مدير الأخبار في «المستقبل»: سنضطر لإعادة بناء مصداقية المحطة لاحقا

يعتبر أن تحميل الإعلام مسؤولية تأزيم الموقف في لبنان يبرئ بعض السياسيين من مسؤولياتهم

TT

لا يتوقف مدير الاخبار في تلفزيون «المستقبل» الصحافي راشد فايد عن متابعة شاشته. يتوقف عند التفاصيل. يغادر مكتبه الى غرفة الاخبار. يعطي توجيهاته، ثم يعود ليجيب عن اسئلة «الشرق الاوسط». فالمرحلة المحتدمة سياسيا في لبنان حولت مكتبه غرفة عمليات خاضعة كل لحظة الى خطة طوارئ جديدة. لا يخفي ذلك، كذلك لا يخفي ان اتجاه المحطة حاليا مرتبط بالموقف السياسي لتيار «المستقبل» وقوى «14 آذار»، وفي ما يلي نص الحوار الذي تم في بيروت:

* كيف تقرأ تحول «المستقبل» من محطة اعلامية عامة الى محطة خاصة بتوجه سياسي؟

ـ لا يزال تلفزيون «المستقبل» محطة عامة. لكنه اعطى الموقف السياسي الذي تقوده قوى «14 آذار» ومن ضمنها تيار «المستقبل» اهتماماً خاصاً. ويمكن الملاحظة بسهولة ان المحطة حافظت على وتيرة برامجها المعتادة الى ما قبل ايام عدة، وتحديدا في ارسالها الأرضي. لكننا غيرنا هذه الوتيرة وعمدنا الى تعزيز البرامج السياسية على حساب برامج المنوعات. والهدف اعطاء المشاهد أكبر صورة ممكنة عما يجري من صراع سياسي في المرحلة الحالية من دون ان يؤدي ذلك الى أحادية النظرة او نقل للأفكار من زاوية واحدة للرؤية دون أخرى، بدليل أن الضيوف منوعون وحتى متضاربو الاتجاهات.

* لكن المشاهد لاحظ ان النظرة أصبحت أحادية وتحولت المحطة الى فريق يواجه فريقا آخر؟

ـ اذا كان هناك من صبغة سياسية، فهي تتصل بالدفاع عن سيادة لبنان واستقلاله وديموقراطيته. وهذه مواقف لا تخضع للجدل او المراءاة.

* لا يلغي ما تقول ان ما يصدر عن «المستقبل» ينحاز انحيازا تاما الى فريق ضد آخر. الا يخالف ذلك المهنية؟

ـ لا نتعامل مع الاخبار بانحياز تام، وانما نزيد الجرعة المؤاتية لتيار «المستقبل» وحلفائه.

* الى أي حد يسمح لوسيلة اعلامية عامة بهذا الانحياز؟

ـ لنعد الى تاريخ الاعلام المرئي والمسموع في لبنان. قبل الثمانينات كان الاعلام رسميا. ثم ظهرت المحطات الخاصة خارج القانون. وبعد تنظيم قانون الاعلام المرئي والمسموع الذي حدد مواصفات مالية وغير مالية رست الامور على عدد محدد من المحطات التي تتمتع بالمواصفات المطلوبة. وساهم في ولادتها التقاسم السياسي للفضاء الاعلامي. وبالتالي لا نجد محطة مرئية ومسموعة لا تنتسب سياسيا الى جهة او اخرى. لكن الفروق بينها تنبع من توجيهات قيادتها السياسية والادارية وما تنطوي عليه من التوازن السياسي او التنوع. تلفزيون «المستقبل» منذ بداياته كان حريصا على احترام الرأي الآخر والتنوع في تركيبته الداخلية مناطقيا وطائفيا وسياسيا. ولم يلجأ في برامجه الاخبارية والسياسية الى الحدة الا مضطرا، حين تلامس الازمة مصير لبنان او القضية القومية الفسطينية او الصراع العربي الاسرائيلي.

* لكن الا ترى أن تلفزيون «المستقبل» يتطرف حاليا مقابل تطرف تلفزيون «المنار»، بعيدا عن الموضوعية المهنية؟ ـ هناك نوعان من التطرف. التطرف الذي يمارس تلقائيا والتطرف الناجم عن تطرف الطرف الآخر. عندما يشن طرف اعلامي حملة تجييش سياسي من الطبيعي ان تكون ردة الفعل حملة سياسية مواجهة. ولكن عندما يتخذ طرف سياسي مذهبي قراراً بوضع الطرف المقابل في الزاوية يفرض حينذاك تطرفا مقابلا. واشير الى ان المحطة ومنذ بداية الأزمة الحالية حرصت الى عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع اعلام المعتصمين في وسط بيروت، حتى عندما اعتدت ميليشيات هؤلاء على المواطنين في بيوتهم واحيائهم. لم نعمد الى بث المشاهد التي التقطها مصورونا حرصا منا على عدم تأجيج الموقف. لكن حين يتعمد الطرف الآخر اظهار جمهوره وكأنه ضحية ويدّعي ان ابناء الاحياء والبيوت الآمنة هم الذين اعتدوا على راكبي الدراجات النارية وضربوهم، حينها لا بد من اظهار مشاهد نامت عدة ايام في الادراج.

* ما علاقة هذه الامور بالاعلام والمهنية؟ وهل خرجت وسائل الاعلام في لبنان عن المهنية نهائيا؟

ـ كل محطة تلفزيونية في لبنان تدعي المهنية. وفي تقديري ان المهنية تتفاوت بين محطة واخرى. لا يمكن القول بوجود سقف عال للمهنية في محطات تلفزيون معروف انها نشأت من أجل دعم طرح معين تحديدا، مرة تحت عنوان «مواجهة اسرائيل» ومرة تحت عنوان «الثلث المعطل». وانا كمدير للاخبار وكحريص على مهنتي، اعترف بأنه من الصعب المزاوجة في هذه المرحلة بالذات بين المهنية والموقف السياسي. مع ذلك للمهنية حيز كبير في المحطة. وأكبر مما هي عليه لدى الوسائل الاخرى حتى الفترة الاخيرة.

* لكن هذه السياسة الاعلامية ترفع منسوب الشحن الطائفي في لبنان. الا تتحملون مسؤولية نتيجة هذا السلوك الاعلامي؟

ـ الشحن موجود في البلد. هناك فعل وردة فعل. ولم نلجأ الى هذا الموقف الا نتيجة تطرف الفريق الآخر الذي يجيش جمهوره طائفيا ومذهبيا. اذا عرضنا صورا عن اعتدءات طاولت مواطنين، هل نكون مسؤولين كمحطة ؟ أين مسؤولية المعتدين؟

* هل تعتبر ان الطلب الى وسائل الاعلام عدم بث هذه الامور يحملها أكثر من طاقتها وكأنها المسؤولة عن تردي الاوضاع؟

ـ اذا حملنا باستمرار وسائل الاعلام مسؤولية تأزيم الموقف، سواء عبر قوانين قمع الاعلام او مطالبة الوسائل بتطبيق ميثاق شرف اعلامي، نكون قد برأنا بعض السياسيين من مسؤولياتهم، لأن مواقفهم وتصريحاتهم وشحنهم الجمهور وتجييشهم اياه طائفيا تؤدي الى الاعتداء على المواطنين وحتى جر البلد الى كارثة دموية. والوقائع تدل على ان الطرف الآخر مصدر التجييش بكل الوانه واشكاله. وهو يهدد اليوم بزعزعة الاستقرار السياسي، مرة تحت عنوان «الثلث المعطل» ومرة تحت عنوان «حكومة فيلتمان» او الاتهام بالخيانة او المطالبة بحكومة نظيفة. هذه العناوين السياسية بحد ذاتها عملية تجييش وتعبئة وترويج لأوهام على انها وقائع.

* أين دور المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع في ما يجري؟

ـ مع الاسف لا يتحرك المجلس الوطني للاعلام الا عندما يتعلق الامر برد الفعل، والمفروض ان يتحرك منذ الشرارة الاولى، اي منذ مباشرة احدى المحطات التلفزيونية تأجيج الموقف. لكننا نجده يغفو ويغفل عما يقوم به طرف معين ومحدد ثم يصحو عندما تأتي ردة الفعل على هذا الطرف. هل يتمتع المجلس الوطني للاعلام بالحياد تجاه وسائل الاعلام كلها؟ نحن لا ننكر حياده لكننا ندعوه الى التنبه عندما يتجاهل الطرف الآخر القانون.

* ألن تتأثر مصداقية تلفزيون «المستقبل» بسبب الاصطفاف الحالي؟

ـ بعد هذه المرحلة سنضطر لاعادة بناء مصداقية المحطة. ففي هذه المهنة ما يبنى في سنوات قد ينهار في اسابيع. من الناحية المهنية اعرف اننا مضطرون بعد انتهاء الازمة لبناء الثقة بين المحطة والمشاهد، وتحديدا الموجود خارج التوجه السياسي للمحطة، والا سنتحول محطة تبشيرية لفئة من المشاهدين. لكن اعادة الثقة ليست صعبة بوجود فريق عمل مهني، كما هي الحال في المحطة.

* كيف تحضرون برامج هذه المرحلة؟

ـ نحن في حالة طوارئ بما يخص المحطة الارضية. كبرت حصة البرامج الحوارية. كذلك كثرت التقارير الاخبارية من المناطق مع حوارات مفتوحة للجمهور. واستحدثنا برنامجاً جديداً عنوانه «بصراحة» يعتمد المحاججة السياسية.

* هل أثر اتجاه المحطة على رفض بعض السياسيين الظهور عبر شاشتها؟

ـ ليس بشكل عام. احيانا يعتذر ضيف في اللحظة الاخيرة. او يعتذر بعد ان يعرف الضيف الذي سيتحاور معه. المسألة قد تخضع للظرف السياسي ورغبة البعض في عدم الاعلان عن موقف او على العكس الرغبة في اعلان موقف.

سيرة ذاتية

* راشد فايد

* جاء راشد فايد الى مديرية الاخبار والبرامج السياسية في تلفزيون «المستقبل» من الصحافة المكتوبة والمسموعة. بدأ رحلته مع مهنة البحث عن المتاعب في العام 1969. عمل 22 عاما في باريس، حيث تولى تحرير بعض الصحف والمجلات العربية التي صدرت في العاصمة الفرنسية. كما عمل في اذاعة مونت كارلو واذاعة الشرق وراسل مطبوعات عربية قبل العودة الى لبنان ليتولى مسؤولية المكتب الاعلامي التابع للرئيس الراحل رفيق الحريري في شركة اعمار وسط بيروت (سوليدير) ومن ثم عمل مستشارا اعلاميا لرئيس مجلس ادارة الشركة.

لكن الحنين الى القلم غلبه فعاد ليتولى ادارة التحرير في صحيفة «الشرق». بعد ذلك انتقل الى صحيفة «النهار» معلقا سياسيا اسبوعيا. ويقول ان «المستقبل» هي محطته المهنية الاخيرة قبل الانصراف الى كتابة رواية يحلم بانهائها منذ خمسة اعوام.

يؤكد فايد ان الصحافة المكتوبة هي أم الاعلام بلا منازع. تسمح بالقدرة على التفكير والتحليل والتدقيق، بينما التلفزيون يفرض حالة توتر دائم. وتحديدا لجهة الدقة السياسية عدا الدقة المهنية في ظل الظروف الحرجة الحالية.

لا يعمل تحت وطأة الفرض والالتزام بالمرجعية السياسية للمحطة. الامور هي اقرب الى التداول والتعاون، ولكن ليس بشكل تدقيقي خانق.

يعترف بأن لديه اشكالية في حفظ التوازن بين المادة الاخبارية الموجهة وبين اقتناعه وتحليله للوقائع السياسية. لكنه يحرص على المزاوجة بين الموضوعية ومتطلبات التوجه السياسي. والامر ليس سهلا، لكن التغلب عليه ممكن بالحس المهني والتخفيف من غلواء المادة وتهذيب الصورة. وفي هذا المجال تنفع تجربة الصحافة المكتوبة التي تزيد القدرة على تحقيق الهدف.