ما الذي يتطلبه كسر حاجز اللغة

«إم بي سي» تدرس مشروع قناة انجليزية.. وحديث عن رفض توزيع «الجزيرة» الدولية في أميركا

TT

على الرغم من وجود قناعة لدى كثير من العرب بأنّ مشكلتهم مع الغرب هي مشكلة «تواصل»، وأنّ ما لم يساعد ولا يزال يعيق حل قضاياهم هو عدم وجود «صوت» لهم يصل لمراكز صناعة القرار الدولية، وعلى الرغم من وجود مباركة وميزانية من جامعة الدول العربية تقضي بإطلاق فضائية عربية مشتركة باللغة الانجليزية منذ سنوات، إلا ان العرب حتى الآن لم يطلقوا «صوتهم» الموعود إلى الغرب، فيما عدا محاولات فردية من قنوات تلفزيونية وإذاعية وصحف ومجلات اعاقها صغرها ومحدودية وصولها وسوء التنظيم او التمويل. ومع أن العرب هم من يشكون دائما من الظلم والاعتداء، فإن ما يبدو هو أن الغرب، بشكل عام، اكثر حرصا على ايصال صوته للعرب وتوضيح وجهات نظره. ففي حين تقاتل الفضائية العربية المشتركة الناطقة بالانجليزية كي تولد.. قام «الغرب»، بتحركات جادة تسعى للتواصل مع العرب بلغتهم، ففي العام 2003 مثلا انطلقت قناة «الحرة» الأميركية الناطقة باللغة العربية، وحدد عام 2007 موعدا لانطلاق قنوات التلفزيون العربي لهيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي). والتلفزيون العربي التابع للقناة الإخبارية الفرنسية التي تنوي تدشينها بنسختها الانجليزية بنهاية العام الحالي مع موقع الكتروني مرافق باللغة العربية في الوقت نفسه. ومن المفترض ان ينطلق في نفس الفترة كذلك، تلفزيون «روسيا اليوم». إلا ان البعض يرى بصيص أمل في قناة «الجزيرة» الدولية، التي ستبث باللغة الانجليزية، والتي تأجل اطلاقها اكثر من مرة... وإن كانت القناة لم تعلن أن هدفها هو «ايصال صوت للعرب للغرب» فإن الكثيرين يأملون بأن تقدم «صوتا مختلفا» عما تقدمه كبريات القنوات الإخبارية الأوروبية والأميركية. ومن جهتها تقول مديرة العلاقات العامة للقناة القطرية في أوروبا، كايتي برجويس، أنه لم يتم تحديد تاريخ محدد لانطلاق القناة بعد، مضيفة في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» انه ليس بوسعها الخوض في السياسة التسويقية للمحطة حتى يعلن ذلك (تاريخ اعلان التدشين)، كما انه ليس بوسعها التأكيد ان كانت القناة الانجليزية ستطلق في الذكرى العاشرة لتأسيس القناة العربية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل (دشنت فضائية «الجزيرة» في نوفمبر عام 1996). من جهة ثانية دار في الأسبوع الماضي حديث في دبي حول نية مجموعة «أم بي سي» (التي تتضمن قناة «العربية» الإخبارية) اطلاق قناة إخبارية باللغة الانجليزية. ونقلت مطبوعات عن مالك والرئيس التنفيذي للمجموعة، وليد بن إبراهيم الإبراهيم قوله ان هناك خطة تدرس حاليا لإطلاق هذه القناة. إلا أن الإبراهيم أوضّح نقاطا لافتة في حديث له مع «الشرق الأوسط» حول هذا المشروع، حيث قال ان فكرة افتتاح قناة باللغة الانجليزية هي «إحدى عشرات الأفكار المطروحة على طاولة الاقتراحات»، إلا أنه في الوقت ذاته أستبعد القيام بهذا المشروع في الوقت الحاضر، مرجعا ذلك لصعوبة تنفيذه.

وأوضح الإبراهيم كذلك بأن القناة، في حال اطلقت، لن تكون موجهة للغربيين، قائلا «ستوجه الي الجيل الثاني والثالث من الجاليات العربية والمسلمة وذلك طمعا في اعادة النظر في علاقاتها مع ثقافتنا وتوطيد العلاقة الخاصة مع بلادهم الأصلية». ويرى الإبراهيم انه لا يمكننا منافسة قنوات مثل الـ«سي ان ان» او الـ«بي بي سي».

إذا فمشروع مجموعة «أم بي سي» اذا انطلق فهو لن يسعى لمنافسة القنوات الإخبارية العالمية، وبذلك يبقى السؤال حول مدى قدرة قناة «الجزيرة» الدولية (الانجليزية) على المنافسة. يرى هشام تنير، المدير الاقليمي لشركة «ستاركوم» لشراء وتخطيط الحملات الاعلانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، أن المنافسة فيما يتعلق بالأسواق الاوروبية والأميركية ستكون صعبة امام القنوات العربية الناطقة بالإنجليزية، اذا ما اخذنا بالاعتبار التغطية العميقة والمنوعة التي تتمتع بها الشبكات الاخبارية العالمية. ولكن تنير يشير في الوقت ذاته الى ان قناة «الجزيرة» تتمتع بخاصية كون اسمها التجاري من الاسماء التجارية الاكثر قيمة في العالم. ويضيف في حديثه مع «الشرق الأوسط» أن قناة «الجزيرة» تمكنت من «بناء صورة قوية لها كماركة خصوصا فيما يتعلق بقدرتها على الحصول على اشرطة بن لادن حصريا والتي تنقل على كافة القنوات». ويضيف «ولكن بالنسبة لقدرتها على سحب مشاهدين من الـ«سي ان ان» والـ«بي بي سي»، اعتقد انها ستستطيع جذب بعض المشاهدين وحسب.. لأن القناة مهما فعلت فهي ستبقى قناة عربية تبث للغرب مما قد يؤدي الى تردد بعض المشاهدين هناك في قبولها كمصدر اساسي للاخبار... سيقبلها بعض المستشرقين والمنفتحين والذين يعطفون على العالم العربي باعتباره مظلوما، ولكني اعتقد ان العامة في الغرب لن يصدقوها حتى يروا الامر على الـ«سي ان ان» او الـ«بي بي سي». ويضيف هشام «نحن الان نتوقع والقناة لم تطلق بعد.. وربما حملت لنا مفاجئات غير ما توقعناه». ولكن هل ستستطيع قناة «الجزيرة» القطرية أو أي قناة عربية أخرى تقرر النطق باللغة الانجليزية الانطلاق، والاعتماد حصريا على الدخل الاعلاني في استمرارها؟ يقول تنير «لا توجد قناة (عربية) قادرة على الصمود بمفردها.. اعطني مثالا واحدا عن قناة تلفزيونية في الوطن العربي قادرة على الاستمرار بدون دعم من أحد معين ؟». ويقول «ربما مجموعة ام بي سي لحد ما مؤخرا.. ولكن في بدايتها لم تكن قادرة تجاريا». ويخلص تنير إلى اعتبار أن «السوق الإعلاني التلفزيوني في العالم العربي ليس كبيرا بما فيه الكفاية لجعل هذه القنوات تصبح مستقلة وقابلة للصمود تجاريا». وهنا يطرح سؤال نفسه وهو كيف ترى كبريات القنوات الاخبارية العالمية اهتمام الشبكات العربية باطلاق قنوات انجليزية؟ متحدثة باسم شبكة «سي إن إن» قالت لـ «الشرق الأوسط» انه «من الصعب التعليق على أمر لم نشاهده بعد»، مضيفة ان «المنافسة هي أمر صحي دائما، وهي تساعد قطاع صناعة الأخبار التلفزيونية على النمو من جهة التوزيع وبيع المحتوى». من جهتها تعلق كارولين غيبسون ـ نائب مدير المبيعات لـ«بي بي سي» في منطقة اوروبا، الشرق الاوسط، أفريقيا وأميركا الشمالية في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بقولها «نحن نرحب باضافة هيئة بث دولية جديدة في السوق.. الأمر الذي سيساهم في الحفاظ على شهية الجمهور للاخبار الدولية. وذلك كان جزءا من الوقود للنمو الديناميكي لقناة بي بي سي ورلد حول العالم وفي منطقة الشرق الاوسط». وتستطرد قائلة «جمهورنا في الشرق الاوسط نما بثلاثة اضعاف في السنوات الخمس الماضية.. كما انطلقنا الى داخل السوق الاميركي مؤخرا حيث تم استقبالنا بشكل جيد بسبب تقديمنا لصوت مميز ونظرة بديلة لمجريات الاحداث في العالم». وتضيف غيبسون «وتريد قناة الجزيرة فعل الامر ذاته (الذي فعلته البي بي سي)، ولكن ما يجب معرفته هو ما نوعية الصوت الذي تريد الجزيرة تقديمه، واضعين في عين الاعتبار أن معظم موظفيها الاساسيين اتين من قناتي البي بي سي والسي ان ان». وتوضح «لدى الجزيرة تأثير كبير في منطقة الشرق الاوسط ولكن في الاماكن الاخرى عليها أن تتحرر من صورتها المرتبطة بالإثارة ان ارادت الفوز ليس فقط بالمدخول الاعلاني ولكن عقود التوزيع الثمينة كذلك... حيث كان هناك نفور من موزعي خدمة الكيبل في السوق الاميركي، الهام للغاية، بسبب عدم وضوح كم ستختلف القناة الانجليزية عن القناة الأم، قناة الجزيرة العربية». كلام غيبسون يأتي متطابقا مع ما أوردته بعض المدونات والمواقع الإعلامية على الإنترنت ومتوافقا مع استطلاع رأي نفذته هيئة المراقبة الإعلامية الأميركية «أكيوراسي ان ميديا» A I M الأسبوع الماضي يفيد بأن الأميركيين يجمعون بنسبة 2 إلى 1 على أن الحكومة عليها منع وصول القناة الى الولايات المتحدة. ويضيف الاستطلاع أن أكثر من نصف الأميركيين (53%) يعارضون إطلاق القناة، فيما يناصرها 29%. (يذكر ان A I M توصف من قبل بعض هيئات المراقبة الاعلامية الاخرى بانها تميل لاتجاه المحافظين).

وعلى الرغم من اجابة مديرة العلاقات العامة لقناة «الجزيرة» في أوروبا، كايتي برجويس حول معظم استفسارات «الشرق الأوسط»، الا انها رفضت التعليق حول مسألة نفور موزع الكيبل في الولايات المتحدة من توقيع عقد توزيع للقناة الجديدة، مضيفة أن الإجابة حول هذا الموضوع تتطلب تعليقا من المديرة التجارية، لينسي أوليفر. وحول امكانية الحصول على اجابة من أوليفر قالت كايتي «انها (أوليفر) لن تكون متوفرة للتعليق». وحول أسباب التأخر المتكرر في إطلاق القناة، تقول كايتي إن المسألة متعلقة بـ«انتظار القناة لموافقة الفريق التقني على الانطلاق». وفي نفس الوقت تقول كايتي إن المحطة لا تواجه أي صعوبات، وإنما تتعامل أكثر التقنيات الموظفة لقناة أخبار دولية تعقيدا على الإطلاق، مما «سيسمح لنا بالبث عبر تقنية التلفزيون العالي التعريف (هاي ديفنيشن ـ أو «إتش دي»)، وسيكون من المؤذي الانطلاق حتى ولو بدقيقة قبل الوقت المناسب». ولكن إن فرضنا ان تأخير اطلاق القناة كان بالفعل بسبب رغبتها في الانطلاق عبر تقنية التلفزيون عالي التعريف، فهل ذلك خيار استراتيجي سليم؟ سيما ان تأخر انطلاق القناة تسبب بفقدانها لما قد يعتبره اعلاميون عدة «فرصة ذهبية» لاثبات جدارتها وقدرتها على توفير صوت مختلف في اوروبا وأميركا خلال الازمة الاخيرة التي عاشها لبنان في شهر مؤخرا. ستيف غولد، وهو صحافي بريطاني متخصص في تقنية المعلومات لا يرى أن خيار «الجزيرة» كان استراتيجيا، ويقول في حديث مع «الشرق الأوسط»، بأن نظام التلفزيون العالي التعريف «لا يزال جنينا خصوصا في المملكة المتحدة واوروبا»، وهما سوقان اساسيان. ويضيف «يقاس عدد مشاهدي التلفزيون العالي التعريف في المملكة المتحدة وأوروبا بعشرات الآلاف مقابل عشرات الملايين الذين يشاهدون البث الفضائي العادي عبر اقمار استرا وهوتبيرد على سبيل المثال». اضافة الى ذلك يوضح غولد بأن عدد التسجيلات المنفذة بتقنيات «هاي ديفنيشين» والمتوفرة لهيئات البث لا تزال قليلة للغاية، وسيتطلب الامر سنوات عدة لتغير ذلك، هذا الى جانب ان بث اشارات الهاي ديفنيشن اعلى بكثير من بث اشارات التلفزيون الرقمي العادي عبر القمر الاصطناعي». ويعتبر ستيف غولد ان ادعاء «الجزيرة» بأن تأجيل الانطلاق مرتبط باجرائها لتجارب البث عن طريق تقنية «هاي ديفنيشين» قد تكون مجرد غطاء للاسباب الحقيقة لهذا التأخير. من جهتها تعود كايتي برجويس لتقول ان من أولويات قناة «الجزيرة» الدولية ان تكون اول شبكة تلفزيونية عالمية تبث بنظام «اتش دي»، وتضيف «نحن نفخر بأن نضع المعايير التقنية اضافة الى المعايير الصحافية». وتوضح «نريد بدء البث ولكن عدد مستخدمي نظام اتش دي لا يزال قليلا، لأننا نرغب في قيادة الثورة.. باعتبار ان المحتوى الذي سنقدمه هو ما سيدفع الناس الى التحول الى هذا النظام، ولن يكون منطقيا لنا الانتظار حتى ينمو عدد مستخدمي الهاي ديفنيشن». وتختم كايتي كلامها بالقول «سننتظر حتى يكون المنتج جاهزا قبل ان نقدمه للناس». شارك في اعداد هذه المادة: سلمان الدوسري من دبي

* القناة الناطقة بالانجليزية.. «حلم عربي»؟

* القاهرة: سوسن أبو حسين

* لطالما تحدث العرب عن ضرورة اطلاق «صوت» خاص بهم لتوضيح الصورة وحقيقة الاعتداءات التي يتعرضون لها، وفي اكثر من مناسبة وضعت مبادرات ومشاريع على مستوى جامعة الدول العربية.. إلا أن أيا من هذه المشاريع لم ينفذ. في عام 2002 طرحت الجامعة العربية، فكرة إنشاء قناة فضائية عربية، تبث برامجها باللغة الانجليزية لتحسين صورة العرب، ولكن المشروع لم يترجم على الواقع حتى الآن، رغم أن قمتي الجزائر وتونس تبنتا وضع استراتيجية عربية إعلامية، يشارك فيها جميع وسائل الإعلام العربية وخلال اجتماعات وزراء الإعلام العرب خاصة فى دورتي يونيو (حزيران) عام 2004 و2005 حيث أكدت القرارات أهمية الالتزام بما ورد بشأن دور الإعلام في التصدى للارهاب، وبعد اشراك الجامعة العربية المجتمع المدني في العمل العربي المشترك، اقترح الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى إسناد فكرة انشاء القناة الفضائية العربية، الى القطاع الخاص العربي ورجال الأعمال، بما يخدم المصالح العربية. يذكر أن اسناد هذا المشروع الى المستثمرين العرب، جاء بعد تحديد مبلغ 20 مليون دولار لانجاز هذه المهمة، وبعد مناقشات في اجتماع وزراء الاعلام العرب، دون التوصل الى اجراء تنفيذي اقتنع الجميع بأن القطاع الخاص العربي يتولى ذلك بعيدا عن الخطوات الروتينية التي عطل انطلاقة هذا المشروع، من جهته يقول عبد العزيز نائب رئيس قطاع الإعلام في الجامعة العربية، بأن تنفيذ المشروع ما زال قيد المناقشة والحوار، ولم يقع الاختيار بعد على شخصية بعينها، واكتفى بالقول إن مجموعة من القطاع الخاص العربي، أبدت الاهتمام بإطلاق قناة عربية، تبث برامجها بالانجليزية في دول لها ثقل اعلامي، حتى تقدم الهدف الذي استدعى وجود هذه القناة.