الكويت: بدء الإجراءات الفعلية لتطبيق قانون المطبوعات الجديد

تشكيل لجنة من قانونيين ومختصين لوضع آليات التنفيذ

TT

أصدر وزير الإعلام الدكتور أنس محمد الرشيد الأسبوع الماضي قرارا يقضي بتشكيل لجنة مختصة لوضع اللائحة التنفيذية لتطبيق قانون المطبوعات الذي أقره البرلمان الشهر الماضي.

ويأتي هذا القرار كأول إجراء فعلي لإدخال قانون المطبوعات والنشر الجديد حيز التنفيذ، إذ ستعمل اللجنة التي تضم عددا من القانونيين وممثلي وزارتي الإعلام والتجارة إلى جانب جمعية الصحافيين، خلال الثلاثة اشهر المقبلة، وهي المدة المحددة لعملها، على وضع تصور لمشروع آلية تنفيذ القانون الجديد فيما يخص إصدار الصحف.

وبتوقيت القرار الذي تزامن مع يوم نشر قانون المطبوعات الجديد في الجريدة الرسمية تكون الحكومة ممثلة بوزير الإعلام قد أعطت للمتابعين تطمينا بأنها حريصة على تنفيذ هذا القانون وأنها جادة بالتنفيذ، خاصة أن القرار تزامن مع نشر الجريدة الرسمية لصيغة القانون.

يذكر أن الكويت قد شهدت منذ عام 1971 محاولات عديدة لتعديل قانون المطبوعات والنشر خاصة وأنه وضع عام 1961 مما لم يعط مجالا ليواكب ما طرأ من مستجدات مهنية وتقنية.

ودشن أولى محاولات تعديل قانون المطبوعات والنشر النائب الراحل سامي المنيس عام 1971 لتستمر بعدها المحاولات التي كلل آخرها بالنجاح في 6 مارس 2006 «إما لأن الحكومة كانت تقدم تصورا يرفضه مجلس الأمة أو العكس» كما يبين لـ «الشرق الأوسط» عضو اللجنة التعليمية بمجلس الأمة النائب محمد البصيري.

ويعمل المشتغلون في الجسم الصحافي الكويتي اليوم بمقتضى القانون رقم 3 الصادر عام 1961 والذي يعطي للسلطة التنفيذية ممثلة بمجلس الوزراء حق منح وسحب وتعطيل استخدام التراخيص الصحافية بمقتضى قرار إداري دون أن يكون للمتظلم حق اللجوء للقضاء.

إلا أن فترة ما بعد التحرير من الغزو العراقي على الكويت وعودة العمل بالدستور عام 1992 شهدت محاولات جادة لإدخال تغيرات جذرية على القانون بما يعطي فسحة أكبر لحرية التعبير وفتح صحف جديدة خاصة بعد أن آمن المهتمون بالشأن العام بخطورة دور الإعلام واقتناعهم بأن معركة إثبات الوجود الكويتي بمواجهة النظام العراقي السابق ستخاض على صفحات الجرائد وفضاء القنوات التلفزيونية.

وبينما كان المهتمون يتأملون الفضاء الإعلامي المفتوح كانت العمليات الأرضية عكس ذلك فقد عطل مجلس الوزراء صحيفتي «الأنباء» و«السياسة» أكثر من مرة وهدد بسحب ترخيص الأخيرة وكذلك زميلتها «الوطن» لولا تدخل الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد بمبادرة هدأت أجواء الاحتقان الذي نشب بين الصحافة والسلطة أكثر من مرة خلال عقد التسعينات من القرن الماضي.

وتعود بدايات الصحافة الكويتية إلى عام 1928 عندما أسس المؤرخ عبد العزيز الرشيد مجلة «الكويت» ليتبعها بعد ذلك عدد من المطبوعات والدوريات التي كانت تحرر داخليا وتطبع إما في العراق أو مصر ليعاد تصديرها من هناك ليتم تداولها محليا، ومنذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا تابع القارئ الكويتي عددا كبيرا من المجلات والصحف بمختلف دوريات صدورها وأشكالها وتخصصاتها حتى وصل عدد ما يعرض اليوم على رف البيع إلى سبع صحف يومية (اثنتان باللغة الإنجليزية) وقرابة 70 ـ 75 مجلة.

وعلى الرغم من أن قانون المطبوعات يصنف تحت باب القوانين المتخصصة التي لا تؤثر على نمط حياة رجل الشارع العادي بقدر ما تهم العاملين بمقتضاها، إلا أن إقراره من قبل مجلس الأمة له دلالات أكبر مما تحمله بقية القوانين الشبيهة، فأهميته حسبما يراها نائب نقيب الصحافيين والمراسلين داهم القحطاني تكمن في أنه يعمل على «تغيير وتوسيع قاعدة النشر ويكف يد الحكومة عن الصحف دون حكم قضائي إضافة إلى القلق من أن يواجه مصير قانون تعديل الدوائر الانتخابية التي سعت إلى تعطيله أيادٍ داخل مجلس الوزراء» متحدثا عن تحرك قادته نقابة الصحافيين والمراسلين وضم يوم إقرار القانون 44 مؤسسة مجتمع مدني تعددت ما بين اتحاد عمالي وطلابي ونقابات وجمعية نفع عام.

ويتوزع قانون المطبوعات الجديد على خمسة فصول أهمها: المطبوعات والصحيفة والمسائل المحظور نشرها إضافة إلى فصلي التمهيد والأحكام الختامية وتلعب على شواطئها 33 مادة تشكل مجتمعة قانون المطبوعات والنشر الذي عرض على جدول أعمال مجلس الأمة لأول مرة في 26/12/2005 فانقسم يومها الشارع الكويتي بين مؤيد ومعارض إلا أن المواجهة بين الفريقين أجلت أكثر من مرة نظرا لوفاة الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد وما تلاها من تداعيات انتهت بأداء الحكومة الجديدة برئاسة الشيخ ناصر المحمد اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة في الأسبوع قبل الأخير من شهر فبراير الماضي ليتحدد بعدها 6/3/2006 موعدا لجلسة البرلمان الذي استكمل ما بدأه من نقاش في نهاية العام الماضي وانتهت بإجماع النواب الحاضرين (53 من أصل 64).

وفي المقابل كانت هناك عدة رسائل حملها الإجماع النيابي الحكومي لتمرير القانون أبرزها أن مجلس الأمة رد على تحية الحكومة بالإصلاح بأخرى أحسن منها حين وافق على تمرير القانون خلال جلستين وتداوله خلالهما ممثلو الكتل السياسية حيث قدموا ما لديهم من ملاحظات انتهت بإجماع من وجدوا في قاعة التصويت.

وعلى الرغم من الحملة التي تعرض لها القانون بغية تعطيله خلال المناقشة لمزيد من الدراسة ومراجعته بعض مواده التي تقتضي إعادة النظر، إلا أن ذلك لم يمنع النواب من التصويت مجتمعين على الموافقة بتمرير القانون وهو ما فسره لاحقا النائب باسل الراشد في ندوة مختصة بـ «رغبة النواب بتمرير القانون ثم مناقشة آلية تعديله لاحقا، حتى لا نخسر مكسبا يسجل لمصلحة الكويت، مع إيماننا بأهمية إدخال بعض ما ورد من ملاحظات».

ويعتبر الناشر والكاتب الصحافي أحمد الديين قانون المطبوعات والنشر الجديد بأنه «خطوتان للأمام وخطوة للخلف، إذ يقر بمبدأ تعقيب القرار الإداري بالقضاء ويلغي عقوبة التعطيل الإداري للصحف إلا أنه بالمقابل يحيل العديد من المواضيع إلى قوانين أخرى مثل قانون الجزاء وقانون أمن الدولة وهما قانونان يتضمنان عقوبات أشد مما ينص عليه قانون المطبوعات، إضافة إلى أنه يخالف مبدأ إقليمية الجريمة ويوقع العقوبة على الناشر المحلي بدلا من المؤلف».

وتستفيد الصحافة الكويتية من أجواء الانفتاح السياسي والديمقراطية فيما تتناوله من موضوعات ممثلة بذلك حالة فريدة من نوعها فهي صحف عائلية ومفروزة سلفا بحسب توجهاتها إلا أنها تتمتع بـ «براغماتية مهنية وسياسية» هيأتها الديمقراطية التي يعمل بمقتضاها البلد مما يجعلها «صحافة موقف» تتبنى وجهة نظر الشارع في قضايا يكون هو فيها الأقرب إلى الصواب منه إلى الحكومة والعكس.

ويلخص رئيس تحرير صحيفة «القبس» وليد النصف أبرز انعكاسات إقرار قانون المطبوعات على الصحف الموجودة اليوم في المواجهة الجديدة بأن «المنافسة ستكون شديدة على كل ما يتحرك في شارع الصحافة وبالأخص على مستوى المحررين والفنيين، وسيكون التميز في أقسام الرياضة والمنوعات لمواجهة الخبر المحلي إلا أن ذلك سيؤدي إلى هبوط المستوى العام، كما سيعنى بالقضاة مهمة ضبط الصحافة».

وعن المنافسة المتوقعة يمضي النصف قائلا «خوفي ليس من الصحف الحزبية بل من الصحف التي تدعمها مؤسسات مالية، ونظرا لوجود 120 ألف قارئ وما يشكله من قدرة شرائية كبيرة سيتحمل السوق صحيفتين إلى ثلاث جدد، وستزيد عروض تسويق اشتراكات الصحف والمسابقات لاستقطاب القارئ، ولكن ذلك سيكون بين الـ 6 اشهر وهي المدة التي يستغرقها وضع اللائحة التنفيذية للقانون العام».

وعودة إلى الظروف التي قادت إلى إقرار قانون المطبوعات حيث يؤكد عضو اللجنة التعليمية بمجلس الأمة النائب محمد البصيري أن القانون الحالي تعاقب عليه 6 وزراء على مدى 4 فصول تشريعية (12 عاما) إلى أن جاء الوزير الحالي الدكتور أنس الرشيد الذي جعله إحدى أولوياته في الوزارة فتمكن من إقناع الحكومة وأزال العقبات التي كانت تعترض طريقه ثم تناقشنا معه وتوصلنا إلى اتفاق على%90 من القانون.

ومع دخول الحكومة جلسة 2006/3/6 بثقل ملحوظ نابع من إيمانها بأهمية قانون المطبوعات ومستفيدة من تحركات قادتها لمصلحة إقراره وقناعة القوى السياسية بوجوب ذلك، كان هناك تحرك جديد على مستوى الشارع الكويتي قاده عدد من مؤسسات المجتمع المدني وجمعيات النفع العام وجاء على شكل لقاءات وندوات ضاغطة لمصلحة تمرير القانون.

وعلى ذلك يعلق نائب نقيب الصحافيين والمراسلين داهم القحطاني بأن «الرسالة التي وجهناها للجميع مفادها أن العمل السياسي في الكويت لن يقتصر بعد اليوم على مجلس الأمة، وقضايا المجتمع ستشهد تحركا على مستوى مؤسسات المجتمع المدني، كما أننا جسدنا حالة جديدة عنوانها ألا نرفض المكاسب السياسية نظرا لوجود بعض السلبيات التي يمكن تعديلها لاحقا».

ومن كلمات القحطاني وإشارة النائب باسل الراشد يبدو واضحا أن هناك توجها لتعديل قانون المطبوعات وهو ما يؤكده الناشر والكاتب الصحافي أحمد الديين عندما بين أن «التعديل قادم لا محالة خاصة مع وجود سلبيات ستكتشف بالممارسة ولكن التعديل لن يكون الآن نظرا لأن الكل يريد الاستفادة من الزخم الذي حققه إقرار القانون وما قدمه من إيجابيات».

واليوم بتشكيل لجنة مختصة لوضع اللائحة التنفيذية لقانون المطبوعات والنشر فيما يختص بإصدار صحف جديدة وإلزامها بتقديم مشروعها خلال ثلاثة اشهر تنظر الكويت لموعد تطبيق القانون الجديد باعتباره فصلا جديدا لتاريخها السياسي الحديث، فإقرار قانون بوزن «المطبوعات» سيحتم على جميع الأطراف التعامل مع القادم الجديد بحذر مركز، خاصة أنه أوجد لنفسه حضورا قويا باتفاق اللاعبين الأساسيين على أهميته، وكذلك دعما من مؤسسات المجتمع المدني التي سحبت زمام مبادرة العمل السياسي من مجلس الأمة وأخذت على عاتقها مسؤولية تحريك الشارع، وهو ما يعزز الحريات المرتبطة بالممارسة الديمقراطية ويغير من نمط التفاعل الشعبي مع الشأن السياسي حتى وإن كان ذلك على حساب المجلس أو الحكومة أو كليهما معا.