أميركا.. قضية «هيوليت باكارد» تعيد تسليط الأضواء على تداعيات «التسريب» للصحافيين

TT

اتسمت الفترة الأخيرة بكونها مشحونة بالتسريبات، وهي مجاز لأحداث في شركة «هيوليت باكارد» وقاعة محكمة في سان فرانسيسكو. ومن عادة التسريبات أنها تميل الى مهاجمة السفن غير الصالحة للابحار في البداية، وأنها تميل الى الكشف عن أسوأ ما في الناس.

وفي حالة عدم معرفتك بالأمر فإنه من مارس (اذار) 2005 حتى مايو (ايار) 2006 انشغلت هيوليت باكارد، التي كانت يوما ما رمز وادي السليكون، في عملية مراقبة متطفلة بل وغير قانونية وهي تحاول أن تكتشف التسريبات عن اجتماعات مجلس ادارتها. وقد حرضت محققين على أن يتابعوا أعضاء مجلس ادارتها وعوائلهم والمتحدثين باسمها والرئيس التنفيذي السابق للشركة وصحافيين وزوجاتهم بل وحتى والد أحد الصحافيين. بل وتابع مستأجرو الشركة أولئك المتهمين بطرق مختلفة. فقد سعوا الى الحصول على تسجيلات هواتف أولئك الأشخاص. وفكرت الشركة بزرع جواسيس في صالات الأخبار في صحيفة وول ستريت جورنال وموقع «سي نيت» وحاولت ان تدخل الى كومبيوتر احدى الصحافيات برامج تجسس يمكن أن تسجل من تحول اليه المعلومات او المواد المرفقة.

غير ان اعتذارا علنيا جرى الأسبوع الماضي، ولكن الشخص الوحيد الذي طاله العقاب هو رئيسة الشركة باتريشيا دون. التي كانت ستترك العمل في كل الحالات، ولكن الشركة طردتها في الحال بدلا من السماح لها بالبقاء حتى يناير المقبل. وفي غضون ذلك منح مارك هيرد الرئيس التنفيذي للشركة، الذي كان ينبغي أن يكون على معرفة بما يجري باسمه ولكن من الواضح انه لم يكن على علم، وظيفة دون بينما بقي محتفظا بمنصبه. وفي سان فرانسيسكو في غضون نفس الاسبوع اصدر القاضي جيفري وايت قرارا بأن مارك فينارو ـ و اد ولانس ويليام، وهما صحافيان من «سان فرانسيسكو كرونيكيل» كشفا فضيحة متعلقة بتعاطي رياضيين للمنشطات (الاستيرويد)، يجب ان يقضيا في الحبس فترة أطول من المتهمين الآخرين في قضية مخدرات بالكو لانهما استخدما شهادة سرية لهيئة المحلفين العليا ورفضا الإفصاح عن المصدر. وفيما اصبح الهوس بالتسريبات والاستعداد للمضي الى اي مدى بشأنها من المسائل الشائعة، فقد استجابت الادارة الحالية لقصتين مهمتين، بما في ذلك اثنتان فازتا بجائزة بوليتزر، بتتبعها للمصادر. فبعد ان كشفت دانا بريست، الصحافية في «واشنطن بوست»، قضية السجون السرية التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية، تعقبت الادارة الاميركية وفصلت من العمل سيدة يزعم انها المصدر، كما تعمل ادارة بوش حاليا على معرفة هوية المصادر التي من المحتمل ان تكون قد سربت معلومات الى مراسلي «نيويورك تايمز» جيمس رايزن وايريك ليتشبلاو، للحلقات التي نشراها حول برنامج «وكالة الأمن القومي» للتنصت على المكالمات الهاتفية. كما يجب ألا ننسى انه عقب صحافي التحقيقات جاك آندرسون سعى مكتب المباحث الفيدرالي الى الحصول على سجل لمصادره. ولا تحتاج الحكومة في حاجة إلى أن تذهب الى ابعد مدى في محاولة تبريرها لسجلات الهاتف. حيث انها يمكن ان تستخدم اوامر الاستدعاء القضائية. وعلى الرغم من عدم توفر أرقام، فإن لوسي دالغليش، المديرة التنفيذية للجنة المراسلين من اجل حرية الصحافة، قالت ان اوامر الاستدعاء القضائية من وزارة العدل طالت عشرات الصحافيين خلال السنوات القليلة الماضية وهي ظاهرة لم تكن معروفة في اوساط الصحافيين، فيما هناك مساع داخل الكونغرس تدعمها الادارة الاميركية تهدف الى تشديد العقوبات على خرق القيود ذات الصلة بالإفصاح عن المصادر السرية للحكومة. وقال دالغليش «نحن في منطقة جديدة هنا. عملي تبدل تبدلا كبيرا في السنوات الثلاث الماضية. لقد تحولنا من مجرد تقديم معلومات للصحافيين حول كيفية تجنب ذكر اسمائهم في قضايا تعويض الى ابلاغهم كيفية تجنب دخول السجون لمدة 18 شهرا او توجيه الاتهام لهم بالتجسس».

ان القدرة على تجميع شبكة من المصادر الموثوق بها هي واحدة من الكتل الاساسية في الصحافة. وبدونها، فإن عالم الاعلام، سيعتمد على التصريحات الرسمية فقط. ولا يعلم احد عدد الروايات التي لم تشر لها وسائل الاعلام، وعدد الامور التي لم يتم الكشف عنها، نتيجة للزيادة في استدعاء الصحافيين. وذكر محام لصحف هيرست لصحيفة سان فرانسيسكو كرونيكل ان تحقيقا انهار بسبب البرودة المنتشرة في الجو.

ويضطر العديد من الصحافيين الى التصرف مثل عناصر وكالة الاستخبارات المركزية، فيتولون تشفير الملفات، وتقطيع التعليقات واغلاق الهواتف الجوالة. ولكن التقدم التكنولوجي يجعل محاولات تحديد من اين خرجت التسريبات اكثر سهولة. وفي الواقع فإن كونك تستحق نشاط مكافحة التجسس هو مديح. فهناك ذلك الشعور بالاساءة بين الصحافيين الذين يتمكنون من التغلب على التقنيات المتقدمة، الذين لا يستحقون التجسس عليهم من قبل هيوليت باكارد، مثل اكتشاف انك لست في قائمة اعداء نيكسون.

ويبدو ان الامر اصبح اعتياديا. سواء كان المظلوم هو الحكومة او القطاع الصناعي الخاص.

ويوضح مارك راش المحامي المتخصص في جرائم الكومبيوتر والقضايا الاجتماعية، والذي كان يعمل من قبل في وزارة العدل «كل شركة ومؤسسة لديها رد فعل عكسي حول الاخبار الصحافية السيئة. ويبدو انهم يعتقدون ان المشكلة ليست الحقائق الضمنية ولكن انه يكتب عنهم».

* خدمة «نيويورك تايمز »