وسط بيروت.. مسرح لـ «تلفزيون الواقع» أبطاله معتصمون وسياسيون ومحللون

إعلاميو «14آذار» يخفون شارات قنواتهم... وبرامج تنقل استديوهاتها إلى موقع الحدث

TT

تحولت منطقة وسط بيروت منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في 14 فبراير (شباط) 2004 وما تلاه من أحداث مهمة، الى ساحة للاستقطاب، فضلا عن أبطال الاعتصامات الدورية بين فريقي 14 و8 مارس (آذار)، وليس آخرها الاعتصام المفتوح الذي ينظمه الأخير منذ الأول من ديسمبر الجاري، وسائل الاعلام اللبنانية والعالمية على اختلاف أنواعها. وخير دليل على ذلك الكلام الاخير الذي أدلى به الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى عن أنه زار معظم دول العالم ولم يجد عددا هائلا يوازي الاعلاميين الموجودين في لبنان.

وهكذا اتخذت محطات التلفزة التي وقفت على خطي التماس بين ساحة الاعتصام والسرايا الحكومي، كل حسب موقفها من الحدث، على عاتقها مهمة البث الحي بما يشبه «تلفزيون الواقع» لما يجري، لتبقى الجاذب الأبرز للمشاهدين. ففي حين اقتصر نقل الاعتصام المفتوح الذي تنظمه اليوم المعارضة للمطالبة بإسقاط الحكومة، في بعض المحطات على تقارير مختصرة أو متنوعة محورها الاعتصام «الحدث الأهم في لبنان»، نقلت تلفزيونات أخرى استديوهات برامجها الى قلب الحدث لتستقبل ضيوفها على مقربة من الخيم المنصوبة والمعتصمين.

«الاعتصام هو الحدث الأهم في البلد وكل ما يحدث من تحركات ومبادرات مرتبط به بشكل مباشر، ما يفرض علينا تغطية شاملة ومباشرة له «هكذا يقيم مدير الأخبار في تلفزيون المنار محمد عفيفي مقاربة المحطة لهذا الحدث ويقول «محطتنا تعبر عن الموقف الفعلي لقادة المعارضة الذي يتوافق بالتأكيد مع توجهنا السياسي وقضيتنا، ما ساهم في احتلال المنار المرتبة الأولى في نسبة المشاهدة».

وعن انتقال ستديو البرامج السياسية والاجتماعية الى موقع الحدث يقول عفيفي «بما أن الاعتصام مفتوح ومستمر طوال ساعات النهار، علينا أن ننقل ما يحدث الى المشاهدين في منازلهم ليضفي على مصداقية المحطة صورة حية عن الأجواء المسيطرة في كل تفاصيلها».

وعن تمحور برامج المحطة كما هو ملاحظ حول مطالب المعارضة والاعتصام المفتوح، يؤكد عفيفي انتقال فريق عمل خاص الى وسط بيروت ليأخذ على عاتقه مهمة النقل من الصباح حتى المساء. «تبدأ التغطية المستمرة من الساعة الثامنة والنصف صباحا من خلال البرنامج الصباحي «صباح المنار» الذي يركز في فقراته على نشاطات الاعتصام والتحركات بشكل عام اضافة الى استقبال ضيوف من السياسيين والشخصيات الاجتماعية لإبداء آرائهم في الوضع القائم والاعتصام بشكل خاص لتكتمل الصورة في الخيمة التي نصبت على امتداد مائة متر مع اختلاف في الديكور الذي حل مكانه الشعارات المعارضة للسلطة ولأقطاب الموالاة التي يحملها بعض المعتصمين من الصغار والكبار». وفي فترة بعد الظهر تنطلق عبر هواء «المنار» أصوات المواطنين المؤيدين للاعتصام من منازلهم، «نحاول ضبط الهواء قدر الامكان كي لا يمس أحد بركائز العيش المشترك وعدم تغذية الغرائز المذهبية والطائفية» في موازاة صورة خاصة تتابع تحركات المعتصمين في الخيم، ليعود النقل الحي بالصوت والصورة من المنصة حيث يتوالى الخطباء على القاء الكلمات لدعم الجمهور المعتصم وحفلات الزجل المنطلقة من مبدأ المطالبة باسقاط الحكومة ورئيسها. «نتعاطى مع الاعتصام بشكل خبري في النشرات اليومية، وأعتقد أننا نعطيه حجمه بما يكفي»، يعلق مدير الأخبار في تلفزيون «المستقبل» حسين الوجه مؤكدا عدم تعامل المحطة مع الحدث من الزاوية السياسية وان كان لا يتوافق مع التوجه العام للمؤسسة «لا نستطيع أن نتجاهل جمهور الاعتصام. نعمل جاهدين لنقل كل الأحداث المهمة، وهذا ما حصل يوم تظاهرتي المعارضة في وسط بيروت والأخرى المؤيدة للحكومة في طرابلس الأحد الماضي. انما في أوضاع كهذه لا بد أن نولي الاهتمام الأكبر للقضية التي نؤيدها وندعمها، لذا كان النقل المباشر من مجمع رشيد كرامي الدولي في طرابلس (في شمال لبنان)، حيث يتظاهر مؤيدو السلطة الذين فاق عددهم عدد المتظاهرين في بيروت والدليل على ذلك أن مساحة الملعب أكبر من ساحتي الشهداء ورياض الصلح». وعن اتهام البعض «المنار» بتضخيم الحدث ولا سيما أعداد المعتصمين يشدد عفيفي أن تظاهرة الأحد أثبتت ما قلناه بأنها «طوفان بشري» حتى باعتراف المعارضين لمطالبنا. أما في ما يتعلق بأعداد المعتصمين في الخيم «ليس المطلوب أن تكون أعدادهم بمئات الآلاف المهم هو رمزية التحرك بحد ذاته، خاصة أنه خلال ساعات النهار يكون الموظفون في أعمالهم والطلاب في جامعاتهم».

ويؤكد الوجه الأخبار التي تتناقلها بعض وسائل الاعلام اللبنانية عن تعرض تلك المؤيدة للسلطة لضغوط الأحزاب المنظمة لاعتصام المعارضة قائلا «نتعرض لمضايقات من عناصر حزب الله الذين يطلقون النعوت بحق العاملين في المؤسسة، فهم اقاموا دولة اعلامية على حسابهم، لكن رغم ذلك نتدبر أمورنا للحصول على المادة الاعلامية بالاعتماد على وسائلنا الخاصة»، رافضا الخوض في التفاصيل ومكتفيا بالتأكيد على عدم اظهار اشارة المحطة خلال تصوير تظاهرات المعارضة. من جهة أخرى يشيرعفيفي الى تعاون المحطة مع كل الوسائل الاعلامية وحتى المعارضة للاعتصام، «تغطيتنا الاستثنائية للحدث من خلال التوظيف الشامل للامكانات البشرية والعملية، مكنتنا من تقديم المشاهد والصور للتلفزيونات الأخرى حتى من دون اجبارهم على ابراز اشارة المنار». ويشدد الوجه على أن المشكلة ليست مع اعلاميي قناة المنار مشيدا بالمعاملة الحسنة التي يتلقاها منهم فريق المستقبل خلال تغطيات الأحداث على الأرض، «هم زملاء لنا في المهنة وتربطنا بهم صداقة».

يضيف الوجه: «المستقبل هو تلفزيون لبناني بامتياز كما أنه محطة لقوى 14مارس (آذار)، لذا من واجبنا وردا على ما فعلته محطة المنار يوم تشييع وزير الصناعة اللبناني بيار جميل في تصويرها أعداد المشاركين الضئيلة خلال مغادرتهم الموقع، أن نلقي الضوء، بموازاة نقلنا لتظاهرة يوم الاول من ديسمبر(كانون الأول)، على الشعارات المسيئة التي حملها المتظاهرون والتي تضمنت شتائم لقادة قوى السلطة. اما خلال أيام الاعتصام المفتوح فيكفي أن نعلم مشاهدينا بكل المستجدات التي تحصل خلال نشرات الأخبار ولا ضرورة للنقل المباشر من موقع الحدث لأنه ليس قضيتنا».

وعن اتهام البعض تلفزيون المنار ببث الفتنة وتغذية الغرائز الطائفية من خلال نوع البرامج التي تبث حول الاعتصام وفتح الهواء للناس والخطباء، يقول محمد عفيفي مدير الأخبار في المحطة «التركيبة الطائفية في لبنان هي أرض خصبة لمثل هذه المشكلات، وأياً كانت الزاوية التي نعمل من خلالها لنقل الأخبار لن يردع المنتقدون، فمثلا اذا هاجمنا رئيس الحكومة على أدائه السياسي سيعتبر هؤلاء أننا نهاجم الطائفة السنية في لبنان لكن نحن وفق مبدأ الفصل بين السياسة والطائفية».

تتعامل محطة الجديد اللبنانيةnew tv مع اعتصام المعارضة المفتوح على أنه حدث يحتل الأولوية في لبنان كما تقول مديرة الأخبار مريم البسام، خصوصا أنه شكل مادة اعلامية مهمة لكل الوسائل الاعلامية». لا يمكن تجاهل هذا الحدث المهم ويفترض مقاربته بموضوعية وحيادية، لذا نحاول تغطية التحركات المهمة خلال ساعات النهار الطويلة من خلال التقارير اليومية في نشرة الأخبار وعلى لسان أحد المراسلين الموجود في موقع الحدث لينقل الأجواء السائدة. يقتصر النقل المباشر على الخطباء المهمين ولا سيما أقطاب المعارضة الأساسيين. ليس منطقيا فتح الهواء لأي شخص يعتلي المنصة ليلقي خطابا. من هنا لدينا بعض المآخذ على المنظمين وعلى أقطاب المعارضة أنفسهم لناحية عدم الدقة في انتقاء هوية الخطباء وترك الساحة مفتوحة للجميع من دون معايير معينة».

تضيف البسام «من موقعنا الحيادي بين المحطات اللبنانية اعتمدنا الى مقاربة الحدث بطريقة مختلفة، مخططنا هو التركيز على النواحي الانسانية والاجتماعية للحدث من خلال اعداد تقارير لا تتعدى مدتها الأربع دقائق، مهمتها القاء الضوء على نمط الحياة في ساحة الاعتصام وعلى بعض الظواهر الموجودة في ساحة الاعتصام، مثلا وجود أبناء الريف في وسط بيروت وكيف تعاملوا مع هذه التغيرات أو كيف انتقلت وسط بيروت من منطقة خاصة للأغنياء الى ساحة للباعة المتجولين ولزبائن فقراء، واختلاف الحياة داخل الخيم الشرعية والمختلطة.... ». وينفي مدير مكتب «العربية» في لبنان علي نون ما سماه بالأحكام المسبقة وغير المبررة التي تتهم المحطة بالانحياز في طريقة تغطية الاعتصام المفتوح قائلا «لم تختلف التغطية بين اعتصامي قوى 14 مارس(آذار) في السنة الماضية وبين الاعتصام الحالي الذي يحتل قمة أولويات المحطة. مهمتنا كفضائية عربية نقل الوقائع كما هي الى المشاهدين العرب في مختلف دول العالم. انحيازنا هو للحقيقة، لا نتبنى وجهة نظر طرف دون آخر».