ورشة عمل لصندوق الأمم المتحدة للسكان لتفعيل الإعلام التنموي

لأن دقيقة واحدة في نشرة الأخبار تكفي لإثارة قضية

TT

لا ينتهي الجدل المتعلق بدور الاعلام في تغطية قضايا السكان التنموية في العالم العربي، والتزام هذه القضايا كمسألة لها أهميتها لجهة نشر الوعي وحشد التأييد.

هذا الجدل شكل محور ورشة العمل وحلقات النقاش التي نظمها صندوق الامم المتحدة للسكان في العاصمة الاردنية عمان بمشاركة واسعة ومتنوعة من الدول العربية، لمجموعة من الاعلاميين والناشطين الاجتماعيين والعاملين في قطاعات الامم المتحدة المتعلقة بشؤون التنمية، اضافة الى ممثلي الجمعيات الاهلية والمنظمات غير الحكومية.

هدف الورشة تمحور حول اساليب مد الجسور بين المؤسسات الاعلامية والمؤسسات التنموية بغية استثمار النشاط الصحافي في قضايا التنمية. السؤال عن الإعلام التنموي في العالم العربي لم يلق أجوبة واضحة في ظل الاوضاع السياسية والامنية التي تثقل العالم أجمع وليس فقط الدول العربية، حيث تطارد السياسة الوسيلة الاعلامية وتهيمن على الوضع الانساني، وتجعل مقاربة قضايا التنمية البشرية في المرتبة الثانية مقارنة مع الاحداث الساخنة شبه اليومية التي تفرض متابعتها وتحتل صدارة العمل الاعلامي اليومي.

الامير الحسن بن طلال، الذي حل ضيفا على الورشة، دق ناقوس الخطر عبر طرحه موضوع التنمية، فقال ان "عدد العلماء العرب يساوي عدد العلماء الصينيين في الولايات المتحدة الاميركية. وسبب هجرة العقول هو الزبائنية والشللية والقبائلية. وكلها عوامل تقتل الابداع. وذلك لأن تعريف الدولة يقتصر على السلطة، أما تمكين المواطن فهو غائب عن الاهتمامات السلطوية". ونبه الى أن "معيار الحضارة هو درجة التعدد في مجتمع التوحد". وانتقد الخلافات داخل الصف العربي التي تعطل اي عمل تنموي جماعي. وقال: "لسنا بحاجة الى اعداء وخصوم". كما قال ان "الاصولية بأشكالها تقتل البهجة في نفوسنا".

مقدمة برنامج ورشة العمل، المستشارة الإقليمية للإعلام والاتصال في صندوق الأمم المتحدة للسكان، الدكتورة هنرييتا أسود حاولت ان تقنع الاعلاميين المشاركين بأن الاحداث السياسية والامنية لا تلغي أهمية الحدث التنموي. وعرضت مكامن الخلل في العلاقة بين الاعلام والمنظمات التي تتأثر بصورة الأمم المتحدة في العالم العربي بفعل النزاعات. وذكرت بأن للمنظمة الدولية وجها آخر مهمته انسانية بحتة بعيدا عن الصراعات الدائرة بين الدول.

وبعد تقديم نظرة شاملة عن قضايا السكان في العالم العربي واستعراض الارقام التي تحمل مؤشرات خطيرة وحساسة، نسي الاعلاميون المشاركون موقتا السعي الدائم لتحقيق السبق الصحافي ليناقشوا الوسائل الفضلى لحشد التأييد للقضايا السكانية والتحديات المواكبة لطرح هذه القضايا التي تحاول غالبية مراكز السلطة تجنبها خوفا من تشويه الصور النمطية لـ"النمو والتطور" التي أصبحت أشبه بلازمة لكل الخطابات الرسمية في دول العالم الثالث.

وتحت عنوان وسائل الإعلام الحديثة والتغطية الإعلامية للتنمية البشرية، طرحت أسود موضوع سلطة الكلمة والصورة وضرورة انشاء علاقة تفاعلية تبني اسس الاتصال في "العالم الرقمي" الذي بات الوصول الى أصغر جماعة فيه ممكنا اينما كانت بفضل تطور الوسائل، ما يسمح بالوصول السريع الى المعلومات والتأكد منها. واضافت "أن القصص الانسانية التي تدعم القضايا التنموية باتت متوفرة لتمنح الاعلاميين مواضيع جدية وجاذبة للرأي العام العربي". وتطرقت الى دور وسائل الإعلام الحديثة من انترنت وهواتف محمولة وكاميرات رقمية لتأمين المواد اللازمة للابحاث والوثائق. النقاش المفتوح وضع النقاط على الحروف فرأى الصحافيون ان المعلومة تشير الى المشكلة، لكنها لا تقدم اليهم بشكل واضح. كما اشاروا الى ان المنظمات الانسانية تطرح القضايا موسميا. ومعظم الاحيان لا تتابع مع الاعلام تطور المواضيع التي طرحتها، ما يؤدي الى عدم وضوح الدور المطلوب من الاعلاميين.

وتمنى المسؤولون من الاعلاميين تحضير الرأي العام لتقبل مشاريع المنظمات. فأوضح هؤلاء ان المطلوب ليس شراكة بين الطرفين وانما المواظبة على اطلاع الاعلاميين على ما يحصل وهم يتولون الباقي. فتوفر المعلومات وشفافيتها يقودان الصحافي الذي يجيد عرض القضية عندما يحصل على مكونات كافية لمقاربة المسألة.

وطرح المؤتمرون مشروع انشاء شبكات اعلامية تؤمن التواصل بين الاعلام وحاملي القضايا التنموية من منظمات غير حكومية وممثلي المجتمع المدني مستخدمين الوسائل القديمة والحديثة ليصبح الاعلام التنموي كرة ثلج تكبر وتحظى بالاهتمام المنشود. كما طرحت سبل التوجه الاستراتيجي في وسائل الاعلام لتغطية مواضيع التنمية السكانية، بحيث تعطي ثمارها الاستمرارية والمتابعة بثبات واصرار على موضوع واحد ما يؤدي الى وصول المعلومات الكاملة.

فكرة تسويق القضايا الانسانية حظيت بحصة من محاور الورشة انطلاقا من أهمية جذب الصحافي الى الاهتمام بمسائل التنمية نظرا لقدرته على تشكيل رأي عام داعم لقضايا التنمية، وذلك بالاعتماد على حقيقة بديهية وهي ان الصحافي مواطن ومن الطبيعي ان يهتم بهذه القضايا مع التحذير من استخدامها كموضوع للاثارة على حساب الهدف المطلوب للمعالجة وتخفيف معاناة السكان. "حاليا تكفي دقيقة في نشرة الاخبار لإثارة قضية تنموية". تحت هذا الشعار جرى حوار بين العاملين في الشأن التنموي والاعلاميين، فطرحت فعالية انتشار الفضائيات العربية بحيث لم يعد ممكنا تجاهل المواضيع الحساسة، لا سيما انتشار الاعلام الخاص والحر في عدد من الدول العربية ساعد في فتح الملفات. لكن الملاحظة من ذوي الخبرة نبهت الى ان اثارة قضية تنموية وتحويلها ملفا ينكب الجميع على معالجته، تهدد باستغلالها كبالون اعلامي ضخم يصار الى تنفيسه بعد مرحلة وكأنه لم يكن.

لكن الامر لم يحل دون التطرق الى خوف الاعلامي من تجاوز الخطوط الحمر. الانتقادات الموجهة الى الاعلاميين في هذا المحور تناولت تركيز الاعلام على الوجوه المشهورة التي تهتم بقضية ما وليس بالقضية واقتصار التغطية على المناسبات وتصنيف القضايا التنموية في خانة النشاطات والمنوعات وعدم تسليط الضوء عليها.