الكتب .. «مضمار» جديد لتنافس الصحافيين

حرب العراق وملف الإرهاب يسيطران على مواضيعها

TT

في الشهر الماضي، تفوقت حرب العراق على الحرب العالمية الثانية في استمرارها، وتخطت الثلاث سنوات ونصف السنة. لكن، الكتب التي ألفت عن حرب العراق (وحرب الارهاب والمواضيع ذات الصلة)، تساوي، حتى الآن، اضعاف الكتب التي صدرت عن الحرب العالمية الثانية، بينما كانت مستمرة، وربما حتى بعد نهايتها.

خلال هذه السنة، جاء كتاب «حالة انكار» للصحافي بوب وودورد، مساعد رئيس التحرير التنفيذي لجريدة «واشنطن بوست»، على رأس الكتب التي كتبها صحافيون. وخلال الخمس سنوات الماضية، كتب وودورد كتابين آخرين عن الموضوع: الاول، «بوش في الحرب»، عن غزو افغانستان، و«اشاد» فيه بما فعل بوش، وحصل على معلومات عن الغزو من بوش نفسه. الثاني، «خطة الهجوم»، عن غزو العراق، وفعل فيه نفس الشيء ايضا، وساعده بوش ايضا.

لم يكتب وودورد في الكتابين ان بوش كان «رائعا»، لكنه جمع معلومات لا تنتقد بوش (ومن بوش نفسه). غير انه في الكتاب الثالث والاخير «حالة انكار»، مال نحو «نقد» بوش، وذلك بنشر معلومات من مصادر اخرى. (رفض بوش مساعدته هذه المرة، ورفض ان يطلب من وزرائه ومستشاريه ان يساعدوه، كما فعل في المرتين السابقتين).

هل يجب ان يكتب وودورد كتبا محايدة عن بوش، لا تؤيده، ولا تعارضه؟، هل يقدر اي صحافي (واي كاتب) على كتابة كتاب محايد مائة في المائة؟، هل يجب ان يختلف الصحافي عن غير الصحافي لأن الصدق اساس العمل الصحافي؟.

يعتبر ستيوارت هيل، صاحب نظريات ثقافية، ومؤلف كتب مثل «تكوين التحديث» و«ثقافة الهوية»: «لا يعتمد صدق الصحافي عليه، لكن على مصادره. وتقدر المصادر على ان تقدم للصحافي معلومات صحيحة، او لا تقدر على ذلك».

لكن، كتب نعوم شومسكي، صاحب نظريات ثقافية ايضا، ومؤلف كتب مثل «موافقة اصطناعية»: «يقدر الصحافي على ان يكون صادقا حتى اذا كانت مصادره غير صادقة».

انتقد شومسكي في كتابه «موافقة اصطناعية (مفبركة)» تغطية الصحافيين الاميركيين لحرب فيتنام. وقال انهم لم يكونوا صادقين مع انفسهم، واعتمدوا كثيرا على العسكريين والسياسيين الذين كانوا غير صادقين. وقال ان الصحافيين، لو كانوا صادقين حقيقة، لقدموا للشعب الاميركي معلومات حقيقية عن الحرب، منذ بدايتها. وكان ذلك سيعجل معارضة الشعب الاميركي للحرب (استمرت حرب فيتنام عشر سنوات. وقال شومسكي انها ما كان يجب ان تستمر اكثر من نصف تلك المدة لو عرف الشعب الاميركي الحقائق في وقتها، ولو لم يكذب عليه العسكريون والسياسيون). واشار شومسكي الى ان حرب فيتنام امتدت الى كمبوديا، حيث قتل الاميركيون وقوات كمبودية حليفة لهم اكثر من نصف مليون «عدو» كمبودي خلال خمس سنوات. واشتركت وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) اشتراكا كبيرا فيها. لكن، لم يهتم الشعب الاميركي بحرب كمبوديا لان الصحافيين لم يغطوها تغطية صادقة، او اعتمدوا على «صدق» العسكريين والسياسيين.

كانت حرب كمبوديا، في الحقيقة، «حربا سريا»، ولم يعلم الشعب الاميركي بها كثيرا إلا بعد 20 سنة من نهايتها، من افلام مثل «كيلينغ فيلدز» (حقول القتل)، التي تألم لها كثيرون الما كثيرا. وكتب شومسكي: «نعم، اختلف مع كثير من اصدقائي، واقول بأن صدق الصحافيين اهم واقوى مما نعتقد، وربما مما يعتقد الصحافيون انفسهم».

ولأن شومسكي اراد ان يكون صادقا في تقييمه لصدق الصحافيين، قال: «لن يقدر صحافي على ان يكون صادقا %100 لأن مصادره تقدم له معلومات تخدم اهدافها، لا اهدافه هو. لكن، يقدر الصحافي، على اقل تقدير، ان يكون واعيا بعدم صدق مصادره».

سأل صحافيون زميلهم وودورد عن صدقه في كتبه، خلال مقابلات تلفزيونية وصحافية للدعاية لها، وقال مرة: «انا اجمع المعلومات، واقدمها للقراء». لكن، انتقده كريس ماثيو، مقدم مقابلات في تلفزيون «إم إس إن بي سي»، ومن اوائل الصحافيين الذين عارضوا الحرب، وقال: «جمع وودورد معلومات في كتابيه الاول والثاني وايد فيهما بوش. وجمع معلومات في كتابه الثالث، وانتقد فيه بوش».

هل كان على وودورد ان ينتظر قبل ان يصدر ثلاثة كتب خلال اربع سنوات؟ هل كان سيقدر على تقديم كتاب واحد محايد، بدلا عن كتب متناقضة؟.

يبدو ان صحافيين آخرين اتعظوا من درس وودورد، مثل مايكل اسيكوف، صحافي كبير في مجلة «نيوزويك». لم يكتب كتبا كثيرة مثل كتب وودورد، لكنه لا يقل مكانة عنه في دوائر واشنطن الصحافية. وكتب، قبل اربع سنوات، كتاب «رفع الغطاء عن كلنتون»، وفيه نقد لسياساته وفضائحه، رغم ان اسيكوف لا يقل ليبرالية عن كلنتون، وربما اكثر منه.

قبل اربعة شهور، كتب اسيكوف كتاب «عجرفة: القصة السرية لفضيحة بيع حرب العراق» (اشترك معه ديفيد كورن، صحافي كبير في مجلة «نيشن» الليبرالية، وكتب كتاب «اكاذيب بوش»). لم يتوقع احد الا ينتقد الكتاب سياسة بوش في العراق، وذلك بسبب الميول السياسية الواضحة للمؤلفين. لكنهما كتبا كتابا اكاديميا عملاقا غطى كل سنوات الحرب.

وقد صدر، خلال هذه السنة، كتاب «صدام العراق: مواجهة في الخليج». وهو ربما اكثر الكتب حيادا، ولا ينتقد بوش ولا يؤيده. وربما السبب هو انه صدر بلا اسم كاتب معين سوى اسم وكالة «رويترز» للاخبار التي اصدرته، وكتبت بأن مراسليها هم الذين جمعوا معلوماته.

وافتخرت «رويترز» في الكتاب بأنها «تعتمد على اكثر من 150 سنة من السمعة الحسنة في الصدق والسرعة والحرية وعدم الانحياز»، وقالت انها، بسبب ذلك، ترسل «كل يوم مليوني كلمة بـ 23 لغة».

يتكون الكتاب من 5 فصول عن تاريخ العراق وخلفية المشكلة وصدام حسين، واسلحة الدمار الشامل والغزو.. الخ، وفيه صور وخرائط ونصوص قرارات مجلس الامن. ولهذا، ربما يبدو الكتاب دليلا اكثر من تحليل، وربما يبدو جافا اكثر من مثير.

هل هذا هو ثمن الصدق؟

قالت «رويترز»، إنها تعمدت ذلك لأن هدفها كان تقديم معلومات موثوق بها. وقالت مجلة «ببلشرز ريفيو» المتخصصة في عرض الكتب الجديدة: «قدم الكتاب، بالادلة والاحصاءات، سياسة الولايات المتحدة لغزو العراق. و(لكن) قدم سياسات دول اخرى حذرت من ان الغزو سوف يقلب موازين القوى في المنطقة».

لهذا، يبدو ان «رويترز» نجحت في اثبات ان تقديم معلومات من مصادر متعارضة يغني عن الميل نحو مصدر من دون الآخر.

وصدرت، في الجانب الآخر، كتب مثل «اكبر قصة بيعت: سقوط الحقيقة منذ هجوم 11 سبتمبر»، الذي كتبه فرانك رتش، كاتب عمود في جريدة «نيويورك تايمز». ويتميز الكتاب بشيئين: اولا، كله كتاب آراء، وجمع فيه المؤلف آراء كتبها في الجريدة. ثانيا، كله ينتقد ادارة الرئيس بوش لان المؤلف ظل يفعل ذلك ربما منذ ان اصبح بوش رئيسا.

لكن، حاول المؤلف ان يكون محايدا، وكتب في المقدمة: «عندما وقع هجوم 11 سبتمبر، وقف كل الاميركيين وراء الرئيس الجديد». لكن «استغل بوش التأييد، وبدأ حملة ضد اعداء لم يهاجمونا: اجبر الحزب الديمقراطي على ألا يقول كلمة معارضة حتى لا يتهم بالخيانة، واجبر الاعلام على ان يكون معنا، لا ضدنا».

وأيد رتش، رأي بروفيسور نعوم شومسكي السابق، عندما قال ان الذنب لم يكن ذنب بوش، لكن ذنب الصحافيين، وقال: «صار الصحافيون، بعد هجوم 11 سبتمبر، جبناء».

وقالت مجلة «ببلشرز ريفيو»: «كشف الكتاب حب بوش للحقيقة كما يراها». واثارت المجلة سؤالا: هل من واجب الصحافي ان يتخطى قول الحقيقة، ويكتب رأيا يعارض رأيا يراه لا يعتمد على الحقيقة؟، اي: هل كتابة رأي يمكن ان تكون كشفا للحقيقة؟.

انتقدت كل الكتب التي اصدرها صحافيون خلال هذه السنة بوش وسياساته، وربما كان هذا متوقعا لأن العلاقة ظلت متوترة بين الصحافة والادارة عبر تاريخ اميركا، بسبب طبيعة الخلافات بين السياسيين والصحافيين. هذا بالاضافة الى ان اغلبية الصحافيين الاميركيين، كما اثبتت استفتاءات كثيرة، ليبراليون اكثر من محافظين، وديمقراطيون اكثر من جمهوريين.

لكن، حتى الصحافي فرد بارنز، مدير تحرير مجلة «ويكلي ستاندراد» اليمينية، اصدر كتابا انتقد فيه بوش: «كبير المتمردين: داخل رئاسة بوش المثيرة للجدل». وواضح من اسم الكتاب ان بارنز من مؤيدي بوش، لكنه «تمرد» عليه. وبالاضافة الى صحافيين اميركيين، اصدرت دور نشر اميركية كتبا لصحافيين غير اميركيين، او من اصول غير اميركية. اصدرت بريجيت غابريال، صحافية مسيحية من اصل لبناني، كتاب «لأنهم يكرهون: ناجية من الارهاب الاسلامي تحذر اميركا». واضح من اسم الكتاب انه يسعد الجهات المعادية للعرب وللمسلمين في اميركا. اسعد ستيف امرسون، صحافي يهودي و«خبير» في الارهاب، ولا تقدر التلفزيونات الاميركية الا تستضيفه في كل كبيرة وصغيرة عن الاسلام والمسلمين.

لكن، اصدرت ازادي موفيني، صحافية من اصل ايراني، كانت في مجلة «تايم»، والآن مع جريدة «لوس انجليس تايمز»، كتاب: «جهاد احمر الشفاه: مذكرات اميركية في ايران وايرانية في اميركا». واضح من اسم الكتاب انه عن تناقضات هويتها، لكنها تختم الكتاب بالحديث عن عودتها الى «الجذور».

* من أبرز الأعمال هذه السنة : ـ «استكبار: القصة السرية لفضيحة بيع حرب العراق»: مايكل اسكوف وديفيد كورن.

ـ «حالة انكار: بوش في الحرب»: بوب وودورد.

ـ «اموال الدم: ارواح فقدت وطمع شركات في العراق»: كرستيان ميلر.

ـ «عراق صدام»: وكالة «رويتزر».

ـ «كوبرا 2: القصة السرية لغزو واحتلال العراق»: مايكل غوردون.

ـ «سياسة مفقودة: كيف تفهم بوش واعوانه الديمقراطية الغربية؟»: جو كلاين.

ـ «حرب سهلة: كيف يسيرنا بوش نحو الهزيمة؟»: نورمان سولومون.

ـ «كيف يناضل قانون باتريوت؟»: غلين غرينوولد.

ـ «فضيحة: مغامرة اميركا العسكرية في العراق»: توماس ريكز.

ـ «البرج المكبر: القاعدة والطريق نحو 11 سبتمبر»: لورنس رايت.

ـ «خيال عملاق: القصة السرية لجولياني (عمدة نيويورك وقت هجوم 11 سبتمبر)»: وين باريت.

ـ «حياة امبريالية في مدينة زمردية: داخل المنطقة الخضراء في بغداد»: راجي سندرسكيران.