المراسلون في البلقان: «أبطال» الحرب.. «ضحايا» السلام

قصة «معاناة» البحث عن «قصة» بعد أن تحول اهتمام الإعلام صوب مناطق أكثر سخونة

TT

عندما تندلع الحروب يشد الصحافيون إليها الرحال، فإذا وضعت الحرب أوزارها، يشدون الرحال إلى فضاءات وساحات أخرى أكثر «سخونة» و... دموية، تلك هي «سنة الإعلام»، ما يدفع البعض الى تشبيه الصحافيين بالقراصنة الذين لا ينتقلون من سفينة الى أخرى إلا بعد ان يجردوها من كافة كنوزها. ففي بداية التسعينات وإثر اندلاع الحرب التوسعية التي خاضها الصرب ضد الكروات والمقدونيين والسلوفينيين والبوشناق كانت منطقة البلقان، وبالأخص جمهوريات يوغسلافيا السابقة، تحت أضواء الكاميرات، ورصد أقلام الصحافيين من مختلف أنحاء العالم. إلا أن الوضع تغير اليوم، ولم يبق سوى بعض المراسلين... والكثير من الذكريات، فيما ينشغل الاعلام العالمي بـ «قصص» أخرى حاليا، تتراوح بين العراق وفلسطين وإفريقيا وصوب كوارث انسانية كـ «تسونامي» و«كاترينا».

ويعتبر زوران بيرول مراسل إذاعة دوتشيفيله الالمانية في بلغراد ان «العمل الصحافي في منطقة يوغسلافيا السابقة أكثر راحة الآن لكنه في السابق كان دون شك ألذ رغم المصاعب والأخطار التي كان يتعرض لها الصحافيون». ويشرح في حديثه الهاتفي مع «الشرق الاوسط» كيفية عمله في الوقت الحالي، وكيفية البحث عن قصة بعد ان توقفت اجراس الحرب، فيقول «أنا لا أقوم بأي شيء يذكر إلا إذا طلبت مني المؤسسة ذلك ولكن تستهويني القصص الاجتماعية أكثر من غيرها، حياة الناس وبالأخص الشباب». إلا أنه يوضح من جهة ثانية أن ذلك لا يعني وجود «معاناة» في البحث عن قصة فيقول «المنطقة في حاجة لـ 50 سنة أخرى من الحديث عما جرى خلال عشرية دامية وما خلفته من دمار ومآسٍ». ويمكن اضافة نقاط اخرى الى ما قاله بيرول، حيث لا يزال هناك نفور بين القوميات والكثير من القضايا السياسية المعلقة مثل قضية اللاجئين والمُهجرين والمقابر الجماعية التي يتم اكتشافها باستمرار وقضايا جرائم الحرب ومستقبل كوسوفو، والوجود الدولي، كما أن المنطقة مرشحة لعدة تطورات مثل مسيرة الانضمام للشراكة الاورو ـ أطلسية والخلافات الحدودية القائمة بين دول المنطقة. أما مراسل «صوت أميركا» آدو دونجي فيشبه مراسلي الحروب بعارضات الأزياء ويقول «كلاهما عمره المهني قصير» ويتابع دونجي «أنا أفضل العمل في ميدان الحروب أكثر من الجلوس وراء طاولة في غرفة الاخبار أو شاشة الكمبيوتر» وعن الفرق بين العمل الصحافي أثناء الحرب وفي الوقت الحاضر قال «في زمن الحرب كان كل ما يرسله المراسل محل ترحيب ويعرض أو ينشر مباشرة، أما الآن فهو تحت رحمة المشرف على البرامج ورؤساء الأقسام والمحررين، وهم من يحدد القصص التي تشد القارئ أو تجذبه، وما إذا كانت القصة والصورة صالحة للنشر والبث والعرض أم لا «وعما إذا كان يعترض على ذلك قال «ليست هناك مقاييس واحدة داخل الكثير من المؤسسات الاعلامية في تقييم القصص والمواضيع وهي متروكة للشخص المسؤول أو المحرر». وعن كيفية بحثه عن القصة قال «هي توارد أفكار، قد يلفت نظرك مقالة أو خبر عن موضوع ما فتحاول القيام بعمل مثله أو موضوع في مكان آخر من العالم وتجد نظيرا له في المنطقة» أما المواضيع التي يراها تجذب القارئ فقال «إنها كثيرة جدا ولا يمكن تحديدها بواحد اثنين ثلاثة، كمن يعد النجوم، ليس في مواطن الحروب فحسب بل في أي بلد عادي القصص لم تنته طالما الحياة مستمرة». أما الدكتور بسيم سباهيتش أستاذ الاعلام بالجامعة البوسنية فلديه وجهة نظر أخرى، فهو ينفي أن يكون الاعلام «هجر» الساحة البلقانية، فيقول «صحيح أن الاهتمام ربما قل بالمنطقة من قبل بعض الجهات ولكن الاحداث اليومية يتم تناقلها من قبل العشرات من وكالات الانباء والفضائيات والصحف الدولية» ويتابع «من الطبيعي أن يكون المراسل الحربي أكثر حضورا في وسائل الاعلام التي يتعامل معها الامر يتعلق بالمواضيع التي يركز عليها بعد انتهاء الحرب فإذا اقتصر على الخبر لن يكون له الاشعاع المطلوب للصحافي الناجح وعليه اللجوء للتقارير والتحقيقات والمواضيع الجذابة للحفاظ على تألقه وهذه مهمة الصحافي بعد انتهاء الحروب وبداية جرد تركة تلك الحرب». وكان من شأن الحرب في البلقان أنها «خرجت» مجموعة كبيرة من الصحافيين الذين اشتهروا في الاعلام العربي، مثل أحمد القاضي الذي يعمل حاليا في مركز التدريب التابع لشبكة «الجزيرة»، وأسعد طه الذي عمل مراسلا لـ «الشرق الاوسط» في نهاية الحرب. وكذلك الراحل ماهر عبد الله، الذي توفي العام الماضي في قطر على إثر حادث مرور، وكان مراسلا لجريدة الحياة، قبل أن ينتقل لقناة الجزيرة الاخبارية، ويحل مكانه جميل روفائيل. وحسن زيتوني الذي قدم للمنطقة مندوبا عن «ام بي سي»، وكذلك أحمد منجونة، وكلاهما جاء في مهمات خاصة ولم يقيما طويلا في المنطقة. بالاضافة لنور الدين صالح الذي عمل مراسلا لـ «الشرق الاوسط»، من زغرب. وإلياس توما، ومحمد البقري، وكان الاول في بلغراد وانتقل إلى بوخارست أو صوفيا، بينما كان الثاني في تيرانا. وهناك أيضا عماد عفانه الذي عمل مع عدة قنوات فضائية عربية، ونزار عمران، ومحمد سعيد، وجمال عبد الرؤوف.