عندما يتحول اللعب.. إلى جد

«بيغ بروذر» يثير الجدل مجددا.. لكنها ليست أول مرة يتسبب فيها الترفيه التلفزيوني بـ«أزمة»

TT

فجأة ودون سابق إنذار، انفجر جدل كبير حول اتهامات بالعنصرية لبرنامج تلفزيون الواقع الشهير «بيغ بروذر(الأخ الأكبر)» في نسخته الخاصة بالمشاهير ببريطانيا (سيلبريتي بيغ بروذر)، بعد أن أوضحت هيئة مراقبة الاعلام البريطانية (أوفكوم) أنها تلقت شكاوى بخصوص هذه القضية، ارتفعت من 200 رسالة إلى 20 ألفا في أقل من أسبوع. وفي التفاصيل، اعترض كثير من المشاهدين على تعرض احدى المشاركات، هي نجمة السينما الهندية شيلبا شيتي، لمضايقات عنصرية من قبل مشاركين بريطانيين في البرنامج. ومن ضمن المضايقات السخرية من لهجة شيلبا خلال حديثها بالانجليزية وتعليقات لاذعة حول طريقة عيش الهنود البدائية في بلادهم «رغم ان شيلبا تعيش في الواقع حياة مرفهة للغاية لكونها من كبار نجمات بوليوود». ووصل حجم ردود الفعل الى حديث عن مدى تأثير «بيغ بروذر» على العلاقات البريطانية ـ الهندية، خصوصا بعد أن خرجت مظاهرات ومقالات غاضبة في الهند تندد ببرنامج تلفزيون الواقع البريطاني الذي يصور حياة اشخاص يعيشون معا لأول مرة في منزل مغلق ساعة بساعة... الأمر الذي ترتب عليه «إقحام» القضية في جدول أعمال وزير المالية البريطاني (المرشح لتولي منصب رئاسة الوزراء خلفا لتوني بلير)، غوردون براون، خلال زيارة عمل للهند الخميس الماضي. فسارع براون الى القول ردا على سؤال لأحد الصحافيين حول الموضوع ان بريطانيا «تعارض جميع اشكال العنصرية والتعصب»، مضيفا ان الغضب العارم الذي اثاره هذا البرنامج لن يؤثر في العلاقات «التاريخية» بين بريطانيا والهند. تلى ذلك دعوة براون المشاهدين التصويت لصالح شيلبا وذلك «دعما لبريطانيا والتسامح البريطاني» إلا أن هذا ليس أول جدل يتسبب فيه هذا البرنامج، الذي انطلق لأول مرة في هولندا عام 1999 وتحول بعد ذلك الى «خبطة» في اكثر من سبعين بلدا بعد ان تم شراء «صيغته» لإعداد نسخ محلية منه من شركة «إنديميول» للانتاج التلفزيوني. فبالإضافة الى الانتقادات التي رافقت انطلاق البرنامج منذ البداية بوصفه مهينا لحقوق الانسان والحضارة، ويستغل خصوصية الناس العاديين لاغراض تجارية، وبانه لا يعتمد على فكر او مهارة المتسابقين في مجال معين.. مما يترتب عليه تحويل أناس ذوي صفات سلبية الى نجوم، ارتفعت وتيرة الانتقادات عندما وصلت المشاهد الى مستوى اباحي بين المشاركين والمشاركات كما حصل في النسختين اليونانية والبرتغالية، فيما شهدت المكسيك محاولات لترويج حملات مقاطعة للبرنامج بهدف محاصرته اقتصاديا. ولعل المشاهدين العرب يتذكرون كذلك الجدل الذي اثير حول النسخة العربية من البرنامج والتي اطلق عليها «الزعيم» (من انتاج مجموعة «ام بي سي»)، حيث توقف البرنامج الذي كان يبث من البحرين عام 2004 استجابة للانتقادات والمواقف المنددة به. ومن اللحظات الفريدة كذلك في «تاريخ» برنامج «بيغ بروذر»، ما شهدته النسخة الاسبانية عام 2000 عندما اقتحم احد اعضاء منظمة «ايتا» الانفصالية «منزل» البرنامج مطالبا بنقل سجناء المنظمة الى اماكن اكثر قربا من اقربائهم، الا ان الأمر تم احتواؤه بعد ان لم تنقل قناة «تيلي 5» (التي كانت تبث البرنامج) مشهدا واحدا مما جرى ولم يصدر عنه سوى صورة فوتوغرافية واحدة. وفي عام 2003 كان مشاهدو النسخة الكولومبية من البرنامج على موعد مع ضيف «من نوع آخر»، حيث شارك رئيس البلاد ـ الفارو يورايب ـ في الحلقة الختامية. فيما تحول احد مشاركي البرنامج في بولندا، وهو سباستيان فلوريك، الى نائب في برلمان البلاد. من جهته، يعلق رئيس قسم الصحافة والنشر في جامعة «سيتي» بلندن، البروفيسور أدريان مونك لـ«الشرق الأوسط» بقوله ان كثيرا من هذه البرامج التلفزيونية تعتمد على اثارة الجدل للحفاظ على معدلات المشاهدة مرتفعة. (ولعل ذلك يفسر ارتفاع عدد مشاهدي البرنامج بمقدار مليون شخص بحسب ما ذكرت التقارير ليلة الأربعاء الماضي في «عز» اشتعال فتيل الأزمة). ويضيف مونك «اللافت في قضية بيغ بروذر هو ان منتجي البرنامج يزيلون بعض اللقطات منه عادة قبل بث الحلقات يوميا، الا انهم اختاروا عدم ازالة المقاطع التي رأى فيها كثيرون اهانات عنصرية». ويضيف أن هناك «معادلة» صعبة على منتجي مثل هذه البرامج ادراكها، وهي التحكم في «حجم» الإهانة، فهم يريدون جدلا كافيا لجعل الناس تتحدث عن البرنامج باستمرار، ولكنهم لا يريدون الوصول الى ردة فعل «كارثية»، وهو ما يعتبر انه حدث مع قضية «بيغ بروذر» الاخيرة في اشارة الى اعلان راعي البرنامج (شركة «كارفون ويرهاوس» للجوالات) سحب تمويلها، والتوقيت الذي حصلت فيه القضية في حين ان «القناة الرابعة» (التي تعرض البرنامج) تسعى للحصول على تمويل حكومي. لكن مونك سرعان ما يستدرك قائلا «الجهة الوحيدة التي قد تكون مستفيدة هي شركة انيديمول التي تستطيع القول إن البرامج التي تنتجها لا تزال مشاهدة وتحظى بتغطية اعلامية لافتة». (ارتفعت قيمة اسهم شركة انيمول بنسبة 1.6% صباح الجمعة الماضية) من جهتها تقول نيكي أوشيا، من المكتب الإعلامي لبرنامج «بيغ بروذر»، إنه «لا تعليق لديها لإضافته على ما قاله الرئيس التنفيذي للقناة الرابعة، آندي دونكان (مساء الخميس الماضي)». وكان دونكان قال إن «بيغ بروذر» عرف دائما بجاذبيته لعناوين الأخبار (بمعنى انه مثير للجدل)، مضيفا أن السبب في ذلك هو أن البرنامج يغوص ليوضح حقيقة المجتمع. وقال دونكان «ما أثاره البرنامج (حول مسألة العنصرية) يظهر أننا مسسنا عصبا حقيقيا... أنا أعتقد أنه أمر جيد أن البرنامج تسبب في مثل هذا الجدل (الاجتماعي)، فطرق التعامل هذه ـ بغض النظر عن فظاظتها ـ موجودة فعلا وعلينا مجابهة الحقيقة». وتعود نيكي لتعلق لـ «الشرق الأوسط» ردا على السؤال المتعلق بعدم إزالة اللقطات التي وصفها كثيرون بالعنصرية «يكون من الضروري في كثير من الأحيان وكجزء من قصة بيغ بروذر أن يتضمن البرنامج لقطات تظهر غضب المشاركين. نحن حريصون دائما على أن تكون هذه اللقطات تبث في أوقات مناسبة وبحسب توجيهات هيئة مراقبة الإعلام ـ أوفكوم». من جهة ثانية، فإن «بيغ بروذر» ليس البرنامج التلفزيوني التريفيهي الوحيد الذي اثار جدلا مرارا وبمثل هذه المستويات، فيتذكر كثير من المشاهدين العرب الجدل الذي رافق برنامجي «سوبر ستار» و«ستار أكاديمي» على قناتي «المستقبل» و«الـ.بي.سي» اللبنانيتين، حتى انهما وصفا في خطب الجمعة مع بقية برامج تلفزيون الواقع العربية بأنها «اسلحة دمار شامل» وكان ذلك بين عامي 2003 و2004 (كما شهد برنامج «سوبرستار» في موسمه الأول مظاهرات غاضبة في لبنان حاصرت مبنى تلفزيون «المستقبل» احتجاجا على خروج المتسابق ملحم زين). انتقادات مشابهة رافقت قرار تلفزيون هيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي) بث مسرحية الكوميدي الأميركي جيري سبرينغير المعروفة بـ«جيري سبرينغر ـ ذي اوبرا» والتي تتضمن لقطات يسخر فيها من السيد المسيح بشكل لاذع، حيث شهد مبنى التلفزيون في لندن مظاهرات غاضبة ومطالبة بعدم بث العمل في يناير (كانون الثاني) 2005. فيما حظي برنامج «من سيربح المليون» في نسخته البريطانية بنصيبه من الجدل والتغطية الاعلامية عام 2001 عندما ثبت ان احد المتسابقين «غشَّ» في المسابقة ليفوز بمليون جنيه استرليني (عن طريق الاستماع الى عدد المرات التي يسعل فيها زميل له في الجمهور)، وانتهى الامر بعدم فوزه بالجائزة وقضية في المحكمة.