الفلسطينيون يطبقون «التلفزيون على الطلب».. حبيا

عشرات القنوات المحلية تعرض لك ما تشاء.. وتبث من غرف داخل شقق سكنية

TT

ربما كان الفلسطينيون هم اول من طبق مفهوم التلفزيون بناء على طلب المشاهد TV on Demand الذي يطبق حاليا في الغرب، لكن الفرق ان لا وجود لشبكات تلفزيونية عملاقة او شركات كيبل، فالخدمة في بعض الأحيان تعتمد على علاقتك بصاحب المحطة المحلية، والتي قد تكون عبارة عن غرفة واحدة في شقة سكنية تعمل وفق نظام الفيديو المنزلي... لذلك فلا تفاجأ اذا قطع برنامج تتابعه ليعرض فيلم سينمائي مكانه فجأة. وعلى مدى عشرة اعوام رخصت وزارة الاعلام 32 تلفزيونا و38 اذاعة منها 57 في الضفة الغربية و11 في قطاع غزة، وفي القطاع تفتقد بعض المحطات الى الحيادية او الموضوعية التي تحاول ان تظهر بها بعض محطات الضفة الغربية، وتتبع الاذاعات هناك وهي 10 (وتلفزيون واحد ينتمي الى حماس) الفصائل الفلسطينية مباشرة، ويعرف الغزاويون تماما توجهات اذاعاتهم ويؤكد لك أي منهم ان اذاعة الاقصى تتبع حماس، وتنتمي الشباب لفتح، والشعب للجبهة الشعبية، والقدس للجهاد مثلا، وبعضها كاذاعة الوان تتبع جهازا أمنيا بعينه، ويديرها ضابط في الأمن الوقائي، اما غزة fm فهي فقط تهتم بالبرامج الترفيهية.

وتتجلى الحزبية هناك حد المقاطعة الاخبارية على اهمية الحدث ويقول رزق البياري مدير اذاعة العمال في القطاع انهقرر مقاطعة كل اخبار الحكومة الفلسطينية الجديدة وكل وزرائها بمن فيهم رئيس الوزراء اسماعيل هنية احتجاجا على رفض الحكومة الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية التي قال ان اذاعتهتسير وفق برنامجها الاساسي وتمثل كل فصائلها، وقد ابلغ ذلك رسميا الى وزارة الاعلام التي اكد انهلن يتبع قراراتها وان كانت هي الجهة التي منحته ما يعرف بعدم الممانعة لانطلاق بثهعام 2002، فيما ابلغت اذاعة الحرية محرريها باعتماد مصطلح حكومة حماس لا الحكومة الفلسطينية.

وتخوض المحطات الخاصة جميعا في فلسطين اليوم معركة من اجل الحصول على تراخيص دائمة تمنحها وزارة الاعلام التي وضعت أخيرا شروطا تقول المحطات انها قاسية، اصعبها مبلغا يبدأ بـ ( 3 الاف دولار أميركي ويصل الى 15 الف دولار) في السنة الواحدة مقابل ثمن موجة التردد التي تستأجرها المحطات والتي لم تدفع مقابلها اي مبلغ يذكر عبر سنوات مضت، وهذا ما ساعد بعضها على بث متواصل على مدار الساعة وهو ما لم يكلفها الا راتبا متواضعا لأحد العاملين ليلا يقدر بحوالي (300 دولار) ومهمتهتبديل اشرطة الفيدو المنزلي المربوط مباشرة بجهاز البث الرئيس، او الانتقال الى قنوات فضائية اخبارية حسب برنامج ورغبة المحطة.

ولا تملك المحطات الخاصة تقنية افضل من ذلك لكن قدرتها المالية تظهر في مساحة انتشار صورتها وعدد الاجهزة التقنية فيها ومساحة الاستوديو الوحيد في كل محطة ونوعية كاميرات التصوير والتي بمعظمها منزلية.

ورغم ان وزارة الاعلام اشترطت منذ البدء على كل محطة انتاج ما يزيد على 40 % من ساعات البث اليومي الا ان متابعة دقيقة لاكثر المحطات الخاصة التزاما والتي تهتم بنشر برنامجها اليومي في صحف محلية فلسطينية يدلل على غير ذلك، وقد تجد في معظم محطات التلفزة برنامجا واحدا او اثنين على الاكثر ويكاد يكون الاهتمام بشؤون اخرى غير سياسية كالمرأة او الطفل او الثقافة مفقودا، وبينما تركز محطات عديدلا على برامج مستنسخة على شكل حوار مباشرتعطي اخرى مساحة جيدة لاراء الناس ومشكلاتهم، وتغرق المتبقية في بث برامج تعتقد انها اكثر ربحية تستدرج خلالها المعلنين مقابل رعايتهم تلك البرامج ومنها ما هو منقول عن الفضائيات العربية مثل «سوبر ستار» او « ستار اكاديمي « ومنها ما تنتجهالمحطات ذاتها كما توقعات الابراج في اذاعة تنقل نصف بثها عن البي بي سي البريطانيه.

ويقول الشاعر المعروف المتوكل طه وكيل وزارة الاعلام للشرق الاوسط ان القانون الذي تعمل الوزارة على انجازه سيعالج ظاهرة النقل غير المسموح عن الفضائيات الا بموافقتها وسيهدف الى خلق محطات متخصصة واكثر مهنية تلبي الشروط الفنية المطلوبة وأكد المتوكل ان وزارته لن تمنح التراخيص الدائمة لكل المحطات الخاصة في فلسطين وستعمد الى تجميع الصغيرة منها في محطات اكثر تخصصا.

وتتفاوت تجهيزات المحطات الخاصة بفلسطين ومهنية ادائها، لكن افضلها على الاطلاق يمكن ان تفرد مساحات واسعة لاصدقاء صاحب المحطة او قادة تنظيمه السياسي، وللذي يمكن ان يدفع اكثر مقابل ندوة سياسية او اجتماعية، ولا تجد حرجا في ذلك وتخفي جميعها انها تملك مصادر اخرى للتمويل غير ذلك والاعلانات التجارية رخيصة الثمن الا التي عقدت اتفاقات مجزية ضمن مجموعة تضم عددا من المحطات الخاصة الفلسطينية، وتبث شريطا اخباريا موحدا على مدار الساعة.

ويقول سمير قمصية رئيس اتحاد المحطات الخاصة في فلسطين ان المحطات لا تملك المبالغ اللازمة لتوفير معدات متقدمة ولا تستطيع ان تتبع شروط الملكية في حقوق بث الافلام والمسلسلات والمباريات لكنها قد حصلت مثلا على موافقة قناة الجزيرة بنقل اخبارها مجانا، ويعترف قمصية ان المحطات الخاصة لا تلتزم جميعا بالمهنية العالية ويصنفها الى ثلاثة، مهنية، ومتوسطة، وضعيفة، لكنة يضيف انها ايضا لعبت دورا هاما في تشكيل الرأي العام حول قضايا مفصلية كما الفساد او الانتخابات او اثناء الاجتياحات الاسرائيلية المتكررة، ويدلل على تعلق الناس بمحطتة «تلفزيون المهد» المحلية اثناء حصار كنيسة المهد الشهير وما لعبته المحطة من دور تجاوز المنوط بأي مؤسسة اعلامية، عبر توصيل المؤن والحليب والاساسيات الى عائلات محاصرة تحت النار والاحتلال. ويضيف قمصية بان طاقم محطته الذي لم يتجاوز 3 انذاك استطاع ان يوصل الليل بالنهار فكان المتنفس الوحيد للمحاصرين داخل الكنيسة وصوتهم الى الناس، كما كان المتنفس الوحيد لكل الناس، وقد كان يبلغهم متى يرفع حظر التجول، ومتى يعود، ومن سيتزوج في الساعات القليلة الممنوحة، ومن آثر تأجيل زفافه، والاهم من هذا، من حوصر ومن جرح ومن اعتقل ومن قضى نحبه، ومن ينتظر في كنيسة كان يحيط بها الموت، ويذكر قمصية مشاعر الناس وكيف كانت تنحبس انفاسهم حتى تقول لهم محطته ما يدور الان في تلك المنطقة.

ويعتقد نقيب المحطات ان الجيش الاسرائيلي لم يتلق قرارا سياسيا بتدمير المحطات الخاصة رغم ذلك، لكن الاعتقاد السائد انهم كانوا ينتظرون ايضا ما ستأتي به المحطة اليوم؟ ومع اي من المطلوبين ستتحدث بعد قليل؟ وماذا يريد المحاصرون؟ ومن اصطادت بنادقهم داخل الكنيسة؟ وغير ذلك فقد دمر الجيش الاسرائيلي محطات خاصة في رام الله ابان عملية ما يعرف بالسور الواقي عام 2003 وبقيت مغلقة من ذلك الحين، كما دمر الفلسطينيون انفسهم محطات اخرى لأسباب مختلفة وكان اخرها محطة تلفزيون الرعاة في بيت لحم اول محلية في فلسطين انطلقت قبل وصول السلطة بعام واحد، وقد حطم مسلحون مجهولون قبل شهر من الان كل ممتلكاتها لأسباب يقول مديرها وهو صحافي معروف انها سياسية وانتقامية ولا يبرئ جهات متنفذة في السلطة من دمها ويشدد حمدي فراج بان السلطة اغلقت تلفزيونه بقرار رسمي 12مرة قبل هذه الاخيرة التي اغتالت فيها محطته وفق تعبيره.

وقد عاشت المحطات الخاصة حقبة من المماحكات مع سلطة الرئيس الراحل ياسر عرفات حاولت فيها الاجهزة الأمنية ان تقود الخط العام لتوجهات المحليات التي استجاب بعضها، ورفض اخر، بينما ناور البقية لاسباب مختلفة، ويسجل لبعضها انه رفض تغييب الاغاني الحماسية نزولا عند رغبة مسؤولين ارادوا تهبيط همم الشارع لاسباب سياسية، وأخرى كانت تنقل اخبار الاغتيالات في عاجل مطبوع على وقع اغنيات هابطة.

وربما فان محطات العالم لم تشهد بعض ما شهدته محطات فلسطين من «نهفات» تستحق التسجيل فقد طلبت احدى المحطات ذات مرة البحث عن حمارة احد الفلاحين لاهميتها، وتلقت مذيعة اخرى كلاما بذيئا على الهواء مباشرة، وخرج محافظ احدى المدن عن طوعه في لقاء مفتوح فمس الذات الالهية وهو يقصد الاسرائيليين بانفعال، ونسي آخرون اثيرهم مفتوحا في دردشة خاصة لخمس دقائق، ولم يجد اخر غير (طفاية حرائق) لتبريد جهاز البث لديه الذي تعطل لاحقا لثلاثة ايام، لكن اخرون ايضا قضوا برصاص الاسرائيليين وحوصروا واعتقلو وهددوا وطالتهم قرارات اسرائيل احيانا والسلطة احيانا اخرى ويذكر ان المحطات خرجت صحافيين محترفين الى العالم واخرين لا زالوا يفتقدون الى (الف باء) المهنة.

وتختلف شعبية المحطات الخاصة من مدينة الى مدينة، لكنها فقدت الكثير من مشاهديها مع توفر اجهزة الاقمار الصناعية بأسعار معقولة في متناول الفلسطينيين، ولقدرة الفضائيات على مجاراة اكبر لاحداث كبيرة، ويمكن لك ان تشاهد قناة العربية مثلا عبر محطة هنا وفضائية الجزيرة عبر محطة هناك وابو ظبي عبر ثالثة، لكن الفلسطينيين في مدينة ما يعودون سريعا الى محطاتهم في التفاصيل التي لا تتابعها الفضائيات الكبيرة ولا تلفزيون السلطة الرسمي، او لمتابعة مباريات لا يمكن لهم ان يشاهدوها الا عبر قنوات مشفرة، او افلام ما زالت معروضة في دور السينما وتعد بها الفضائيات المتخصصة، وقد تنبئك محطة ما بانها ستعرض الليلة «السفارة في العمارة» لعادل امام و«حصريا» او «لاول مرة » لكنك قد لا تهنأ حتى نهاية العرض اذا ما تدخل صديق نافذ لصاحب ذلك التلفزيون طالبا منه مثلا «فول الصين العظيم» وهو ما ندر خصوصا مع التطور الاخير اللافت.