كلنا «باباراتزي»

الجدل يتجدد حول «مطاردة» المصورين للمشاهير.. إلا أن تطور التقنية تترتب عليه حقائق جديدة

TT

توقف الكثيرون في الأسبوع الماضي عند خبر استجابة عدد من الصحف البريطانية لمطلب الأمير وليم ـ نجل ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز ـ بأن يدع المصورون صديقته كايت ميدلتون وشأنها، ومن بين المستجيبين مجموعة «نيوز انترناشونال» (المالكة لصحيفة التابلويد «ذا صن» الأكثر مبيعا في البلاد اضافة لصحف «ذا تايمز» و«ذا لندن بيبر» و«نيوز اوف ذا ورلد») التي اعلنت عدم عدم استخدامها لأي صور تلتقطها عدسات الـ «باباراتزي» لميدلتون، الامر الذي يثير الاسغراب سيما وأن «الرقة» ليست من «شيم» الصحافة البريطانية التي تتمسك بقوة بحقها في تغطية وانتقاد أي شخص.. وأي شيء. ولكن قلة من الناس فقط هي التي توقفت لدى كلمة «باباراتزي» نفسها، وقلة هي التي تساءلت عن معناها، فعلى الرغم من أن أول ما يخطر على بال الكثيرين لدى سماع هذا المصطلح هو تجمع من المصورين الصحافيين يلاحقون ويصورون احد المشاهير او النجمات في كل وأي مكان، وذلك بدون الحصول على اذن مسبق. أما غايتهم (المصورون) فهي الطمع ـ بالتأكيد ـ بالفوز بصور نادرة وأحيانا فاضحة بغرض بيعها بعد ذلك لاحدى الصحف او المجلات او القنوات... إلا أن هناك أكثر من معنى لهذه الكلمة وأكثر من نوع من المصورين العاملين في هذا المجال، وإلا فكيف يُفسر قيام صحيفة «ذا تايمز» في يوم إعلان «نيوز انترناشونال» عدم استخدامها لأي صورة لميدلتون تلتقط من قبل مصوري الـ «باباراتزي» بنشر صورة طولية لصديقة الأمير البريطاني على صفحتها الاولى بدت فيها غير سعيدة وهي تمشي باتجاه المصورين، هل كان السبب أن الصورة التقطها مصور في وكالة «اسوشيتد برس»؟ إذن هل يمكن في هذه الحالة القول بأن الـ «باباراتزي» هم فقط المصورون الذين لا يعملون لحساب مؤسسة كبرى؟ ام هم المصورون المستقلون الذين يتاجرون بالصور بعد التقاطها؟ اجابة «نيوز انترناشونال» كانت انها قررت عدم نشر اي صورة يلتقطها مصورو الباباراتزي لميدلتون، والمقصود بذلك هو الفهم العام الذي «يدركه الجميع».

إلا أن ما يبدو هو ان الجميع ليس مدركا لفهم عام لهذا المصطلح، وهذا ما يقوله البروفيسور مايك جيمسون من جمعية «ميدياوايز تراست» المعنية بأخلاقيات الاعلام. (وموقعها الإلكتروني هو www.presswise.org.uk ). ويوضح جيمسون «لا يوجد تعريف موحد للباباراتزي»، مشككا في الوقت نفسه في اعلان بعض الصحف عدم نشرها لصور اذا كان من التقطها هم الـ «باباراتزي»، ويتساءل «ماذا اذا كان نشر الصور يصب في المصلحة العامة؟». وربما يكون تساؤل البروفيسور جيمسون وما يجري في قضية كايت ميدلتون قد أعاد مسألة الخصوصية والنقاط الاخلاقية فيما يخص هذه القضية، وهو جدل مستمر بجميع الأحوال... خصوصا في بريطانيا، حيث لا يزال شبح «معاناة» الأميرة الراحلة ديانا (والدة الأمير وليام) مع الـ «باباراتزي» يحوم في الأجواء، سيما وأن الكثيرين يشبهون كايت بـ «الليدي» الراحلة. ولعل المشكلة في المملكة المتحدة هي في ضبابية القانون فيما يخص هذا الموضوع، ففي حين يمنع تصوير الأشخاص في ألمانيا على سبيل المثال قبل الحصول على اذن مسبق، فإن ذلك ليس الحال في أماكن أخرى. وفي حين أن هناك نظرة سلبية لدى الكثيرين تجاه هذا النوع من المصورين، فانهم في النهاية مصورون صحافيون يتمتعون حتما بحماية القانون البريطاني، واحيانا لا يمانع المستهدفون على الاطلاق، بل في بعض الاحيان يتم التصوير بالاتفاق مع المصورين، لكون النجم او النجمة تطمع في مزيد من الشهرة او اثارة الجدل. ويقول جون تونير من نقابة الصحافة الوطنية في بريطانيا (ان. يو. جاي) «نحن لا نحمي جميع الباباراتزي، الا ان مصوري الباباراتزي الذين يتمتعون بعضوية في النقابة يحصلون على نفس الميزات التي يحصل عليها اعضاؤنا الآخرون». ويضيف تونير «لا توجد لدينا قوانين خاصة لمصوري الباباراتزي، هناك فقط قواعد العمل التي تعترف بها النقابة والتي يجب على الجميع الالتزام بها». ويعود البروفيسور جيمسون ليوضح «ما يجري في المملكة المتحدة هو ان حدود مصوري الباباراتزي ترسم من خلال القضايا في المحاكم»، مستشهدا ببعض الحالات التي تمكن فيها مشاهير من مقاضاة صحف ومجلات نشرت صورا لم تكن مناسبة دون اذن. الا انه يقول «لكن ذلك يعني ان استرداد الحق هو حكر على الاغنياء»... الأمر الذي يمثل خطورة على من هم غير قادرين على انفاق مال كثير على خدمات كبار المحامين والخبراء.

وفي ظل محاولات كثيرة لتقييد حركة هؤلاء المصورين، فإن الأمر يتحول حاليا الى مستوى اكثر تعقيدا، سيما مع ظهور «فصيل» جديد من الـ «باباراتزي» يسمح لأي شخص بالانضمام اليه، والشرط الوحيد هو ان يكون الشخص مزوداً بهاتف جوال ذي كاميرا أو آلة تصوير رقمية شخصية، بحيث يمكن التقاط اي صورة في اي مكان او اي وقت، إن لم يكن هناك مطبوعة تقبل نشرها، فإن باب الإنترنت مفتوح دوما، وبالإضافة الى المنتديات فهناك مواقع متخصصة في نشر «مساهمات» المستخدمين مثل موقع «فليكر» الخاص بالصور الفوتوغرافية، و«يوتيوب» المتخصص بملفات الفيديو. وفي الواقع فإن أهمية هذا الفصيل تحديدا باتت تزداد بشكل كبير مؤخرا، خصوصا وانه يثبت بأنه في كثير من الأحيان يكون أكثر قدرة على الوصول والتحرك من المصورين المحترفين. وبالنظر إلى أحداث عالمية بارزة حصلت مؤخرا نجد أن الفضل في تصويرها كان على أيد «مواطنين صحافيين» حملت أجهزة جوالة مزودة بكاميرات او آلات تصوير رقمية شخصية (سواء فوتوغرافية أو فيديو)، بدءا من «المشاهد التي لم تعمم إعلاميا» لاعدام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين مرورا باعتداءات 7 ـ 7 على محطات القطارات في لندن، والحال نفسه ينطبق على اول صور لكارثة «تسونامي» التي وقعت في ديسمبر 2004 حيث ارسلها سياح إلى المؤسسات الإعلامية. ومن أبرز الدلائل على تنامي أهمية هذا النوع من التصوير، قيام صحف ومجلات وحتى قنوات تلفزيونية بالاعلان بشكل مستمر عن استعدادها لشراء اي صور يلتقطها أناس من العامة ويرون ان فيها قيمة، وبالتأكيد ترتفع قيمة الصورة كلما كانت الشخصية مشهورة، حتى ان وكالات متخصصة في صور المشاهير باتت تخصص اقساما خاصة للتعامل مع الصور التي يلتقطها العامة. وهذا هو الحال في وكالة «بيغ بيكتشيرز» البريطانية، التي تحقق دخلا سنويا يقدر بنحو 4 ملايين جنيه من المتاجرة بصور المشاهير.

إلا أن ذلك يشكل اشكالية أخرى، ففي حين أن الشكل النمطي لـ «الباباراتزي» بات معروفا، رغم أن بعضهم يلجأ الى اساليب استخباراتية في التجسس والتقاط الصور، فإن الحال اليوم هو أن أي شخص قد يكون هو المصوِر أو المصوَر. وينوه جيمسون إلى أن صعود هذا النوع من الصور التي يلتقطها العامة يشكل «ثغرة» قانونية يمكن لمحرري الصحف نشر أي صورة من خلالها، باعتبار أن بامكانهم القول «من التقط هذه الصورة ورأى انها مثيرة للاهتمام هو شخص من العامة، وليس مصورا صحافيا تابعا لنا»، فيما يشير إلى اللوم يعود على اصحاب المؤسسات الاعلامية ووكالات الصور التي فتحت الباب أمام هذه الظاهرة عندما قرنت الأمر بمكافأة مالية. وقد لا يكون الضحايا هم المشاهير او الاشخاص الذين اختاروا التحول الى شخصيات عامة (سواء كانوا فنانين او امراء او صديقات امراء)، بل اشخاصاً عاديين يمارسون حياتهم العادية. ولذلك يحذر جيسمون من نشر صور قد يكون لها تداعيات خطيرة، ويقول «قد يهدد الامر حياة شخص ما»، ويضيف: عرضت عليّ حالة (حقيقية) لامرأة مسلمة التقطت لها صورة حميمية مع شخص من ديانة أخرى في مكان عام، ويستطرد «والمشكلة في التقنيات الحديثة انه في حال انتشرت الصورة فسيكون من الصعب ملاحقة مصدرها او سحبها»، مضيفا قد يكلف الأمر حياتها ان نشرت الصورة وشاهدها شخص متطرف مثلا. ويوضح البروفيسور بقوله «الأمر ليس ذاته حين يصطاد صحافي او مصور مرجعا دينيا على سبيل المثال في هذا الوضع... فهذا شخصية عامة والامرأة التي صورت بالفعل هي مواطن عادي».

إلا أن للظاهرة «وجها إيجابيا»، لعله يتمثل في إعلان عمدة مدينة نيويورك، مايكل بلومبيرغ، قبل أيام، أن مراكز خدمات الطوارئ والأمن تعتزم تدشين نظام خدمة إلكترونية خلال العامين المقبلين يخول المواطنين إرسال ملفات الفيديو والصور التي تساهم في الإبلاغ عن الجرائم وكشف مرتكبيها والتي قد تتحول الى أدلة.

* مصورو لبنان.. براعة أم اتفاق مع المشاهير؟

* بيروت: كارولين عاكوم

* رغم أن ظاهرة الـ «باباراتزي» آخذة في الانتشار لبنانيا بشكل خاص، وعربيا بشكل عام، يعتبر كثيرون ومن بينهم المصور والرسام الكاريكاتوري اللبناني ستافرو جبرا أن «لا وجود لهذا الاسلوب في لبنان او في الدول العربية». ويضيف «يمكن بسهولة كشف المجلات التي تدعي انها تعمل بهذه الطريقة وتنقل مشاهد متسلسلة عبر عدد من الصور تلتقط بأسلوب عادي وقريب، وتظهر المستهدف وكأنه يدقق في خطواته وتحركاته للحصول على لقطات جميلة، وهذا خير دليل على عدم صحة قولهم لأن الركيزة الاساسية في هذا الاسلوب هي في سرقة الصورة، التي لا تتعدى اللقطة او اللقطتين، ليبقى المصور بعيداً عن انتباه المستهدف ونظره».

ويزعم جبرا بأنه في الغالب «يتم اتفاق مسبق يعقده الفنان الذي قد يدفع اموالاً مع المؤسسة الاعلامية والمصور لتصب في النهاية في مصلحة الفنان الطامع الى زيادة شهرته وتسليط الاضواء عليه»، وبحسب ما اوضحت احدى الشخصيات التلفزيونية الشهيرة في لبنان لـ «الشرق الأوسط» (شرط الابقاء على الهوية سرا)، فإن ذلك يتم فعلا. لكن من جهة ثانية، تجدر الاشارة الى انه هناك دعوى قضائية رفعها كل من الممثلة اللبنانية رلى شامية ومقدم برنامج «سوبرستار» ايمن القيسوني في السنة الماضية حين عمدت مجلة «ستار» على نشر صور خاصة بهما في مسبح عام في لبنان.

من جهته يقول طارق ضاهر «رئيس تحرير مجلة «ستار» التي انتهجت منذ تأسيسها خطا مخالفاً للسائد واعلنت اعتمادها اسلوب الـ «باباراتزي» بأن المراد بهذه الخطوة كان الخروج من منطق البرج العاجي الذي يوضع فيه الفنان، لنظهره كأي شخص عادي يعيش حياته الاجتماعية والعائلية بكل تفاصيلها ويتصرف على طبيعته». ويرى ضاهر ان المشهور جنى على نفسه بمجرد انه اختار طريق الشهرة، لذا من حق معجبيه معرفة ما يدور في افق يومياته». كما يزعم ضاهر نجاح مجلته التي يوزع منها اسبوعياً حوالي 11 الف نسخة، اضافة الى تجاوب المشاهير وترحيبهم بالفكرة.

من جهتها، تعرف مجلة «الجرس» الفنية التي ترأسها الاعلامية نضال الاحمدية بالفضائح التي تنشرها عن الفنانين والمشاهير. لكن الاحمدية توضح سياستها فيما يخص الصور بقولها احرص على اخذ اذن مسبق من صاحب الصورة قبل نشرها وهذا ما يتناقض مع مفهوم الـ «باباراتزي».

* «البعوضة اللجوج» > ظهرت كلمة «باباراتزي» (صيغة الجمع الإيطالية لكلمة «باباراتزو») لأول مرة في فيلم «لا دولتشي فيتا» (الحياة الحلوة) للمخرج الإيطالي الشهير فيديريكو فيلليني عام 1960. وفي الفيلم ثمة شخصية مصور فضولي لجوج اسمه السنيور باباراتزو. ويقال إن فيلليني اختار هذا الاسم بالذات لتشابهه مع كلمة «باباتاسيو» الشائعة في جزيرة صقلية وتعني البعوضة اللجوج، موازياً بينها وبين استخدام هذه الفئة من المصورين الفضوليين اللجوجين دراجات نارية خفيفة وسريعة للفرار... بعد اقتناصهم صورهم المنشودة الثمينة. وخلال عام واحد، أي عام 1961 دخلت كلمة «باباراتزي» قاموس اللغة الانجليزية، عندما نشرت مجلة «تايم» مقالة بعنوان «مصورون فضوليون ... ساعون إلى طريدة» Paparazzi on the prowl. وتنامت ظاهرة «البابراتزي» تدريجياً نتيجة انفتاح شهية الجمهور على متابعة أخبار المشاهير وفضائحهم والشائعات المحيطة بأسرارهم ومن أشهر «الباباراتزي» في العالم المصور الإيطالي تاتسيو سيكايرولي، الذي اشتهر في أواخر عقد الخمسينات من القرن الفائت، وبخاصة بعدما اشتبك بعراك مع الملك فاروق ملك مصر السابق، عندما كانت بصحبة الأخير فتاتان داخل مقهى «كافيه دو باري» في العاصمة الإيطالية روما عام 1958.

وسار رون غاييلا، «تلميذ» سيكاريولي على خطى معلمه ناقلاً خبرته إلى نيويورك. واشتهر غاييلا بكثرة شجاراته مع «ضحاياه» ومنهم جاكي كنيدي أوناسيس أرملة الرئيس الأميركي السابق جون كنيدي التي استصدرت أمراً قضائياً ضد نشره صوراً لها، والممثل الأميركي العالمي مارلون براندو الذي بلغ ضيقه من غاييلا حد ضربه إياه وكسره فكه. ومثل غاييلا، اشتهر رينو باريياري ـ الذي لقب نفسه عن جدارة «ملك الباباراتزي» بشجاراته مع ضحاياه من المشاهير خلال عقد الستينات، ومنهم فرانك سيناترا وميكي رورك... وحتى رائد الفضاء إدوين ألدرين ثاني إنسان تطأ قدماه سطح القمر.

وفي الفترات اللاحقة لمع نجم المصور الباريسي دانيال انجيلي، صاحب وكالة انجيلي للتصوير، الذي قبض مبلغ مليون دولار ثمناً لصوره المكشوفة التي التقطها لسارة فيرغوسون (التي كانت يومذاك زوجة الأمير أندرو ابن ملكة بريطانيا) مع عشيقها جون برايان. والمصوّر البريطاني الشاب ميل بوزاد الذي يعمل حالياً في لوس انجليس والذي تعرض للإفلاس بعد سلسلة خبطات ناجحة أثمرت له إحداها لنجمي السينما جنيفر لوبيز وبن آفليك بعد طلاقهما مبلغ 150 ألف دولار. وأيضاً يعد من كبار «الباباراتزي» اليوم المصور الأسترالي المقيم في لندن دارين لايونز، الذي فضحت إحدى «غزواته» الناجحة بالصور العلاقة العاطفية السرية بين نجم كرة القدم الانجليزي ديفيد بيكهام ومساعدته ريبيكا لوس. وكذلك المصور اللامع جون فريزر، أيضاً مقيم في لندن، الذي يقال إنه كسب مبلغ 1.5 مليون جنيه استرليني ثمناً للصورة التي التقطها للأميرة الراحلة ديانا وهي تقبّل دودي الفايد قبل فترة قصيرة من مقتلهما بحادث سير داخل أحد أنفاق باريس.

* وحدة أبحاث «الشرق الأوسط»