آلان روسبردجر: لن ندمج الرأي بالخبر طالما بقيت رئيس تحرير الـ«غارديان»

يقول إن بلير يدرك أن لا فائدة من التملق لي.. فيهتم أكثر بمقابلة شخص كمردوخ

TT

للوهلة الأولى بدا آلان روسبردجر، رئيس تحرير صحيفة الـ«غارديان» اللندنية، في منتهى البرودة.. ولكن سرعان ما ذاب الجليد بطرفة اتمنى ان لا تتحول حقيقة، فقد كان اول ما قاله لي «اذن انت تشق طريقك عبر رؤوساء التحرير»، فاجبته «نعم، فزاوية الحوار الإعلامي هي ركن اساسي في ملحقنا»، ولم اتفاجئ لدى معرفة ان بحوزته قائمة باسماء الشخصيات التي اجريت معها مقابلات، فالتحضير في الغرب لا يقتصر على الصحافي وانما على ضيفه كذلك.

ابتسمت وقلت له «ولكني احذرك.. فحتى الان اثنان من رؤساء التحرير الذين قابلتهم غادرا مناصبهما بعد أشهر من المقابلة» (اندرو غويرز من الفاينانشال تايمز، وبيل ايموت من الايكونوميست).. ابتسم مجيبا «اذن انت هنا لتعطيني قبلة الموت؟»، ضحكت قائلا «أتمنى ان لا يكون ذلك صحيحا.. ولكني سأسئلك ان كنت تنوي الاستقالة بجميع الأحوال» وهو الأمر الذي نفاه روسبردجر موضحا ان العرف السائد في صحيفته هو أن يستمر رئيس التحرير في منصبه لفترة طويلة طالما أنه يقدم نتائج جيدة.

وفي هذا الحوار يتحدث رئيس تحرير الـ«غارديان» الذي يشغل منصبه منذ 11 عاما عن مسيرة الصحيفة العريقة التي أسست عام 1821، وعن التحول الى حجم «بيرلنر» الذي تم في سبتمبر (ايلول) الماضي، وكذلك نظرته إلى واقع الصحافة البريطانية ومستقبل الصحف الورقية باعتباره معروف بولعه بالانترنت، وفيما يلي نص الحوار:

* ستكون تجربة صحيفة الـ«غارديان» حاضرة خلال ندوة خاصة في مؤتمر الصحف العالمي المزمع عقده في موسكو الشهر المقبل وستتناول التحول التاريخي الذي اجريتموه واجرته شقيقتكم صحيفة الاوبرزفر في الانتقال الى حجم بيرلنر، فهل لك ان تطلعنا على خلفيات عملية التحول؟ ـ بحسب ما اذكر فإن صحيفة الـ«انديبندنت» تحولت الى تابلويد في سبتمبر 2003 وكان الجميع يفكرون في كيفية التجاوب مع الخطوة، فتحولت «التايمز» بدورها في خريف 2003 إلى تابلويد، وقمنا نحن ببعض التجارب وإصدار اعداد تجريبية بهذا الحجم في مطلع 2004، ومن ثم قررنا ان هذا ليس ما نريد ان نفعله.. اعتقد اننا طلبنا مطابع حجم البيرلنر وطبعنا اول نسخ في سبتمبر 2005، أي ان ذلك جرى في 18 شهرا تقريبا.. واذا تحدثت لأي شخص في المجال عن المدة التي تم فيها كل ذلك فاعتقد انه سيخبرك ان ما حققناه كان رقما قياسيا. وخلال تلك الفترة اعدنا اخراج الصحيفة فنيا كذلك.

* تشير التقارير الى ان العملية كلفتكم نحو 80 مليون جنيه استرليني، فمتى تعتقد انكم ستغطون التكاليف؟ ـ اود ان انوه اننا كنا سنغير مطابعنا خلال 3 سنوات بأي حال.. إذا في الواقع فإن ما جرى هو أننا استبقنا الكلفة فحسب. وقد استشرنا محاسبينا أولا وقد افادونا ان هذه الخطوة لن تزيد من تكاليفنا. وفي الواقع ان الـ80 مليون جنيه هي مجرد عنوان.. ولكن في الواقع لم نتحمل أي كلفة لم نكن لنواجهها في جميع الاحوال.

* الى الآن لاقت جميع الصحف التي تحولت الى حجم اصغر نجاحا، فهل هذا مؤشر واضح وصريح... القارئ في بريطانيا يريد صحيفته اصغر؟ ـ نعم.. بالتأكيد. واعتقد ان هذه باتت قاعدة عالمية. نصيحتي هي التحول الى الاصغر، وبالتأكيد ان مسألة الحجم قابلة للنقاش.. لكني اعتقد ان الحجم الاصغر هو الافضل.

* لكن هل ترى ان ذلك يؤثر على كمية الاخبار او الاهمية التي كانت لتفرد لخبر معين لو أن الصحيفة بقيت بالحجم الكبير؟ ـ بشكل عام، نحن مازلنا ننشر نفس العدد من الكلمات قبل وبعد التحول.. ولكن بجميع الاحوال فمن المستحيل ان تتحول الى حجم مختلف، دون ان يؤثر هذا على حجم القصة. وأود أن اشير إلى أن أحد الاسباب التي عارضت من اجلها ان نتحول الى «تابلويد» هو ان اسلوب التابلويد يفرض عليك ان تفرد «خبطة» واحدة لكل صفحة، ولكن بحجمنا هذا يمكننا ان نركز على اكثر من قصة.. ونفرد القصة بنفس الطريقة التي كنا نفعلها عندما كنا بالحجم الكبير (البرودشيت). اما في التابلويد فأنت تبني قصتك حول صورة والعناوين المثيرة وهذا في العادة يقلل من جدية القصة ويدفعك باتجاه قصص الجرائم والمشاهير والاخبار الخفيفة التي تعتمد بشكل كبير على الصور. فإذا بحجمنا هذا نحن نجمع بين خصائص الحجمين.. وهذا احد اسباب اختيارنا لحجم «بيرلنر».

* فلنتحدث قليلا عن موقعكم الالكتروني الحائز جوائز عدة «غارديان انليميتيد».. ومن المعروف عنك انك من المولعين بالانترنت وانك كنت من اشد المتحمسين لهذا الموقع، فهل يعود الفضل في نجاح الموقع لقدرتك على ملاحظة انفتاح شباك استراتيجي قبل غيرك؟ ـ في الواقع اعتقد ان الفضل يعود لي ولكارولين ماكول التي هي المديرة التنفيذية حاليا، ففي عام 1993 عملنا في مجلة «وايرد» التي كانت بمثابة الـ«انجيل» للمهتمين في عالم الانترنت في ذلك الوقت.. وقمت بعدد من الرحلات لأميركا وعدت برؤية تبشيرية في عيني وقلت للزملاء علينا مواكبة التطور الذي يحدث هناك.. واعتقد اننا اصبنا في نقطتين، أولا اننا لم نفعل مثلما فعل غيرنا بأن نستثمر مبلغا كبيرا في بادئ الامر ومن ثم نقطع الاستثمار، بل استثمرنا بمستوى معقول.. والامر الاخر الذي لم نفعله هو اننا قررنا ان لا نعيد نشر الصحيفة الورقية كما هي على الانترنت، وهذا ما فعله كثيرون حيث يقومون بنسخ محتوى الصحيفة الورقية ويعاملون الانترنت والورق وكأنه وسيلة الاعلام نفسها.

* هل تعتقد ان الوسيط الرقمي قد يصبح يوما بحجم الورقي في مجال استقطاب المعلنين؟ ـ اذا كان لديك كمية كبيرة من المستهلكين المتمكنين واليافعين في مكان محدد فسيكون من المنافي للمنطق بأن لا يلحق بهم المعلن. لماذا يتمسك المعلن بوسيلة اعلامية توصف بانها قديمة يقرأها أناس أكبر سنا، الا في حال اراد التوجه لهذه الفئة العمرية تحديدا بالاعلان لمنتجات معينة. الا انه في جميع الاحوال لن يمكنك تجاهل الجمهور الآخر الذي ينمو على الانترنت. ولذلك اعتقد ان الخيار الأذكى هو بناء أكبر قاعدة ممكنة من الزوار الكترونيا، وهذا ما فعلناه نحن، وأرى أن أي شيء يعيق ذلك النمو سواء كان رسوم اشتراك، او رسوم التسجيل او اي امر قد يصرف الزوار عن موقعك هو خيار يعاني من قصر النظر... عليك في الوقت الحالي ان تعلم ان القطاف لن يكون فوريا.

* ثمة امر يميز الصحف البريطانية تحديدا، حيث تبدو وكأنها ذات موقف مسبق وأحيانا تسمع أنها يسارية أو يمينية، وانتم بالمناسبة موصفون بأنكم يساريون، فيما لا ترى هذا في الصحف الاميركية على سبيل المثال، فما خلفية ذلك وألا يؤثر على مصداقية الصحيفة؟ ـ بالامكان الاجابة على هذا بالعودة 250 سنة للوراء، أي إلى بدايات الصحافة البريطانية والتي كانت ممولة من الأحزاب السياسية... إلى أن جاء الإعلان ليحرر الصحف من اعتمادها على الأحزاب السياسية، اضف الى ذلك قوانين التشهير في هذه البلاد التي حمت الآراء وليس التقرير الصحافي مما جعل الصحافة تنمو ميالة الى كونها ذات رأي اما يسارا او يمينا. كما اننا صحف وطنية (تشمل البلاد بأكملها) وليس صحف مناطقية كما هو الحال في الولايات المتحدة أو ألمانيا على سبيل المثال، وكل هذه العوامل دفع الى وجود صحف ذات شخصية سياسية. وأعتقد ان السؤال هنا هو كيف يترجم ذلك على ارض الواقع وهل يعمم على كل الجريدة ام انه يجب عليك فصل السياسة عن القصة الصحافية؟ وللإجابة اقول انه كلما امضيت وقتا اطول في منصبي ارى انه من المستحسن ان يكون هذا الفصل موجودا، فيما لو نظرت إلى صحيفة الـ«انديبيندنت» على سبيل المثال فسترى انها اختارت الذهاب في الاتجاه الآخر حيث باتت تنشر قطعا يطغى عليها الرأي على صفحتها الأولى.

* حسنا وماذا عن اختلافكم في المواقف مع شقيقتكم صحيفة الـ«أوبزرفر» الأسبوعية، من المعروف انكم عارضتم قرار حكومة بلير الذهاب إلى الحرب في العراق فيما كانت الـ«أوبزرفر» مؤيدة له؟ ـ حسنا كلانا مملوك لهيئة الـ«سكوت ترست» (مؤسسة غير رابحة تملك مجموعة صحف الغارديان ووسائل اعلام أخرى)، والـ«سكوت ترست» ممنوعة دستوريا من التدخل فيما نكتبه او ما تكتبه الـ«أوبزرفر»، اذا لا احد يملي علي كيف أفكر أو ماذا أكتب، وهذا ما يميزنا في الصحافة البريطانية. وحول موضوع العراق اشير الى ان نقاشاتي الوحيدة هي مع زملائي في التحرير وببساطة فقد وصلنا الى خلاصة تختلف عما وصل اليه فريق تحرير الـ«أوبزرفر»، واعتقد ان هذا امر مثير للاهتمام حيث يثبت انه لا يوجد شخص واحد يدير هذه المجموعة من فوق.

* وما رأيك في الصحافة الأميركية؟ ـ اعتقد ان كتابة المجلات في اميركا هي امر رائع، ارى انهم هناك لا يزالون يتمتعون بفن كتابة القطع الطويلة والتي تخضع للبحث الدقيق. تعجبني جدية «الواشنطن بوست» و«النيويورك تايمز» .. فيما اعتقد ان الصحف الرئيسية لعدد من المدن الاميركية أصبحت ظلالا لشخصياتها السابقة، وتحولت لتكون محلية للغاية. الى ذلك هناك في أميركا نوع من الولع بالتوازن والموضوعية، وفي كثير من الاحيان هو امر محمود ولكن في نفس الوقت فإن مجتمع الصحف البريطانية له مذاقه الخاص ففي معظم الاحيان نحن لا نحب بعضنا البعض في هذا المجتمع لكونه يتميز بتوجهاته السياسية المختلفة التي ذكرناها سابقا،. وهذا أمر جيد فهو يضمن ان الصحافة لن تتبع الدولة ونحن دائما نهاجم بعضنا باستمرار، واعتقد اننا بهذه الطريقة نساعد في ابقاء السياسيين صريحين.

* حسنا.. هل يتصل بك رئيس الوزراء بلير؟ هل يهنئك او يوبخك او يطلب منك أمرا؟ ـ تقريبا أبدا، ودعني اشير مجددا لثقافة ال«غارديان».. فبحكم تركيبتنا حتى وان اتصل (بلير) ليتملق لي أو ليقربني اليه.. فإن توازنات اخرى تتدخل لتلعب دورها، فستجد كتابا او محررين يدخلون على الخط كأن يكتبوا ان رئيس الوزراء نصاب أو مخطئ ولا استطيع ايقافهم او منعهم عن ذلك. أعتقد انه (بلير) يدرك ذلك فيتركني وشأني. اظن انه اكثر اهتماما بمقابلة شخص مثل روبرت مردوخ، وان يقول له: سيد مردوخ ما رأيك في ان تفعل شيء بخصوص هذه الصحيفة او تلك.

* وهل يحدث ذلك على حد علمك؟ ـ ليس انا من يتحدث عن هذا!

* أود أن أسألك عما حدث مع الصحافي السابق ديلبازير اسلام الذي اقيل مؤخرا بعد ان تبين انه كان عضوا في حزب التحرير؟ فالاشاعات تقول ان كاتبكم المخضرم جوناثان فريدلاند هدد بالاستقالة في حال لم يقال اسلام؟

ـ الصعوبة تكمن في أن هذا الموضوع بصدد تحكيم هيئة العمال، وما استطيع قوله هو ان ذلك ليس صحيحا ولكني لا استطيع.. لا استطيع التعليق بالتفصيل حول هذه القضية لأنها ذاهبة الى التحكيم.

* ولكن الم تعلموا انه كان عضوا في هذه الجماعة عندما وظفتموه؟ ـ في البيان الذي اصدرناه لدى مغادرته قلنا انه لم يفصح لنا بالأمر رغم اننا نطلب تفصيل نشاطاته السياسية والاجتماعية في استمارة الانتساب، وفي الوقت الذي عين فيه لم نكن نعلم.

* وقد كان المقال الذي كتبه تعليقا على اعتداءات 7/7 دون ان يذكر فيه انه عضو في الجماعة هو الذي اثار الجدل، صحيح؟ ـ لقد اثار جدلا لكنه لم يكن سبب مغادرته، لقد قلنا في السابق انه من الصعب ان يكون مراسلا لنا فيما هو عضو في هذه الجماعة. سأتحدث بشكل عام وليس عنه تحديدا، انا اؤمن بشدة بأنه من المهم لمصداقية الصحيفة او المؤسسة الاعلامية بأن لا يشعر القراء بأن تقريرك الصحافي متأثر بانتمائك لمنظمة ما، لذلك عليك ان تقرر اما ان تقول انا اولا صحافي او ان تقول انا اولا مهتم بالسياسة... واذا قال لك رئيس التحرير ان هناك تضاربا بين هذين الدورين فعليك ان تختار .. وبالنسبة لمقالات الرأي اشير الى اننا ننشر من الاراء العربية والمسلمة ما يفوق كل الصحف الأخرى في هذا البلد، وربما في اوروبا.

* ما هي مشاريعكم المستقبلية؟ وما هي وحدة «أفلام الغارديان»؟ ـ بالنسبة لوحدة «أفلام الغارديان» هي تجربة مثيرة للاهتمام في الوقت الحالي، وفي الواقع هي وحدة صغيرة للغاية، الا انه محاولة لمعرفة ماذا يمكن ان نصنع في مجال الفيديو وربما يكون هناك احتمال انتاج مجموعة افلام قصيرة خفيفة مخصصة للموقع الالكتروني... واعتقد انه من الضروري ان تكون لأي شركة في مجال الاعمال يد في مجال الفيديو وحتى الاذاعة... لا اقول اننا خبراء في هذا المجال ولكن لا بد ان يكون لنا مجال للتطوير.

* روسبردجر.. القلم والـ «ماوس» والمزمار

* يستيقظ الان روسبردجر باكرا، وبين السابعة والتاسعة الا ربعا يتابع الاخبار ويتصفح الجرائد، وحين يصل للمكتب يقرأ المزيد من الصحف، الى ان يحين وقت اجتماع التحرير الصباحي في العاشرة صباحا، ويقول آلان ان ما يميز هذا الاجتماع في الـ«غارديان» هو انه مفتوح لجميع الموظفين مهما كان عملهم، ويرى ان هذه الخاصية «تمنع مجموعة صغيرة من السيطرة على الجريدة». هناك اجتماعات اخرى على مدار اليوم، ومنها اجتماع الاقسام في الساعة 11:15 واجتماع الاخبار عند الظهيرة، ومع كل الضغط اليومي يستطيع روسبردجر أن يخصص ساعة كاملة لمقابلة مفصلة مثل هذه. الا ان عمله لا ينتهي بحلول المساء فهو في معظم الاوقات ضيف شرف او مدعو الى مناسبة تتطلب وجوده كرئيس تحرير. وهو يتابع الصحيفة حتى موعد خروجه ولا يتدخل عادة في العناوين او النصوص، تصله الطبعة الأولى في منزله حوالي الساعة التاسعة، وفي حال وجود تعديلات ضرورية فانه يتصل بالمكتب لاجرائها. ويقول رئيس تحرير الـ«غارديان» انه من النادر ان يشاهد التلفزيون، ويقول ان البرنامج الوحيد الذي يتابعه هو «نيوزنايت» على البي بي سي. الى ذلك فلا يتطلب الامر الكثير لاكتشاف ولعه بعالم الانترنت، فعلى مكتبه يرقد الكتاب الذي يقرأه حاليا وهو يحمل عنوان «ذا سيرش» (البحث)، والعنوان الفرعي «كيف غيرت غوغل ومنافسيها قوانين التجارة وحولت ثقافتنا». لكن ما لم يعرفه الكثيرون عن روسبردجر هو انه يلجأ للموسيقى للاسترخاء، فهو يعزف البيانو والمزمار.. ويأخذ هذه الهواية على محمل الجد، كما يقول.