صحافي أميركي تسلل إلى دارفور عبر قناة «الجغرافيا».. فهل يدخل صفحات «التاريخ»؟

خُطف وصحافيا «فوكس نيوز» في فترة متقاربة.. إلا أنه لم يحظ بنفس الاهتمام الإعلامي وبقي مصيره معلقا

TT

لم تحظ قضية الصحافي الاميركي بول سالوبك، الذي يقبع حالياً في سجن مدينة الفاشر «دارفور» السودانية، بالاهتمام الذي حظيت به قضية اختطاف الأميركي ستيف سينتاني، والنيوزيلندي أولاف ويج من شبكة «فوكس نيوز» في غزة.

ويخضع سالوبك، وهو كاتب في صحيفة «شيكاغو تربيون» ومراسل لقناة «ناشونال جيوغرافيك»، للاحتجاز منذ السادس من أغسطس (آب) الماضي. أما لماذا لم يسمع عنه البعض فيما الكثيرون عرفوا باحتجاز صحافي «فوكس» في غزة؟، فلعل ذلك مرجعه هو اثارة شبكة «فوكس نيوز» الموصوفة بكثرة بأنها ذات توجه يميني ومتعاطف مع اسرائيل، ضجة وضجيجاً حول قضية فريقها الصغير في غزة، على الرغم من ان متحدثاً باسم الشبكة نفى ذلك في اتصال مع «الشرق الاوسط»، وقال «غطينا الحدث بكيفية موضوعية، على الرغم من ان الفريق ينتمي الى الشبكة وكانت حياتهما عرضة للخطر». بيد ان الشبكة عمدت في الواقع الى «قصف» وسائل الاعلام الاخرى بسيل من الاخبار حول تطورات قضية خطف الصحافيين في غزة بحيث يبدو ان الآخرين هم الذين يتحدثون عن الموضوع وليس «فوكس نيوز».

لكن جيلي هالار، الخبيرة في مجموعة «ميديا واتش»، التي تراقب حيادية الاخبار ونزاهتها ومقرها في نيويورك، ترى ان سبب اهتمام وسائل الاعلام الاميركية بقضية فريق «فوكس نيوز»، في حين بقيت قضية سالوبك في الظل، مرده الى ان القضية الاولى تتعلق بعمل «ارهابي»، في حين ان القضية الثانية لا تعدو ان تكون ملاحقة سلطات حكومية لصحافي بارتكاب مخالفات. واوضحت هالار «قضايا الارهاب تنال أهمية قصوى في وسائل الاعلام الاميركية بغض النظر عن اطرافها.. ثم ان حياة فريق فوكس نيوز كانت عرضة لخطر داهم، في حين ان الخطر الذي يواجهه بول سالوبك هو السجن»، وقالت هالار، التي كانت تتحدث مع «الشرق الاوسط» هاتفياً من نيويورك «هناك ايضاً عوامل اخرى جعلت الاعلام الاميركي يهتم بقضية اختطاف فريق فوكس نيوز، منها ان العملية تمت في غزة وكان اهتمام العالم مسلطاً على المنطقة بسبب الحرب في لبنان، ثم ان هناك شرائط فيديو جعلت المتابعة متاحة لشبكات التلفزيون، وهناك قطعاً طابع الاثارة في الموضوع».

ورداً على سؤال حول ما إذا كان التركيز ايضاً سببه ان الامر يتعلق بصحافة مرئية في حالة «فوكس نيوز» وصحافة مقروءة في حالة بول سالوبك، الذي كان يعمل لصالح مجلة «ناشونال جيوغرافيك»، قالت هالار «لا اظن ان الامر يتعلق بالتقليل من اهمية الصحافة المكتوبة، بل هو اهتمام الاميركيين بموضوع «الارهاب»، وافضل مثال على ذلك هو التغطية الواسعة التي حظيت بها قضية جيل كارول الصحافية التي اختطفت في بغداد وكانت تعمل متعاونة فقط مع صحيفة كريستيان ساينس مونيتور».

وبشأن قضية بول سالوبك فإن المعلومات التي حصلت عليها «الشرق الاوسط»، من مصادر اميركية وسودانية، تفيد بأن هذا الصحافي، الذي نال جائزة «بوليتزر» مرتين، وهي أرفع جائزة صحافية اميركية، اجتاز الحدود السودانية من تشاد رفقة سائق يدعى ادريس عبد الرحمن، ومترجم يدعى سليمان ابكر، في إطار عمله مع مجلة «ناشونال جيوغرافيك»، لانجاز تحقيق موسع حول موضوع «ثقافة الساحل الافريقي»، وكان سالوبك طلب عطلة مفتوحة من صحيفة «شيكاغو تربيون» للتفرغ لاعداد هذا التحقيق. لكن الجانب الغامض في قضية عبور سالوبك للحدود من تشاد الى اقليم دارفور المضطرب في غرب السودان، اضافة الى عدم حصوله على تأشيرة دخول من السلطات السودانية، هو ان هذه السلطات تزعم ان المترجم الذي يعمل معه هو في الواقع ضابط برتبة ملازم في الجيش التشادي، وهو ما جعل الخرطوم تبادر الى اتهام سالوبك «بالتجسس»، على الرغم من اطراف داخل الحكومة السودانية تحفظت على هذه الاتهامات، وقالت بأنها «متسرعة أكثر من اللازم»، لكن جناحاً آخر في السلطة يرى ان الصحافي الاميركي تعمد في عدة تقارير «تشويه سمعة البلاد». يذكر انه في فبراير (شباط) عام 2003، نشرت مجلة «ناشونال جيوغرافيك» تقريراً قاتماً عن السودان كتبه سالوبك عن تأثيرات الاكتشافات النفطية على السودانيين. ولعل من سوء حظ او ربما من حسن حظ سالوبك، ان اعتقاله في دارفور وتقديمه للمحاكمة في الفاشر تزامن مع زيارة صعبة كانت تقوم بها جينداي فريزر مساعدة وزيرة الخارجية الاميركية للشؤون الافريقية الى الخرطوم لتسليم رسالة من الرئيس جورج بوش الى الرئيس السوداني عمر حسن البشير، حول نشر قوات الأمم المتحدة في دارفور. سوء الحظ مرده الى ان سالوبك اصبح جزءاً من ملف العلاقات الاميركية ـ السودانية المتردية، وحسن الحظ ان فريزر التي تلكأ البشير في استقبالها بحجة «كثافة جدول اعماله»، طرحت مع الرئيس السوداني قضية سالوبك. وفي هذا الصدد قال الخضر هارون، سفير السودان في واشنطن، لـ «الشرق الاوسط»: «استطيع التأكيد ان جينداي فريزر طرحت الموضوع على الرئيس البشير الذي ابلغها بأن القضاء في السودان مستقل، لكنه سيعالج الموضوع من الزاوية الانسانية». وبناء على هذه التداعيات اصدرت الخارجية الاميركية بياناً يحذر الصحافيين الاميركيين من دخول دارفور من دون تأشيرة. والمرجح ان يعلن ان «العفو» عن سالوبك تم بناء على وساطة من الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر، وتأكد لـ «الشرق الاوسط»، ان مركز كارتر ناشد فعلاً السلطات السودانية الافراج عن سالوبك. وفي هذا السياق قالت جنيفر ساشز من المركز «نبذل مساعي في هذا الصدد، لكن ولضمان نجاح هذه المساعي، لن نتطرق للتفاصيل». وفي السياق نفسه قال السفير السوداني «بالفعل اتصل بنا اعضاء في الكونغرس وحكام ولايات تلقينا ايضاً رسالة من الرئيس كارتر تطلب الافراج عن الصحافي سالوبك واحلنا كل هذه الطلبات والمناشدات الى الخرطوم».

وعلمت «الشرق الاوسط» كذلك ان كريس جونز، رئيس تحرير «ناشونال جيوغرافيك»، التقى السفير السوداني في واشنطن مرتين في إطار السعي لايجاد تسوية ودية للموضوع.

وتلقت «الشرق الاوسط» بياناً من جونز يحتج فيه على اتهام سالوبك بـ «التجسس»، واوضح البيان ان الصحافي كان في رحلة لإعداد تقارير عن حضارة وتاريخ الساحل الافريقي لمجلة «ناشونال جيوغرافيك». وقال البيان «مجلة ناشونال جيوغرافيك تحتج بشدة على هذا الاتهام وتلتمس من السودان الإفراج فوراً عن سالوبك وعن التشاديين اللذين كانا معه». ويقول جونز في بيانه «بول سالوبك كان في مهمة.. لكتابة مقال تحليلي شامل عن منطقة الساحل، ولم يكن له أي هدف سوى تقديم تقرير منصف ودقيق عن المنطقة. وهو صحافي على أرفع مستوى معروف عالمياً، كما أنه على قدر كبير من العلم بالقارة الإفريقية ويكن احتراما شديدا لهذه القارة وشعوبها».