الصحف المصرية الناطقة بلغات أجنبية.. هامش حرية متأرجح

منها «الأهرام ويكلي» و«الديلي نيوز» و«الأجيبشيان غازيت»

TT

ما هي أهمية توزيع صحيفة باللغة الإنجليزية في شوارع القاهرة؟ ولمن تتوجه مثل هذه الصحيفة؟ للقارئ المصري، أم للأجنبي المقيم؟ هل تنقل هذه الصحيفة الواقع الذي يعيشه المشهد المصري بحذافيره؟ أم انها تلجأ إلى تجميله باعتبارها نشرة سياحية ينبغي توظيفها؟ وماذا عن هامش الحرية في تلك الصحف؟ هل تملك التعبير عن أكثر قضايا الوطن حساسية أم أن مقص الرقيب يظل مسلطا علي صفحاتها وحروفها؟ أسئلة كثيرة يفرضها واقع وجود العديد من الصحف المصرية الحكومية والخاصة المكتوبة بلغات أجنبية خاصة الإنجليزية والفرنسية، فهي رغم فضائها المحدود تعيش تنافسا كي تحوز اهتمام القارئ المتعطش دوما لمعرفة حقيقة ما يدور حوله من أحداث. ويتسلح بعض هذه الصحف بتاريخ قديم يرجع إلى القرن التاسع عشر، وبعضها يحاول رغم حداثتها تجاوز كل الخطوط الحمراء لمحظورات الصحافة المصرية.  تعد صحيفة «الإجيبشيان غازيت» أقدم صحيفة مكتوبة باللغة الإنجليزية في منطقة الشرق الأوسط، إذ يعود تاريخ صدورها إلى 26 يناير (كانون الثاني) من عام 1880 وأسسها في مدينة الإسكندرية خمسة مساهمين بريطانيين من بينهم أندرو فيليب الذي رأس تحريرها، وكانت «الإجيبشيان غازيت» في بدايتها عبارة عن أربع صفحات تابلويد فقط. وفي 28 فبراير (شباط) عام 1938 انتقلت هيئة التحرير إلى القاهرة عاصمة المال والسياسة. وفي بداية الأربعينيات انتقلت ملكيتها إلى الجمعية الشرقية للإعلان التي يملكها الثري الإنجليزي اوزوالد فيني الذي لم يكتف بإصدارها بل قام بشراء صحيفة «الايجبشيان ميل» التي كانت قد صدرت في عام 1914، وجعل الأخيرة صحيفة صباحية بينما حول «الغازيت» إلى صحيفة مسائية. وبرحيل الإنجليز عن مصر عقب قيام ثورة 1952 لم تعد «الغازيت» و«الميل» تلقيان نفس رواج ما قبل الجلاء، فتحولت «الميل» إلى إصدار أسبوعي، بينما توقف صدور «الجازيت». وفي عام 1954 تنازلت الشركة مالكة «الجازيت» عنها لصالح جريدة «الجمهورية» الحكومية التي صدرت قبل ذلك بعام واحد. وكان أمين أبو العينين أول رئيس تحرير مصري لها حتى عام 1978 ليتوالى عليها رؤساء تحرير مصريون منذ ذلك الحين. وفي عام 1979 صدرت مجلة شهرية مستقلة باللغة الإنجليزية باسم «ايجيبت توداي» التي يصل توزيعها إلى نحو 14 ألف نسخة شهريا. وفي عام 1991 أصدرت «الأهرام» جريدة أسبوعية باللغة الإنجليزية حملت أسم «الأهرام ويكلي» بينما صدرت «الأهرام إبدو» باللغة الفرنسية في عام 1994. غير أن عام 2005 شهد صدور صحيفة «الديلي نيوز» اليومية.

الناشر المصري هشام قاسم مؤسس صحيفة «كايرو تايمز» المتوقفة عن الصدور يرى أن الصحافة المصرية المكتوبة باللغات الأجنبية تغطي بشكل جيد المشهد المصري من مختلف زواياه، معتبرا أن الساحة بحاجة للمزيد ويمكن لعاصمة كبيرة بحجم القاهرة أن تعتاد على وجود مطابع بلغات أجنبية فيها. ويضيف قاسم أن هناك هامش حرية لا بأس به في تلك الإصدارات وان كانت تترواح من صحيفة لأخرى كما هو الحال في الصحافة المحلية المكتوبة باللغة العربية. ويرى قاسم أن «الأهرام ويكلي» نشأت في ظروف معينة وكان بها منذ البداية مساحة رأي في ظل منافسة صحيفة «كايرو تايمز» لها آنذاك، مضيفا أن طاقمها التحريري غير مستعد للتنازل عن هامش الحرية فيها، وأن الصحيفة تدخل من وقت لآخر في قضايا شائكة. ويرى قاسم أن القارئ الأجنبي المهتم بالشأن المصري سيظل بحاجة إلى الصحيفة المصرية المطبوعة طالما لم تطغ الصحافة الالكترونية عليها. من ناحيته يبين جلال نصار، مدير تحرير «الأهرام ويكلي» أنه كانت هناك ضرورة ملحة لإصدار «الأهرام ويكلي» قبل 17 عاما، كون الصحافة المصرية المكتوبة باللغة العربية تدور دوما في دائرة الأخبار المحلية المغلقة الموجهة للقارئ المحلي. بينما لم يكن هناك خطاب موجه للقارئ الأجنبي الذي كان يستمع ويقرأ لمصادر إعلامية أخرى آنذاك ربما مناوئة لتوجهاتنا وصحة موقفنا في القضايا المختلفة الإقليمية والدولية، وبالتالي كنا نتعرض لظلم كبير في عرض هذه القضايا على الصعيد الدولي والإقليمي. ومن هنا برزت الحاجة لإصدار صحيفة مصرية بلغة أجنبية للقارئ الأجنبي ومراكز الأبحاث الأجنبية ومراكز صنع القرار في الخارج. ويضيف نصار أن أرقام التوزيع تظهر أيضا اهتمام النخبة المصرية وطلاب الجامعات الأجنبية الخاصة والبعثات الدبلوماسية في مصر بالإصدار. ويبين نصار أن «الأهرام ويكلي» بدأت قبل سنوات الطبعة الالكترونية على شبكة الانترنت التي لا تزال تثير اهتمام عشرات الآلاف من المتصفحين في قارات العالم المختلفة حيث تتلقى هيئة التحرير باستمرار رسائل من هذه المناطق. ويعترف نصار أن الإصدار الإنجليزي للأهرام مكلف للغاية بسبب الكتابة والتحرير والترجمة والإخراج، معتبرا في الوقت ذاته أن الإصدار رسالة هامة من مصر للعالم تتجاوز منطق الربح والخسارة، متمنيا أن تصبح «الأهرام ويكلي» عما قريب إصدارا يوميا رغم المصاعب التي تعترض طريقها كونها رسالة تواصل مع الآخر وتتمتع بمصداقية ينبغي الاستفادة منها بشكل اكبر.

ويدافع نصار عن سقف الحرية التي يتمتع بها إصداره قائلا إن معظم الصحف المحلية العربية تجد صعوبة أحيانا في إيراد الحقائق كاملة بينما تسير صحف المعارضة نحو التهويل والمبالغة، غير أن «الأهرام ويكلي» حريصة على نقل الحقائق بموضوعية لأن الخارج يعرف حقائق الأمور ومتابع جيد للأحداث التي تهمه، فبالتالي يجب عدم المغامرة عبر لي ذراع الحقيقة خشية فقدان المصداقية، مضيفا أن «الأهرام ويكلي» ظلت 14 عاما متربعا على قمة تقرير الممارسات المهنية الذي يصدره المجلس الأعلى للصحافة سنويا لإظهار مدى مطابقة الصحف للقواعد المهنية المتعارف عليها. ويضيف نصار أن مفاهيم الرقابة الكلاسيكية على المطبوعات اختفت من مصر بشكل عام، لكن هناك حرصا في «الويكلي» على الموضوعية والمصداقية وإيراد وجهتي النظر المتعارضتين، مؤكدا أن إدارة التحرير لا تتلقى تعليمات من أية جهات أو مؤسسات أمنية، حيث لجأ الإصدار منذ بدايته إلى الاحتماء بجدار الموضوعية والمصداقية الذي يعد الضمانة الحقيقية لسقف الحرية التي يتمتع بها الإصدار. ويتابع نصار أن معظم المواد التحريرية مثل الأخبار والتحقيقات والتقارير يتم كتابتها باللغة الإنجليزية منذ البداية، بينما تتم في الغالب ترجمة مواد الرأي. ويقول نصار إن هيئة التحرير في «الأهرام ويكلي» تضم 65 صحفيا ومراسلا، وهناك مجموعة من المصححين والمراجعين الأميركيين والإنجليز الذي يراجعون المواد التحريرية بهدف تقديم الإصدار بلغة إنجليزية سليمة وراقية وسهلة وعلى قدم المساواة مع كبريات الصحف العالمية المكتوبة باللغة الإنجليزية، مستدركا أن هيئة المراجعة والتحرير هذه يرأسها مصري لضمان وضوح الرؤية التحريرية المصرية للإصدار.

ويعترف نصار بصعوبة إيجاد كوادر صحافية مؤهلة للعمل في إصدار إنجليزي، الأمر الذي يجعل تكلفة «الأهرام ويكلي» في النهاية أعلى بكثير من تكلفة مثيلاتها العربية. أما هايكو فلوتاو (صحافي ألماني مقيم بالقاهرة) فيقول إنه نظرا لعدم وجود صحف مصرية باللغة الألمانية فإنه يلجأ إلى الصحف المصرية المكتوبة باللغة الإنجليزية التي تعد مصدرا هاما بالنسبة له لمعرفة ما يدور في مصر، غير أنه يرى في الإصدارات الحكومية مثل «الأهرام ويكلي» و«الأهرام ابدو» جوانب متميزة في المواد التحريرية خاصة في الجوانب الثقافية والفنية، لكنها بحسب فلوتاو تتجاهل وتمارس تعتيما على القضايا الحساسة التي تبرز على المشهد السياسي والاجتماعي المصري مثل ما يعرف مثلا بمسألة توريث الحكم أو ما يقال عن قضايا التعذيب في أقسام الشرطة والسجون أو أحداث الفتن الطائفية التي تثور من وقت لآخر في مدن وقرى مصر، إذ يظل تركيز هذه الصحف ـ بحسب فلوتاو ـ منصبا على نقل تفاصيل المشهد المصري عبر رؤية حكومية فقط. ويتابع فلوتاو أن صحيفة «الديلي نيوز» في المقابل تتميز باستقلالية أكبر وتبرز القضايا اليومية التي تشغل القارئ المصري، لكنها بحاجة لمزيد من الحرفية والمهنية في الأداء الصحافي فضلا على اعتمادها في معظم الأحيان على أخبار وتقارير وكالات الأنباء الأجنبية. لذلك يلجأ فلوتاو إلى الانترنت والى إجراء مقابلات مع المسؤولين والمواطنين للوصول إلى المعرفة التي يظل بحاجة إليها لإدراك الواقع المصري من كل زواياه حتى يتمكن من نقله لقارئ صحيفته في ألمانيا. ويعتبر فلوتاو أن الوضع الحالي في الصحافة المصرية المكتوبة باللغات الأجنبية أفضل كثيرا عما كان علية قبل عشر سنوات، متوقعا قدرا أكبر من المهنية والموضوعية في المستقبل كون كثير من خطوط الحمراء للصحافة في مصر قد تم تجاوزها في السنوات الأخيرة.

أما اليوت رودي (مهندس أميركي) فيرى أن مصر ما زالت بحاجة إلى صحيفة يومية إنجليزية قوية كون «الديلي نيوز» لا تزال بحاجة إلى رفع مستواها المهني أكثر في ظل عدم وجود صحافيين أجانب من بين هيئة تحريرها واعتمادها على التقارير الخارجية، وربما يعود ذلك إلى حداثتها النسبية، مطالبا بضرورة إنفاق مزيد من الأموال حتى تتمكن من المنافسة وتحقيق أرباح في توزيعها. ويضيف رودي أن «الأهرام ويكلي» جيدة المستوى وبها هامش حرية يمكن ملاحظته، غير أنها بحاجة إلى تغيير النمط التحريري الذي يتسم في أحيان كثيرة بالملل والتكرار. ويرى رودي أن «الإيجبشيان غازيت» بحاجة إلى كثير من الجهد وتحتم على مسؤولي الإعلام في مصر التعبير عن بلدهم بصورة أفضل من حيث الشكل والمضمون. ويعترف رودي أن الانترنت ما زالت تمثل المصدر الأساسي له لمعرفة ما يدور في مصر، غير انه لا يزال يحرص على متعة قراءة الصحيفة المطبوعة، على حد قوله. وفي حي الزمالك الراقي في قلب القاهرة الذي يعد الحي السكني المفضل للأجانب والسفارات والبعثات الدبلوماسية في القاهرة يقول ناجي، وهو صاحب كشك الصحف الأبرز في شارع حسن صبري، إن القراء الأجانب في العموم يفضلون الصحف الأجنبية التي تصدر في أوروبا وأميركا مثل الطبعة الدولية لـ«الهيرالد تربيون» و«الصنداي تايمز» و«الغارديان»، إلا أنهم يقبلون على شراء «الأهرام ويكلي» و«ابدو» بشكل أساسي مع صحفهم، إذ يظل الإقبال عليهما كبيرا طوال أيام الأسبوع رغم صدورهما أسبوعيا. ويضيف ناجي أن الصحف المصرية الأخرى التي تصدر باللغات الأجنبية لا تلقى الرواج المناسب وقلما يلتفت إليها القارئ الأجنبي. ويبين أن قراءة هذه النوعية من الصحف لا تتوقف فقط عند الأجانب، بل يحرص المصريون من ساكني الحي على الحصول على هذه الصحف مع الجرائد المحلية اليومية، بيد أن القارئ الأجنبي لا يزال يمثل الشريحة الأكبر في توزيعها لديه.