تغطية «الأخضر».. بين الوطنية والمهنية

هل انتقاد الصحافة للفريق الوطني يعد خيانة.. أم ضرورة؟

TT

انهالت الانتقادات على المنتخب الانجليزي، بعد ادائه المتواضع امام فريق البارغواي. ومن جهتها كتبت صحيفة «مترو»، التي توزع بالمجان على ركاب قطارات الأنفاق، في الأسبوع الماضي «لا نريد مزيدا من الأعذار»، وذلك ردا على بعض المدافعين عن المنتخب الانجليزي، الذين قالوا ان الحرارة الشديدة كانت وراء ضعف اداء الفريق. ولمن يعرف الصحافة البريطانية، يعلم ان الصحافة الرياضية هي ركن اساسي فيها، وانه «لا رحمة» فيها على الاطلاق... خصوصا لدى الاخفاق. وعلى الرغم من القسوة في بعض الأحيان، الا انه لا يوجد من يعتبر ان الصحافة تعمل ضد مصلحة الفريق أو تؤذيه، لأنه على الأرجح لا يوجد بريطاني، سواء كان صحافيا او قارئا، لا يتمنى الفوز لمنتخب بلاده. والصحف من جهتها تروج للمنتخب بالهدايا والحملات الترويجية، وتنتقده لدى الضرورة تحريريا. ولكن ماذا عن الإعلام العربي، والسعودي تحديدا، في ما يتعلق بتغطية المنتخب الوطني. هناك الكثير من يعتبر ان انتقاد المنتخب يؤذي اللاعبين والجو العام، وبالتالي هناك تفضيل لعدم الانتقاد خلال البطولات.. أما بعد البطولات فهناك من يحدثك عن أن «جلد الذات ليس ضروريا او ذا منفعة». وبشكل عام، هناك نظرة لدى البعض بأن الانتقاد هو تجريح او انتقام... وانه لن يكون بناء او ضروريا، بحكم ان اللاعبين يمثلون بلادهم كافة. وحمل الكاتب الرياضي في جريدة «الرياضية» السعودية، احمد الشمراني، بعض المسؤولين في اتحاد كرة القدم السعودي مسؤولية تردي النقد في وسائل الإعلام السعودية، وقال «ان المسؤولين في الاتحاد السعودي يتعاطون مع النقد بنظرة قاصرة، ويقبلونه من شخص ويرفضونه من آخر، اي ان الرقابة تختلف من قلم الى آخر».

وحذر من استغلال مساحة الحرية لصالح الاندية، على حساب الكرة السعودية والمنتخب السعودي، منبها، في الوقت نفسه، على احتمالية ظهور ما يسمى بصحافة الاندية في المستقبل القريب. من جهته يطرح الكاتب الرياضي عدنان جستنية، رأيا مخالفا لرأي الشمراني، اشار فيه الى عدم وجود عوائق تمنع الكاتب او الصحافي من نقد اداء المنتخب السعودي بشكل عام، اذ قال «نحن نعيش حركة نقدية منتعشة، ولا توجد عوائق، كما كانت في السابق».

وأكد جستنية ان الاشكالية تكمن في معايير النقد، وتعريف من هو الناقد بشكل واضح، وعدم ترك النقد بدون ضوابط تحكمه وتحدد ملامح الناقد».

ولا تشكل الوطنية عائقا أمام نقد المنتخب وإظهار مناطق الخلل، كما أكده عبد الله الشيخي، رئيس تحرير مجلة «النادي» الصادرة عن دار عكاظ الصحافية في جدة. وقال «لا أعتقد ان للوطنية اي دور سلبي في عملية النقد». وأضاف «نحن شعوب عاطفية وطبيعي ان تتحكم العاطفة بحياتنا وعملنا بصفة خاصة، ولذلك عندما نحلل اداء المنتخب ربما تؤثر العاطفة على النقد والتحليل، ولكن بصورة عامة نجد النقد الآن هو معالجة صحيحة ويحتاج لها المنتخب».

وبين الشيخي ان المشكلة الاساسية في الصحافة السعودية، ان الجميع باتوا نقادا، وأن الخبرة والتجربة الواسعة، سواء في ميدان الصحافة او الرياضة هي مؤهلات الناقد، وان ما تعاني منه الصحف السعودية هو الاعداد الكبيرة للنقاد من دون خبرة.

موضحا ان الصحافي هو من يضع الخطوط الحمراء في عملية نقد المنتخب السعودي وليس مسؤول التحرير، ويحكم مسبقا على مادته الصحافية، اذ قال «نحن لدينا الرهبة والخوف في عملية النقد وليست العقوبات او سياسات المسؤولين في الصحف، هي من تحجم النقد»، ولم يخف الشيخي ان المسؤول في صحيفة قد يؤثر على الصحافي، لكن في اطارات ضيقة ومحدودة جدا. من جانبه قال منصور الخضيري، وكيل الرئيس العام لشؤون الشباب، في الرئاسة العامة لرعاية الشباب وعضو الاتحاد السعودي لكرة القدم، والخبير الإعلامي السعودي ومدير الإعلام والنشر في رعاية الشباب سابقا، والنائب الأول لرئيس الاتحاد العربي للصحافة الرياضية سابقا، «هناك خيط رفيع بين الوطنية والمهنية، فكلاهما رسالة». ويضيف «.. من هنا تبرز قدرة الصحافي ومهارته وإمكاناته وثقافته وتأهيله، ومن خلال هذه المؤهلات مجتمعة يستطيع الصحافي أن يعبر برسالته بطريقة تخدم كل الأهداف».

وشدد الخضيري في حديثه لـ«الشرق الاوسط»، أن الوطنية أساس جوهري، مثلما الصحافة رسالة أمة ورسالة وطن ورسالة منتخب، مبينا أن واجبات المهنة تتطلب أن ينقل الصحافي بأمانة من خلال ما يراه، لأن هذا من أسس المهنية.

وأضاف: لا بد أن ينتقد بمهنية وقد يقع أحيانا في حيرة بين أن يبرهن على مهنيته، ناقدا أمينا وبصيرا، أو أن تتحكم فيه عاطفته وميوله. والصحافي المهني عليه أن يجمع بين الحسنيين «وطنيته ومهنته»، وهنا تبرز القدرة الصحافية على الإبداع، هناك صحافي (ألمعي) وصحافي (مشجع) وآخر (مندفع) ورابع (متعصب)، وهنا، والحديث للخضيري، يأتي دور المطبوعة التي لا بد أن ترقى بمهنيتها ووطنيتها، من خلال إعداد الصحافي تدريبيا ومهنيا ومخزونا ثقافيا، بعد معايشة المهنة وتدريبه كيف يؤديها جيدا.

وأكد أن الصحافي، يمثل وطنه ويعيش مع منتخب بلاده بكل ما تحمله الكلمة من معنى وبدراية تامة.

وقال الخضيري: الرسالة الوطنية فوق كل شيء، فالوطن هو الأساس للجميع، والصحافي قادر على الإبداع بنقل الحقائق من أجل مصلحة المشاركة وما يخدم الوطن. وحول غضب المسؤولين من حقائق تنتقد السلبيات، وما قد يختلط على الناقد أو الصحافي بين مهنيته ووطنيته في تقدير المسؤولين، قال منصور الخضيري، في ختام حديثه: الحقيقة لا تغضب المسؤول، بل هي مرآته نحو المستقبل، لكن قد تكون طريقة الناقد أو الصحافي في إيصال معلوماته أو فكرته خاطئة، وخصوصا عندما ينتقد بحدة وبطريقة مباشرة حتى لو كانت حقيقية، فالناقد أو الصحافي الحاذق هو من يتحدث بجرأة وبطريقة مناسبة تستند إلى حقائق من دون المساس بالمنتقد في شخصه أو ما يثير التعصب والتعاطف والميول، فيجمع الناقد والصحافي بين المهنية والوطنية.

إلا أن أحمد الشمراني يعود ليعتبر أن الصحافة الرياضية السعودية لا تزال قاصرة عن تأدية مهمتها، كما وصفها، مستثنيا بعض الصحف، التي ذكر انها تحاول ان تنقل ما يحدث للمنتخب خلال مراحل اعداده المختلفة بتجرد واحترافية.

تحليل وتقييم أداء المنتخب السعودي في الصحف السعودية، من وجهة نظر الشمراني، مبني على عدة حالات، الاول النتيجة سلبية كانت او ايجابية، والثاني للاعب النادي المنضم للمنتخب، والثالث اجتهاد حول ما يكتب في الصحيفة وتفسيره، وقال «ورغم ذلك الا ان دور الصحف في تغطية اخبار المنتخب يعد الى حد ما مقبولا».

كما يعود عدنان جستنيه ليوضح، ان نجاح اي مطبوعة مرهون بمصداقيتها، فالمصادر الاخبارية كثيرة ومتنوعة، جعلت المتلقي على مستوى القارئ او المشاهد يتفاعل معها وينجذب اليها. وينتقد جستنيه بعض الصحف السعودية، لكونها لم تستوعب حتى الان النقلة الكبيرة للإعلام والتطور الهائل الذي طرأ عليه، اذ انها ما زالت في نفس العناوين التقليدية والصور الضعيفة وهي ـ كما يصفها جستنيه ـ تسير على نفس النسق القديم.