الإعلان في الصحف.. كالنقش على الحجر؟

دراسة بريطانية: الجرائد وسيلة فعالة لبناء الماركات

TT

فيما تجري في بريطانيا احتفالات بمناسبة الذكرى المائة لتأسيس رابطة ناشري الصحف عام 1906، وذلك عبر فعاليات ترعاها المكتبة البريطانية، فإن شبح ظاهرة انخفاض التوزيع والإعلان العالمي قد يعكر أجواء الاحتفالات. ولكن إليكم ثلاث «حقائق» حول ميزات الإعلان في الصحف قد تعيد التوازن للقضية؛ فالدعاية عبر الصحف تبني الماركات بفعالية... وتقيم التواصل على المستوى العاطفي مع القارئ...كما أنها ترفع من مبيعات المنتج. وهذه «الحقائق» التي أعلنتها مؤخرا وكالة تسويق الصحف في بريطانيا Newspaper Marketing Agency، هي نتاج عامين من الأبحاث التي أنفق عليها 14 مليون جنيه استرليني، وذلك بالتعاون مع وكالة «هول اند بارتنرز» لأبحاث الاتصالات والماركات. وتتزامن الدراسة مع ظاهرة انخفاض ارقام الإعلان والتوزيع في كثير من بلدان العالم، وتهدف بحسب ما أعلن القائمون عليها لـ«إعطاء أدوات للقطاع كي يعيد تقيم معتقداته بشأن دور الصحف في الإعلانات التجارية للمنتجات. وما تثبته الدراسة هو أن الصحف هي وسيلة فعالة، ولكنها تعاني التقليل من شأنها». وشملت الدراسة أسماء تجارية كبرى، مثل «تويوتا» و«فوكسهول» و«روك» ومنتجات «مولر» المشتقة من الحليب. وتتضمن النتائج عدة أمور لافتة؛ فقد أظهرت الدراسة أن 10 من 13 اختبارا أظهر أن الصحف لديها تأثير ايجابي تجاه التزام المستهلك بالمنتج. وعلى سبيل المثال، فقد تسبب إعلان منتجات لبن «مولر» في الصحف، اضافة إلى الإعلان في التلفزيون بزيادة في الالتزام بالمنتج بمقدار 9 أضعاف. اضافة الى ذلك فإن البحث تضمن تفحص 13 حملة دعائية ليظهر أن الإعلان في الصحف يقوي مدى التعرف على المنتج. هذا فيما لاحظت شركة السيارات «فوكسهول» ارتفاعا قدره 39% في زيارات موقعها الالكتروني، ويعود ذلك بحسب الدراسة إلى حملة تسويقية في الصحف لموديل «تيغرا»، مما يدل على قدرة الإعلان في الجريدة على دفع المستهلك الى تصفح المواقع الإلكترونية.

من جهتها، أجابت الرئيسة التنفيذية للوكالة، مورين دافي، على استفسارات «الشرق الأوسط» عبر البريد الإلكتروني، وأوضحت أنه تمت مخاطبة الكثيرين بشأن نتائج هذه الدراسة، ومن بينهم صناع القرار في القطاع، ومعلنون وشركات التخطيط الإعلاني، وذلك من خلال وسائل عدة من بينها حملات العلاقات العامة، والاجتماعات، الاتصال الإلكتروني والتسويق المباشر. وأضافت ان كثيرا من المعلنين والمعنيين بالأمر قد أبدوا تجاوبا إيجابيا، وان وكالة تسويق الصحف في المملكة المتحدة قد دعيت لإعطاء وجهة نظرها في عدد من المؤتمرات الدولية والمحلية. ولكن هل تعني هذه الدراسة أن الإعلان في الصحف يتفوق على الإعلان التلفزيوني أو الإلكتروني؟ تجيب دافي أن الصحف هي مكملة للتلفزيون والانترنت، وفي حالات معينة يكون الجمع بين الإعلان في صحيفة ونوع آخر من الإعلان أكثر فعالية من الإعلان في التلفزيون، وحسب على سبيل المثال. مضيفة «ولذلك انشئت هذه الوكالة لتقديم النصح حول كيف يمكن الاستفادة بأقصى شكل من الإعلان في الصحف». هذا وتعتبر دافي انه فيما يتم «استهلاك» التلفزيون بـ«سطحية»، فإن القراء عادة يكونون منتبهين فكريا لدى القراءة، لذلك فإن الصحف تعتبر بمثابة «قناة المنتبهين». كما تشير من جهة ثانية الى قضية اخرى، «فبحكم اننا نتحدث عن المملكة المتحدة فهذا يعني انقساما في جمهور التلفزيون وجمهور الصحف، ففي الحالة الأولى (التلفزيون) فإن الجمهور بشكل عام هو في الغالب نسوي، أكبر سنا، وأقل مستوى اجتماعي، ويتركز في شمال المملكة المتحدة. أما جمهور الصحف بشكل عام فهو العكس تماما، حيث يغلب عليه الطابع الذكوري، أقل سنا، ومستوى اجتماعي أعلى وغالبية مقيمة في لندن وجنوب شرقي المملكة. أما الانترنت، فبالرغم من خصائصه المميزة، إلا انه يفتقد الى الثقة والإخلاص التي يوليها القراء لصحيفتهم»، بحسب دافي.

على خط مواز، فإن الانتقاد الأبرز لدى البعض تجاه الإعلانات المطبوعة هي انها أقل إبداعية؛ وحول هذه النقطة تعلق دافي «لا شك انه هناك الكثير من العمل لإتمامه من اجل رفع مستوى الابداعية في اعلانات الصحف، على الرغم من وجود حملات في غاية الروعة». ولذلك كانت الوكالة قد أسست العام الماضي مسابقة سنوية توزع فيها جوائز تهدف لتحفيز المبدعين على إخراج افضل ما لديهم.

ولكن، كيف يرى خبراء الإعلان نتائج هذه الدراسة ومدى تطبيقها عربيا؟ يقول خميس المقلة، رئيس مجموعة ماركوم الخليج الإعلامية بالبحرين وعضو المجلس العالمي للجمعية الدولية للإعلان، إنه لا توجد مثل هذه الدراسات على المستوى الخليجي أو العربي، «إلا أنه من المؤكد ـ حسب الخبره والتجربة ـ ان الحملة الإعلانية المتكاملة التي تغطي عدة وسائل إعلام لها تأثير أقوى من الحملة التي تعتمد على وسيلة إعلان واحدة، بالإضافة طبعاً إلى الوصول إلى أعداد وشرائح أكبر من المستهلكين، ويظل قرار نوع الوسائل وحجم الإعلان فيها مرتبطا بالمستهدفين من الحملة وجنسهم وأعمارهم».

وأعتبر المقلة أن التلفزيون على وجه الخصوص يعد وسيلة اتصال جماهيرية موجودة في كل بيت ولا تحتاج إلى معرفة القراءة أو عادة القراءة، وتخاطب حاسة السمع والمشاهدة، والتي لها تأثير أكبر على المتلقي من خلال استخدام الصوت والصورة وما يصاحبها من مؤثرات وموسيقى وحركة وألوان وغيرها، «لذا فهي وسيلة إعلان للعديد من المنتجات الاستهلاكية والأدوات والمتطلبات المنزلية، أما الصحيفة وهي أيضا وسيلة اتصال جماهيرية، إلا انها تختلف عن التلفزيون لكونها تظل مع القارئ ليتصفحها في أوقات مختلفة من يومه، وهو على ارتباط وثيق بها، لذا فهي وسيلة إعلان فعالة ومؤثرة للعديد من إعلانات المنتجات المعمرة والكماليات والأسماء التجارية، وهي بالتأكيد تقدم دعماً قوياً لأية حملة تلفزيونية». وحسب إحصائيات الشركة العربية للدراسات والبحوث (بارك) عن الإنفاق الإعلاني الخليجي لعام 2005، فإن الإعلان المطبوع هو سيد الموقف في المنطقة، بعد أن وصلت حصة الإعلان المطبوع إلى 52% والتلفزيون 45% والطرق 3% والراديو والفيديو 1% على المستوى الخليجي، أما محلياً فحصة وسائل الإعلان في السعودية هي 84% للإعلان المطبوع (77% للجرائد و7% للمجلات) و7% للتلفزيون و7% للطرق و2% للراديو، أما في الإمارات فهي 80% للإعلان المطبوع (64% للجرائد 16% للمجلات) و15% للتلفزيون و3% للطرق و1% للراديو و1% للسينما والفيديو. وتنطبق مثل هذه الحصص تقريباً على باقي الأسواق الخليجية.

إلا أن الدكتور عبد المنعم محمد رشاد أستاذ التسويق بجامعة الملك فيصل بالدمام، فيرى أن ارتباط المشاهد العربي بالإعلان التلفزيوني أكثر من ارتباطه بالإعلان المقروء، ويبرر رأيه بأن الإعلان التلفزيوني أصبح أكثر إغراء للمشاهدين «خاصة مع تزايد القنوات الفضائية في سماء المواطن العربي، وبالتالي وجود أفكار أكثر جذبا للمشاهدين»، ويشير إلى نقطة يراها أيضا تميل لصالح الاعلان التلفزيوني بقوله إن مواقع الصحف على الانترنت أصبحت تشكل عامل جذب للقراء «وهذه المواقع كما نعلم لا تنشر الاعلانات المطبوعة في الصحيفة نفسها»، ويؤكد الدكتور رشاد أن تأثير الإعلان المطبوع لن يكون أكثر إغراء من الوسائل البصرية المتمثلة في التلفزيون، ولكن الدكتور عبد المنعم رشاد يعتقد أن هناك نقطة تصب لصالح الصحيفة؛ وهي أن الاعلان يستمر لأطول وقت ممكن «على عكس الاعلان التلفزيوني الذي يستمر لثوان وسرعان ما ينتهي، بينما الاعلان في الصحيفة من الممكن أن يطلع عليه القارئ أكثر من مره في اليوم»، ويشير إلى أن ارتباط المشاهدين بالتلفزيون أصبح مسيطرا على شريحة كبرى منهم، «خاصة مع متابعة الكثير منهم للمباريات الكروية أو المسلسلات التلفزيونية التي يستغلها خبراء الاعلان التلفزيوني لعرض الاعلانات في فترات الذروة، مما يعطي هذه الاعلانات فرصة سانحة للوصول إلى شريحة كبرى من المستهلكين أشك أن الاعلان المطبوع سيصل إلى مثلها».

* «إن إم إيه».. الأوصياء على مستقبل أعرق صحف العالم > تشكلت وكالة تسويق الصحف في المملكة المتحدة «أن أم أيه» كمشروع مشترك بين الصحف الوطنية البريطانية المحلية، وذلك لتوحيد الجهود من أجل إظهار قدرات وفعالية الجرائد كوسيلة إعلامية على صعيد الإعلانات، وتوفر الوكالة معلومات كاملة حول الصحف المشاركة بدءا من حجم توزيعها ومعدل قراءتها... الى اسعار الاعلانات الى قائمة بأسماء المحررين ومسؤولي قسم المبيعات والتسويق والتوزيع. كما تقدم الوكالة دراسات مبنية على حالات حقيقية وتعرض لأكثر الحملات الإعلانية ابداعا، اضافة الى اخبار القطاع ومستجداته. وكانت الصحف التي أطلقت المشروع هي ديلي ميل، ذا ميل اون صنداي، ايفيننغ ستنادرد، ديلي ميرور ، صنداي ميرور، ذا بيبول، ديلي اكسبريس، صنداي اكسبريس ، ديلي ستار، ديلي ستار صنداي، ذا صن، ذا تايمز، صنداي تايمز، نيوز اوف ذي ورلد، ذا غارديان، ذا اوبزرفر، ذا ديلي تلغراف، ذا صنداي تلغراف، انديبندنت، انديبندنت اون صنداي. للاطلاع على ما تقدمة الوكالة، بما في ذلك احدث دراساتها، بالامكان زيارة موقعها الالكتروني على الانترنت www.nmauk.co.uk