مشاهدات من دارفور

TT

قضى نك روبرتسون، أحد كبار مراسلي قناة «سي إن إن» الدوليين، أسبوعين في السودان وتشاد، حيث بعث من هناك عددا من التقارير للشبكة الإخبارية العالمية حول أزمة اللاجئين في دارفور والآمال بتحقق اتفاقية السلام التي وقعت في مايو بأبوجا. وفي ما يلي تنشر «الشرق الأوسط» آراءه ومشاهداته التي عاشها خلال عمله هناك:

كانت مهمة شاقة على عدة مستويات. فالظروف كانت قاسية جدا والقدرة على الوصول إلى الأماكن محدودة. ليس فقط بسبب أن الطقس حار، وحار للغاية، بل لأننا كنا محملين بأجهزة كثيرة وكنا نهبط ونستقل طائرات هليكوبتر وأخرى عادية. ونقل القصة كان مهما جدا ولأننا مقيدون في حركتنا بسب ما فرضته حكومة الخرطوم على الصحافيين كنا في الغالب لا نستطيع أن نصل إلى الأماكن ذات الأهمية الإعلامية في دارفور كي نكتب تقارير يومية مفصلة. وهذا كان يعني أن الجهود التي بذلناها تحمل قيمة ما. القصة مهمة جدا وأنا مسرور جدا بما تمكنا من تحقيقه.

تعرضنا إلى هجوم في أحد مخيمات اللاجئين التي زرناها لكنني آنذاك لم أكن قلقا. حدث ذلك حينما كان عدد من الصحافيين يرافقون جان ايغلاند مساعد الأمين العام للامم المتحدة للشؤون الانسانية ضمن موكبه. أنا شاهدت مباشرة أنهم حاولوا قتل المترجم في سيارتنا، لكن لأننا كنا في السيارة كان ممكنا بالنسبة لنا الإفلات بسهولة. لكن الوضع تدهور بسرعة مع تكسر نوافذ سيارتنا وحاول عدد من الناس مهاجمة السيارة بالسكاكين. كنت أعرف آنذاك أننا لو لم نهرب من السيارة لكان لحقنا أذى شديد.

خلال الأيام اللاحقة ومع إخبارنا عن الغضب ومشاعر الضيق في ذلك المخيم بالذات أدركنا أننا كنا محظوظين عندما تمكنا من الهرب.

مع ذلك علي أن أقول ان الشجاعة والصلابة اللتين يتمتع بهما كل لاجئ التقيت به كانتا مصدر تحفيز كبير. فالناس الذين فقدوا كل شيء كانوا يسعون إلى الاستفادة أقصى ما يمكن من الظروف الرهيبة التي كانوا فيها أما بالنسبة للاجئين الذين مضى عليهم أكثر من ثلاثة أعوام في المخيمات فهم بدأوا بحياة جديدة تتمثل بزرع الحبوب وإدارة المدارس وإعادة بناء بلدات تشبه تلك التي فقدوها. هناك مشاعر بالضيق أيضا، خصوصا بين الشباب، ففي بعض المخيمات كانوا ينتظمون حسب تشكيلات سياسية مختلفة سعيا منهم لإيجاد حلول لمشاكلهم.

أنا مقتنع شخصيا أنه إذا كان العالم الخارجي يريد منع أي أعمال ضد الأطفال فعليه ألا يقدم فقط المساعدات الانسانية، بل جنودا لحفظ السلام. فهناك حاجة كبيرة لهم لمساعدة الفصائل المتحاربة كي تبني من جديد ثقتها ببعضها بعضا مع تطبيقهم لاتفاقية السلام بينما تظل المساعدات الانسانية أساسية لإطعام وكسي اللاجئين في نفس الوقت. وكي يحدث هذا، على العالم أن يهتم بما فيه الكفاية بما يحدث في دارفور وتشاد وأن يتبرع بالأموال والمصادر المطلوبة.

يقول أكثر الأشخاص المشاركين في تحقيق السلام والاستقرار للمنطقة إن تدخل المجتمع الدولي يشكل مشاركة صغيرة في الحل. فاتفاقية السلام ستكون فعالة في حالة إذا كانت الأطراف التي وقعت عليها هي بالفعل تريد وتنوي تطبيقها. باختصار لا يمكن إجبار الأطراف المتحاربة على السلام إذ يجب أن تريده أولا من أجل صالح كياناتها الاجتماعية.