على قراءة الصحف منذ نعومة اظافره فيما يعرف بـ«تكوين العادة»، خصوصا أن احدى الدراسات التي استندت اليها (وان) في ورشات العمل هذه تشير إلى أن الصحف اذا لم تعود القارئ على مطالعتها منذ عمر الـ 13 عاما فهي على الارجح ستفقده الى الابد. وهنا تبرز نقطة أخرى وهي ما وصفه طارق الحميد في مقاله المذكور أعلاه بـ«مشكلة القراءة» في العالم العربي، والحديث هنا عن القراءة بشكل عام دع عنك الصحف حيث يقول الحميد في مقاله «القراءة في عالمنا ترف وليست جزءا من تكويننا وذلك يعود إلى النظام التعليمي».