الصحافي الفرنسي روجيه أوك يعود إلى حيث اختطف قبل نحو 20 عاما

خرج من تجربته السابقة بكتابين.. ودروس مجانية في اللغة العربية

TT

يطيب للصحافي الفرنسي روجيه أوك أن يقول: «تلقيت دروسا خاصة مكثفة ومجانية باللغة العربية من «حزب الله»، خلال احتجازي رهينة لديهم في يناير (كانون الثاني) عام 1987». لكن ذلك لم يمنعه من العودة الى لبنان لتغطية حرب جديدة، كما تعود أن يفعل.

أوك كان قد قرر هذه العودة قبل شهرين. قال لـ«الشرق الأوسط»: «لاحظت أن الاعلام الغربي وتحديدا الفرنكوفوني يغطي العالم العربي بشكل سيئ مقابل تغطية جيدة لإسرائيل، لذا قررت أن أراسل محطات تلفزيونية وإذاعية في فرنسا وسويسرا وبلجيكا وكندا لأنقل صورة واضحة عن هذا العالم الذي بدأت بتغطية حروبه منذ عام 1982. احترت بين بيروت ودبي لمقر لإقامتي. درست الأمر فوجدت أن الإعلامي يستطيع أن يعيش حياة طبيعية في بيروت، أكثر من أي مكان آخر في العالم العربي». وهكذا عاد أوك بعد غياب 18عاماً ليبدأ بتغطية العالم العربي وإيران، معتمدا على معرفة مسبقة بالعاصمة اللبنانية التي أمضى فيها ست سنوات، الاخيرة منها كانت في الاعتقال. وعلى ما يبدو لم تشوه هذه السنة السنوات الخمس التي سبقتها. يقول: «كانت فترة جميلة وغنية ومهمة على الصعيدين المهني والانساني. كان عمري 25 عاماً وكنت طموحاً ومستفزاً وربما متهوراً بعض الشيء. اليوم أنا في الخمسين من عمري. وقد تغيرت نظرتي الى الأمور». عن تجربته كرهينة طوال عام كامل يقول اوك: «الرهينة إنسان مسجون في قبو بعيدا عن النور من دون حماية. يشعر بأنه مرتبط بعلاقة ملتبسة بسجانه. تماما كحال الحيوان الأليف. هو كلب بشكل أو بآخر. ينتظر أن يطعموه عندما يشاءون، أن يسمحوا له بدخول الحمام. يتعرض كل لحظة للموت والمرض. ينقطع عن العالم الخارجي. وإذا كان صحافيا فالأمر أصعب لحرمانه من المعلومات. كنت أجهل وأنا معتقل اذا كان بلدي يفاوض لتحريري. لم أكن أجرؤ على التسلح بالأمل من دون معطيات. لكن للأمر ايجابياته من زاوية أخرى. فالاعتقال يدفع صاحبه للبحث عن قوة كبيرة تكمن في داخله ويجهلها. التجربة سمحت لي بالبحث عن الايمان. قبلها لم أكن مؤمنا. حراسي المسلمون أعطوني الكتاب المقدس. كنت أقرأه يوميا. اهتديت الى الله وأصبحت مؤمنا صالحاً. أصبحت أعرف أكثر قوتي ونقاط ضعفي. أذهب الى الامور مباشرة. لا أضيع وقتي». يستعيد بعض محطات الاعتقال فيقول: «حاولت الهرب مرتين ولم أنجح. في أحداها ترك حارس كان تولى المهمة حديثا، مفتاح غرفتي في الباب. غافلته وخرجت. بقية الحراس كانوا في المطبخ. لم أكد أصل الى مدخل الشقة لأغادر حتى انتبهوا اليّ. في اليوم التالي غيروا مكان الاعتقال».

لكن وعود الاعتقال تذهب ادراج الرياح بعد الحصول على الحرية. يوافق أوك ويقول: «عندما كنت رهينة وعدت نفسي أن أعتزل الصحافة وأدرس التاريخ وأتزوج وأنجب أولاداً وأستقر في منزل جميل في جنوب فرنسا. ما أزال أرغب في الأمر. لكن عندما يعمل المرء صحافياً لمدة 27 عاماً لا يستطيع أن يحوّل مسيرة حياته بسهولة. أنا لا أجيد مهنة أخرى».

أوك خرج من تجربته بكتابين، الأول هو «رهينة في بيروت» (1988) الذي حوله المخرج اللبناني الراحل مارون بغدادي إلى فيلم «خارج الحياة» ونال جوائز عالمية. والثاني عن العراق، عنوانه «يوميات مراسل حربي» (2005). لكن جولاته شملت حروب يوغوسلافيا وإيران وأفغانستان وبعض دول أفريقيا. يقول: «لم أعمل في حياتي إلا على تغطية الحروب. وعندما لا أجد جبهة أغطي الجرائم». لكنه يستدرك: «أنا لا أحب الحروب ولا أبحث عن الخطر والمغامرة. عندما كنت شاباً كنت أحب هذه اللعبة. الآن أشعر أني أكبر وأعقل. لكن المشكلة أني بدأت حياتي المهنية مراسلاً حراً. والمراسل الحر يصبح أسير المواقف الساخنة، لا قيمة له من دونها. هي مهنة جميلة وغنية بثقافتها. لكنها أيضا عاقة. أنت مرغوب عندما تكون في مكان يشهد أحداثاً حرجة. وعندما تغادر تصبح منسياً وتتعرض إلى المنافسة غير الشريفة والحسد. فالحرب هي مصدر رزقي بكل أسف».

لا يتردد أوك في تصنيف الجماعات التي تقتل الصحافيين أو تخطفهم بالإرهابيين. يقول: «قتل الصحافي او اعتقاله وهو انسان محايد غير مسلح هو عمل جبان وغبي. فالأذكياء يعلمون أن ترك الصحافي حراً وحياً يعطيهم معلومات ويخدمهم إعلامياً وإذا مات سيأتي صحافي آخر ويتابع العمل». وأخيراً لا يظن روجيه أوك أن كونه رهينة سابقة ساعده مهنيا. يوافق انه أصبح مشهورا. لكن المسؤولين في الصحف لا يرغبون في التعاون معه. يعتقدون أنه صعب المراس وغير متزن ولا يمكن الوثوق به. لكن ما اسعده هو أن وطنه فرنسا منحه وساما من رتبة فارس بدرجة مشرفة، وهو الوسام الأكثر رفعة الذي يناله سياسي أو مواطن.