مدير مكتب «العربية» في واشنطن: أتمنى أن يتعلم الصحافيون العرب الدقة من رواة الحديث الشريف

متحدثا عن تجربته ومواكبته لتطورات الإعلام العربي لأكثر من 35 عاما

TT

يعمل الصحافي الأميركي عبد الله شليفر (أو مارك كما كان يعرف قبل إسلامه مطلع الستينات) مديرا لمكتب قناة العربية في واشنطن، بعد أن عمل في تغطية أحداث العالم العربي للمحطات الأميركية لأكثر من 35 عاما، وأسس مركز أدهم للصحافة التلفزيونية في الجامعة الأميركية بالقاهرة، حيث تخرجت على يديه العديد من الكوادر التي درست فنون العمل التلفزيوني. شليفر راقب تطورات الإعلام العربي وكان جزءا منها في كثير من الأحيان. «الشرق الأوسط» التقت بشليفر بمكتبه في واشنطن وأجرت معه الحوار التالي:

* ما هي الأهداف التي ترغب في إنجازها لقناة «العربية» في مكتب واشنطن؟

ـ لقد انضممت لـ«العربية» في أواخر العام الماضي وباشرت العمل الفعلي في فبراير (شباط) من هذا العام. ولدي عدة أهداف يجب علي إنجازها أولها القيام بالمهام القيادية إذ أن مكتب «العربية» لم يكن لديه من يقود دفته منذ أن انتقل مديره السابق إلى نيويورك.

أما النقطة الثانية من مهامي فهي العمل على توفير التوازن في التغطية بين المواضيع السلبية والمواضيع الإيجابية، وقد نجحت إلى حد كبير في تسليط الأضواء على قضايا إيجابية متعددة، مثل اختيار أول قاضية عربية أميركية في ديربورن بولاية متشيغان. كما غطت العربية بعد انتقالي إليها قصة مرشحة أميركية من أصل سعودي في تكساس لمنصب عام في الحزب الجمهوري، ورغم أنها لم تنجح لكنها استثارت اهتمام أجهزة الإعلام.

* كيف تقارن بين «العربية» و«الجزيرة»؟

ـ من وجهة نظري أرى أن «الجزيرة» لديها دوما مشكلة في التوفيق بين العقل والعاطفة، أو بتعبير آخر بين الرأس والقلب، فعقل «الجزيرة» هو امتداد لمدرسة هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي)، فصحافيو «الجزيرة» يجيدون عملهم الميداني، ولا أرى مشكلة في الأخبار التي تبثها «الجزيرة»، ولكن الخلل هو في القصص الإخبارية التي قد لا تبثها «الجزيرة» بسبب عدم تماشي تلك الأخبار مع قلبها أو مع عواطف محرريها ومراسليها، أو تتعارض مع ميولهم السياسية. وأنا لا أنكر أننا جميعا لدينا ميول سياسية وعواطف، ولكن الصحافي الحقيقي هو القادر على الفصل بين ميوله وواجبه الصحافي في إظهار الحقائق كما هي، حتى وإن تناقضت مع ميوله فهذه الميول يجب ألا تظهر في الأخبار، وإنما في الآراء ويستطيع أي صحافي أن يكتب رأيه بعيدا عن الأخبار، فالميول السياسية مفيدة في كتابة الأعمدة، ولكنها مضرة للأخبار، ومن الصعب الفصل بين الميل السياسي والخبر، ولكن لا بد من القيام بذلك وأهم خطوة في هذا الشأن هو إدراك أهمية هذا الفصل فبدون إدراك أهمية التفريق بين الرأي والحقيقة، لا يمكن أن يكون الصحافي محايدا.

* هل تتحدث عن الحياد في التغطيات؟

ـ «الجزيرة» تستحق التقدير في كثير من تغطياتها، فعندما كانت تنقل لنا صور أطفال العراق الرضع يقتلون فهي كانت تنقل الحقيقة، وليس كما اتهمها رامسفيلد بأنها تأتي بالأطفال ليبكون أمام الكاميرا، ولكن المشكلة لم تكن فيما أظهرته «الجزيرة» وإنما فيما أخفته، فلم تنقل «الجزيرة» أثناء حرب العراق مظاهر السعادة الكبيرة التي غمرت الأكراد في شمال العراق بسقوط صدام، ولم تنقل حتى مظاهر السعادة الأقل في الجنوب عند الشيعة الذين لم يستقبلونا نحن الأميركيين بالورود، كما توقع البعض، ولكن السبب هو أنهم كانوا حذرين فقد خذلناهم في انتفاضة 1991، ولذلك لم يثقوا فينا وفي صدقنا بالعزم على إطاحة صدام، ولكنهم بكل تأكيد كانوا سعداء بانتهاء عهد صدام، وهذا ما حاولت الجزيرة أنت تتجاهله.

* هل هذا هو الاختلاف الوحيد بين القناتين؟

ـ هناك اختلافات أخرى لعل من أهمها البرامج الحوارية، فهناك كثيرون سعداء بالبرامج الحوارية التي تقدمها «الجزيرة» ولكني أنا شخصيا غير سعيد بها مطلقا، فما يعجبني في «الجزيرة» هو ما تقوم به ميدانيا، أما برامج الآراء الحوارية فالعالم العربي متخم بها، ولا فائدة من هذه الآراء، ما لم تكن مصحوبة بمعلومات، وأنا لا أقول إن «العربية» أفضل من «الجزيرة» في كل شيء وهناك استثناءات في العمل الإعلامي، فأنا في الحقيقة معجب بما تقدمه «الجزيرة» من واشنطن في برنامج بهذا الاسم، وأعتقد أنه برنامج ممتاز خال من الصراخ، ويحافظ على التوازن والتنوع وثري بالمعلومات، فأنا في الواقع لا أود أن يفهم من كلامي أني أنتقد «الجزيرة» بشكل مطلق، أو منحاز لـ«العربية» بشكل مطلق في تقييمي، لأني أعمل بها، ولكني أقول إن فكرة «العربية» أساسها أن تكون أكثر مهنية.

* ما رأيك في الإعلام العربي بشكل عام؟

ـ كثير من الإعلام العربي لا يهتم بالحقائق، بل بالآراء أكثر من الحقائق، وقليلا ما تحاول وسائل الإعلام العربية أن تتحقق من المعلومات التي توردها، كما أن الإعلام يكون أداة أحيانا، وحتى الصحافة اللبنانية التي يقال عنها إنها في السبعينات والثمانينات لم تكن أداة في يد الدولة، فالحقيقة أنها لم تكن أداة في يد الدولة اللبنانية، ولكنها كانت أداة في أيدي دول أخرى. وأعتقد أن التنوع الذي كانت تمتاز به الصحافة الكويتية كان مذهلا بالنسبة لي أكثر مما كانت عليه الصحف اللبنانية، لأن الصحف الكويتية كانت بعيدة عن نفوذ المخابرات الأجنبية.

طبعا وضع الإعلام العربي تغير بظهور الفضائيات، ولكن قبل ذلك كانت هناك نقطة تحول أكثر أهمية نقلت الإعلام العربي إلى وضع أفضل وهي مرحلة الصحف الفضائية التي تطبع عبر الأقمار الصناعية في أكثر من قارة وأكثر من مدينة وأولها صحيفتكم «الشرق الأوسط»، وفيما بعد «الحياة»، فأنا أعتبر أن الصحافة الفضائية سبقت التلفزيونات الفضائية في تغيير طبيعة الإعلام العربي الذي اجتاز الحدود، فأنت لديك مجموعة من الصحافيين يعملون في لندن على سبيل المثال بعيدا عن التهديد أو الخوف، وبالتالي فإن هذا النوع من الصحف عمل على توسيع هامش الحرية وتحسين مستوى الخدمة الإعلامية، وجعل الصحافة العربية أكثر حرفية مما كانت عليه من قبل.

ولهذا فأنا أعتبر «الشرق الأوسط» ومن بعدها «الحياة» تمثلان نقطة تحول حاسمة في الإعلام العربي، ورغم الانتقادات التي يقال فيها انهما مملوكتان لسعوديين، واذا أردت التحدث من موقع الخبير الإعلامي المحايد أرى أنهما في النهاية متنافستان على المستوى الحرفي، واستطاعتا أن تحققا ما حاول جمال عبد الناصر تحقيقه طوال 20 عاما وفشل فيه، وهو خلق هوية عربية موحدة. ورغم أني لا أجيد اللغة العربية، إلا أن لدي شعورا أن الصحافة الخليجية أفضل مهنية من الصحافة في بلاد الشام والعراق ومصر.

وأعتقد أن «الشرق الأوسط» و«الحياة» تؤديان دورا جيدا على مستوى عربي وبعدهما شاهد العالم العربي محطة «سي.إن.إن» تؤدي عملا مهنيا جيدا، فانتبه العرب أن هناك عملا إعلاميا غائبا باللغة العربية وبدأت محطة «إم.بي.سي» بتجربة جديدة في الإعلام الفضائي، ثم جاءت بعدها «أوربت» ثم «الجزيرة» و«أبو ظبي» وكل القنوات اللاحقة.

* إلى من يعود اللوم في نقص الحرية الإعلامية برأيك؟

ـ هناك عوامل متعددة شرحتها في أحد بحوثي من بينها تسييس العمل الإعلامي، وتتحمل الحكومات العربية جزءا من المسؤولية، في حين أن الصحافي العربي يتحمل جانبا من مسؤولية التسييس والانحياز، وأتمنى لو أن الصحافيين العرب يستفيدون من دقة رواة الأحاديث الشريفة ومدونيها مثل البخاري ومسلم، حيث أنهما لم يكتفيا فقط بالاعتماد على مصدرين، بل إن هناك تقييما لأمانة وصدق الرواة واستبعاد غير الثقاة منهم، وهذا ما لم تصل إليه حتى الصحافة الغربية في أوج تطورها. وعلى الصحافي العربي أن يدرك أن مصداقيته أهم بكثير من إيراد معلومات توافق هوى الطرف أو الأطراف التي يتعاطف معها هذا الصحافي أو المحرر.

* ما هو تقييمك للإعلام الأميركي؟

ـ في حين أن الإعلام العربي يعاني من نقص الحرية، فإن الإعلام الأميركي يعاني من الحرية الزائدة، حرية بلا مسؤولية أحيانا، وفي الوقت الذي يعاني فيه الإعلام العربي من طغيان السياسة والآراء، فإن الإعلام الأميركي يعاني من طغيان الترفيه على حساب المعلومات والحقائق.

ويعاني الإعلام الأميركي حاليا أيضا من نوع جديد من الصحافة، لا تحكمه ضوابط ولا يمكن التحقق من المعلومات الواردة فيها وهي صحافة الإنترنت وصحافة المدونات الإلكترونية، فالصحافي في «نيويورك تايمز» أو «واشنطن بوست» أو «نيوزويك» يعرف جيدا ضوابط الصحافة، ويعرف أنه سيفقد عمله إذا ما أورد معلومات غير صادقة، ولكن الكم الكبير من المعلومات المنشورة حاليا في الإنترنت جعلت الإعلام الأميركي يفقد الشيء الكثير من جديته ومصداقيته. الأمر الآخر أننا نجد في الصحف العريقة تنوعا فمثلا في «واشنطن بوست» تقرأ الأعمدة وتجد فيها مقالا لكاتب ليبرالي وآخر لكاتب محافظ وتجد كاتب الخبر من ذوي الاتجاه الليبرالي، وخبر آخر يكتبه كاتب محافظ في حين أن مواقع الإنترنت معظمها ذات وجه واحد.

* ما الذي ينقص الصحافة الأميركية في معرفتها عن العالم العربي؟

ـ ينقصها الكثير، على رأس ذلك معرفة أهمية الدين في العالم العربي، وينقص الصحافي الأميركي الذي يغطي أحداث المنطقة معرفة أن بعض السياسيين العرب، يقولون في الغرف المغلقة عكس ما يقولونه علنا.

* لا شك أنك صادفت مواقف طريفة خلال حياتك المهنية؟ ـ هناك مواقف كثيرة لا تحصى، ولكني ما زلت أذكر مشهدا يعود إلى عام 1980 لا يمكن أن أنساه، وهو أثناء اجتماع عربي في مدينة الطائف السعودية، كنت الصحافي الغربي الوحيدا الذي سمح لي بالوصول إلى الأماكن المقدسة لأني مسلم، وكان عدد من الزعماء المشاركين في الاجتماع قرروا أداء مناسك العمرة، ومن بينهم صدام حسين وحافظ الأسد، فشاهدت بأم عيني الزعيمين يطوفان جنبا إلى جنب حول الكعبة، وإذا بأحدهما يدفع الآخر بعنف، ويضربه برسغه في غضب، مما أثار اندهاشي، وعكس الموقف مدى الكراهية بين الرجلين منذ وقت مبكر.

* هل صحيح أنك قابلت (الرجل الثاني في تنظيم القاعدة) أيمن الظواهري، أثناء وجودك في مصر؟

ـ لقد عرفته عن قرب، ولكنني لم أجر معه مقابلة صحافية. ومعرفتي به تعود إلى عام 1975، أو ربما 1974. ولم أكن أعرف انه كان عضوا في خلية سرية منذ أن كان في الـ16 من عمره، ولكن تحركاته كانت سرية لا يعرفها أحد، وكنت أعتقد أنه يميل للإخوان المسلمين أو ما شابه، ولكن لم أكن أتصور أنه من التكفيريين ودعاة العنف. وهو يتحدث الإنجليزية بطلاقة ودرس في مدارس أجنبية في المعادي، وهو ينتمي لأسرة ثرية وتربطه قرابة بأسرة عبد الرحمن عزام أول أمين عام للجامعة العربية. وفي الواقع هو الذي جاءني إلى حرم الجامعة، وكان مهتما أن يجد أميركيا اعتنق الإسلام، وكانت الجامعات المصرية، في تلك الفترة من السبعينات تعاني من صراع بين الإسلاميين والتيار القومي واليساري، وما جذب الظواهري إلي، أنني شيوعي سابق تحولت إلى الإسلام، علاوة على أني أميركي، وبعد أن تعاملت معه لفترة سرعان ما اتفقنا على ألا نتفق، فالإسلام بالنسبة له عبارة عن ظاهرة سياسية، في حين أن الإسلام بالنسبة لي علاقة روحية خاصة مع الله.

* سيرة ذاتية - عبد الله شليفر

* عمل شليفر في بدايات حياته المهنية مراسلا لمحطة NBC الأميركية في الشرق الأوسط، بين الأعوام 1970 إلى 1983، حيث كان مقره الأساسي في البداية بيروت، قبل أن يصبح في 1974 مديرا اقليميا لمكتب المحطة في القاهرة.

وقابل شليفر أثناء عمله معظم قادة المنطقة العربية، وشارك في تغطية أهم أحداثها قبل أن يترك العمل الميداني لتأسيس مركز أدهم التابع للجامعة الأميركية في القاهرة.

في عام 1988 اختارت محطة CNN الأميركية شليفر، ليكون ممثلها في القاهرة، كما عمل بعد ذلك لصالح محطة NBC في السعودية، حيث غطى حرب عاصفة الصحراء.

تلقى دراساته الجامعية في جامعة بنسلفانيا، حيث حصل عام 1956 على بكالوريوس في العلوم السياسية، وفي عام 1980 حصل على ماجستير في الدراسات الإسلامية من الجامعة الأميركية في بيروت.

شليفر هو مسلم منذ عام 1964 ومتزوج بسيدة سودانية هي طيبة حسن خليفة الشريف، حفيدة المهدي وإحدى قريبات الزعيم السوداني الصادق المهدي، تعمل مسؤولة في مفوضية حماية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في الخرطوم.