اختطاف الصحافيين.. بين السياسة والتجارة

الجماعات الأصولية تستهدف الإعلاميين الغربيين باسم الدين.. لكن يبدو أن الأمر لا يخلو من الأغراض «الدنيوية» كذلك

الصحافي المقتول دانيال بيرل في صورة وزعها خاطفوه عام 2002 (رويترز)
TT

نحو شهر مضى على الافراج عن صحافي الـ"بي.بي.سي" آلان جونستون، والذي خطف في غزة لمدة 114 يوما على يد جماعة فلسطينية أصولية تعرف باسم "جيش الاسلام"... وبحلول الغد يكون مضى عام بالتمام والكمال على اطلاق سراح الصحافيين التلفزيونيين ستيف سينتاني وأولاف ويغ اللذين كانا يعملان مع قناة "فوكس نيوز" الأميركية، واللذين اختطفا في غزة كذلك على أيدي مسلحين من تنظيم "كتائب الجهاد المقدس"... وأيضا أكثر من عام ونصف مر على اطلاق سراح الصحافية في جريدة "كريستيان ساينس مونيتور" الأميركية، جيل كارول، والتي اختطفت في بغداد حينها على أيدي جماعة تعرف باسم "كتائب الثأر".

ولعل قائمة الاختطافات اطول من ان يتسعها تقرير واحد اذا اردنا ان ننصف ما مر به هؤلاء الصحافيون من تجارب، سيما وان نهايات عمليات الاختطاف لم تكن كلها سعيدة، مثل ما حدث مع الصحافي الأميركي دانيال بيرل الذي خطفته وقتلته جماعة اصولية في باكستان عام 2002، والذي تذكره العالم مجددا في ذكراه الخامسة هذه السنة من خلال فيلم هوليوودي تحت عنوان "أي مايتي هارت" (عرض في أميركا يونيو الماضي، ويعرض في المملكة المتحدة نهاية الشهر المقبل).

ومع استعراض كل تلك الحالات، وعلى الرغم من كل الدروس المستفادة والتي نتج عنها على سبيل المثال دورات تدريبية على التعامل مع البيئات المعادية ومزيد من الحرص من قبل الصحافيين الغربيين، واقبال على تعلم عادات وتقاليد الاسلام لمساعدتهم على العمل بشكل افضل في بلدان المنطقة، الا إلا أن اوجه التشابه االكثيرة بين معظم هذه الحالات تثير تساؤلات من نوع آخر سيما واننا لا نعلم اين ستكون "الضربة" المقبلة وأي صحافي سيكون ضحيتها، وعندما نلاحظ ان غالبية خاطفي الصحافيين كانوا اتباعا لجماعات اصولية، وتشابه اشرطة الفيديو التي تصدر عن هذه الجماعات لدى اختطاف صحافي ما، وتشابه سيناريوهات انهاء القضية، يطفو سؤال اكثر اهمية هو ما غرض الجماعات المتطرفة من خطف الصحافيين؟

تقول هاجر سموني – مسؤولة قسم الشرق الأوسط وشمال افريقيا في منظمة "مراسلون بلا حدود" لـ"الشرق الأوسط" انه من المثير للاهتمام قيام جماعات مسلحة تزعم انها مقاتلة باسم الاسلام بتبني عمليات الاختطاف، خصوصا عندما يكون الامر متعلقا بصحافيين اجانب. وتضيف سموني "المثير للاهتمام كذلك استخدام خطاب ديني لتبرير اعمالهم، لكني اعتقد ان ذلك يتم من اجل الحصول على دعم شعبي محلي". من جهته يرى الصحافي السعودي المتخصص بشؤون تنظيم "القاعدة" الإرهابي، فارس بن حزام، بأن الأمر غير متعلق بالدين وانما متعلق اكثر بالسياسة وايصال رسالة ما ويضيف "اليوم التنظيمات الدينية هي التي تقوم بالعمل الثوري"، شارحا ان الفكرة لدى الجماعات المتطرفة هي في خطف شخص يثير جدلا، ولذلك يتم التركيز على الاعلاميين لأنهم بطبيعة الحال قادرون على جذب الانتباه.

لكن هذه العمليات التي تتم باسم الدين، لا يعني بأنها قد لا تنفذ لأغراض "دنيوية" كذلك، وتوضح هاجر سموني بأنه "في بعض الحالات رضيت هذه الجماعات بفديات ضخمة جعلتهم ينسون حملتهم الدعائية الدينية، لذلك فإن خطف الصحافيين الاجانب قد تكون تجارة مغرية، رغم ان ذلك يتم كذلك لاسباب سياسية". هنا يوضح بن حزام الفرق بين امرين اساسيين، وهما دوافع تنظيم "القاعدة" ودوافع التنظيمات الاصغر حجما، مفيدا بان "القاعدة لا تخطف لأجل الفدية وإنما من اجل ايصال رسالتها وحسب... فيما قد تخطف التنظيمات الاصغر حجما من اجل المال وان لم يكن ذلك الهدف المعلن". ويعلل ذلك بشكل اضافي قائلا "القاعدة لها مصادر تمويل عديدة وقد عملت على تأمينها منذ زمن بعيد وبالتالي هي ليست بحاجة للخطف من اجل المال".

ولكن ماذا عن كون هؤلاء الصحافيين "أبرياء" بمعنى انهم ليسوا طرفا في أي حرب، يجيب بن حزام ببساطة قائلا "الذي يجيز تفجير مبنى يعج بالمدنيين والنساء والاطفال لن يتوقف عند خطف او قتل صحافي".

يعلق محمد شبارو، مدير مكتب قناة "العربية" في لندن، وهو صحافي حربي مخضرم غطى العراق وافغانستان والبلقان، وغيرها قائلا بأن " خطف الصحافيين من قبل جماعات دينية او جماعات تهدف طلب الفدية او لأهداف سياسية جزء من قضايا لم يكن الصحافي يجد نفسه في وسطها قبل الثمانينات. حينما كان الصحافي حتى في اصعب الحروب شاهد محايد ربما يجد نفسه عرضة للحوادث ولكن ليس للاستهداف المتعمد سواء عن طريق القتل او الخطف".

ويضيف شبارو في اشارة الى فترة عرفت بمرحلة اختطاف الاجانب في الثمانينات ابان الازمة اللبنانية "نعلم ان الاجانب والصحافيين خصوصا خطفوا في بيروت بعد تحويلها الى مدينة مارقة ربما لأسباب سياسية بحتة على علاقة كما تبين لاحقا بملفات الحرب الايرانية العراقية او الاهداف السياسية لسورية ووضعها العربي كل ذلك وسط تجاذبات دينية او ايديولوجية من قريب او بعيد"، موضحا بدوره بأنه يعتقد بأن "استهداف الصحافيبن اليوم يعتبر اقصر طريق للتعريف بقضية او الاعلان عن وجود جهة او جبهة تناضل من اجل هدف او اخر".

ولكن ألا تدرك هذه الجماعات أن ما تمارسه يعد نوعا من ايذاء النفس، وإيذاء القضية التي يزعمون بأنهم يقاتلون من اجلها، حول ذلك يعلق محمد شبارو، قائلا " في وقت معين يصبح هناك حالة من انعدام التمييز، ولا يكون الهدف هو المؤسسة التي يعمل فيها الصحافي او البلد الذي ينتمي اليه، ويكون الهدف الاوحد لهذه الجماعات هو ممارسة الضغط".

أما هيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي) فترد في بيان لـ"الشرق الأوسط" حول تأثير ما جرى مع صحافيها آلان جونستون على تغطيتها للمنطقة ونزاعتها، وموقفها من القضية الفلسطينية بالقول " تندد البي بي سي بأي تهديد لسلامة الصحافيين مهما كان مصدره، ولا يجب أن يتعرض الصحافيون للاستفزاز خلال قيامهم بعملهم". ويضيف البيان "ستستمر البي بي سي في تغطية الأخبار حول العالم، ومن ضمنه الشرق الأوسط، بحيادية واستقلالية تحريرية، بغض النظر عما يحدث".

وعلى الرغم من أن تيسير التميمي رئيس المجلس الاعلى للقضاء الشرعي في فلسطين ومفتي الديار المقدسة يقول لـ "الشرق الاوسط " ان اختطاف الصحافيين يخالف تعاليم الدين الاسلامي، خاصة وان الصحافيين يقومون بدور مهم في توعية الشعوب ونقل الاخبار، إلا أن قيادات هذه التنظيمات تبرر عملياتها بادعاء انها تقتص ممن "يخدمون الحكومات الظالمة ويشوهون سمعة المجاهدين" بحسب ما يقول فارس بن حزام. لكن كثيرا من الصحافيين الذين تم خطفهم او الاعتداء عليهم عرف عنهم تعاطفهم مع القضايا التي يغطونها، أو على الأقل تسبب في خفض كمية التغطية للمعاناة التي يمر بها الأفغان والعراقيين والفلسطينيين، وحول ذلك يعلق نعيم الطوباسي نقيب الصحافيين الفلسطينيين ان اختطاف الصحافيين في فلسطين اساء الى القضية الفلسطينية ، وشعبها ، والى الدين الاسلامي كذلك. ويقول الطوباسي لـ"الشرق الأوسط" بأنه عانى من احراج شديد موضحا "لم استطع تفسير ما يحدث للصحافيين ولم استطع ان اشرح عن سياسة تكميم الافواه وتفجير المكاتب". وكانت منظمة "مراسلون بلا حدود" حذرت مؤخرا من أن غزة ستصبح بلا مراسلين اجانب، وذلك بعد مغادرة الان جونستون الذي كان اخر مراسل اجنبي مقيم هناك وبعد أن حذرت مرارا من مغبة تكرار الاعتداء على الصحافيين هناك.

وإن كان الاعلام ينتقد اليوم لكون الكثيرين يعتبرون انه فقد شيئا من قدرته على تحريك الرأي العام، فمما لا شك به بأن اختطاف الصحافيين والاعتداء عليهم الذي ينتج عنه تفاديهم لمناطق النزاع كليا سيزيد الوضع سوءا، ولنا ان نتخيل حجم المآسي التي كانت ستحدث أو ستستمر في الحدوث لو لم يكن هناك صحافي شجاع قرر الوقوف في وجهها... ولعله من المفارقات الطريفة أن معظم "الفضائح" والقضايا الانسانية المتعلقة بمشاكل العالم العربي والاسلامي والتي تم كشفها مؤخرا حملت توقيع صحافيين أجانب، وهم المتهمين من قبل التنظيمات الأصولية بكونهم "ابواقا" للحكومات الغربية ومعادين للعرب والاسلام، والمثال الأبرز على ذلك هو "فضيحة" اساءة الجنود الأميركيين الى السجناء في سجن "أبو غريب" العراقي، والتي كان الفضل في كشفها للصحافي الأميركي سيمور هيرش. هناك مقولة شهيرة مفادها انه "في الحروب.. الضحية الأولى هي دائما الحقيقة"، والتاريخ الحديث مفعم بأمثلة حول كيف سبقت ورافقت جميع الحروب العسكرية معارك اعلامية تسعى لدفع الرأي العام في اتجاه معين، وفي حالات كثيرة أخرى تم استهداف هوائيات البث ومقرات المؤسسات الاعلامية، وحتى الصحافيون انفسهم... لكن لعله من المضحك ان يكون من يستهدف هؤلاء الصحافيين اليوم هو المجلود، وليس الجلاد... أحيانا لا بد من التساؤل، لصالح من تعمل هذه الجماعات؟

* شارك في اعداد هذا الموضوع كفاح زبون من رام الله