أين الخلل؟

مصر: محاكمة 4 رؤساء تحرير تطرح تساؤلات حول مهنية الصحافيين وقوانين الإعلام

TT

«شد وجذب» هكذا كانت العلاقة بين الصحافة والسلطة في مصر خلال السنوات الماضية التي شهدت نوعا من الانفراجة في مساحة الحرية المتاحة للصحف بوجه عام والصحف الخاصة على وجه الخصوص، إلا أن خبر تقديم أربعة من رؤساء تحرير الصحف المصرية الحزبية والخاصة إلى المحاكمة مؤخرا بتهمة الإساءة لشخصيات عامة على رأسها الرئيس المصري حسني مبارك أثار موجة متباينة من ردود الفعل. فبينما اتهم البعض هذه الصحف بضعف المهنية، وعدم التزام الخط الفاصل ما بين النقد والسب، دافعت هذه الصحف عن نفسها بالتأكيد على وجود خلل في القوانين المتعلقة بالصحافة في القانون المصري.

البداية كانت من خلال دعوى قضائية رفعها محامي شاب بصفته عضوا في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في مصر واختصم فيها كلا من وائل الإبراشي رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة صوت الأمة، وإبراهيم عيسى بصفته رئيسا لتحرير صحيفتي صوت الأمة والدستور، وعادل حمودة رئيس تحرير صحيفة الفجر، وعبد الحليم قنديل رئيس التحرير المشارك لجريدة الكرامة التي تصدر عن حزب الكرامة ـ تحت التأسيس ـ وكلها صحف خاصة واتهمهم بتعمد الإساءة الى الرئيس المصري حسني مبارك رئيس الحزب الوطني، ونجله جمال مبارك أمين لجنة السياسات بالحزب، ورئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف، ووزير الداخلية حبيب العادلي، حسبما جاء في صحيفة الدعوى المقامة والتي أطلعت عليها «الشرق الأوسط».

أولى جلسات هذه القضية عقدت في الثلاثين من نوفمبر الماضي والتي أصدرت فيها المحكمة قرارا بتأجيل نظر الدعوى إلى 27 من شهر ديسمبر الجاري لإتاحة الفرصة للدفاع للاطلاع على أوراق القضية.

من جانبهم اعتبر المدعي عليهم الأربعة في القضية أن هذا النوع من القضايا يدخل في إطار قضايا «الحسبة السياسية»، وأن الهدف منها هو إرهاب الصحافيين ومنعهم من انتقاد الحكومة المصرية وإلا فإن سيلا من القضايا ينتظرهم.

ويقول عبد الحليم قنديل رئيس التحرير المشارك لصحيفة الكرامة التي تصدر عن حزب الكرامة «السب أو الاهانة خط وهمي لا يمكن أن تحدده سوى المحاكم والتراث القضائي المصري يزخر بالعديد من القضايا التي انتصرت لحرية الصحافة».

وأشار قنديل إلى أن قانون الصحافة في مصر يحدد 25 تهمة توجب السجن مثل اهانة القوات المسلحة ومجلس الشعب ورئيس الجمهورية. وقال: الخلل موجود في القانون المصري لأن الصحافة في العالم كله تستخدم ما تشاء من تعبيرات، ففي بريطانيا والولايات المتحدة تصف الصحف رئيس الوزراء والرئيس بالكاذب والغبي من دون أن نسمع عن محاكمة أي من الصحافيين. ومع كامل احترامي للنقابة وأعضائها إلا أن النقابة كانت قد حصلت على وعد من الرئيس مبارك بإلغاء حبس الصحافيين وهو ما لم يحدث، ولهذا فدور النقابة في حاجة إلى مزيد من التفعيل، أما المجلس الأعلى للصحافة فلأول مرة يصدر تقريرا خاصا تحت عنوان الإساءة لرئيس الجمهورية وخص به صحيفة الكرامة. وفي اعتقادي ان كل هذه الممارسات تأتي في إطار التحرش السياسي المستمر من النظام المصري بالصحف التي تنتقده والتي تشمل العديد من المظاهر الاخرى ومن بينها الضغط على للابتعاد عن الصحف الخاصة لخنقها اقتصاديا. من جهته يعتبر إبراهيم عيسى رئيس تحرير صحيفتي الدستور وصوت الأمة ان النقد للشخصيات العامة يجب ان يكون بلا حدود، واعتبر عيسى أن المناخ السياسي في مصر هو السبب في إقامة هذه القضايا، مؤكدا أن هناك قوانين مقيدة للحريات بوجه عام وللصحافة على وجه التحديد. وأضاف: «هذه المواجهات القانونية بين الصحافيين والنظام أشبه بالخشونة بين لاعبي كرة القدم، فعندما يتفوق لاعب في المهارة يلجأ منافسوه لتعمد الخشونة مع ايقاف خطورته، فالقضية كلها استعداء للصحافيين لان النقد للشخصية العامة احد أركان حرية الصحافة ولا يجوز محاكمة صحافي لهذا السبب لكن في حالة التجاوز يلجأ صاحب الحق .. وصاحب الحق وحده، إلى القضاء طالبا الانصاف».

المحامي إبراهيم ربيع عبد الرسول صاحب القضية رفض الحديث لـ«الشرق الأوسط» مكتفيا بالقول: «اكتفي بما ذكرته في صحيفة الدعوى».

وقد تباينت الاراء فيما يتعلق بقضايا الحسبة السياسية التي انتشرت تلك الايام فالأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة جلال دويدار طالب الصحافيين بالالتزام بالنقد من دون تجاوزات حتى لا يقعوا تحت طائلة القانون، وقال «ميثاق الشرف الصحافي رفض الإساءة أو التشهير لكنه أباح النقد الموضوعي للشخصية العامة، والصحافي يستطيع أن ينقد من يشاء من دون أن يقع تحت طائلة القانون».

وأضاف «بلا شك فإن غياب الحرية لفترة طويلة يجعل هناك هذه الخروقات، وكان لابد أن نوجد أولا فترة انتقالية حتى يدرك الطرفان حدودهما، قبل محاسبة المخطئين». واعتبر دويدار أن جزءا كبيرا من حل هذه المشاكل بيد النقابة لأن المجلس الأعلى للصحافة مسؤول عن الصحف وليس الصحافيين على عكس النقابة. أما الدكتور شوقي السيد عضو مجلس الشورى فيرى أن الشخصية العامة تمثل الرأي والصحف المعارضة تمثل الرأي الآخر وأبسط قواعد الديمقراطية تجبر الطرفين على الاستماع لبعضهما من دون تأذي ومن دون إساءة، فيما قال الدكتور فاروق ابوزيد استاذ الاعلام وعضو المجلس الاعلى للصحافة: لقد عقدت لجنة الممارسة اجتماعا مؤخرا مع رؤساء تحرير الصحف المصرية لمناقشة جميع التجاوزات التي حدثت في الفترة الأخيرة، واتفقنا على أن يكون النقد بلا إساءة للشخصيات العامة، وقد التزم الجميع بما اتفق عليه باستثناء حالات قليلة لا تذكر، أما الوقائع التي تناولتها الدعوى المرفوعة ضد رؤساء تحرير الصحف الخاصة الاربعة فقد تمت مناقشتها أيضا وانتهينا الى أن الدعوى لا مبرر لها لأن رافع الدعوى استخدم عبارات واتهامات لا معنى لها فات عصرها. إحالة الصحافيين للمحاكمة في قضايا النشر قوبلت بالرفض من قبل الحقوقيين المصريين، وهو ما عبر عنه حافظ أبوسعدة الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان بقوله: «حق النقد للشخصيات العامة تكفله حرية التعبير ولو حدثت إساءة أو تجاوز فإن العقاب يكون هو التعويض المدني وليس العقاب الجنائي، لأن دور الصحافة هو كشف الحقائق للرأي العام، وعندما يحاسب الصحافي على ما يكتب فانه لن يكتب ما يعرضه للمساءلة القانونية».