«إكسبريس» وجبة صحافية سريعة.. يلتهمها أهل واشنطن في قطارات الأنفاق

مذاق العصر الأميركي بالمجان.. شرط أن تقرأها وأنت واقف

TT

حين يشرع سكان واشنطن الكبرى (واشنطن وفرجينيا وميرلاند) في الركض تحت الارض نحو محطات الانفاق، يحمل معظمهم هذه الصحيفة الصغيرة. آلاف يدفنون يومياً وجوههم داخل صفحاتها.

عادة لا يتحدث الاميركيون مطلقاً داخل عربات القطارات، خاصة في الصباح خلال رحلتهم اليومية من منازلهم نحو اماكن عملهم. قليل من الاشياء يمكن ان تمارس في صباحات واشنطن الصامتة افضل من القراءة ، والكثيرون يفضلون قراءة الصحف، المجانية منها تحيديا. وفي واشنطن يقرأ الكثيرون يومية «إكسبريس» التي تصدر عن مجموعة «واشنطن بوست» منذ اغسطس (آب) 2003. وما يساعد على ذلك قطارات الانفاق فهي لا يسمح فيها بأي شيء سوى القراءة. ممنوع الاجهزة التي تبث الاغاني او الموسيقى بصوت مرتفع، ممنوع الشرب وبالطبع ممنوع الأكل. وفي هذا السياق ثمة اعلان يوجد في بعض عربات القطار يحذر من الصراصير، إذا سمح بالأكل والشرب. اعلان طريف كتب تحت صورة صرصار يقول «لو سمحنا للناس بالاكل والشرب في القطارات سيكون لدينا عدد كبير من الركاب الجدد».

طالما أن الامر كذلك فإن حظوظ هذه الصحيفة، التي تصدر أحياناً في 40 صفحة من حجم تابلويد، تتزايد.

تعتمد صحيفة «إكسبريس» مثل معظم صحف قطارات الانفاق على فكرة، مؤداها ان راكب القطار يرغب في «وجبة خبرية سريعة» طالما انه لا يستطيع ان يشاهد التلفزيون أو يستمع للراديو في رحلته اليومية.

إذن الحل يكمن في الصحيفة ، لذلك تعتمد معظم الصحف الاميركية على الصناديق الحديدية التي توضع بداخلها أعدادها اليومية أو الاسبوعية قرب محطات قطارات الانفاق سواء بمقابل مادي أو مجاناً. وتتميز صحيفة «إكسبريس» عنها جميعاً بصندوق أصفر كتب عليه بوضوح «مجاناً». ويمكن القول إنه حتى «واشنطن بوست» التي تصدر في عدد لايحصى يمكن اعتبار سعرها زهيداً جداً مقارنة مع صحيفة صغيرة أخرى تصدر في 20 صفحة لكن نفوذها كبير جداً وهي صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» التي يبلغ سعرها دولاراً واحداً، في حين تباع «واشنطن بوست» بمبلغ 37 سنتاً وهو مبلغ زهيد بالفعل قياساً لمستوى دخل الفرد في اميركا. ويمكن ان ندرك ضآلة هذا المبلغ عندما تشتري صحيفة مثل «واشنطن بوست» تحتاج بعض الاحيان الى «قفة» لتحملها بداخلها. وعلى الرغم من ان اسهم «واشنطن بوست» متداولة في البورصة، وصحيفتها الرئيسية لا تزال في مقدمة الصحف الأميركية إلا أنها أصدرت «إكسبريس» اليومية لجذب مداخيل اضافية من الاعلانات التي تنشر في هذه الصحيفة المجانية، وهي في الغالب «اعلانات مبوبة» تتلاءم وحاجيات قارئ سريع يلتهم الصحيفة في رحلة قطار سريع أيضاً قد لا تتجاوز احياناً عشرة دقائق ، ويقرأها وهو واقف في كثير من الاحيان.

تعتمد صحيفة «إكسبريس» على فلسفة كان وضع أسسها الصحافي البريطاني الفريد هارمز وورث ، وكان هو صاحب فكرة المقال والخبر السريع. وفي هذا السياق فان «إكسبريس» تصدر بصفحة أولى لا تتعدى خبرين، مع عمود أيسر يشتمل على محتويات العدد ، وأخبارها كلها سريعة ومقتضبة. وعلى الرغم من ان الخبر الرئيسي يكون أحياناً هو الخبر نفسه في «واشنطن بوست» فإن الاسلوب يختلف كلية ، إذ ان لغة كتابة الاخبار في «إكسبريس» مبسطة جداً. وهي أخبار مختزلة للغاية. وهو توجه يتماشى تماماً مع فكرة الفريد هارمز وورث ، الذي كان يقول إن أي خبر أو مقال يجب أن لا يتعدى 250 كلمة ، وجرب هذه الفكرة في صحيفة ديلي ميل متأثراً في ذلك بفكرة «الساندويتش» التي بدأت في بريطانيا ثم تطورت في أميركا مثل الـ «هوت دوغ» والـ «هامبرغر»، وكان رأي هارمز وورث أن هذا هو إيقاع العصر ورائحته ومذاقه. والواضح ان «إكسبريس» تبحث عن كيف تكون «صحافة العصر» اللاهث السريع. تطبع الصحيفة حالياً حوالي 182 الف نسخة. وتوضع في نقطة توزيع في أماكن متعددة إضافة الى مداخل ومخارج محطات الانفاق.

ويقول كيفين دامر من إدارة إكسبريس لـ«الشرق الاوسط» «ليس صحيحاً ان جميع قراء إكسبريس هم من ركاب المترو وإن كانت أغلبيتهم من هؤلاء، والدليل على ذلك أن لدينا 19 الف نقطة توزيع من غير النقاط التي توجد عند مداخل ومخارج محطات المترو».

ويرى دامر أن ليس للصحيفة خطاً تحريرياً محدداً لذلك فهي صحيفة تقليدية تتبع اسلوباً تقليدياً في تغطية الاخبار «ويوضح ذلك قائلاً» الصحافيين يكتبون الاخبار المهمة بغض النظر اذا كانت اخباراً داخلية أو خارجية أو اخبارا سياسية او اخبار أعمال او خلاف ذلك».

ويعمل في الصحيفة حوالي 20 صحافياً وهو عدد متواضع، لكن دامر يبرر ذلك بالقول «معظم اخبارنا نقلاً عن الوكالات لذلك لا نحتاج الى عدد كبير من الصحافيين».

وهذا الوضع هو عكس وضع شقيقتها الكبرى «وشنطن بوست» التي تعتمد في معظم اخبارها على صحافييها ومراسليها ومن النادر جداً ان تنشر خبراً نقلاً عن وكالة أنباء.

ويقول كيفين دامر حول نسبة مساهمة «إكسبريس» في ميزانية «واشنطن بوست» «ليس لدي علم بالرقم... مثل هذه الارقام لا نطلع عليها». لكن ما هو رأيي قراء الصحيفة ولماذا يقرأون «إكسبريس». سألنا شريحة صغيرة من القراء ، وتنوعت اجاباتهم.

يقول اردرو هوارد «اعمل قرب» جامعة جورج واشنطن واستعمل المترو يومياً. أقرأ «إكسبريس» لانها توزع مجاناً ولانها موجودة في أي مكان ومن السهل الحصول عليها ، وهي سهلة القراءة ولا تحتاج الى تركيز كبير مثل الكتب لذلك تسهل قراءتها في المترو».

أما نيكول آدم التي جاءت للتو من ولاية «انديانا» فتقول إن ولايتها صغيرة جداً بالمقارنة مع واشنطن لذلك أحبذ استعمال المترو وتعلمت من الناس هنا ان أقرأ الصحيفة عندما اكون في انتظار المترو، لاحظت ان معظمهم يقرأ «إكسبريس» لانها مجانية».

أما الصحافية جلا أبيل والتي تعمل في واشنطن بوست الشقيقة الكبرى قتقول «الناس تعتقد انني أقرأ الصحف لانني اعمل في «واشنطن بوست»، لكن أنا لا أقرأ «بوست» الا عندما أعود الى منزلي، لذلك أقرأ صحفاً اخرى منها «إكسبريس» خاصة عندما اكون في طريقي للعمل».

ومن خلال ملاحظة الابواب التي يقرأها ركاب المترو يتضح ان معظمهم يركز على صفحات التسلية والترفيه والصفحات الاجتماعية التي تصدر تحت عنوان «لوك اوت» أي «انظر الى الخارج» المرجح أن قراء «إكسبريس» لايرون وهم يدفنون أوجههم في صفحاتها «ابعد من أنوفهم».