«عودة» الإعلام الحكومي

العام الجديد يشهد إطلاق قنوات إخبارية عدة تمولها حكومات تسعى لـ «إيصال صوتها» للعالم

TT

تميز عام 2006 بشكل خاص بالحديث عن اطلاق حكومات عدة لقنوات إخبارية تلفزيونية على طريقة قناة «سي إن إن» الأميركية، وذلك في مسعى لـ «إيصال صوتها» للعالم، كما شهد العام المنصرم تدشين عدد من هذه القنوات بالفعل.

ففي نهاية العام المنصرم، وبعد تأجيل متكرر لموعد التدشين انطلقت النسخة الناطقة بالإنجليزية من قناة «الجزيرة» القطرية بالتزامن مع الذكرى العاشرة لتأسيس القناة الأم (الناطقة بالعربية) في نوفمبر 1996. هذا فيما أعلنت قناة «الحرة» الأميركية الناطقة بالعربية اطلاق قناة شقيقة ثالثة هي قناة «الحرة ـ أوروبا» لتنضم الى القناة الأم وقناة «الحرة ـ عراق».

وفي نهاية العام كذلك، انطلقت قناة «فرنسا 24» الإخبارية برعاية رسمية من الحكومة، التي قال مديرها جيرار سان بول في حوار قبيل انطلاقها لـ «الشرق الأوسط» أنها تهدف لأن تنقل صورة الأحداث باستخدام «نظارات» مختلفة عن التي تستخدمها «الجزيرة» و«سي إن إن» مضيفا أن ما يسعى اليه هو نقل صورة عن عالم «سيكون متعدد الاقطاب ومتنوع وقابل لإثارة الاهتمام».

القناة الفرنسية انطلقت بميزانية قدرها 80 مليون يورو، ستوفرها الحكومة الفرنسية بالكامل من الميزانية الحكومية العامة، ورغم أن قانون إنشاء الشركة قد سمح لها بأن يكون لها طابع تجاري وقبول بث الإعلانات التجارية، إلا أن التقديرات الأولىة تفيد أن العائدات الإعلانية ستكون في المرحلة الأولى شبه غائبة. والسبب في ذلك هو تسوية تمنع الشركة الجديدة من تقبل الإعلانات «المحلية»، ويسمح لها بالإعلانات ذات الطابع الإقليمي أو العالمي، كي لا تؤثر على الدخل الاعلاني للشركات التلفزيونية المساهمة فيها (فرانس تلفزيون وتي.إف.1). القناة الفرنسية ستطلق كذلك خدمة بالعربية دشنت بالفعل على الإنترنت بداية من السادس من ديسمبر الماضي، لكنها لن تظهر على الشاشات إلا الصيف القادم والأرجح في شهر يوليو (تموز) المقبل.

ويبقى المؤكد حتى الآن هو انه في خريف 2007 ستنطلق القناة التلفزيونية العربية التابعة لهيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي). وهي التي قال عنها، صلاح نجم، مدير أخبارها في حوار سابق مع «الشرق الاوسط» انها «تطمح للوصول لأعلى مستوى ولا تستهدف سوى تقديم الخبر الدقيق للمشاهد العربي». فيما أعلنت هيئة الاذاعة البريطانية خلال السنة الماضية ايضا اعتزامها اطلاق قناة فارسية. ومن المفترض ان ينطلق في نفس الفترة من العام المقبل، تلفزيون «روسيا اليوم»، وهو النسخة العربية من قناة «راشا توداي» التي اطلقتها موسكو في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، التي رصد لها مبلغ 35 مليون دولار وتهدف لنقل صورة روسيا للخارج، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الروسية الرسمية. هذا فيما أعلنت مؤسسة «دويتشه فيلله DW» (صوت ألمانيا الحر) نيتها زيادة ساعات بثها التلفزيوني باللغة العربية الذي انطلق مطلع عام 2005. وحرص المستشار الألماني في ذلك الوقت، غيرهارد شرويدر، على تدشين اطلاق القناة بنفسه من الكويت خلال جولة خليجية له. وذكر رئيس المحطة ايريك بيترمان حينها «سنكون أول محطة للبث العربي في أوروبا، وهذا مصدر فخر لنا».

إذن فالعام المقبل سيكون «عام القنوات الحكومية» بامتياز، وإلى حد الآن كل ما ذكر جيد.. ولكن لحظة، ألم يكن حتى وقت قريب مفهوم «الاعلام الحكومي» أمرا بغيضا في نظر كثيرين؟ وألم يكن عدد كبير منا يقول «حمدا لله الذي خلصنا من الاعلام الحكومي» واصفا اياه بانه اداة لـ «غسيل المخ» والتحريض، فيما الإعلام التجاري يتميز بأنه «متحرر» وانه بسبب المنافسة التي يعيشها ولأن «المشاهد هو الحكم» فإنه يسعى دائما للاتيان بالخبر اولا.. سواء كان ذلك برضا الحكومات ام عدمه. هل نشهد اليوم «عودة» إلى الإعلام الحكومي؟ وما «الضمانات» أن تخدم هذه القنوات «مصلحة» المشاهد وليس «أجندة» الحكومة التي تمولها؟ نائب الرئيس السابق لشبكة «إم بي إن» الأميركية (المسؤولة عن إدارة العمل في قناة «الحرة» و«راديو سوا» الناطقتين بالعربية)، موفق حرب، كان أجاب عن سؤال مشابه في ندوة نظمها في مايو 2005 المعهد الملكي للدراسات الدولية (تشاتهام هاوس) بالتعاون مع وكالة (أ.ب)، وذلك في فعالية حملت اسم «الإعلام والشرق الأوسط» ضمن برنامج «حوار الشرق الأوسط» الذي ترعاه المؤسستان، اجابة حرب ان الوضع يختلف باختلاف النظام السياسي الذي يملك الإعلام. (اجابته كانت عن سؤال لصحافي عربي وكان موفق يتحدث عن الفرق بين الأنظمة العربية والولايات المتحدة في ما يتعلق بامتلاك وسائل الاعلام). ولعل الحديث عن قناة «الحرة» يجرنا إلى نقطة أخرى، فهذه القناة تبث من ثلاث سنوات وقد انطلقت حاملة راية نشر القيم الديمقراطية في العالم العربي، لكن بما انها ليست تجارية.. فما هو معيار نجاحها؟ سيما وان كثيرين في العالم العربي يعتبرونها غير مؤثرة او غير متابعة؟ ولعل نفس الاسئلة تنطبق على القنوات الأخرى (الجدير بالذكر انها انطلقت للتو ومن المبكر الحكم على نجاحها من عدمه). يقول رئيس قسم النشر والصحافة في جامعة «سيتي» بلندن، بروفيسور أدريان مونك لـ «الشرق الأوسط» انه فيما هو «صحيح ان هذه القنوات في الغالب لا تشاهد على مستوى جماهيري كبير، إلا انها تشاهد من قبل صناع القرار والآراء.. فمثلا الجزيرة الانجليزية تشاهد في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)». هذا فيما يعلق رئيس مؤسسة «ام بي ان»، براين كونيف، لـ «الشرق الأوسط» بقوله «اجرت مؤسسات ابحاث محترمة ومستقلة مثل ايبسوس واي. سي نيلسون استطلاعات عبر منطقة الشرق الأوسط، اظهرت ان للحرة وصولا اسبوعيا يقدر بنحو 20 مليون شخص».

ويضيف كونيف «أما بخصوص راديو سوا فهو يعد الاكثر شعبية في السوق والاذاعة رقم واحد في عدد من الاسواق، وكذلك فإن إيبسوس وإي. سي نيلسون اجرت ابحاثا واستنتجت ان راديو سوا يصل لنحو 20 مليون شخص اسبوعيا». ويوضح كونيف أن الدراسة تظهر أن «70% من متتبعي الحرة وسوا يجدون اخبارها ذات مصداقية»، مضيفا «وانصح من يشككون في مصداقية قنواتها ان يشاهدوها ليحكموا بأنفسهم».

ويعود مونك ليوضح ان مثل هذه القنوات الإخبارية «مفيدة» للحكومات، وذلك لأنها اولا مستقلة تحريريا، لكنها تعتمد على الحكومة ماليا بالكامل. ثانيا، تكلفتها قليلة نسبيا (بين 30 و100 مليون جنيه استرليني سنويا). ثالثا، توفر هذه القناة «مسافة»، بحيث لا يكون عمل الصحافيين هو ترديد ما تنشره الحكومة وإنما تحليله وتفحصه. ورابعا، تُولد هذه القنوات تغطية لفعاليات (كمؤتمرات صحافية محلية) قد لا تغطى في مكان آخر. ويخلص مونك للقول انه فيما قد لا يكون هناك منطق تجاري لهذه القنوات، فإنها تمثل «النظير الإعلامي» لطائرة الرئيس (رئيس الجمهورية).

* 2006.. عام دموي آخر للصحافيين

* لندن: «الشرق الأوسط»

* انتهى عام 2006 بموقف لافت للغاية بموافقة مجلس الأمن الدولي بالإجماع مؤخرا على قرار يدعو كل الجيوش وجماعات التمرد الى حماية الصحافيين العاملين في مناطق الحروب. وجاء قرار المجلس بعد أيام من اعلان لجنة حماية الصحافيين ومقرها نيويورك أن 32 صحافيا قتلوا هذا العام في العراق معظمهم على ايدي المسلحين.

وقالت اللجنة ان حوالي 55 صحافيا في جميع انحاء العالم قتلوا كنتيجة مباشرة لعملهم في عام 2006 بزيادة عن عام 2005 حيث كان العدد 47. واضافت انها ما زالت تحاول تحديد ما اذا كان 27 اعلاميا آخر فقدوا حياتهم لاسباب تتعلق بعملهم أم لا.

ويدين القرار جميع الهجمات التي تستهدف الصحافيين والاعلاميين والاطقم المعاونة الذين يغطون الصراعات المسلحة او يحاصرون في مناطق الحروب. وحث القرار الحكومات و«كل الاطراف الاخرى المرتبطة بصراع مسلح» على بذل اقصى ما في وسعها لمنع وقوع جرائم ضد الصحافيين والتحقيق في اي جرائم ترتكب وتقديم الجناة للمحاكمة. وأوضح ايضا ان معدات واجهزة وسائل الاعلام هي تجهيزات مدنية وليست عسكرية «وعلى هذا الاساس لا يجب ان تكون عرضة للهجوم او اي عمليات انتقامية ما لم تكن اهدافا عسكرية». وأدان القرار في الوقت نفسه تحريض وسائل الإعلام على العنف ضد المدنيين مثل بث «اذاعات الكراهية» خلال حملة الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994 ومؤخرا في ساحل العاج. وقالت لجنة حماية الصحافيين إن العراق كان في عام 2006 اكثر الاماكن دموية للصحافيين للعام الرابع على التوالي. وقتل 92 مراسلا في العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في مارس اذار 2003.

وجاءت افغانستان والفلبين في المرتبة الثانية كأكثر المناطق خطورة هذا العام حيث قتل ثلاثة صحافيين في كل من هاتين الدولتين. وقتل مراسلان في كل من روسيا والمكسيك وباكستان وكولومبيا.

بدورهما اعلن كل من اتحاد صحافيي الدول الناطقة بالفرنسية والحملة الدولية لشعار «شارة» حماية الصحافي ان قرار مجلس الامن رقم 1738 الذي اتخذ بالاجماع الخاص بحماية الصحافيين فى مناطق الحروب هو «خطوة تاريخية الى الامام».

وحثت المنظمتان كلا من فرنسا واليونان على تقديم مشروع القرار الى مجلس الامن واشارتا الى ان اقرار القرار على هذا المستوى الدولي يؤكد ان المجتمع الدولي على القمة لم يقف ساكنا او متفرجا ازاء مقتل مئات الصحافيين ومساعديهم في السنوات الاخيرة في كل انحاء العالم بدم بارد.

واعتبر صحافيو الفرانكوفونية والحملة الدولية ان القرار الذي ينص على «ضرورة ان يقدم سكرتير عام الامم المتحدة في تقريره القادم الى الامم المتحدة فصلا فرعيا حول امن الصحافيين وحمايتهم» خطوة مهمة لمراقبة الموقف من الان وحتى تقديم السكرتير العام تقريره الذي يقدم عادة للجمعية العامة للامم المتحدة فى سبتمبر القادم ويجعل قضية حماية الصحافيين قضية حية لا تموت.

واقر القرار فقرة تؤكد عدم استهداف المقرات الصحافية طالما انها لا تمثل اهدافا عسكرية وفي هذا الصدد شددت المنظمتان على اهمية هذه الفقرة لاستهداف اسرائيل لهذه المقرات خلال حرب لبنان الصيف الماضي وكذلك استهداف هذه المقرات فى حروب اخرى.

وحيت المنظمتان تدعيم القرار لمسؤولية الحكومات بتطبيق التزاماتها ازاء تطبيق القانون الانساني الدولي والقانون الدولي.

ورغم ان القرار يتحدث عن خطورة مهنة الصحافة الا انه حددها للبحث فى اطار حماية المدنيين في الحروب.

وشددت المنظمتان على ان مهنة الصحافة لديها خصوصية وخطورة اكبر من غيرها من المهن المدنية مما يتطلب التعامل معها بشكل خاص وليس بشكل عام.

وأوضحت أن 175 صحافيا قتلوا في العراق منذ الحرب هناك وحتى الان فيما قتل 12 صحافيا في فلسطين بأسلحة قوات الاحتلال الاسرائيلي وعلى مدى العامين الاخيرين «الامر الذي يستدعي تحقيقا ومحاكمة دولية لمن ارتكبوا جرائم القتل هذه».