عوائق اجتماعية وأفكار مسبقة تكبل المرأة

مؤتمر عن الإعلام والمرأة في دول البحر المتوسط

TT

شهد مؤتمر «المرأة والاعلام» في دول البحر المتوسط حرب تيارات ثقافية وفكرية انثوية مختلفة، قادتها الاعلاميات العربيات، فتواجهن فرقا بعضها تسلح بأفكار تتعلق بحق المرأة في الثورة على التقاليد والسلطة الذكورية وكسر الحواجز وإلغاء الممنوع مقابل أخرى تشدد على ضرورة محافظتها على هذه التقاليد وقدرتها على الانتاج من دون كسر او خلع للواقع الاجتماعي مع اعتبار الحجاب هوية تحمل ضمانتها وأمانها وضياع هذا الحجاب يعني ضياع الهوية. إلا ان هذه المواجهة لم تحل دون وحدة الموقف النسائي في التأكيد على ان إعلام الرجال يسلع المرأة أو يهمشها او يستغلها. وفي حين بدا واضحا ان الاعلاميات الاجنبيات المنتميات الى دول شمال المتوسط يؤيدن الثائرات العربيات دون المحافظات، توافقت المشاركات على ان وضع المرأة في الاعلام ما زال محكوما بجملة عوائق سياسية واجتماعية وموروثات منطلقة من نظرة الرجل الى المرأة عامة لا تفرق كثيرا بين غرب وشرق.

المؤتمر عقد في بيروت بدعوة من الوكالة الايطالية للانباء المتوسطية الجديدة من أجل بلدان البحر الابيض المتوسط (انسامد) وجمعية المرأة العربية الايطالية وهدف من خلال محاوره الى سد ثغرة اعلامية تتعلق بالتواصل بين بلدان المتوسط، التي لا تحظى بالاهتمام الا عندما يتعلق الامر باندلاع الحروب او بوقوع الكوارث الطبيعية، والتي ينظر اليها غالبا كمصدر للمشاكل والتوتر والنزاعات. وطرح الهم الاعلامي للنساء العاملات في مهنة البحث عن المتاعب لم يحل دون حضور قضايا الاعلام بحيثياته المهنية وممنوعاته السياسية والمشاكل المرتبطة بالمؤسسات والصعاب والتحديات التي تواجه العاملين فيها وتقتصر معاناتها على تاء التأنيث.

ففي محور النساء والمعلومات الذي ادارته جيزيل خوري قالت كارمن لازوريللا من تلفزيون «راي» الايطالي «ان الاعلام يشجع حوار الحرب كما يشجع حوار الحضارات وان الاسلام يقدم بشكل سيئ لاننا اسرى الافكار المسبقة مهما كانت انتماءاتنا وادوارنا»، كما اشارت الى قدرة الصحافيات العربيات على نقل ما يجري في بلادهن بكفاءة أكبر من زميلاتهن الاجنبيات لفهمهن ابعاد الاحداث وامتلاكهن ناصية اللغة التي تسمح لهن بالتفاعل والتفاهم مع من يستقين منه المعلومات. ومن هذا المنطلق يجب تحسين وضع الاعلاميات العربيات ليصبحن صانعات الخبر ولا يكتفين بتقديمه فيحصلن بالتالي على الخبرة اللازمة ويتطورن في المهنة.

الاعلامية المصرية رولا خرسا قالت: «دول المتوسط التسع عشرة تضم ثقافات مختلفة ومتنوعة وغنية، ويمكن الاستفادة منها ولكن وبكل اسف يجب ان نملك الجرأة لنعترف باننا لا نعرف ما يكفي عن اعلام المتوسط واعلامياته. والجهل بالآخر هو ما يراكم سوء الفهم ويؤسس للافكار المسبقة».

وتميزت شهادة الايطالية جيوفانا بوتيري من «تي. جي 3 راي» في العراق عندما عرضت للاوضاع فيه قبل سقوط نظام صدام حسين وبعده. وقالت: «خلال حكم صدام لم نستطع العمل الا وفق معادلة الخوف والشائعات والرأي الواحد المقموع، اما خلال الحرب فقد تشاركنا مع الصحافيين العرب في الترقب والمعاناة. بغداد كانت تريد ان تخرج الى الحرية. انتظرنا مع العراقيين وصول الاميركيين. وعندما وصلوا أطلقوا النار علينا نحن الصحافيين. صحيح انتهى حكم صدام. لكن بعد بضعة أشهر انتهت الآمال والاحلام وأرغمنا على الرحيل». ولأن المؤتمر يخص النساء، سلطت بوتيري الضوء على وضع المرأة في العراق التي تتعذب بصمت وتعجز عن الكلام، لتأتي شهادة الصحافية العراقية شذا الجنابي ترجمة لفعل الصمت او التعبير بأقل قدر ممكن من الكلام عن اكثر الاوضاع فظاعة. قالت: «أغرب تجربة ان يكون المرء صحافيا في العراق والاغرب ان يكون امرأة تعايش القتل بالجملة من دون معرفة القاتل وتحت وطأة اوضاع اقتصادية تزداد سوءا يوما بعد يوم». وأشارت الى انها لا تستطيع الكشف عن هويتها الصحافية عندما تقوم بعملها. وكثيرا ما تجري المقابلات من دون تصوير. كما قالت ان الصحافي في العراق يعجز فعلا عن نقل الواقع كما هي مهمته الى العراقيين انفسهم.

سيسيليا زيشينللي قدمت نقدا ذاتيا لنظرة الغرب الى العرب وقالت: «يعرفون ثقافتنا أكثر مما نعرف ثقافتهم. علينا ان نذهب اليهم لنفهمهم». أما رئيسة البرلمان الايطالي السابقة ومديرة تلفزيون Anchorwomen ايرين بيفيتي فقالت: «نحن النساء نحسب ان العدو هو الرجل. كوني امرأة انتمي الى حزب صغير جعلني استفزازية. لكن منطقي اليوم اكثر نضجا. صرت اعرف ان السلطة لا تمنح. نعمل للحصول عليها وعندما نصل المفروض ان نسيطر عليها ولا نتركها تسيطر علينا. تعلمت ان العمل في تلفزيون مستقل يعني ان المشاهدين هم أصحاب الحقوق وبالتالي علينا ان نعرف كيف نقدم اليهم الثقافة الشعبية التي تشكل عصب الحياة اليومية. وهذا الكلام لا يعجب النخبة التي تعقّد علاقة التلفزيون بالجمهور، في حين ان هذه العلاقة محكومة بمبدأ الربح والخسارة».

الجزائرية نادية محيديد من جهتها اثارت علاقة الصحافيات بالناشر حيث تخضع الصحافة العربية الى مصالح فريق تتعلق بها الصحيفة.

اما السعودية سمر فطاني فقالت ان الاخطاء المتراكمة بحق المرأة كثيرة. والسبب شرح غير دقيق للاسلام واستخدام هذه الشرح لقمعها، وأقرت ان الاعلامية في السعودية لم تمتلك بعد كفاءات مهنية جيدة ومع هذا فرضت نفسها، الا ان الدور المطلوب منها هو تولي إظهار حالة النساء من خلال دراسات وتحقيقات وتقارير.

مديرة المعهد الاعلى للاعلام والاتصالات في الرباط الدكتورة لطيفة اخرباش شنت الحرب على كل ما يعيق تقدم المرأة او يدفعها للاعتذار انطلاقا من كونها امرأة وكأنها عار على أهلها، واشارت الى انها لا تريد ان تنظر الى مستقبل المرأة عبر مرآة خلفية تحكمها التقاليد، لترد عليها مريم خاطر التي رفضت التقاط صورة لها وتقول: «الاسلام والتقاليد والحجاب كلها أمور لا تمنع نضال المرأة من اجل الوصول الى حقوقها والحجاب لا يحول دون مشاركتها ولا يحجب أفكارها وانما شعرها. والعادات هي مسألة مهمة وطريقة انتماء من دونها نضيع. علينا ان نعمل على ازالة سلبيات بعض التقاليد لا الغائها».

تيزيانا فيراريو من تلفزيون «راي» قالت: «الاوضاع مختلفة في كل بلد من بلدان المتوسط، سواء لجهة القوانين او التقاليد لكن الوقت حان لنسمع صوت المرأة في كل مكان وفي اي مجال او اي اتجاه. وعلينا ان ننشئ شبكة الكترونية تضم اسماء الاعلاميات الخبيرات في دول مختلفة، ما يسهل تجاوز الصعاب ويؤمن التواصل والتعاون واعطاء فرصة لصوت المرأة ومتابعة ما تقوم به الزميلات، لا سيما اننا في دول تشكل حلقة وسطى بين آسيا والقارة الاميركية». يبقى ان غياب الرجل عن محاور البحث التي تولتها النساء شكل نقصا في المؤتمر، لأن الاعتراضات والاتهامات والمطالب التي تم تداولها على رغم جدية الابحاث والدراسات والمعلومات المتبادلة بقيت في اطار مغلق، فطالبت الاعلاميات بمشاركة الرجل في مؤتمرات مماثلة لتجنب تحولها الى «كلام نسوان».