من يشتري؟

أول صحيفة فلسطينية باللغة الإنجليزية تعوِّلُ على الأجانب و«السوق الإسرائيلي»

TT

يفتقد الاعلام الفلسطيني الى من يخاطب الرأي العام الاجنبي والاسرائيلي. ويشكو المراقبون والمتخصصون عادة من ضعفه مقابل سيطرة الماكنة الاعلامية الاسرائيلية ونجاحها في مخاطبة العالم بلغات مختلفة، وحتى في متابعة شؤون الفلسطينيين انفسهم وكشف كثير من قضاياهم الكبيرة والحساسة. لكن تجربة فلسطينية جديدة انطلقت الاسبوع الماضي، هي الأولى في نوعها منذ تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994، تحاول هذه المرة ان تخاطب الآخر بلغة مختلفة ومتخصصة كما يقول رئيس تحرير صحيفة «فلسطين تايمز» الصادرة في رام الله حديثا ماهر ابو خاطر، وهو هدف الصحيفة الأول «ايصال المعلومات للقارئ الاجنبي من مصادر فلسطينية». ورغم ان ابو خاطر يقر بصعوبة توزيع الصحيفة، خصوصا في الضفة وغزة، لانها تصدر باللغة الانجليزية، وثمنها يعادل نحو دولار وربع قياسا بالصحف الفلسطينية التي يتراوح سعرها من ربع دولار الى نصف دولار وحسب. إلا انه يقول لـ«الشرق الاوسط» ان الصحيفة لا تخاطب الفلسطينيين بقدر ما تخاطب الأجانب العاملين في فلسطين، والرأي العام الاسرائيلي، بل انه يعول على السوق الاسرائيلية في توزيع اعداد صحيفته التي تطبع اليوم حوالي 5 آلاف نسخة. ويرى ان صحيفته ستنافس الصحف الاسرائيلية لا الفلسطينية. ويعرف ابو خاطر جيدا ان صحيفته على المحك، وتحت المجهر، كونها تجربة فلسطينية فريدة ومهمة، لذلك يعّّرفها بانها «مستقلة وتجارية ربحيه» ولا تتبع تنظيما او جهة سياسية بعينها، ويدلّل على استقلاليتها بالتوازن حتى في إعطاء مساحة للرأي، بأن نشرت في العدد الاول مقالين مختلفين لكل من أحمد عبد الرحمن، مستشار رئيس السلطة الفلسطينة (فتح)، ود. غازي حمد الناطق باسم الحكومة الفلسطينية (حماس). ويؤكد انه يفاوض كتابا وصحافيين من اجل استكتابهم وتوظيفهم في الصحيفة رغم ان لديه طاقما من حوالي 40 صحافيا ومراسلا ومحررا بعضهم اجانب يعملون في غرف التحرير، وينتشرون في الضفة وغزة. ورغم ان صحيفته حصلت على تصريح من السلطات الاسرائيلية بالتوزيع في اسرائيل إلا انها لم توزع بعد هناك، لاسباب تقنية مرتبطة بالشركة الاسرائيلية التي ستوزع الصحيفة. ويعتقد ابو خاطر انه اذا تجاوز سقف الـ 10 آلاف نسخة في اسرائيل فان صحيفته نجحت، ويتفق معه روني شكيد الصحافي الاسرائيلي في «يديعوت احرونوت» لكنه يشكك في ان تنجح الصحيفة في الوصول الى مثل هذا الرقم في اسرائيل او فلسطين، لاسباب مهنية مرتبطة بدقة الاخبار التي دافع ابو خاطر كثيرا عن صدقيتها بينما شكك شكيد. لكن الدكتور نشات الاقطش استاذ الاعلان والعلاقات العامة في جامعة بير زيت فيرى اسبابا اخرى لصعوبة التوزيع، متعلقة بتطرف الشارع الاسرائيلي في اسرائيل فكيف اذا كانت صحيفة فلسطينية؟ وقلة عدد قراء الصحف الفلسطينية في فلسطين، فكيف اذا كانت باللغة الانجليزية وبسعر مرتفع؟ ويعتقد الاقطش بان توزيعها حتى 10 آلاف نسخة انجاز كبير وممكن في اسرائيل للمؤسسات المتخصصة والمهتمة، وهو احد اشكال النجاح الذي يعني بالنسبة للدكتور هاني المصري مدير مركز بدائل للإعلام والابحاث اعتماد الصحيفة كمصدر للاخبار في اسرائيل والخارج، اضافة الى جرأة التحقيقات التي تفتقدها الصحف الفلسطينية. وكان الاقطش قد اشار الى انها اهم من الاخبار التي نجح التلفزيون في التحول الى مصدرها الاول ويربط المصري كما الاقطش كل ذلك بمصادر التمويل وحجمها واستمرارها. وكان ابو خاطر قد اشار الى ان الصحيفة تخطط للاعتماد على ذاتها من خلال الاعلانات وتحديدا الاسرائيلية، وهو توجه برأي الاقطش غير مدروس لأن الشارع الاسرائيلي لن يتقبل «سلعة فلسطينية»، وهذا ما سيقلل من فرص توزيع الصحيفة بالأساس، اضافة الى فشل الاعلانات عادة في تغطية تكاليف الورق كما يقول. ويرى ان تبحث الصحيفة عن مؤسسات فلسطينية داعمة تضمن استمرارها كرسالة مهمة. ويعتقد الاقطش والمصري انها تحتاج الى الدعم 4 سنوات على الأقل حتى تنجح اذا ما تفهمت احتياجات الرأي العام الاجنبي، وعرفت كيف تخاطبه، وحافظت على استقلالها، وتبنت خطا مهنيا محترفا، ويعتقد الاقطش ان قراءها في فلسطين او اسرائيل لن يكونوا إلا صحافيين ومتخصصين من النخبة التي لن تقبل بعد قليل خلطا بين الخبر والرأي، او خطأ في الاخبار، او نقصا في التحقيقات، او خلوها من ملاحق متخصصة، في اشارة منه الى قصور الصحف الفلسطينية المحلية. وصدر العدد الاول من «فلسطين تايمز» صباح الاثنين 27 نوفمبر (تشرين ثاني ) الماضي، ووزعت في الايام الثلاثة الاولى بشكل مجاني تشجيعا منها للقراء وتخرج في (12 صفحة) فقط بدون اي ملاحق وتخطط للاحتجاب يوم السبت من كل اسبوع. وفي الوقت الذي يبارك فيه المصري والاقطش خطوة كهذه، فانهما يؤكدان لـ«الشرق الاوسط» انه ما زال من المبكر إصدار احكام على نجاح او فشل الصحيفة وقدرتها على مخاطبة الآخر، لكنهم يحذرون من صحيفة فلسطينية مترجمة الى الانجليزية.