الصحافي اليمني جمال عامر خطف في صنعاء.. وكرم في نيويورك

تحدث لـ الشرق الاوسط عقب فوزه بجائزة حرية الصحافة العالمية مؤخرا

TT

تسلم مؤخرا الصحافي اليمني جمال عامر رئيس تحرير أسبوعية «الوسط» الجائزة الدولية لحرية الصحافة بعد أن اختارته لجنة حماية الصحافيين إلى جانب الراحلة أطوار بهجت، مراسلة قناة العربية في العراق للحصول على الجائزة مع زميلين لهما من كولومبيا وغامبيا. وذكرت اللجنة أن الفائزين الأربعة خاطروا بحياتهم من أجل تغطية الأخبار وابدوا شجاعة نادرة في ممارسة المهنة. وكانت الصحافية أطوار بهجت فقدت حياتها أثناء عملها على تغطية عملية تفجير قرب مدينة سامراء في العراق في شباط (فبراير) الماضي، في حين تعرض الصحافي اليمني جمال عامر في نفس العام للخطف من أمام منزله واقتيد الى مكان مجهول حيث ضربه الخاطفون وهددوه بالقتل، وبعد الحادث تمكن الصحافي اليمني المخطوف من خطف انتباه لجنة حماية الصحافيين التي قررت تكريمه. وجرى تقديم الجوائز في فندق والدورف، أستوريا بتقديم من كريستيان أمانبور، كبيرة المراسلين الدوليين في محطة «سي. إن. إن»، وعضو في مجلس أمناء لجنة حماية الصحافيين.

«الشرق الأوسط» التقت الصحافي اليمني الفائز بجائزة حرية الصحافة أثناء توقفه في واشنطن، وأجرت معه الحوار التالي:

> هل شعرت بالخوف يوما ما وأنت تمارس عملك الصحافي وماذا كان تأثير حادث الخطف الذي تعرضت له على سير عملك؟ ـ الخوف بات أمرا واقعا ومعتادا، ولذا لم يعد معيقا لإنجاز عمل صحافي، حتى وإن دفع الصحافي ثمنه من أمنه واستقراره، وبالنسبة لتأثير حادثة الاختطاف على عملي الصحافي أصدقك القول أنها كسرت حاجز الخوف وأزالت هواجس التوقع وحتى مع ما مارسه الخاطفون، من همجية فقد شعرت حينها أني الأقوى... لقد كنت مقيد اليدين ومعصوب العينين حتى لا أرى ملامح وجوههم فكانوا هم الأضعف وأنا الأقوى. وكانت النتيجة أن ازدادت الصحيفة قوة وجرأه وتضاعف توزيعها.

> كيف جرى حادث الخطف ومتى؟

ـ في شهر أغسطس (آب) من عام 2005، كنت عائدا من الصحيفة إلى منزلي فوجدت مسلحين في سيارة عسكرية ينتظروني طالبين مني الذهاب ثم ألقوا بي في السيارة، وعصبوا عيني وكبلوا يدي قبل أن ينقلوني إلى سيارة أخرى، كانت تنتظرهم، واقتادوني إلى مكان لا أعرفه في أحد الجبال خارج العاصمة، وهددوا بإلقائي من سفح الجبل، كما اطلق الخاطفون النار الى جواري لترويعي. وقال لي الخاطفون إن باستطاعتهم فصل رأسي عن جسدي وتركه في مكان والجثة في مكان آخر، وحذروني من التطاول على الرموز، وسألوا عن مصدر معلومات الصحيفة كما سألوا عن كتّاب الصحيفة ومصادر تمويلها، واتهموني بالعمل ضمن مجموعة من العملاء الأميركان. وحذروني من ان بإمكان الصحيفة نقد الحكومة فقط، من دون المس بالرموز، وهدد أحدهم بقطع لساني. كما هددوا بتأديبي إذا تحدثت عن وقائع الخطف، ولكني لم اسكت عما حدث.

> هناك صحافيون يمنيون آخرون تعرضوا لحوادث خطف ومضايقات متشابهة فلماذا تم اختيار جمال عامر بالذات للجائزة؟

ـ الاختيار جاء من قبل لجنة حماية الصحافيين بعد دراسة لمجمل ما تعرض له الصحافيون اليمنيون، واللجنة هي المعنية بالإجابة على هذا السؤال، ولكني أعتقد أن العامل الأساسي في الاختيار كان التركيز على الصحافة المستقلة، كوني أمثل صحيفة مستقلة، ولا علاقة لي بالصحف الحزبية لا في الحكومة ولا في المعارضة، والأمر الثاني هو الفترة الزمنية التي ركزت عليها لجنة الاختيار وهي حوادث عام 2005، وفي كل الأحوال فأنا أعتبر تكريمي تكريما للصحافة اليمنية بأكملها وتكريما لجميع من تحمل المضايقات والاعتداءات من بين زملائي الصحافيين.

> هل تعتقد أن تكريمك هو تكريم للصحافة اليمنية؟ ـ تكريمي بمثل هذه الجائزة ومن جهة مستقلة ومحترمه كلجنة حماية الصحافيين أعتقد أنها تمثل اعترافا بوجود صحافة مهنية في اليمن مستقلة وصحيفة «الوسط» هي تعبير لمثل هذا الوجود وجزء منه، بل إن التكريم في حد ذاته هو تكريم للصحافة العربية كلها وللصحافيين العرب حيث يمارس الصحافي العربي مهنته في أجواء من المخاطر والمخاوف لا نهاية لها.

> هل تعتقد أن فوزك بالجائزة جاء لدورك الشخصي في الصحافة اليمنية أم لدور صحيفة «الوسط» التي ترأس تحريرها؟

ـ لا يمكن الفصل بين دوري كصحافي جرى اعتقاله ومحاكمته لسنوات كنتيجة لعمله في هذه المهنة قبل أن أمتلك صحيفة وأرأس تحريرها وبين صحيفة «الوسط» التي أرأسها باعتبار أن القضايا التي آمنت بها لم تتغير وما تغير هو فقط المساحة الأكبر التي وفرتها لي الصحيفة كونها مستقلة وبعيدة عن سياسة التوازنات والحسابات التي يمكن ان تراعيها صحف الأحزاب والصحف الرسمية، ولذا تبدو مشكلة الصحف المستقلة الجادة التي تحمل على عاتقها قضية مواجهة الفساد الرسمي والمعارض مركبة لأنها تكون مستهدفة من الجهتين وتكاد تكون بلا ظهر حينما تتعرض للمضايقات.

> ماذا سيكون تأثير الجائزة على مسار عملك وعلى دور صحيفتك وما هو التأثير المرتقب؟ ـ بالتأكيد سيكون لها تأثير فتكريمي بالجائزة مسؤولية تجعلني أحرص على أن ألتزم بالمهنية أكثر وأن اجسد مع زملائي في الصحيفة قيمة الاستقلالية التي تعني الالتزام بالمهنية والانتصار للحقيقة دون تحيز وهو ما حاولنا قدر الاستطاعة تمثله مع بعض الهنات وهو ما لا يخلو منه أي عمل فكيف بالعمل الصحافي الذي يعتمد أولا وأخيرا على المعلومة التي تحتمل الصدق والكذب مثلما تحتمل لي عنقها.

> لماذا تصف صحيفة الوسط بأنها مستقلة، وما هي مصادر تمويلها؟ ـ يمكن لأي متابع لما ينشر في صحيفة «الوسط» أن يلمس مدى انتهاجها مبدأ الحياد في نشر مختلف الأفكار وعدم التحيز لطرف دون آخر وهذا في ما له علاقة بالتعبير عن الرأي حتى أن هناك قادة حزبيين من المعارضة والسلطة ينشرون في صحيفتنا ما لا يقدرون على نشره في صحف أحزابهم. أما ما له علاقة بالخبر والتقرير فإننا قدر الإمكان نحاول وبحسب ما هو متاح أن نجمع المعلومات من الأطراف المختلفة وننشرها دون تدخل وبمهنية وربما لهذه الأسباب وثق بها القارئ. وعن مصادر التمويل فقد التبس علي شخصيا الأمر بسبب تضارب ما ينشر في الصحف الرسمية وصحف الحزب الحاكم والمحسوبة عليه إذ اتهمت بالتمويل من أميركا ومن الكويت ومن قطر ومن أحزاب داخلية وخارجية مع إن الأمر أبسط من ذلك بكثير إذا ما عرف حجم إنفاقنا المتواضع وقدر مبيعاتنا التي لا مرجوع فيها بالإضافة إلى الإعلانات التي ننشرها رغم قلتها وهذا جعلنا نستمر حتى اليوم على الأقل.

> ما هو تعريفك لاستقلال الصحافة؟ ـ المناخ الآمن والضمانات المحققة على الواقع والتي تتيح للصحافة المستقلة غير المدعومة من الأحزاب أو من السلطة ان تعبر بحرية عن قضايا الناس ومشاكلهم وأن تكون قادرة على كشف مكامن الفساد وفضح المفسدين دون أن يلاحق الصحافيون أو يصابوا بأذى وفي اليمن يمكن القول إن هناك صحافة مستقلة، ولكن يجب إخضاع تأثيرها لمدى قدرتها على التغيير. والصحافة المستقلة ما زالت محصورة في الصحافة المطبوعة وهناك مطالبات جادة بالسماح لإنشاء محطات فضائية واذاعية وأعتقد إن ذلك بحاجة إلى قرار سياسي وهو أمر بحاجة إلى نضال جاد.

> هل تعني أن اليمن توجد به صحافة مطبوعة مستقلة ولا ينطبق الأمر ذاته على الصحافة الإذاعية والتلفزيونية؟ ـ نعم هذا ما أقصده بالضبط.

> نحن نقرأ انتقادات قوية ولاذعة للحكومة والمسؤولين في الصحافة اليمنية المطبوعة فهل هذا نابع من تحسن في مستوى الحرية الصحافية في اليمن؟

ـ نعم. لقد شهد اليمن في 2006 على وجه التحديد تقدما ملحوظا في مستوى الحرية، وارتفع هامش التناول إلى مستوى عال.

> هل الوضع الأمني للصحافيين تحسن أيضا؟

ـ نعم. لقد خفت حدة المضايقات بالمقارنة عما كانت عليه، والوضع هذا العام أفضل من الوضع الذي كان سائدا العام الماضي.

> ما هو تعريفك للصحفي الشجاع؟ ـ الصحافي الشجاع هو ذلك القادر على كبح جماح ذاتيته بينما هو يحقق في قضية صحفية أحد أطرافها يربطه بهم رابط من حب أو كراهية فيتعالى على مشاعره ويهزم رغائبه فينقل الحقيقة مجردة من نوازعه الشخصية.وعلى ذات السياق باتجاه آخر الصحافي الشجاع هو من تتملكه الرغبة في الوصول إلى الحقيقه وكشفها للناس انتصارا لحق ودفع لظلم وهو ما دفعت من أجله الفقيدة أطوار حياتها وكثير غيرها.

> بالمناسبة كيف ترى تناول الصحافة العربية للشؤون اليمنية؟ ـ الصحافة العربية بصورة مجملة تهمل القضايا اليمنية، ويختلف الأمر من صحيفة لأخرى ومن بلد عربي لآخر، ولكن هناك تغطية للقضايا اليمنية بشكل موسمي عندما تكون هناك انتخابات أو حادث خطف يكون فيه الضحية أجنبيا، وفيما عدا ذلك فإن الصحافة العربية تستحق العتب لإهمالها الحراك الكبير الذي يجري على المستوى الداخلي في اليمن.

* سيرة ذاتية

* جمال عامر ناشر ورئيس تحرير صحيفة الوسط اليمنية من بين أكثر الصحافيين اليمنيين تعرضا لمضايقات واعتداءات مختلفة بسبب مقالاته الناقدة والجريئة.

ولد عامر في 23/7/ 1968 بمدينة إب وحصل على ليسانس تربية من قسم اللغة العربية بجامعة صنعاء في بداية التسعينات. وهو متزوج وأب لسبعة أبناء بينهم بنتان. وكان مديرا لتحرير صحيفة الوحدوي الناطقة باسم التنظيم الوحدوي الناصري، ثم مديرا لتحرير صحيفة الأسبوع المستقلة، كما كان أحد كتاب صحيفة الثقافية.

أدت تغطيته الصحافية عن الفساد، والتطرف الديني، والقضايا السياسية الحساسة إلى استثارة عدد من التهديدات والاعتداءات ضده فقد اعتقل في أغسطس 1999م في محافظة إب قبل أن يحكم عليه في 22 فبراير 2000 من محكمة غرب أمانة العاصمة بالمنع من ممارسة الكتابة في أغرب حكم قضائي أسقطته محكمة استئناف يمنية. وفي آب (أغسطس) 2005 أدى اختطاف عامر إلى حالة من الصدمة في أوساط الصحافيين اليمنيين، حيث قام أربعة رجال مجهولي الهوية باحتجازه وضربه واتهامه بأنه يتلقى الأموال من حكومتي الولايات المتحدة الأميركية والكويت، وحذروه من التشهير «بالمسؤولين». وقد قام الرجال الأربعة بنقل جمال عامر على متن سيارة بعد أن وضعوا عصابة على عينيه، ومضوا به إلى قمة أحد الجبال، وأطلقوا الرصاص لتخويفه وهددوه برميه من سفح الجبل. وقيل وقتها أن اتهامه لمسؤولين حكوميين أنهم يستغلون البعثات الدراسية التي توفرها الدولة من أجل إرسال أبنائهم للدراسة في الخارج، كان التحقيق الصحافي الأساسي الذي أدى إلى غضب البعض عليه، ووجهت الصحف المؤيدة للحكومة اتهامات لجمال عامر بأنه عميل للغرب، لكن كبار المسؤولين اليمنيين السياسيين والإعلاميين هنأوه بحصوله على الجائزة.