مدير القناة السعودية الثانية: هدفنا شرح ثقافتنا لـ «الآخر»

متحدثا عن «الهوية» الجديدة للمحطة.. وشح الكفاءات الإعلامية السعودية الناطقة بالإنجليزية

TT

نحو ربع قرن مر تقريبا على تأسيس القناة الثانية بالتلفزيون السعودي، ولعل أبرز ما يميز هذه القناة هو انها ناطقة باللغة الإنجليزية. خلال هذه السنين مرت القناة بتقلبات عدة، وشهدت انتقادات عدة لجهة رتابتها وعدم تقديمها للجديد والمثير، وفي طور الاهتمام بهذه القناة والبحث عن السبل لتطويرها وإخراجها من شرنقتها وإحداث نقلة مواكبة للإعلام الفضائي المتجدد، تم تعيين الدكتور محمد باريان، مديرا لها منذ أقل من سنتين، بعد أن كان مديرا لقناة «الإخبارية» منذ تأسيسها. ويكشف باريان في حوار مع «الشرق الأوسط»، في الرياض، عن أبرز المشاكل التي كانت تواجه القناة، وهو تحديد هويتها، اضافة الى التطورات التي شهدتها المحطة، والخطط المستقبلية، وفي ما يلي نص الحوار:

> هناك مَن يعتبر أن القناة الثانية هي من اكثر الوسائل فعالية في التواصل مع الآخر، فما مدى استخدامها في هذا السياق؟

ـ القناة الثانية جزء من المنظومة الإعلامية للسعودية وتؤدي دورها من ضمن وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وقد يكون لعامل اللغة الإنجليزية للقناة دور كبير في مخاطبة الآخر الذي لا يتحدث اللغة العربية والوصول إليه بسهولة ومرونة. وتوجه القناة حاليا بناء على تعليمات وزير الثقافة والإعلام إياد مدني، ومستشاره محمد قزاز، هو تحديد هوية حقيقية للقناة وقد حددت بـ «مَن نحن بالنسبة إلى الآخر»، نحن كأرض، نحن كثقافة وكشعب، نحن كسياسة وكمجتمع سعودي، وقد تكون الصورة أصبحت ضبابية بعض الشيء بعد 11 سبتمبر (أيلول)، لكن ولله الحمد هناك خطوات كثيرة قدمت بعد ذلك.

وسيكون للقناة الثانية دور كبير في إيصال الرسالة الحقيقية من دون مبالغة، نحن لدينا كنز من الموروث الثقافي والسياسي والاقتصادي وفي جميع المجالات، وهذا ما تنطلق منه القناة الثانية بإذن الله وإيصاله للآخر، من خلال برامجها المتنوعة والتقارير واللقاءات مع الآخر والحوارات المتكررة مع هذا الآخر واستضافته، وسماع وجهة نظره بكل جدية واحترام عبر البرامج المباشرة والحوارية، فنحن لدينا مثقف سعودي يتحاور مع مثقف آخر من الشرق أو الغرب أو حتى مع العربي الذي يجهل الكثير عن السعودية.

> وهل من خطوات عملية في هذا السياق؟

ـ نقدم بلدنا تحت عنوان This is our Country، بتميزنا وثقافتنا وخصوصيتنا.

وتعتبر مؤتمرات الحوارات جزءا من تقارب اللغة الفكرية ما بين العالم العربي والإسلامي، والآخر الغربي أو الشرقي. نحن لدينا خصوصية في السعودية وسوف نجعل هذا الآخر يتعمق في فهمها، ولدينا خصوصية دينية تتمثل في مكة والمدينة المنورة والشريعة الإسلامية والقرآن الكريم، الذي هو دستورنا، وكل هذه هي منطلقاتنا من أجل إيصال رسالتنا ونشرها بشكل أوسع من قبل وبلغة جديدة ومرنة وسريعة، وسنعمل على إيصال بث القناة إلى باقي مناطق العالم التي لا يصلها البث، وستكون الرسالة الموجهة للعالم بهذا المضمون وبشكل وبأسلوب هادئ ومتزن وواقعي، وسيكون جميع ما يبث على القناة الثانية يحقق الهدف، وهو مَن نحن بالنسبة إلى الآخر واهتماماتنا الإسلامية والعربية، وهذا جزء مهم من لغة الحوار والتواصل مع الثقافات والشعوب الأخرى. وقد كثفت القناة تغطيتها للحوارات الوطنية المختلفة، خاصة الحوار الفكري الخامس تحت عنوان «نحن والآخر»، وتم عمل ترجمة فورية لجلسات الحوار واستضافة العديد من المفكرين والأكاديميين من داخل السعودية وخارجها للمشاركة بآرائهم حول موضوع الحوار.

> البث لا يصل إلى أوروبا الغربية وأميركا الشمالية، وهما من أهم المناطق التي يجب التعاطي معها إعلاميا، فهل هناك تطوير لإيصال البث هناك؟

ـ سيبدأ بث القناة في أميركا الشمالية وباقي مناطق أوروبا الغربية وبعض مناطق آسيا التي لا يصلها البث في شهر مارس (آذار) 2007 المقبل.

> كانت القناة في وقت سابق موجهة للأجانب داخل السعودية، فهل لا يزال لهم نصيب في خطتكم الجديد؟

ـ كان توجه القناة للأجانب داخل السعودية عندما أسست، حيث لم تكن توجد ثورة بالقنوات الفضائية والاتصالات، وكانت توجد شريحة كبيرة منهم داخل المجتمع السعودي، وجاءت القناة كنوع من الترفيه لهم، بالإضافة إلى إبراز بعض ما لدينا من النشاطات المحلية. وقد يكون أبرز ما لدينا الآن أننا في عالم فضائي متسع، ولكي تجد مساحة لإيصال رسالتك لا بد من أن تقدم مادة بشكل احترافي، سواء كانت في مجال الدراما والبرامج المتنوعة، أو في مجال الأخبار والاقتصاد وغيره وبأسلوب مهني. وقد أصبح بث القناة على مدار الساعة، حيث توجد أخبار تفصيلية وموجزة، وأصبحت هناك شبكة من المراسلين بشكل كبير بأنحاء العالم، والخطوة المستقبلية القريبة تكوين شبكة من المراسلين داخل السعودية في جميع المناطق، وسيكون لكل منطقة ومحافظة وقرية نصيب من رسالتنا الإعلامية، وهناك توجه لتقديم اللغة الفرنسية من خلال نشرات الأخبار، وقد أصبحنا نقدم برامج ومسلسلات فرنسية مدبلجة للغة الإنجليزية.

> بالنسبة لطبيعة العمل بالقناة، هل تعانون من قلة وجود الكوادر الإعلامية السعودية أو الناطقة باللغة الإنجليزية حيث هناك من يعتبر أن أقسام الإعلام في الكليات ضعيفة ولا تلبي حاجة القناة الحقيقية وهي أيضا لا تدرس الإنجليزي؟

ـ الإعلامي ليس بالضرورة أن يكون خريج إعلام، وكثير من الذين يعملون بالتلفزيون هم موهوبون ومبدعون وليسوا من الحاصلين على شهادات في الإعلام والعمل التلفزيوني الفني. والإبداع الإعلامي لدينا بالسعودية لا يأتي من الجامعات، ونجد صعوبة في إيجاد الإعلامي الذي يتحدث اللغة الإنجليزية بشكل كامل، وهذا موضوع مهم جدا، وهو تخريج الإعلامي المتمكن من اللغة الإنجليزية، حيث إن الجامعات تدرس أربعة مقررات إنجليزية للإعلامي ولا تفي بالحاجة، لكن لدي قناعة تامة أن أقسام الإعلام بجامعاتنا لا تخرج إعلاميين متمكنين، والمبدعون هم من مجالات أخرى، والعمل في التلفزيون إنما هو عملية متكاملة والكل يعمل ضمن فريق واحد.

> ألا تخشون أن يؤثر ذلك في مستقبل القناة؟

ـ خطط وزارة الثقافة والإعلام السعودية في المستقبل تقوم على التدريب.. ثم التدريب.. ثم التدريب!، أعتقد أنه من دون التدريب المتواصل لا يمكن أن يستمر التطوير والنجاح في قطاع التلفزيون، وسيكون هناك جانبان من التدريب بالوزارة، خاصة للتلفزيون، يتمثل الأول في إحضار خبراء في تخصصات مختلفة للتلفزيون وتدريب العاملين كل في تخصصه وعمله. والجانب الآخر هو اختيار بعض العاملين بالتلفزيون وابتعاثهم إلى المعاهد والمراكز العالمية المتخصصة في قطاع التلفزيون في جميع مجالاته الفنية والتحريرية، وحتى داخل السعودية سيكون التدريب مستمرا في ظل هذا التطور الاقتصادي الذي سوف يطال بكل تأكيد قطاع الإعلام.

> تبث القناة مسلسلات عربية مدبلجة إلى اللغة الإنجليزية، فهل هذه بادرة لإنتاجها بشكل أكبر؟

ـ سيكون قريبا لدينا بالقناة الثانية إنتاج دراما محلية باللغة الإنجليزية ومسلسلات كوميدية وغيرها، وسيمثل فيها ممثلون سعوديون وعرب يتحدثون اللغة الإنجليزية، وهذا من خطط تطوير برامج القناة المستقبلية التي نعمل جميعا لإخراجها للجمهور، وقد تم طرح هذه الرؤية ونسعى إلى تنفيذها.

> بعد النجاح في تأسيس قناة «الإخبارية»، ثم تطوير «القناة الثانية»، أين تجد نفسك بين قناة عربية إخبارية، وقناة إنجليزية منوعة وتحمل خطابا فكريا وثقافيا مختلفا؟

وقناة «الإخبارية» هدفها مختلف تماما عن «القناة الثانية»، وقد وجدت في ظروف معينة كانت تحتم علينا العيش في أجواء مختلفة عن ما هو موجود في «القناة الثانية». وإذا أردت المقارنة بشكل عادل، فقد كانت القيادة في «الإخبارية» قيادة صعبة وشرسة وزادتني صلابة وتمرسا إعلاميا، أما «القناة الثانية» فهي تتمتع بأنها تمتلك المجال الأكبر للإبداع وصناعة التميز والنجاح الإعلامي عن باقي القنوات، كذلك يوجد فيها الأفق الأكثر اتساعا بسبب تنوعها وقدرتها على إيجاد أنواع جديدة من البرامج والأفكار الرائعة وهي أكثر مرونة من قناة «الإخبارية»، وفيها شيء من الحميمية والود في التعامل والقدرة على إثراء الأفكار والإبداع.

* سيرة ذاتية د. محمد باريان درس المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية في الرياض ثم التحق بجامعة الملك سعود (الرياض سابقا)، وتخرج في قسم الإعلام تخصص إذاعة وتلفزيون عام 1982. وعمل بعد التخرج محرر أخبار في «القناة الأولى» في التلفزيون السعودي، ثم رئيسا لتحرير الأخبار، ثم مسؤولا عن إدارة البرامج السياسية بـ «القناة الأولى» بعد عام 1990، عمل نائبا لمدير إدارة الأخبار في «القناة الأولى» ثم ابتعث إلى بريطانيا لدراسة مرحلة الماجستير في الإعلام، وبعد الماجستير عمل في التلفزيون الأميركي في سياتل. وفي عام 1998، ابتعث إلى بريطانيا لإعداد الدكتوراه في الإعلام وقدم رسالة لتطوير العمل التلفزيوني بشكل عام وتطوير الخدمة الإخبارية بشكل خاص، وبعد ذلك عاد للرياض لتنبثق بعد هذه الدراسة قناة «الإخبارية»، ويعمل مديرا لها منذ انطلاقتها وحتى عام 2005، ثم رشح ليصبح مديرا لـ «القناة الثانية»، حيث يعمل منذ 2005.