ماذا لو؟

لبنان.. حملة إعلانية تحذر من قباحة ما قد تؤول إليه الأوضاع إن استمر النهج الطائفي

TT

بعد انتهاء حرب يوليو (تموز) التي عاش لبنان جحيمها المدمر ولا يزال يعيش تداعياتها السياسية نشطت الاعلانات السياسية التي عادة ما كانت ترافق الحملات الانتخابية في الغالب، حيث غزت الطرق في كل المناطق مع اختلاف في مصدرها، أي هوية المعلن. ففي مناطق الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب اللبناني كثرت مثلا لافتات تحمل عبارات «النصر الالهي» وغيرها للدلالة على استثمار ما حققه «حزب الله» في الحرب، فيما رفعت لافتات أخرى صور الرئيس رفيق الحريري وجميع الذين استشهدوا في عمليات الاغتيال الى جانب عبارة «لن ننسى»... وكانت لافتات تدعو الى الاعمار قد رفعت فور انتهاء الحرب لتغيب اليوم لمصلحة النزاعات على الساحة اللبنانية التي فرضت وجودها على اعلانات من نوع جديد تنتقد الطائفية بأسلوب مبتكر.

وليس بعيدا عن هذه الاعلانات والموجة المنتشرة في لبنان اليوم، تفاجأ اللبنانيون مؤخرا وقبل اغتيال الوزير بيبر الجميل بأيام بحملة اعلانية شاملة، رسمت للوهلة الأولى تساؤلات تراوحت بين الاعجاب والرفض، فقارئ عبارات «مبنى برسم البيع للدروز فقط»، أو «موقف للموارنة فقط»، أو «طبيب متخصص بالمسلمين السنة»... وغيرها من اللوحات الاعلانية التي تحمل صورا خيالية يستطيع ان يرى مدى القبح الذي قد يصل اليه المجتمع عبر الاستمرار في نهج الطائفية.

والهدف الذي عملت على أساسه جمعية «أمام 05» المنظمة للحملة، وبكل بساطة يرمي الى بث رسالة الى اللبنانيين، مفادها تحذيرهم من مغب الوقوع في الفتنة والانجرار الى حرب أهلية، وبالتالي الوصول الى نتائج لا تحمد عقباها، وهذه الاعلانات ليست الا صورة مصغرة عما يمكن ان يحدث. هذا ما قاله بشارة مزنر، المدير التنفيذي لقسم الابداع في شركة «ليو بورنيت» في بيروت التي نفذت هذه الحملة وروجت لها. وأضاف «حاولنا ان نقوم بحملة توعية لنسلط الضوء على المشكلة التي نعيشها في لبنان من خلال تطرقنا الى موضوع كان يعتبر من المحرمات ولكننا ترجمنا من خلاله خوفنا مما يمكن ان نصل اليه اذا استمر اللبنانيون في انتهاج هذا السلوك، وذلك بطريقة ساخرة وباعتمادنا على عبارات استفزازية انما ذات آثار أيجابية من دون الاستعانة بأشخاص معينين، بل بأسماء وهمية تدل على طائفة الشخص وبالتالي على زبائنه».

ورغم ان الشركة لم تقم، حتى الآن، بدراسات لتقويم آثار الحملة ومدى استجابة الرأي العام لها، يجزم مزنر «ان اللبنانيين استقبلوها بروح مرحة ومشجعة لهذا الطرح في الوقت نفسه. وهذا ما بدا لنا من خلال ردود الفعل، كذلك وصلت الاعلانات الى اللبنانيين خارج لبنان عبر الرسائل الالكترونية»، لذا انتجنا وفي الاطار نفسه فيلما قصيرا سيتم عرضه في الأيام القليلة المقبلة على شاشات التلفزة اللبنانية.

مع العلم ان احدى هذه اللوحات التي وضعت في منطقة ذات غالبية سنية في بيروت تحمل عبارة «شيعي» على لوحة سيارة، تعرضت الى تحطيم على يد سكان المنطقة الذين اعتبروا ان هذا العمل استفزاز شخصي يدخل بوقاحة الى دارهم.

وتجدر الاشارة الى ان جمعية «أمام 05» التي نشأت بطريقة عفوية اثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، تقول انها لا تنتمي الى أي جهة سياسية معينة رغم مشاركة شبابها فريق «14آذار» طروحاته السياسية، لكن يبقى سعيهم الوحيد هو الوصول الى دولة مستقلة بعيدا عن المحاصصة والطائفية والفساد بحسب ما يقولون.

وتصب هذه اللوحات في اطار الاعلان الوطني الذي يستخدم مقومات الاعلان التجاري المتمثلة بالصورة واللغة والهوية والجمهور المستهدف، بالاعتماد على الوسائل الاعلامية المرئية والمكتوبة والمسموعة. ويقول الأستاذ في الجامعة اللبنانية الدكتور محمود طربيه ان هذا الاعلان يختلف عن الاعلان السياسي. وهو يهدف الى دمج مفهوم الابداع والترفيه في قضايا جادة بهدف وصول هذا الحزب أو ذاك الى شريحة أوسع مع اضفاء صبغة تجارية استهلاكية على هذه المفاهيم».

يعتبر «ان الاعلان السياسي هو لكسب مؤيدين جدد أو تلميع صورة الجهة وتحسينها في نظر الموالين، وذلك من خلال ترسيخ أفكار قائمة وموجودة أو طرح أفكار سياسية حديثة، وبذلك أصبح الاعلان السياسي ضرورة حتمية للوصول الى جمهور واسع».

أما في ما يتعلق بالمصداقية التي يمكن ان تكتسبها هذه الاعلانات لدى الجمهور، في ظل تأرجحها بين المبالغة وعدم الصدقية في أحيان كثيرة في أذهان المتلقين في حالة الاعلانات التجارية، يشير طربيه الى «ان هدف الاعلان السياسي يبقى مقتصرا على التذكير أو التنوير أو التعليم، وبالتالي ترتكز نتائجه الفعلية على الذين يعتبرون في موقع وسطي، أي غير المحسوبين على جهة معينة، فاما ان يقبلوا الفكرة ويتأثروا بها واما ان يرفضوها». وعن انتشار الاعلان السياسي في الدول العربية وحدود تأثيرها سلبا أم أيجابا، يقول طربيه: «هذه الظاهرة المنتشرة بشكل كبير في الدول الأوروبية والأميركية، حيث الجمهور متنوع، وهي تلعب دورا ملحوظا في النتائج السياسية، وتتنامى شيئا فشيئا في الدول العربية مع بقاء تأثيرها حتى الآن محدودا نظرا للعوامل الاجتماعية التي تتحكم في العملية الانتخابية التقليدية المعتمدة على الاتصال الشخصي والقبلي والعائلي والطائفي».

من هذا المنطلق يوضح ان «الاعلان السياسي في الدول العربية ينجح بنسبة أكبر اذا ما اعتمد على اللوحات أو الصحف التي يطلع عليها القارئ الى أي جهة انتمى، في حين قد لا تصل اليه اذا ما عرضت فقط على الشاشة التلفزيونية المحسوبة على جهة قد تتناقض مع توجهاته وأفكاره وبالتالي يتحاشى مشاهدتها ولا يتابع برامجها في الأيام العادية».

من هنا ينبغي التمييز بين الاعلان السياسي والاعلان الوطني، الأول هو دائما موضع جدل وخلاف، أما الثاني فهو يتطرق الى مواضيع لا خلاف عليها وتشكل اجماعا وطنيا لدى كل الفئات من دون تحريض أو استفزاز.

ويحدد طربيه معايير الاعلان السياسي الناجح في نقاط أساسية تعتمد، كما الاعلان التجاري، على اللون والصورة واللغة والابداع، ولكن اضافة الى ذلك يجب ان يبتعد عن الأمور الحساسة التي تثير حفيظة الجمهور المستهدف وحساسيته، أي ان يتم استخدام جمل وعبارات تمثل اجماعا وطنيا ولا تعكس بشكل خاص هوية المعلن أو الحزب المعني.

مدير شركة impact BBDO في لبنان، داني ريشا يقول «أفضل ان أصنع اعلانات وطنية وليست حزبية أو طائفية، تكفي السياسيين المنابر الاعلامية التي يطلون عبرها الى الجمهور ويشغلونها ليلا ونهارا، فالاعلان الوطني يدعم الروح الوطنية وينميها بعيدا عن الحساسيات والاستفزازات، لا سيما في ظل الأوضاع الخطيرة التي نعيشها في لبنان، لان السياسة بشكل خاص تفرّق اللبنانيين ولا تجمعهم».

وعن تعامل شركات الاعلانات مع الاعلانات السياسية، اذا ما طلب منهم الترويج لجهة معارضة لتوجهات المؤسسة بشكل عام وللموظف الذي تقع عليه مهمة التنفيذ بشكل خاص، يقول ريشا «الى اليوم لم نروج لجهة معينة وأحاول دائما عدم القيام بهذه الخطوة، لكن في الوقت عينه لا أستطيع ان أفرض على موظف معين ابتكار اعلان لحزب لا يتوافق مع توجهاته السياسية، لانه بالتأكيد لن يبدع في هذه الحالة، وان اضطررنا للقيام بذلك نوزع المهام على الموظفين كل حسب انتمائه». وفي حين يؤكد ريشا دور شركات الاعلان في تسليط الضوء على العيوب الاجتماعية والسياسية ومحاولة رفع مستوى الوعي لدى المواطن، لا ينفي عدم وصول الاعلان حتى الوطني منه الى هدفه الأساسي في ظل تخمة التصاريح السياسية التي تغذي الانقسام الطائفي والحزبي.

أما عن الخطوات التي تقوم بها الشركات لتنفيذ الاعلان والاجراءات المتخذة للوصول الى النتيجة المطلوبة، فيقول ريشا «قد تقوم شركة الاعلان بالمبادرة على نفقتها الخاصة، لكن في معظم الأحيان ننظم الحملة الاعلانية بناء على طلب فريق معين ونعمل وفقا للرسالة التي يريد الترويج لها، لكن قبل ذلك نقوم بدراسة تبين لنا مدى امكانية تحقيق الهدف أو عدمه. وانطلاقا من هذه النتائج ننتقل الى الخطوات التالية أي وضع الخطة واستراتيجية السوق ومن ثم تنفيذ العمل الابداعي وفقا للميزانية المحددة وأخيرا عرضه في الوسائل الاعلامية».