رجل الدعايات المصري طارق نور: حجم السوق الإعلاني العربي في تزايد .. وفي مصر لا يتناسب مع عدد السكان

يعتبر أنه لو قدم أفكارا حاليا كالتي أنتجها في السبعينات فسيتهم بالفسق والفجور

TT

يطلقون عليه في مصر لقب «ملك الاعلانات» لا لحجم مساهمته في سوق الاعلانات فقط، لكن لمساهماته الغزيرة في هذا المجال منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي. بعد أن نجح في التميز عن غيره سواء ممن سبقوه أو لحقوا به أو خرجوا من عباءته. واستطاع طارق نور رئيس مجلس إدارة شركة طارق نور للاتصالات على مدى أكثر من ربع قرن أن يقتحم سوق الاعلان المصري والعربي رغم ما شهده من تقلبات. لتتحول وكالته التي انشأها في عام 1978 الى مؤسسة تضم ثماني شركات يتنوع عملها بين الدعاية والاعلان وانتاج شرائط الفيديو والافلام الدعائية والبرامج والمسلسلات التلفزيونية، هذه الشركات هي شركة طارق نور للاتصالات، شركة دي دي بي إيجيبت، شركة ديركت إد، شركة أبيك، شركة إم سي آر، شركة تي إن سي للانتاج،شركة تي إن سي أوت دور، شركة تي ان سي للدعاية، وشركة طارق نور ميديا هاوس. «الشرق الأوسط» التقته في القاهرة، وفيما يلي نص الحوار: > ظهرت مع بدايات تطبيق قانون الانفتاح الاقتصادي في مصر.. إلى أي مدى أثر ذلك على عملك كجهة اعلانية خاصة؟

ـ أعترف أنه لولا وجود الانفتاح الاقتصادي ما كان هناك شيء اسمه وكالة طارق نور للإعلان. ولهذا فأنا أرى أن الرئيس السادات كان يمتلك رؤية شاملة وبعيدة وسابقة لعصرها. لا في مجال السياسة فقط ولكن في مجال الاقتصاد أيضا. والسبب أن هذا القانون فتح مصر على العالم ووضعها في مصاف الدول الجاذبة للاستثمار وزاد من فرص العمل في مجالات كثيرة من بينها عالم الاعلان. كما انه أدى الى زيادة المنافسة في الوقت الذي ظهرت فيه الاقمار الصناعية التي ساعدت الناس على مشاهدة عوالم اخرى لم يكونوا يعلمون عنها شيئا. > يقولون انك أول من علم المصريين السلوك الاستهلاكي بما قدمته في اعلاناتك منتجات لم يكونوا في حاجه لها؟

ـ إذا كان الاستهلاك والتشجيع عليه تهمة، فأنا سعيد بها للغاية. والسبب بسيط. ففي كل دول العالم ينظرون الى زيادة الاستهلاك حتى فيما يسمى بالسلع الاستهلاكية نظرة إيجابية. لان الاستهلاك يعني ببساطة زيادة الاستثمار وزيادة التشغيل وجذب رؤوس الاموال. الا انه هنا في مصر يعتبر البعض ان الاستهلاك والتشجيع عليه يوازي الامبريالية والخيانة لاهداف الوطن وهذا غير صحيح... الا في الدول والنظم الاشتراكية فقط. بالاضافة الى ان المستهلك ليس مسلوب الارادة أو ضريرا لا يرى أو لا يعرف ما يحتاجه. فكيف أجبره إذاً على شراء شيء لا يريده أو لا يحتاجه؟ فمن المعروف في كل العالم أن الاستهلاك معبر طبيعي عن رغبات الناس والاعلان يلعب على هذه الرغبات فقط ويظهرها من عالم اللاشعور الى بؤرة الشعور ليتخذ بعدها المستهلك قراره ولكن للاسف أعتقد أن الفكر الاشتراكي أضر كثيرا بالاقتصاد والحياة في مصر وجعلنا ننظر إلى تلبية الاحتياجات الطبيعية للبشر نظرة دونية وكأنه ليس من حقهم الاستمتاع.

> إلى أي مدى يتأثر عملك في مجال الاعلان بما يتم اتخاذه من قرارات اقتصادية في مصر؟

ـ بالطبع يتأثر الى حد كبير. على سبيل المثال قوانين الخصخصة التي تم التعامل بها في مصر في السنوات الاخيرة شجعت القطاع الخاص على زيادة تعاملاته في السوق مما زاد من فرص الاستثمار، وبالتالي زيادة فرص الاقبال والتعامل مع الاعلان. الا ان بعض تلك القرارات تم تنفيذها بدون دراسة أو قدرة على تقدير الصورة بأكملها فكانت لها آثار سلبية على الاقتصاد المصري. فالقرار قد يكون صحيحا الا ان هناك عوامل اخرى تؤثر على نتائج اي قرار اهمها اسلوب وتوقيت التنفيذ ووجود الاشخاص المناسبين للتنفيذ. > ما أكثر القوانين الاقتصادية غير المناسبة من وجهة نظرك والمؤثرة بشكل مباشر على عمل وكالات الاعلان؟

ـ لدينا في مصر قانون غريب حيث يتوجب على وكالات الاعلان دفع ضريبة قيمتها 36% من قيمة الاعلان للحكومة المصرية. وما يحدث انني كوكالة اعلان أحملها على المنتج الذي يحملها بدوره على سعر السلعة وبالتالي يكون المستهلك هو دافع تلك الضريبة التي لا مثيل لها في اي بلد من بلاد العالم. هناك ايضا ضريبة اخرى تصل نسبتها الى 100% على تسويق المنتجات التي يتم استيرادها وهي شيء غير منطقي لان من شأنها إعاقة الشركات المحلية والاجنبية عن القيام بالاعلانات وبيعها في مصر. ليتحول الاعلان من كونه استثمارا الى نفقات زائدة على المنتج. وهو شيء لا يوجد في اي بقعة من بقاع الارض.

> أنتجت بالتعاون مع وزارة السياحة المصرية حملات عديدة للترويج لمصر في الخارج. وحملت الحملة شعار «نورت مصر». لو طلب منك الترويج لمصر في الداخل بين المصريين كيف سيكون شكل حملتك؟

ـ أي منتج أقوم بالدعاية له لا بد وأن تتوافر فيه مقومات عدة أهمها الجودة التي تضمن إقبال المستهلك أو الجمهور على ذلك المنتج. وعندما قدمت حملة «نورت مصر» كان لدي منتج جيد أقدمه للسائح ليس الاثار فقط كما قد يظن البعض، لانها لا تجذب سوى 30% فقط من السائحين الذين يحضرون الى مصر. ولكن هناك ايضا المناخ والشواطئ الرائعة التي تمتلكها مصر وهي اشياء يبحث عنها السائح في أي مكان. لكن عند الحديث عن حملة للترويج لمصر بين أبنائها ونشر الانتماء بينهم فليس عندي كوكالة اعلان ما اعتمد عليه في حملتي الاعلانية، والسبب أن الناس فقدت الثقة في الحكومات التي تتعامل معها على مدى سنوات طويلة فكلها فشلت في تحقيق طموحات ذلك الشعب وتركته لهمومه ومعاناته اليومية التي بات يشعر ان لا نهاية لها. فكيف اروج لمنتج بين مستهلكين اكثر علما به مني. يجب في البداية ان يشعر الناس بالثقة في الدولة التي يتعاملون معها بعدها نفكر كيف نروج لمصر داخليا.

> عند بدايتك في عالم الاعلان كان هناك أمران ميزا ما تقدمه من إعلانات: صوتك والشعار الذي كنت تنهي به إعلاناتك والذي كان عبارة عن نصف وجه يكتب الى جانبه طارق نور، فما قصة ذلك؟

ـ عندما بدأنا كنا نبحث عن صوت مميز يعبر عما نقدمه من إعلانات وبحثنا وقتها فلم نجد. فهناك من سافر وهناك من لا يرغب فقررت التجربة بصوتي ونجحت دون قصد مني ووجدت المحيطين بي يؤكدون إمتلاكي لنبرة صوت مؤثرة وهو ما دفعني للاستمرار في تسجيل الكثير من الاعلانات التي ننتجها بصوتي. أما الشعار فكان مناسبا لفترة ما، لان الناس لم تكن تعرف منتج ذلك الاعلان وكنت اريد ان اصنع لنفسي صورة ذهنية لدى الجمهور ونجحت. الآن لا يظهر ذلك الشعار لان اعلاناتنا باتت معروفة لدى المشاهد بأسلوبها.

> ما الفرق بين المناخ العام الذي ظهرت فيه في نهاية السبعينات من القرن الماضي والآن؟

ـ الفرق الاساسي «الافق الواسع» للشعب المصري. فما كنت اقدمه في الماضي لا استطيع تقديمه الآن. على سبيل المثال. من أكثر الحملات الاعلانية التي صنعت نجومية الشركة كان اعلاناً عن مزيل لرائحة العرق اسمه «مام» وكانت فكرة الاعلان تدور حول رجل يحضر الى منزله فيسمع زوجته وهي تضحك فيظن ان برفقتها احد فيصعد اليها غاضبا ليجدها تمسك بمزيل رائحة العرق وهي ترتدي ملابس تكشف عن ذراعيها. وقتها نجح هذا الاعلان كثيرا ورددت الناس شعاره. لو قدمت هذا الاعلان اليوم لوجدت من يتهمني بالفسق والفجور ويطالب في مجلس الشعب بحماية الناس مما اقدمه. وأعتقد أن ما يحدث الآن يحد من حرية الابداع لدى أي مبدع. كما يستفزني أيضا ما يردده البعض من أن الاعلان استخدم المرأة كسلعة وهذا ليس صحيحاً. ولكن تركيزي على المرأة نابع من أنها المشتري الاول في الاسرة.

> هل تعتبر انك مدرسة في عالم الاعلان؟

ـ إلى حد ما نعم، لانني اول من أقام مؤسسة إعلانية على أسس سليمة وعلمية وتعتمد على الابداع في جزء كبير من عملها وانتشر فكرها ليس في مصر وحدها، لكن في المنطقة على ما أعتقد.

> كيف ترى موقف مصر من السوق الاعلاني العربي الآن؟

ـ حجم السوق الاعلاني العربي في تزايد مستمر لاسباب عديدة أهمها زيادة مجالات الاستثمار وزيادة الاستهلاك والانفتاح على العالم الغربي. وقد قدر حجم الانفاق الاعلاني العربي في عام 2005 بنحو 3 مليارات دولار. يقدر نصيب دول الخليج منها بنحو مليار و100 مليون دولار تقريبا. ويعد السوق الاماراتي الاول في العالم العربي، إذ يقدر حجم الانفاق فيه بـ904 ملايين دولار يليه السعودي بحجم انفاق يقدر بنحو 890 مليون دولار. أما حجم الانفاق الاعلاني في مصر فلا يتجاوز مبلغ 250 مليون دولار وهو رقم ضئيل بالنسبة لعدد السكان. بمعنى ان نصيب الفرد من هذا المبلغ يقدر بنحو 30 دولاراً وهو ما يعني أن القوة الشرائية الحقيقية ليست في يد عامة المصريين، لكن في يد قلة فقط وسبب ذلك يعود إلى انخفاض متوسط الدخول في مصر وتراجع حجم الطبقة الوسطى التي تعد عماد أي حركة اقتصادية في أي مجتمع.

* الرجل خلف الشعار > درس طارق نور التصوير الاعلاني في الولايات المتحدة الاميركية في بداية السبعينات في الوقت الذي لم يكن في مصر عدد كبير من العاملين في هذا المجال أو المهتمين به. وعند عودته الى مصر في عام 1973 التحق بالعمل في وكالة الاهرام للاعلان واستمر بها حتى كان قرار انشاء عمل خاص به. فأنشأ في عام 1978 وكالة طارق نور للاعلان التي كانت أول وكالة إعلان خاصة يتم إنشاؤها في مصر، وحاول من خلالها تطبيق كل ما تعلمه عن الاعلان في الخارج. وكان أهم شيء بالنسبة له هو تطبيق استراتيجيات الاعلان العلمي الحديث الذي يبدأ بدراسة السوق والمنتج والمستهلك الحقيقي له، بالإضافة الى دراسة الوسيلة الاعلانية ذاتها ومعرفة سماتها ومواصفاتها وغيرها من الامور التي لم يكن يتم التعامل بها في مصر في ذلك الوقت. كل هذا أكسب الوكالة ثقلا خاصا في بداياتها، لأنها كانت تتعامل على اسس وقواعد علمية في التعامل مع الاعلان. واشتهر نور بشعار شركته للاعلانات الذي يظهر اسمه ونصف وجهه باللونين الأبيض والأسود، وكان الشعار يظهر لثوان وراء الإعلانات التي ينتجها نور.