تركي السديري: قطاع الصحافة أهلي .. وليست لوزارة الإعلام أية مهمة تتعلق به

رئيس تحرير صحيفة «الرياض» ورئيس هيئة الصحافيين السعوديين يتحدث لـ الشرق الاوسط

TT

ربما من الصعب التفكير ولو للحظة أن تكون مكانه! فهو في عيون ديوان الدولة ملك الصحافة... وفي لسان عدد غير قليل من منابر المساجد أتاتورك السعودية. وبين العين واللسان.. ظل تركي السديري، رئيس تحرير جريدة الرياض ورئيس هيئة الصحافيين السعودية، دائما رهين القراءات المغلوطة. قدره أن يظل وحيدا على الأعراف بين برود عواطف المؤمنين بدوره ولا مبالاتهم في النفح عنه، وبين شواظ جحيم الكافرين بهذا الدور ليل نهار. كلما أمسك بقلمه وحبر زاويته الشهيرة «لقاء» وصافح قراءه بأفكاره ورؤاه التي يصفها مؤيدوه أنها تدفع في اتجاه الإصلاح والتصالح مع النفس والتماهي مع العالم الخارجي، الا هبت في وجه قلمه منابر يوم الجمعة ومنتديات الفضاء السيبيري، ترسل صيحاتها محذرة مما تخبئه ضمائر الحروف، وتخفيه سرائر الكلمات تحت أحبار الجريدة.

قليلون هم الذين يجاهرون بالتصفيق والإشادة بطرح الرجل وبمثابرته على العزف بين جمهور يحرم الغناء. وفي المقابل كثيرون هم الذين يعضون أصابعهم غيظا من صمود هذا الجسد النحيل الذي أنهكه حب الصحافة أمام نيران أقلامهم ودعواتهم في جوف ليل وأسحار الإنترنت وساحاته.

في اواخر شهر فبراير الماضي، اندلعت آخر معارك هذا المحارب المخضرم في حرب لا يبدو أن لها نهاية واضحة. توشح عباءته المقصبة ومضى بثقة ليدير أسخن ندوات المعرض الدولي للكتاب في الرياض. وأكثر جبهاتها رصدا ومتابعة. توسد صدر منصة عقدت تحت عنوان (الرقابة الإعلامية) في المعرض الدولي للكتاب بالرياض. لم تخنه النظرة. كانت الصفوف الأولى مزدحمة برؤوس غاب (العقال) عن عمائمها، يعرفها وتعرفه، وأدرك أن اللحظة حانت وأن لا مناص من المواجهة والسير فوق حقل الألغام. وحدث ما حدث في قصة ربما بات يعرفها الجميع.

مناصروه يقولون انه إنحاز الى تحكيم لغة العقل وسياسة نزع الفتيل، ولا ينكرون أيضا أنه ربما فعل من باب سياسة مدارات الخصوم، وضرورات المرحلة. بينما يرى مناوئيه أنهم رفضوا الأسلوب والطريقة في إدارة السجال، وأنهم عندما رفعوا مطالبهم فوق رماح أصواتهم العالية كانوا يعرفون أنه لن يلبي طلبهم بالسؤال المباشر، وأنه سيمارس موقفه القديم بالوصاية على أفكارهم وحجب ما لا يروق له منها. في هذا الحوار يتحدث تركي السديري عما جرى في معرض الكتاب، وأجاب عن أسئلة تتعلق بواقع الإعلام السعودي، وأداء هيئة الصحافيين السعوديين، وفيما يلي نص الحوار: > بماذا خرجت من معركة معرض الكتاب؟

ـ الذي حدث أرى فيه جوانب إيجابية. صحيح أن جميعنا يرفض ما حدث لكن من الجيد جدا أن هؤلاء الأشخاص قدموا وبشكل عملي وواضح صورا عن طبيعة رؤيتهم لبلدهم ومكانة مجتمعهم عن زوايا معينة ومحددة في فهمهم وفي العلاقات بينهم وبين الآخرين. هم ليسوا جزءا من مجموع عام ولكنهم يعتبرون أنفسهم بمثابة الأنقياء الذين يسعون الى تصحيح أفكار ومرئيات غيرهم.

لا يختلف اثنان على أن من كان هناك في مجموعه هو إنتماء إسلامي مشترك، لكن هم يرون أن من حضر في أكثريته العامة يحتاج الى توجيه قيادي من قبل فئتهم القليلة.

فمثلا لم نختلف على أفكار طرحت، لأنهم قد أتوا وقد قرروا الخلاف سلفا. حاسبوا الدكتور محمد عبده يماني مع أن الرجل في حديثه لم يقل شيئا يختلف عليه، لكنهم حاكموا فترته الوزارية وهذا أمر لا علاقة له بالندوة. تعرضوا أيضا لوزير الإعلام الحالي بنفس الطريقة وبنفس الرؤية، كنت مرفوضا من قبلهم أن أدير حوارا، لأن لديهم مجموعة من التهم الجاهزة، وهذا أيضا لا علاقة له بحوار الندوة، إذا نحن أصطدمنا في الندوة مع خلاف مبيت، وكان لدى المجموعة المشاركة في الندوة الكثير من رحابة الصدر ورغبة التفاهم لو توفر ذلك لديهم. على أي حال انكشاف مثل هذه الرؤى ووضوح كيف يفكر البعض منا لا يعني أننا نتواجد في حالة خطر، ولا يعني أننا غير قادرين على تفهم بعضنا.

في الماضي كنا نعطي تعميما شاملا في تعريف متعلمنا أو مثقفنا ولم تبرز هذه التباينات الا عندما وجدنا الكثير من الجديد الحضاري يلزمنا أن نفكر فيه، وفي حين أننا لا نقبل بإلغاء أي شيء من ثوابتنا الإسلامية فإننا لا نقبل أيضا أن نعزل عن الجديد الحضاري وعن الفكر العالمي الراهن باعتراضات ضيقة لا نجدها عند المؤسسات المرموقة مثل هيئة كبار العلماء لدينا في السعودية، ومثل مرجعية الازهر في مصر.

من الجيد أن نتعرف على مانحتاج إليه من وعي لأننا نكون قد عرفنا حقائق مشاكل مجتمعنا، وليس من العقل أن يكون هناك إقصاء للآخر، مثلما أنه ليس من الإسلام أن يكون هناك تكفير لمسلم.

> لماذا تم استهدافك بصورة خاصة؟

ـ الحملة لم تكن تستهدفني كشخص، بدليل أن هناك آخرين تمت الإساءة إليهم ومع ذلك أكرر أن ما حدث لم يكن سلبيا بالكامل، بل فيه من الإيجابية أننا تزودنا بشيء جديد من معرفتنا أنفسنا، ويجب أن نحقق للجميع مهمة التفاهم والالتقاء لخدمة مصلحة عامة. > تركز وزارة الثقافة والإعلام حاليا بفاعلية على تنظيم أوضاع البيت الثقافي في المملكة، متى يحين دور القطاع الصحافي، وهل هناك تنسيق مع هيئة الصحافيين السعوديين في هذا الشأن؟

ـ يجب أن ندرك أن هناك ركودا ثقافيا مخجلا، وفي المقابل لا يوجد ركود صحافي إطلاقا، الثقافة في السعودية عانت الكثير ليس من حيث نوعية الكتاب، فهناك كتاب وكاتبات على مستوى جيد ومرموق، لكننا كنا نقرأ لهم بواسطة دور نشر أجنبية، أذكر أنني قلت في مقال سابق بأنه حدث قبل ما يقارب 20 عاما أن نشرت مسابقة تطلب كتابة قصص قصيرة عن الوفاء وبر الوالدين ونحو ذلك! والقصة ليست موضوعا إنشائيا لفظيا ولكنها قدرة تصوير وتخيل لواقع اجتماعي ما. المثقف وجد لكن مناخ النشر هو الذي تعثر، أما الصحافة فلا أبالغ إذا قلت ان لدينا أربع صحف على الأقل أستطيع أن أضعها في مقدمة وسائل النشر العربية، لو خرجت من مصر متجها غربا حتى المحيط فستجد أن الإصدارات هناك شبه إقليمية، وأن القارئ في الغالب يحصل على الخبر باللغة الفرنسية، ولو أتيت الى منطقة الوسط ما بين القارتين فستجد أن دولا مثل السودان وسوريا والأدردن لا تستطيع أن ترى صحفها خارج حدودها بما في ذلك الصحافة اللبنانية، نحن في جريدة الرياض نوزع يوميا في ثماني دول عربية، وفي بعض دول الخليج توزع في اليوم التالي، وهناك جريدة الشرق الأوسط مقروءة يوميا في كل بلد عربي، ونفس الحال مع جريدة الحياة، الصحف السعودية الأخرى المحلية لها حضور واسع، وقدرات في الإمكانات لا تتوفر لأي صحيفة عربية أخرى باستثناء صحف الخليج، ولو نظرنا الى عدد العاملين في الصحف المحلية، مقارنة بما كنا نعرفه قبل نحو 20 عاما مثلا فسنجد أن سعودة الوظائف الصحافية قد سبقت شعار (السعودة) بسنوات طويلة، لدينا في جريدة الرياض الصحافيون وفي كل الأقسام هم من المواطنين. ونسعى الى توطين المهن الفنية والتقنية، إذن، أعتقد أنه ليس أمام وزارة الإعلام أي مهمات تتعلق بالصحافة، فبالإضافة الى نجاح هذا القطاع نعرف أنه قطاع أهلي غير تابع للوزارة الا من خلال الالتزام بنظام المطبوعات.

> هناك ظاهرة تجتاح أكثر من بلد خليجي وعربي فيما يخص إجراء تعديلات جديدة في قانون المطبوعات الإعلامية تنسجم مع المعايير الدولية بشأن الحريات العامة، من خلال موقعكم هل ترون اتجاها سعوديا لمواكبة هذا التوجه؟ وهل يحق لهيئة الصحافيين الرفع الى الجهات الرسمية بإجراء تعديلات جوهرية على قانون المطبوعات الحالي؟

ـ نظام المطبوعات الحالي لم يسبب أي إعاقة لنمو العمل الصحافي، بل على العكس هو أرحم بكثير من مرجعيات أخرى حاولت أن تكبل نشاط العمل الصحافي، وهيئة الصحافيين لم تتلق أي شكاوى تتصل بحقوق الصحافيين أو تعرضهم لأي فصل تعسفي، مع الأسف هناك من يأتي وبحسن نية ويستخدم بعض تعابير براقة موجودة حيثياتها عند غيرنا لكن لا وجود لها بيننا.

> أعلن وزير الإعلام إياد مدني اخيرا أن وزارته تدفع في إتجاه اصدار صحف جديدة في كل من تبوك والقصيم ومكة المكرمة، كيف ترون هذه الخطوة؟

ـ أعتقد أن توسيع مجال التنافس في الإصدارات هو عمل إيجابي، ووجود صحيفة تصدر من مدينة سعودية وبموظفين سعوديين هو أفضل من أخرى تصدر من قبرص أو دبي وتسوق هنا على أنها إصدار سعودي. > الى ماذا يشير منح الصحف السعودية صلاحية تسعير مطبوعاتها؟

ـ أيضا هذا فيه شيء من حرية التقييم ومواجهة التكلفة، مع أنني أثق بأنه من الصعب أن تقدم أي صحيفة على زيادة سعرها الحالي.

> هل الخوف من الزيادة أم من تخفيض السعر؟

ـ لا هذا ولا ذاك، الصحف تسعى الى الانتشار أكثر من ربحية البيع، لأن زيادة ريال واحد أو أي زيادة سيذهب جزء منها للجهة المسوقة، وما يبقى لن يعوض تكاليف الطباعة الكبيرة.

> مع اقتراب نهاية عامها الاول.. كيف تقيمون انجازات هيئة الصحافيين السعوديين؟ ـ أتصور أن الهيئة هي المسؤولة عن توطين الوظيفة الصحافية، وتطوير قدراتها التقنية، وطبعا هذا لن يتحقق في يوم أو يومين، خصوصا أننا لم نستلم الموقع الخاص بالهيئة، ولم نستقر على ميزانية كافية، الى جانب أنه في الفترة الماضية الزمتنا الظروف السياسية الدولية القيام بمتابعات واتصالات واستضافات إعلامية وندوات والعمل على التنسيق مع بعض الاتحادات وأيضا مع السفارات لإنجاز عدد من الزيارات والندوات المتبادلة، وأيضا الشروع في ممارسة مهمات تدريب في الخارج، وجهود أخرى متواصلة هي جزء من دورنا، وفي خططنا أنه بعد أشهر قليلة سوف نتجه بنشاطنا الى المجال المحلي والعمل على تنفيذ برامج التدريب وخلافه، الى جانب سعي الهيئة بالتفاهم مع المؤسسات الصحافية على أن تنجز كل مؤسسة خططا مرحلية لخدمة التدريب في مجال التقنية الطباعية. عموما نحن في انتظار استلام مقر الهيئة في شهر أكتوبر القادم، وقبل أن يحدث ذلك سنحاول أن نبدأ ببرامج الدورات التدريبية، مع أننا أنجزنا ثلاث دورات اقتصادية قبل شهر تقريبا، وسنشرع بدورات أخرى مختلفة الاغراض.

> كيف تردون على انتقادات الوسط الإعلامي لهيئة الصحافيين؟

ـ هناك بعض المطالبات التي تتساءل: ماذا حققت الهيئة للصحافيين؟ هل وفرت لهم نصف سعر تذكرة الطيران، ونصف فاتورة العلاج، ونصف كلفة الإقامة في الفنادق؟، هذه أمور تختلف قياساتها من مجتمع لآخر، فالموضوع الصحي مثلا موجود وفق اتفاقات التأمين الصحي، أما نصف تذكرة الطيران، فالأمر تحكمه مؤسسة ضخمة اسمها الخطوط السعودية، وإذا تم التخصيص وتوفر التنافس بين شركات نقل جوي محلية فربما تلجأ هذه الشركات الى الترغيب في خدماتها من خلال تقديم هذه الحوافز، لكن بصفة عامة يجب أن لا يقارن بين صحافي متوسط مرتبه 2000 دولار، بآخر في بلاد عربية أخرى راتبه 100 دولار وهي الدول التي تمنح تلك الحوافز.

> وجه الملك عبد الله بن عبد العزيز بوجوب تفاعل الوزارات والأجهزة الحكومية مع وسائل الإعلام والزامها بالرد على ما يثار في صفحاتها تجاه خدماتها ومسؤولياتها، كيف يمكن الوصول الى مرحلة إعطاء الصحافيين حق الحصول على المعلومة الصحيحة من المصدر قبل النشر، وليس تعقيبا بعد النشر؟

ـ أولا أريد أن أذكر لك أن محامي جريدة الرياض طلب مني أكثر من مرة بضرورة توعية المحررين بأن عليهم حيازة مصداقية الخبر أو التحقيق لأن النظام في أي بلد في العالم لا يقبل أن تتحول المسؤولية الوظيفية في مصلحة حكومية أو في بنك أو في مؤسسة تجارية الى عناوين إثارة يخسر منها إن لم يكن ماديا في القطاع الأهلي فمعنويا ونظاميا في القطاع الحكومي.

المسألة تتعلق بكيفية إعداد الصحافي وإشعاره بمسؤوليته تجاه مصداقية خبره أو تحقيقه، على سبيل المثال ليس من المعقول أن يأتي من يطالب بتوفير حماية الصحافي ما لم يوفر الصحافي نفسه الحماية لذاته بتوثيق مادته الصحافية، فالإشاعة ليست مصدرا إخباريا على الإطلاق، ونحن نعرف أن هناك مرافق أخرى كالاقتصاد تلعب الإشاعة دورا كبيرا في خفض سعر سلعة أو سهم ورفع آخر.

> عجزت الصحافة السعودية عن الوصول الى المسؤولين في وزارة المالية وهيئة سوق المال لتوضيح حقيقة الأسباب والمسببات لحادثة انهيار سوق الأسهم، هل دور الصحافة أن تنقل وتبرز أخبارهم الجيدة، وتلزم الصمت أمام رفضهم في طمأنة جمهور قرائها المتضررين من قرارات هؤلاء المسؤولين؟

ـ أتفق مع هذا الطرح، وفي نظري أن جميع الصحف حاولت الوصول الى كبار المسؤولين للحصول على إجابات عن وضع سوق الأسهم والأسباب التي أدت به الى هذا، لكنهم لم يرغبوا في الظهور، وأعتقد أن الأمر كان أكبر من ذلك، لقد صرح بعض المسؤولين عبر التلفزيون ولم يؤثر ذلك شيئا، التأثير حدث عندما تدخلت القيادة ووضعت حلولا عملية عالجت جذور المشكلة.

> قطاع عريض من التيار الديني دائما ما يروج أن الإعلام السعودي وخصوصا الصحافة باتت في قبضة التيار العلماني ـ حسب وصفهم ـ وأنه لا يمثل حقيقة المجتمع السعودي، وفي المقابل الليبراليون يرون أن الصحافة ــ حسب وصفهم أيضا ــ تخضع لقوى رجعية وتخشى مواجهتها او الخروج من سطوتها، ما هو الحل.. وأين تقف الصحافة بين هذين التيارين؟

ـ دعني أولا أتحفظ على كلمة علماني، نحن جميعا مسلمون ولسنا في بلد متعدد الأديان، وإجابة على السؤال أرى أنه إذا كنا نطالب الصحافة بدور توعوي ونحن في الوقت ذاته نضيق بما يقوله بعض أئمة المساجد من اتهامات للصحف، فإننا أيضا يجب أن لا نجعل من الصحف منابر لا ترضي كل الأطراف، التشدد إذا اتسم به طرف فلن يعالجه تشدد آخر، ولكن رحابة الاستيعاب والتفهم هي القادرة على ذلك. > أخير.. هل يمكن لوطن أن يكون قويا.. بلا صحافة قوية؟

ـ طبعا.. يجب أن توجد صحافة قوية وأيضا وسائل إعلام قوية تستطيع ان تختار ما يوائم مجتمعنا، لكن لا يجب أن نبتعد وننعزل عن الثقافات الأخرى، الصحافة لدينا ليست سيئة ولو نظرت الى الصحف في العالم العربي لوجدت أن الصحف السعودية تقوم بدور جيد، وتجد الاحترام أيضا من الدولة، وليس لدينا ضحايا صحافة كما في دول عربية كثيرة.