«الشبكة» .. و«الرادار»

الإنترنت تتحول مصدرا أساسيا للأخبار بالنسبة للصحافيين.. الأمر الذي يستوجب إبقاءها تحت المراقبة دوما

TT

لم يكن مستغربا ان يقترح تقرير العام 2006 عن التطورات في عالم الصحف الذي تصدره رابطة الصحف العالمية (وان) وشركة «انوفايشن» للاستشارات الاعلامية اضافة مهمة «مراقبة الانترنت» كجزء اساسي من مهمات وحدة «الرادار» (الرصد)، وهي عبارة عن مكتب داخل صالة التحرير العصرية مزود بأجهزة تلفزيون وراديو وكومبيوتر متصل بالانترنت باعتبار أن وكالات الأنباء لم تعد هي المصدر الوحيد للأخبار، وفي ذلك اشارة الى ازدياد اهمية الانترنت بالنسبة للصحافيين بشكل كبير.. ولادراك لم هو ليس مستغربا ما اقترحه التقرير فما على الشخص سوى ان يراقب كم قصة تمر يوميا في نشرات الأخبار او صفحات الجرائد تستند بشكل أو بآخر الى محتوى موقع الكتروني. وتتراوح القصص التي تعتمد على الانترنت من تلك ذات الطابع الأمني والغاية في الجدية، مثل رسائل الفيديو المسجلة او البيانات الصحافية التي تصدر عن التنظيمات الارهابية كـ«القاعدة» على المواقع الاصولية التي بات على الصحافيين المتخصصين في الارهاب الاطلاع عليها باستمرار... وصولا إلى أخبار الترفيه والعجائب كالقصة التي تناقلتها وسائل الاعلام قبل عامين عن وصول سعر قطعة لبان (علكة) لفظتها المغنية الأميركية الشهيرة بريتني سبيرز إلى 14 ألف دولار أميركي على أحد مواقع المزادات الالكترونية على الانترنت، ولعل مثل هذه القصص يكتشفها الصحافيون عادة بالصدفة خلال تصفح مواقع مثل «إي باي» و«أمازون»... إلا أن تكرارها لعله يستوجب ان تكون هذه المواقع ضمن نطاق مراقبة «الرادار». ويعلق نائب مدير موقع أخبار هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) الالكتروني، بول برانان، بقوله «هناك شريان غني للغاية بالمحتوى لا بد من الانتباه له وهو يتمثل في مواقع التعارف الاجتماعي والمدونات الالكترونية والمواقع التي تعتمد على المحتوى الذي يؤمنه المستخدمون». ويضيف في حديثه مع «الشرق الأوسط» بأنه يشجع كل المؤسسات الاعلامية على أن تبقى عينا مفتوحة على الانترنت لما قد تحتويه من «خبطات» محتملة. من جهته، يوضح مدير شركة «انوفايشن» للاستشارات الاعلامية في المملكة المتحدة، خوان سنيور، بأن عددا كبيرا من الصحافيين لا يزال يعتقد ان الاعلام التقليدي لديه «احتكار» على الأخبار، مضيفا علاقة الصحف والانترنت مرت بمراحل مختلفة، ويشرح بأن المرحلة التي تلت ظهور شبكة الانترنت وتحديدا بين عامي 1995 و1999 اتسمت باستخدام الصحف للانترنت كوسيلة لنشر ما تحتويه الطبعة الورقية الكترونيا فحسب، ويضيف «وبين العامين 1999 و2003 فأصبحنا نلاحظ أن الصحف تعد محتوى خاص بمواقعها الالكترونية». أما مرحلة ما بعد العام 2003 التي اتسمت بولادة ما يسمى «المواطنون الصحافيون» (سيتيزن جورنالستس) فيقول سنيور بأنها تحتم على الصحافيين مراقبة الانترنت تماما كما تراقب مصادر الاخبار الأخرى من أشخاص ومؤسسات.

ولعل من أحدث ما يدل على أهمية ما يدعو اليه سنيور وبرانان هو ما حدث في الأسبوع الماضي عندما طلبت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) التحقيق في محتويات شريطي فيديو على الأقل متعلقة بتصرفات «سيئة» لمن يفترض انهم جنود أميركيين في العراق، وفي أحد هذه الاشرطة الذي يفترض انه صور في العراق مؤخرا تظهر مجموعة من الأطفال وهي تجري خلف شاحنة عسكرية أميركية فيما يحمل جندي أميركي عبوة من المياه المعدنية المعلبة وهو يعد الاطفال بأن يعطيها لمن يستطيع اللحاق به منهم. ويصرخ الجندي حامل العبوة ضاحكا «هل تريدون بعضا من الماء؟.. اذا استمروا في الركض»... ومن ثم يسأل من يفترض انه يصور هذا الكليب «هل تسجل هذا؟». أما الشريط الثاني فهو لمن يفترض ان يكون جنديا أميركيا يتذمر من عدم قدرته على استخدام السلاح ضد اطفال يرمون العربة التي تقله بالحجارة. وقال متحدث باسم البنتاغون لـ«الشرق الأوسط» إن الوزارة بدأت التحقيق بالفعل، وانه سيستغرق وقتا طويلا على الأرجح للتحقيق من حقيقته، ومن ثم التحقق من هويات المجندين. أما مصدر هذه الأشرطة التي أقلقت البنتاغون، فكان موقع «يوتيوب» المتخصص في تحميل ومشاركة وعرض ملفات الفيديو والذي ازداد عدد مستخدميه من نحو 3 ملايين شخص الى 72 مليونا خلال عام واحد (بين أغسطس/آب 2005 وأغسطس 2006). وما حدث في الاسبوع الماضي كان أن صحيفة «مترو» شاهدت الكليبات وحصلت على تصريح من البنتاغون في هذا الشأن وكتبت القصة مستندة الى ملفات الفيديو الموجودة على موقع «يوتيوب» قبل ان تتناقل القصة وسائل الاعلام الأخرى. إلا أن المواد التي يتم الحصول عليها عبر الانترنت تعتبر إجمالا أقل مصداقية، سيما ان عمليات التزوير والتلاعب بالمحتوى باتت سهلة بفعل تطور التقنية وتوفرها للعامة، لذلك فإن نائب محرر موقع الـ«بي بي سي» الإلكتروني بول برونان يقول انه في حالة مثل شريط الاساءة للأطفال العراقيين المفترضين الذي حمله موقع «يوتيوب» فإنه ينظر الى كيفية وصول الكليب اليه، ومن هو المستخدم الذي نشره ومحاولة الاتصال به وبالموقع، وفي هذا السياق يُذكر أن المكتب الاعلامي لـ«يوتيوب» لم يتجاوب مع محاولات «الشرق الأوسط» للاستفسار أكثر حول الشريط والأصول التي يتبعها في اجازة تحميل ملفات الفيديو على الموقع. أما بخصوص السياسات المتبعة في الـ«بي بي سي» للتأكد من مصداقية مشاهد كتلك التي حملها ملف الفيديو الموجود على موقع «يوتيوب»، يقول برونان «قد أكون قلقا بشأن كون الكليب حقيقيا، وان كان صور خلسة او تم الحصول عليه بطريقة غير مشروعة... أما استخدام مثل هذه الكليبات في الأخبار فيعتمد على سياق كل قصة على حدى». ويعود خوان سنيور ليوضح ان فكرة وحدة «الرادار» داخل صالة التحرير تقضي بالاتيان بأشخاص وظيفتهم الاطلاع على مجموعة من وسائل الاعلام، ومن ضمنها الانترنت، وتنبيه المحررين في حال ورود ما يلفت الانتباه. ويضيف «التحقق من مصداقية محتوى موقع الكتروني ما تبقى وظيفة المحرر كما هو الحال مع أي معلومة تأتيه من أي مصدر آخر». وهنا ينتقد سنيور الصحف التي لا تدرك ان الزمن قد تغير، وان مصادر الأخبار وطريقة استهلاكها قد تغير. ويضيف «من ابرز المشاكل تكمن في تطبيق هذا المفهوم مع من هم فوق الـ30 من العمر، وهم في الغالب لا يقدرون نظام النشر باستخدام منصة متعدد الوسائط». ويضيف «الجيل الجديد من المستخدمين يريد الأخبار التي تهمه في الوقت الذي يريده.. مما يعني مراقبة الأخبار طوال الـ 24 ساعة بالنسبة للصحف». ويضيف سنيور ان شركته دائما ما تنصح الصحف بأن تسقط كلمة «بيبر» من كلمة «نيوزبيبر» (أي «صحيفة» باللغة الانجليزية)، ويرى سنيور ان القدرة على التنافس في عالم اليوم تعتمد اقل على التقنية واكثر على المحتوى ويقول «عملنا هو في المحتوى وليس في الورق» مضيفا ان رغم ما يقال عن نجاح ظاهرة «صحافة المواطنين» فإن الطلب على المواد المحررة والتي تعدها أياد محترفة لن يتوقف، وتحديدا في هذا العصر الذي تحيطنا به المعلومات من كل جهة فإن الحاجة موجودة لمن يضعها في سياقها وينمقها.