الوجه الآخر لـ «إل بي سي»

الفضائية اللبنانية تثير جدلا مجددا.. ولكن الأسباب مختلفة هذه المرة

TT

أثار إعلان المؤسسة اللبنانية للإعلام (LBCI) عن عرض الفيلم الوثائقي «المقايضة الكبرى» الذي يتحدث عن تبادل الأسرى بين لبنان وإسرائيل، ويتضمن صورا تعرض لأول مرة للطيار الإسرائيلي المفقود رون آراد، ضجة تجاوزت حدود لبنان ليستقطب اهتمام الإعلام الغربي، حتى أن قناة «سي إن إن» استضافت رئيس مجلس إدارة المؤسسة، بيار الضاهر، بشكل طارئ للحديث على الموضوع، ويعكس العمل وجها آخر للمحطة التي ترتبط بأذهان كثير من الناس في الجمهور العربي من خلال برامج المسابقات والترفيه الرائدة والجريئة المثيرة للجدل بعض الأحيان، كما في برامج «تلفزيون الواقع» مع «ستار أكاديمي» ومسابقات انتخاب ملكة جمال لبنان و«يا ليل يا عين» وغيرها... والتي تثير في العادة انتقادات كثير من المحافظين وبعض الفئات الاجتماعية المتشددة. وسجل مؤخرا لـ«LBCI» أنها نافست وبجدارة المحطات التلفزيونية الإخبارية، ليس في هذا العمل، على أهميته سواء لجهة توقيت العرض أو لجهة اختيار الموضوع وحصريته، وإنما في أعمال وثائقية سابقة، رغم أنها ليست قناة إخبارية متخصصة، إضافة الى البرامج الحوارية السياسية مع مارسيل غانم وشذا عمر وأخيرا مي شدياق الناجية من محاولة اغتيال سياسية، والتي شكلت إطلالتها في برنامج «بكل جرأة» حدثا إعلاميا، ميزته بشخصيتها وتجربتها الإنسانية والإعلامية وخبرتها. ويصف الإعلامي جورج غانم هذا الوجه بأنّه الوجه الأصلي للمؤسسة التي انطلقت إخبارية، لكنها تحولت الى المنوعات عندما أصبح طرح المواضيع السياسية دونه عقبات. وأضاف: «علاقة المحطة بالأعمال الوثائقية ليست وليدة المرحلة الحالية. وأول وثائقي عملت على إنجازه بالاتفاق مع رئيس مجلس الإدارة بيار الضاهر كان في عام 1992. عنوانه «بيروت: الحقيقة الضائعة». تناولت فيه الإعمار والهدم للعاصمة اللبنانية منذ الحقبة العثمانية وصولا الى مشروع إعادة إعمار وسط بيروت. إلا أن «ثورة الدواليب في 6 أيار التي أطاحت حكومة الرئيس عمر كرامي، أطاحت أيضا بالبرنامج».

المحطة الوثائقية الثانية كانت في عام 1996. يقول غانم: «خلال مرحلة الوصاية السورية، فكرتي كانت تأكيد حضور لبنان وامكانية استعادته بالحد الأدنى. لذا أعددنا أعمالا عن رؤساء لبنان الراحلين. بدأنا بالرئيس الراحل فؤاد شهاب الذي رفض الذهاب الى سورية للقاء الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر فاستقبله في خيمة نصبت على الحدود اللبنانية ـ السورية. وعن بشارة الخوري ثم شارل الحلو وكميل شمعون».

وثائقي كمال جنبلاط كان أعد بالتزامن مع المصالحة التي شهدها جبل لبنان بين المسيحيين والدروز إثر زيارة البطريرك الماروني نصر الله صفير. كان من المفروض ان يعرض في عام 2003. لكن الظروف أجلته الى عام 2005. وتلاه وثائقي عن المفكر ميشال شيحا تحت عنوان «كنا وسنبقى». عندما قتل الرئيس رفيق الحريري قدم غانم وثائقيا عنوانه: «كلنا للوطن»، استعاد خلاله مرحلة كبيرة من تاريخ لبنان وشهيده.

أما «المقايضة الكبرى» فله حكاية ثانية. وقد اشترته المؤسسة بثمن مرتفع. وذلك لأن مادته تستحق الحصول على حصرية عرضها. ويقول غانم الذي اشرف على المراحل الأخيرة من المونتاج إن «المادة المشهدية الأساسية هي للصحافي إبراهيم الأمين، الذي أحضر شريطا يصور خطف الجنود الإسرائيليين في السابع من اكتوبر (تشرين الأول) 2000. كما أحضر معلومات عن المفاوضات التي جرت لإنجاز عملية التبادل. أما الجانب الذي يعكس وجهة النظر الإسرائيلية ويمد الوثائقي بمعلومات من الجانب الآخر فقد تولتها شركة فرنسية». تابع غانم مع الضاهر تنفيذ التعديلات التي طلبها إبراهيم الأمين، لكن الموضوع تأخر بسبب التطورات السياسية. ثم كانت جلسات الحوار التي وضعت على جدولها مسألة الاستراتيجية الدفاعية. «والأمر يتعلق بمحتوى الوثائقي فانتظرنا حتى تتبلور فكرة هذه الخطة، ثم كانت حرب 12 يوليو (تموز) التي بدأت بأسر «حزب الله» جنديين إسرائيليين. تم تعديل الحلقة الأولى وأضيفت اليها فقرة لتبرز ما حصل». ويقول مخرج الفيلم فيليب بجاني إن «المادة الأساسية للفيلم قدمتها المقاومة، وتحديدا التفاصيل الخاصة المتعلقة بعملية أسر الجنود الإسرائيليين في أكتوبر (تشرين الأول) 2000. كذلك المقابلة التي أجراها إبراهيم الأمين مع الأسير الإسرائيلي، الحنان تتنباوم. بجاني نفذ الاجزاء المتعلقة بالأسرى اللبنانيين وقضية سمير القنطار كما قدمها شقيقه بسام. أما تنفيذ الجانب الاسرائيلي فقد اقترح على المؤسسة اللبنانية للإرسال الاستعانة بخدمات الشركة الفرنسية.

وهو يصر على أن الموضوع الأساسي الذي يهدف اليه الوثائقي قضية لبنانية تم تجاهلها كثيرا. وأهمية هذا العمل إضافة الى حصريته تكمن في عرضه قضية إنسانية. وعن الاهتمام الغربي الحالي بالوثائقي قبل عرضه يقول بجاني: «للأسف الاهتمام الغربي اقتصر على نقطة واحدة تتعلق برون آراد. أما ما يتعلق بالأسرى اللبنانيين فلا يستحق الاهتمام. مع أن معركة الأسرى هي صناعة إسرائيلية لأنها البادئة بالأمر. والجانب اللبناني اضطر للعثور على الحل عبر خطف الجنود للمقايضة بهم وتحرير أبنائه. وفي الفيلم يمكن أن نرى أن الجانب الاسرائيلي كان وعد بإطلاق سمير القنطار خلال المفاوضات غير المباشرة التي تولاها الوسيط الألماني، ثم نكث بوعده، ما اضطر الجانب اللبنانيين الى توجيه الإنذارات مرة تلو الأخرى وصولا الى قرار الخطف وتنفيذه».

ولكن بهذه الرؤية وهذا الحماس، لماذا لا تطلق «إل بي سي» قناة إخبارية خاصة بها.. خصوصا أنها كانت أعلنت قبل سنوات تعاونا استراتيجيا مع صحيفة «الحياة». يعود غانم ليقول: «نحن أساسا كنا بدأنا التحضير لمحطة اخبارية وعملنا لتحقيق هذا الهدف. لكن المشروع تعثر لأسباب لا أعرفها. وحاولنا التعاقد مع شريك جديد، لكن الأمر لم ينجح. كذلك فكرنا أن نطلق المشروع بمفردنا لكن الأوضاع الحالية لا تسمح لوجستيا بذلك».