الشعر الشعبي.. مضمار جديد في حلبة سباق الفضائيات العربية

وصل عددها الى 15 قناة والقائمون عليها بين اعتبارها استثمارا مربحا ومصدرا للوجاهة

«شاعر المليون». نجاحه دل على وجود طلب كبير على البرامج والقنوات الخاصة بالشعر الشعبي
TT

مع بداية الثمانينات بدأت ثورة الشعر الشعبي تطفو في الإعلام المحلي السعودي والخليجي وخاصة المقروء والمسموع إضافة إلى تخصيص القنوات الحكومية في ذلك الوقت برامج منوعة تهتم بالموروث الشعبي والشعر.

ومع تطور الإعلام المقروء وانخفاض تكلفة الإنتاج، خاصة للمجلات بدأ العديد من الشعراء والمهتمين بالموروث الشعبي باستخراج تراخيص لإصدار مجلات شعبية من دول أجنبية لتصل نحو 50 مجلة مهتمة بالشعر والموروث الشعبي في السوق الخليجية.

وأخيرا بدأت ثورة القنوات الفضائية المهتمة بالموروث الشعبي وتحديداً الشعر الشعبي وغيرها، بالخروج للمشاهدين لتشهد كل شهرين ولادة قناة شعرية جديد ليتجاوز عددها حالياً 15 قناة فضائية تهتم بالشعر والموروث، والهوايات التراثية، والتي منها (الساحة – الواحة – الصحراء – البوادي – فواصل – الدانة – المختلف – نجوم 3 – نجوم الخليج – روتانا شعر – الدار – أوطان – صوت البادية – الحر- الخليج) ويكلف إنشاء قناة فضائية من هذه النوعية 1.3 مليون ريال ( 346 ألف دولار) دون تكلفة الأيدي العاملة، ويتجه المستثمرون في قنوات الشعر إلى الدول التي تمنح تراخيص إقامة قنوات فضائية مثل الإمارات العربية المتحدة تحديداً في دبي ، ومصر ، والأردن ، والبحرين، في حين أن أفضل هذه الدول من حيث توفير الكوادر الفنية ورخصها هي مصر تليها البحرين، فيما يعيب دبي ارتفاع أسعار الإيجارات وأجور العمالة.

وتعتمد تلك القنوات في مداخيلها بالدرجة الأولى على " الدعم المادي " الذي يحصل عليه ملاكها من قبل بعض المتنفذين ورجال الأعمال، وتعتمد ثانياً بعد ذلك على رسائل الـ sms ، مع فقدانها للإعلان التجاري.

ولعل برنامج شاعر المليون الذي أطلقته قناة أبوظبي قبل عدة أشهر والذي حقق نجاحاً كبيراً دفع الكثير من المستثمرين إلى إنشاء قنوات مهتمة بالشعر، خاصة وانه لم يكن أحد يتوقع أو يراهن على أن الشعر الشعبي قادر على أن يحمل قناة فضائية على النجاح، كونه يرى الكثيرون أن تجربة القناة الفضائية مغامرة وتجربة قد تفشل، إلا أنه أثبتت بعض تلك القنوات جدواها الاستثمارية بمساعدة الارباح التي تجنيها من الرسائل القصيرة.

وهنا يشير مشعل بن خالد بن حثلين رئيس مجلس إدارة ومؤسس قناة الصحراء الفضائية، وهي إحدى القنوات التي دشنت مؤخراً وتهتم بالتراث الشعبي، أن قنوات الشعر أتت لتلبي رغبات الجمهور الخليجي خاصة أن الجمهور مهتم ومتذوق للشعر الشعبي، إضافة أن بعض تلك القنوات تسعى للحفاظ على الموروث الشعبي في الدول الخليجية والعربية، مستشهداً ببرنامجي شاعر المليون وأمير الشعراء اللذين لقيا صدى واسعاً ومتابعة كبيرة من كافة الدول العربية وكانا يركزان على الشعر الشعبي بداية، مشيراً الى أن البرنامجين رسخا القناعة لدى المستثمرين بجدوى قنوات الموروث الشعبي.

ويضيف بن حثلين، أن وجود قنوات عدة مهتمة بالموروث الشعبي أوجدت منافسة إيجابية بين تلك القنوات للرقي بالموروث الشعبي وتلبية رغبات الجمهور، مؤكداً انه حينما قرر إنشاء قناة فضائية مهتمة بالموروث الشعبي لم يبحث عن الأرباح بقدر ما هو مهتم بتلبية رغبات شعوب المنطقة العربية التي تتطلع لوجود قنوات فضائية تهتم بالموروث عبر برامج حوارية شعبية بطريقة مهنية وحرفية بعيدا عن الابتذال.

إلا ان بن حثلين حمل إدارات التسويق في الشركات الكبرى مسؤولية عدم إيجاد قنوات اتصال بين إدارات تلك القنوات والشركات لتنفيذ الحملات الإعلانية وممانعة تلك الشركات بطرح جزء من حملاتها التسويقية في القنوات الشعبية، معللا ذلك بعدم تفهم إدارات التسويق في تلك الشركات لمضمون تلك القنوات أو برامجها، مستشهداً ببرنامج شاعر المليون الذي حصد صدى واسعاً ومشاهدة كبيرة من مختلف الدول العربية.

وذكر بن حثلين أن أغلب قنوات الشعر الشعبي تعتمد بشكل ثانوي على دخلها من الرسائل القصيرة (sms)، مشيراً الى أنه عامل مساعد ولا يعتبر دخلا أساسيا للقناة، مشدداً على أنهم في قناة الصحراء عملوا على إعداد فريق متكامل لفرز تلك الرسائل وإجازتها عبر الكنترول.

وكشف بن حثلين أن أصعب ما تواجهه القنوات الفضائية المتخصصة في الموروث الشعبي هو الكوادر الإعلامية المحترفة، سواء من فنيين أو منفذين أو مذيعين ومقدمي برامج ، مضيفاً أن استعانة قناة الصحراء بوجوه نسائية والتي تعبر أول قناة فضائية متخصصة في الموروث الشعبي، تقدم مذيعات ومقدمات برامج ضمن خطط القناة كونها ترى أن المرأة جزء من المجتمع والتي كانت وما زالت تشغل حيزا من الموروث الشعبي مع التقيد بالملابس المحتشمة والتعاليم الإسلامية.

ومع هذا يرى عبد الرحمن هليل المطيري، إعلامي متابع للموروث الشعبي، أنه بتحول الشعراء إلى نجوم شاشة ينافسون المطربين واللاعبين بل ويتفوقون عليهم، شجع بعض المستثمرين إلى إنشاء قنوات فضائية مهتمة بالشعر الشعبي مع وجود شريط الـ sms والذي فتح الفرصة للمشاهدين أن يكونوا هم الذين يدعمون المحطة ويجعلونها تستمر وليس المعلنون الذين لم يكونوا في السابق مدركين لأهمية الشعر الشعبي.

ويشير المطيري الى أن عددا كبيرا من قنوات الشعر تحظى بمتابعة كثيفة من الجمهور، خاصة أن الشعر الشعبي هو أكثر المواهب الإبداعية قرباً من الناس في المجتمع الخليجي، مرجحاً أن تزيد أعداد القنوات الفضائية المهتمة بالشعر خصوصا أن كل عناصر بقائها واستمراريتها موجودة، الجمهور ورجال الأعمال المستعدون للدفع، ووسائل الربح عبر خدمات الرسائل القصيرة.

ويشدد المطيري على أن وجود مثل هذه القنوات ذات أثر إيجابي على المتلقين والمستثمرين على حد سواء، إلا أن الحرفية التي تغيب عن تلك القنوات بحاجة إلى مزيد من اهتمام المستثمرين بها، لتطوير مهارات المذيعين ومقدمي البرامج والمعدين والفنيين.

وضرب المطيري مقارنة بين ما تقدمه بعض القنوات المهتمة بالسحر والشعوذة وبعض الفن المبتذل وما تقدمه القنوات الفضائية التي تهتم بالموروث الشعبي والشعر، مشيراً الى انه على الرغم من الأداء السيئ للقنوات الشعبية إلا أنها الأفضل في المضمون عما تقدمه قنوات السحر والفن المبتذل، مطالباً المستثمرين بالنظر إلى إطلاق قنوات فضائية تهتم بالشعر الفصيح وتقريبه للجمهور الذي أصبح مندثراً في أرفف المكاتب العربية.

إلا أن خالد عبد الله الحميقاني الذي شغل المدير التنفيذي لقناة الساحة الشعبية وقبلها عمل على تأسيس عدد من القنوات الفضائية، خاصة المهتمة بالشعر الشعبي، أشار الى أن القصة لنشأة القنوات الفضائية للشعر الشعبي بدأت عندما انخفضت تكاليف انشاء القنوات الفضائية، إذ كانت تكاليف وميزانيات القنوات الفضائية تعد بمئات الملايين من الدولارات، ليصبح المستثمرون يرصدون لها أقل من مليوني دولار.

أما السبب الآخر الذي يراه الحميقاني لنشأة قنوات الشعر الفضائية هو تعدد مصادر الدخل، فبعد أن كانت محصورة في الإعلانات التلفزيونية، ورعايات البرامج، وقيم الاشتراكات للقنوات المشفرة، خرجت رسائل الـ Sms بأنواعها واتصالات الـ 700 بأنواعها، وهو ما شجع المستثمرين على المسارعة الى الاقمار الاصطناعية لحجز الحيز الفضائي لقنواتهم.

ووصف الحميقاني كثرة القنوات الفضائية للشعر الشعبي بانها اشبه ما تكون بقنوات الكليبات كونها اصبحت منافسة وتقليداً ونوعاً من "البرستيج" والبحث عن الذات لدى بعض المستثمرين والمهتمين بالشعر الشعبي، مشيراً الى أن طبيعة الاستثمار في القنوات الفضائية عند بدايتها، كانت خمس سنوات ثم تبدأ القناة بتحقيق الربح المرجو منها، إلا أنه ومع التطور التكنولوجي والهندسي وانشاء المدن الاعلامية العربية، تقلصت المدة الى ثلاث سنوات، وبعد ظهور الـ Sms، اصبح المستثمر ينظر الى الربح بعد سنة واحدة.

ويرى الحميقاني أن أشرطة الـ Sms – رغم ما فيها من أرباح – تعتبر سقطة في عالم الفضائيات وتشويها للصورة التلفزيونية التي تتميز بنقاء وجودة الصورة واكتمال عناصرها الفنية.

ويضيف الحميقاني ان الأمر لم يقتصر على ظهور قنوات خاصة بالشعر والتراث، بل هناك قنوات عامة استثمرت الشعر جزئيا في بثها، لتخرج برامج مسابقات شعرية، معتمدة على كل مصادر الدخل، من إعلانات ورعايات واتصالات وعلى رأسها الـ Sms، مثل البرنامج الناجح شاعر المليون وتبعه أمير الشعراء في قناة أبوظبي، وبرنامج شاعر الجمهور في قناة فلاش، وشاعر العرب في قناة المستقلة، وبرنامج شاعر الشعراء في قناة New Tv اللبنانية، مشيراً الى أن الشعر بكل أغراضه وما يحمله من مفردات، يعتبر وسيلة لايصال المعاني، إلا أنه في الآونة الأخيرة، وبعد تعدد وسائل التعبير الأخرى، أصبح الشعر أداة وسلعة للاستثمار الفضائي.

ويرى حجاب طايع نائب المدير التنفيذي لقناة الصحراء أن إنشاء القنوات المتخصصة في الشعر ليست أمراً مستغرباً في هذا الوقت عطفاً على اتساع دائرة الشعر الشعبي وكثرة شعرائه ورغبة المتلقي الملحة في إيجاد أكثر من بوابة لخدمته.

وقال حجاب "لعل تكاثر المطبوعات المتخصصة في ذلك قبل القنوات لدليل واضح على ما نقول، لكنني أرى أن العامل الوحيد الذي يدعم استمرار هذه القنوات هو أن يبقى الجيد منها فقط ومعايير الجودة ليست جميعها في تصدير الشعر وشاعره كما هو، وهنا لن تضيف للمتلقي سوى الصوت على ما يجده في المطبوعات المقروءة، لكن في دراسة كيفية إيصال الشعر بطريقة جديدة لا تُمل وهذا يتطلب الجهد والمال والوقت. وهذه العوامل المهمة لا يستطيع أن يتحملها سوى من قرأ الأمور جيداً ورتب لها".