العائلات الصحافية في أميركا.. أنعشت صحفا وأفلست أخرى

أسماء ارتبطت بأكبر الجرائد في الولايات المتحدة

TT

قال، رتشارد ريوردان في الاسبوع الماضي، عمدة لوس انجليس السابق: «ستسعد مدينة لوس انجليس اذا عادت اليها جريدة «لوس انجليس تايمز». ولعل السؤال الذي يخطر على بال الكثيرين هو لماذا قال ذلك وجريدة «لوس انجليس تايمز» تصدر في لوس انجليس منذ عام 1860؟ قصد العمدة السابق ان يقول انه كان ضد انتقال ملكية الجريدة، قبل ست سنوات، من آل شاندلر في لوس انجليس الى شركة «تريبيون» التي اسسها آل مكورميك في شيكاغو. وانه يؤيد محاولة بعض أثرياء لوس انجليس شراء الجريدة من آل مكورميك. من بين هؤلاء الأثرياء ديفيد غيفين (قيمته اربعة مليارات دولار، وقيمة الجريدة ثلاثة مليارات دولار). كون غيفين ثروته من صناعة السينما، وهو شريك ستيفن سبيلبيرغ، مخرج افلام مثل «الفك المفترس» و«اي تي» و«انديانا جونز».

اذا اشترى غيفين الجريدة، سيملكها آل غيفين، بعد ان كانت ملك آل مكورميك لست سنوات، وقبل ذلك كانت ملك آل شاندلر لثمانين سنة، وقبل ذلك كانت ملك آل اوتس لستين سنة، منذ سنة 1860.

وفي نفس الوقت، قال فرانك زارب، بليونير في نيويورك: انه ربما سيشترى جريدة «نيويورك نيوز داي» التي يمتلكها آل مكورميك. وقال روبرت امبري، بليونير في بولتيمور (ولاية ماريلاند)، أنه ربما سيشترى جريدة «بولتيمور صن» التي يمتلكها آل مكورميك ايضا.

اذا تحقق ذلك، ستسقط عائلات وتصعد عائلات في مجال ملكية الصحف الاميركية، وربما، لأول مرة منذ مائة سنة، ستتحول ملكية كثير من الصحف الاميركية، خاصة مع ظهور أثرياء في مجالات لم تكن موجودة قبل مائة سنة، مثل السينما، والتلفزيون، والكومبيوتر.

ظهرت ملكية العائلات لصحف اميركية رئيسية خلال القرن التاسع عشر، مع توسع الولايات المتحدة، وظهور الشركات الصناعية العملاقة. ومثلما اثرى آل روكفلر من صناعة البترول، وأثرى آل مليون من صناعة الصلب، واثرى آل فاندربلت من صناعة السكة الحديدية والسفن عابرات المحيطات، اثرت عائلات معينة من صناعة الصحف، مثل:

آل هيرست (مالك جريدة «هيوستن كرونيكل» وغيرها)، وآل اوتس (مالكي جريدة «لوس انجليس تايمز» وغيرها). وآل سلسبيرغر (مالكي جريدة «نيويورك تايمز» وغيرها). وآل مكورميك (مالكي جريدة «شيكاغو تربيون» وغيرها). وآل مايرز (مالكي جريدة «واشنطن بوست» وغيرها).

وكانت اول عائلة صحافية رئيسية هي عائلة اوتس. بدأها، سنة 1860، هاريسون اوتس الذي كان ضابطا في الحرب الاهلية، وترك العمل العسكري (لأنه عارض سياسات الرئيس ابراهام لنكون، محرر العبيد. ووجدها متحررة اكثر مما يجب). وبدأ يكتب عمودا محافظا في جريدة «لوس انجليس تايمز» التي كانت محافظة ايضا. وبعد ان تزوج بنت صاحب مصانع صوف، استلف قرضا من صهره، واشتري اسهما في الجريدة، ثم اشترى نصفها، واصبح رئيس التحرير، ثم اشتراها كلها. كان هاري شاندلز صحافيا في الجريدة، واحب «ماريان» بنت مالك الجريدة. وعندما تحول الحب الى زواج، اصبح الصهر نائبا لمالك الجريدة، وعندما توفى المالك، اصبح مالكها.

وهكذا تحولت ملكية الجريدة من آل اوتس الى آل شاندلر. لكن آل شاندلر باعوا الجريدة، قبل ست سنوات، الى شركة «تريبيون» التي أسسها آل مكورميك، مالكي جريدة «شيكاغو تربيون» وغيرها. هذه هي الصفقة التي يحاول عمدة لوس انجليس السابق وبعض بليوينرات لوس انجليس الغاءها، وشراء الجريدة من آل مكورميك.

وكان سايروس ماكورميك، صاحب مصانع آلات زراعية في شيكاغو، اشترى جريدة «شيكاغو تربيون» في منتصف القرن التاسع عشر وكانت ليبرالية وتعادي جوزيف ميديل عمدة شيكاغو المحافظ. وعندما تزوج ابن مالك الجريدة بنت العمدة، قللت الجريدة عداءها للعمدة، وسمت نفسها، مبالغة، «اعظم جريدة في العالم». لكنها، خلال النصف الاول من القرن العشرين، سمت نفسها «جريدة اميركية للاميركيين»، وانطبق الاسم عليها، لأنها كانت جريدة محافظة وانعزالية. عارضت اشتراك اميركا في الحرب العالمية الاولى، وعارضت التقارب مع روسيا الشيوعية. وايدت شيانغ كاي شيك، حاكم الصين المؤيد لاميركا، الذي اسقطته، قبل خمسين سنة، الثورة الشيوعية هناك بقيادة ماو تسي تونغ. وايدت الجريدة جوزيف ماكارثي، سناتور قاد حملة ضد ما اسماها الخلايا الشيوعية النائمة في وزارة الخارجية الاميركية. لكن الجريدة اعتدلت، خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وهي اليوم واحدة من اهم عشر جرائد اميركية، ولا تزال تملكها مؤسسة مكورميك، بالاضافة الى اكثر من عشر جرائد يومية (منها جريدة «لوس انجليس تايمز» التي اشتروها قبل ست سنوات)، وثلاثين قناة تلفزيونية.

وفي حال بقيت جريدة «لوس انجليس تايمز» مع آل مكورميك، او اذا اشتراها غيغين، ستبقي علاقتها الخاصة مع جريدة «واشنطن بوست»، وهذه ليست علاقة عائلية، لكنها تحريرية (تجمعهما خدمات «واشنطن بوست» و «لوس انجليس تايمز» المشتركة).

ولا تذكر جريدة «واشنطن بوست» الا وتذكر عائلة صحافية اخرى، هي آل مايار. كان ايوجين مايار مستثمرا في سوق الاوراق المالية في نيويورك مع نهاية القرن التاسع عشر، وكان وزيرا للمالية العسكرية (قبل تأسيس وزارة الدفاع) في ادارة ودرو ويلسون خلال الحرب العالمية الاولى. ثم وزيرا للمالية في ادارة الرئيس فرانكلين روزفلت. ثم اول مدير للبنك الدولي. واشتري، سنة 1933، جريدة «واشنطن بوست» من آل ماكلين، بعد ان افلسها نيد ماكلين، صبي العائلة اللعوب. كان مايار رجل اعمال، لكن زوجته «اغنس» كانت صحافية تقدمية، وعرفت شخصيات مشهورة في ذلك الوقت مثل: البرت اينشتاين، استاذ الفيزياء، ومدام كوري، استاذ الكيمياء. وعرفت، ايضا، فيليب غراهام، محام شاب في واشنطن، وعرفت انه يحب بنتها «كاثرين»، التي كانت صحافية في الجريدة. وعندما تزوج غراهام «كاثرين»، اصبح نائبا لمالك الجريدة. وعندما توفي المالك، اصبح مالكها.

وهكذا، مثلما انتقلت ملكلية الجريدة من آل ماكلين الى آل مايار، انتقلت الى آل غراهام. واسس غراهام مجلة «نيوزويك». لكنه اصيب بسلسلة امراض نفسية، ويعتقد ان واحدا من الاسباب كان احساسه بأنه فقير امام ثروة زوجته وعائلتها، بالاضافة الى خيانة زوجية مع روبين ويب، استرالية كانت مراسلة لمجلة «نيوزويك». وعندما زادت امراضه انتحر سنة 1963، تولت زوجته «كاثرين غراهام» ادارة الجريدة. وطورت الجريدة، وجعلتها مشهورة في كل العالم، خاصة بعد ان كانت سبب استقالة الرئيس نيكسون (بسبب فضيحة ووترغيت). توفت كاثرين غراهام قبل شهرين من هجوم 11 سبتمبر، وخلفها ابنها دونالد غراهام، المالك الحالي.

رغم ان «واشنطن بوست» اهم جريدة اميركية لأنها تصدر في عاصمة البلاد، لكن جريدة «نيويورك تايمز» تنافسها اهمية، وتتفوق عليها توزيعا. وهذا يعكس منافسة تاريخية بين آل غراهام وآل سلسبيرغر.

أما قصة آل سلسبيرغر فهي كالتالي:

ترك ادولف اشس المدرسة الابتدائية في نوكسفيل (ولاية تنيسي) في منتصف القرن التاسع عشر، وكان عمره عشر سنوات، ليعمل مساعدا للطباعة في جريدة «نوكسفيل كرونيكل». واستدان، عندما كان عمره عشرين سنة، 250 دولارا، واشترى اغلبية الاسهم في جريدة «شاتانوغا تايمز» (في نفس الولاية)، واصبح مالكها. واستدان، عندما كان عمره ستا وثلاثين سنة، ربع مليون دولار، واشترى جريدة «نيويورك تايمز»، التي كانت افلست في سنة 1896. كان آرثر سلسبيرغر صحافيا في جريدة «نيويورك تايمز»، عندما قابل «ايفيجين»، بنت مالك الجريدة. وعندما تزوجها، اصبح نائبا لمالكها. وعندما توفي المالك، اصبح مالكها. وهكذا، انتقلت ملكية الجريدة من آل اشس الى آل سلسبيرغر. وتولى الاولاد والاحفاد ادارة الجريدة حتى اليوم (من آرثر الاول، الى آرثر الثاني، والأن آرثر الثالث). وهم الذين طوروها وجعلوها ربما اهم (لا اكبر) جريدة في العالم. وجعلوها، ايضا، واحدة من اكثر جرائد العالم ليبرالية (عارضت، في قوة، التفرقة العنصرية في اميركا، والتدخل الاميركي في فيتنام، والتدخل الاميركي في العراق، قبل ان يبدأ). تفوق جريدة «نيويورك تايمز» عكس تفوق آل سلسبيرغر على آل هيرست خلال منافسة بدأت قبل اكثر من مائة سنة. وتبقى عائلة آل هيرست، التي بدأ ارتباطها بالصحافة عندما اشترى وليام هيرست جريدة «نيويورك جورنال» خلال نفس الفترة التي اشترى فيها اشس جريدة «نيويورك تايمز»، مع نهاية القرن التاسع عشر. وبقدر ما كانت الثانية وقورة وليبرالية، كانت الاولى مثيرة ويمينية. هيرست هو ابو صحافة الاثارة، او ما سمي في ذلك الوقت «الصحافة الصفراء» التي، كما قال كتاب «مصدر غير موثوق به»، «زورت مقابلات صحافية، واخترعت اخبارا، وبالغت في اخبار».

ايد هيرست غزو اميركا لكوبا، قبل مائة سنة، وغزو اميركا للفلبين، قبل تسعين سنة، ومنع، بعد الثورة الشيوعية في روسيا، قبل ثمانين سنة، نشر كلمتي «شيوعية» و«اشتراكية» في الجريدة.

لكن اولاد واحفاد هيرست قللوا من الاثارة، واشتروا جرائد ومجلات، منها «سانفراسسكو كورنيكل» و«هيوستن كرونيكل»، اللتان تعتبران الآن من اهم الجرائد الليبرالية في اميركا. ويملك آل هيرست صحفا ومجلات اكثر مما تملك شركة «نيويورك تايمز»، لكنهم لم يقدروا، حتى بعد اكثر من مائة سنة، على منافسة مصداقيتها.