الكويت.. جدل حول قرار تنظيم عمل صحافيي ومصوري جلسات البرلمان

صحافيون يعتبرونه «تضييقا».. ونواب يرونه «حفظا للهيبة»

TT

طبق البرلمان الكويتي بدءا من مطلع العام الجاري قرارا يقضي بتنظيم عمل الصحافيين والمصورين الذين يغطون جلساته وأنشطة أعضائه، كما منع المواطنين من إدخال هواتفهم النقالة المزودة بكاميرات إلى جانب تحديد مدة وزوايا التصوير للقنوات الفضائية بداعي قطع الطريق أمام من يحاول تشويه «صورة» البرلمان أو أعضائه.

وتعود خلفيات القرار الذي أصدره مكتب المجلس نهاية ديسمبر الماضي إلى جلسة إسقاط القروض التي عقدت أواخر العام الماضي وخرج فيها مواطنون عن قواعد السلوك المرعية في مقاعد الجمهور تحت قبة البرلمان، وقاموا بتصوير بعضهم عبر الهواتف المحمولة وانتشرت المقاطع المصورة في البلاد، كما عرضت قناة فضائية على موقعها الالكتروني تغطية للجلسة المذكورة بينت تعرض النواب للإساءة من قبل بعض الحضور. واعتبر متابعون أن إجراء مكتب مجلس الأمة (البرلمان) تنظيمي بحت إلا أن ذلك لا يمنع أن القرار اتخذ بشكل متعسف، وبدا واضحا أن المصورين هم وحدهم المتضررون سواء أولئك التابعين للصحف أو وكالات الأنباء والأهم القنوات الفضائية، فالقرار يستهدف بالدرجة الأولى «الصورة» ولا شيء عداها.

وجاء ضمن القرار التنظيمي منع التقاط صور «للوزراء والنواب والجمهور وهم في أوضاع غير عادية كي لا يتم نشر صور تثير الضحك والاستهزاء حفاظا على كرامتهم، وكذلك عدم تصوير أوراق الوزراء والنواب بالعدسات المقربة (الزوم) حفاظا على حرية كل وزير ونائب»، أما فيما يتعلق بالقنوات الفضائية فسمح لمصوريها بتصوير «بداية الجلسات وتزويد أطقمها الفنية بعد ذلك بموصل يتيح لهم تسجيل الجلسات من الدائرة التلفزيونية المغلقة (Clean Feed) على أن يتم توفير الأجهزة الخاصة بذلك من قبل المجلس».

ولم يفت المعنيون تسجيل موقف يطالبون فيه المجلس ونوابه بالرجوع عن هذا القرار الذي رأوا فيه عدم إنصاف وأخذ الجميع بجريرة جهة واحدة غير محترفة، وتطبيق اللائحة الداخلية على المسيء أيا كان.

ومن جانبه يرى مراسل قناة العربية سعد العجمي في تصريح لـ «الشرق الأوسط» هذا الإجراء «تضييقا» على عمل الإعلام، مضيفا «لقد لمست من زملائي تذمرا من هذا القرار».

وأشار العجمي إلى أن «رئيس البرلمان وعد بحل المشاكل التي ترتبت على هذا القرار رغم أنني لا أعتقد أن بمقدور مجلس الأمة (البرلمان) حلها خلال الفترة القريبة المقبلة».

يذكر أن العجمي حمل هو ومجموعة من زملائه رسالة احتجاج إلى رئيس البرلمان جاسم الخرافي نيابة عن مراسلي القنوات الفضائية الإخبارية العربية والدولية طالبوا فيها بإعادة النظر في قرار مكتب المجلس.

وبين المراسلون أن «تغطية وقائع جلسات مجلس الأمة بما تحفل فيه من أحداث تتطلب تسهيلات كثيرة لتستطيع نقل الصورة كما هي ما أمكننا ذلك وبصورة تتناسب مع ايجابية العمل البرلماني في الكويت، وبالتأكيد فإن السماح للقنوات الفضائية بتصوير 5 دقائق فقط يعتبر عمليا بمثابة المنع من التغطية التلفزيونية، الأمر الذي يعني فعليا حجب جزء أساسي من التجربة الديمقراطية الكويتية».

ويضيف مراسل قناة العربية الإخبارية سعد العجمي قائلا: «إن من أوجد المشكلة أطراف لا علاقة لها بعملنا، ويجب تطبيق اللائحة الداخلية للمجلس على المخطئ، لا أن نؤخذ بجريرة غيرنا لحل هذه المشكلة». واستعرض العجمي الحلول التي طرحت على الوفد ومنها «الاعتماد على تغطية تلفزيون الكويت، إلا أنه غير معقول فالجلسة تنتهي الساعة 2 وفي المرة الأخيرة تسلمنا الشريط من التلفزيون بعدها بست ساعات، والثاني الاعتماد على الدائرة المغلقة، وهذا المقترح يكلف أكثر من مائة ألف دولار أمريكي لتوفير المعدات، كما أنه يحتاج إلى سبعة شهور على الأقل لتطبيقه نظرا لدواعٍ إدارية ومالية يجب أن يمر خلالها إجراء توفير مثل هذه التقنية غير المتوفرة حاليا بالمجلس.

وتفاعلا مع «أزمة الصورة» طالبت نقابة الصحافيين والمراسلين الكويتية «مكتب مجلس الأمة التراجع عن القرارات القاضية بمنع القنوات الفضائية من تسجيل وقائع الجلسات، وعلى مكتب المجلس وحرس مجلس الأمة عدم التضييق على حرية تحرك المحررين البرلمانيين داخل ردهات البرلمان، خصوصا عند انتقالهم بين قاعة عبد الله السالم حيث تعقد الجلسات، ومدخل المجلس حيث يوجد الوزراء والنواب قبل وبعد انتهاء الجلسات». وأوضحت أن «تنظيم دخول المواطنين والإعلاميين للبرلمان لا تؤخذ بالتساهل ولا بالتشدد، إنما بتطبيق الإجراءات بصورة سلسلة تضمن الانسيابية وتراعي أن البرلمان مؤسسة شعبية وللإعلاميين حق معرفة ما يدور داخلها من فعاليات من دون مضايقة».

واستكمالا لذلك وجد نائب نقيب الصحافيين والمراسلين في الكويت داهم القحطاني أن «قرارات مكتب مجلس الأمة التي بموجبها منع القنوات الفضائية من إدخال كاميراتها إلى قاعة عبد الله السالم حيث تعقد الجلسة العامة لمجلس الأمة الكويتي كان قرارا متعجلا وغير حكيم، ويبدو أن النية كانت مبيتة لاتخاذه منذ جلسة الدوائر الشهيرة في 15 مايو 2006 حينما قام الجمهور بطرد أعضاء الحكومة من القاعة والهتاف ضد رئيس مجلس الأمة الحالي جاسم الخرافي».

وأضاف القحطاني في تصريح لـ «الشرق الأوسط» أن «الفرصة المناسبة أتت بالأحداث التي حصلت في جلسة إسقاط القروض وقيام قناة تلفزيونية لم تولد بعد بتصوير الأحداث بانتقائية، وبثت مقاطع من السباب والشتائم على شبكة الانترنت ما جعل مكتب مجلس الأمة يتخذ عدة قرارات بعضها تنظيمي ومطلوب، وبعضها الآخر كان بالفعل ضد الحريات العامة، ويحاسب الفضائيات المحترفة والملتزمة بأصول العمل الصحافي بجريرة هذه القناة التي لم تولد بعد».

ويختم القحطاني بأن النقابة «بادرت بإصدار بيان يطالب مكتب المجلس بالعودة عن قراراته المقيدة لحرية العمل الصحافي، وقامت لاحقا بالتنسيق مع مراسلي القنوات الفضائية بجهد يهدف للتصدي لمثل هذه القرارات، وانتهى مبدئيا بتعهد من رئيس المجلس بتوفير بث مباشر للقنوات الفضائية داخل القاعة ليسجلوا ما يشاءون، وهو جهد سيستمر إلى أن يتم التراجع عن هذه القرارات المعيبة، كما دعت النقابة أعضاء مكتب المجلس للتراجع عن هذا القرار، وإلا سيتم إصدار بيانات بأسمائهم تتهمهم بالعداء للحريات العامة وعليهم كنواب منتخبين أن يتحملوا نتيجة ذلك وتأثيراته».

ويبقى أن حل «أزمة الصورة» يكمن كما قال القحطاني بيد النواب الذين أمل منهم مراسل قناة العربية سعد العجمي أن يقفوا «وقفة جادة من أجل الضغط لحل هذه المشكلة فنحن مهمتنا نقل الخبر في وقته، والخيارات أمامنا ستبقى مفتوحة لتسجيل المواقف».

يذكر أن اللائحة الداخلية للبرلمان الكويتي بينت في المادة (69) أن «جلسات مجلس الأمة علنية، ويجوز عقدها سرية بناء على طلب الحكومة أو رئيس المجلس أو عشرة أعضاء على الأقل وتكون مناقشة الطلب في جلسة سرية»، وتطرقت المادة (182) منها إلى الصحافة وطالبتها بأن «تكون أمينة في نقل وتلخيص جلسات المجلس، ويحق لكل عضو أن يطلب تصحيح الأخطاء بكتاب خطي يرسله الرئيس إلى الصحف التي شوهت الوقائع وعليها أن تنشر الكتاب في أول عدد دون تعليق، ولا يمنع هذا من إقامة الدعوى العمومية».