مدير الأسواق الناشئة في «غوغل»: هدفنا خدمة الشركات الإعلامية وليس منافستها

موضحاً أن قنوات عربية في طريقها إلى موقع «يو تيوب» ومعتبراً أن فورة الإعلان الإلكتروني اقتربت

محمد مستريحا على الكنب الخاص بالموظفين في «غوغل» (تصوير: حاتم عويضة)
TT

قبل أن تسأل نفسك لماذا نجري حوارا في ملحق «الإعلام» مع شخص يعمل في شركة «غوغل»، الأشهر من أن تعرف بفضل محرك البحث الشهير الذي يحمل اسمها على الانترنت، لا بد من أن تأخذ الأمور التالية في الحسبان: لقد غيرت الوثبات الضخمة والسريعة في التكنولوجيا الحديثة الكثير من المفاهيم، فكما اليوم يمكن اعتبار شركة «نوكيا» للهواتف الجوالة، وليس شركة أدوات تصوير تقليدية، أكبر مصنع للكاميرات في العالم (لكون غالبية هواتف نوكيا تتضمن كاميرا، وقد باعت الشركة في الربع الأول فقط من عام 2006 نحو 15 مليون هاتف)، قد يرى كثيرون ان «غوغل» تحولت الى شركة اعلامية بامتياز، سيما عندما نذكر شراءها لموقع «يو تيوب» لملفات الفيديو الذي سجل مشاهد اكثر من 2.5 مليار ملف فيديو عام 2006 كذلك، وأيضا خدمة «غوغل نيوز» الاخبارية التي تقدم الأخبار من مصادر مختلفة كوكالات الأنباء والصحف، والتي اطلقت الشركة الخدمة العربية منها العام الماضي، اضافة الى نشاط الشركة في مجال بيع المساحات الاعلانية. لذلك، كان لا بد من سؤال محمد جودت، مدير تطوير الاسواق الناشئة في ما يعرف بـ«الخانة 4» وهو مصطلح «غوغلي» يعني «اوروبا الناشئة، الشرق الأوسط، وافريقيا» حول كيف ترى الشركة نفسها، وهل لها مطامع اعلامية حقا، وما هي الخطوات المقبلة فيما يخص العالم العربي تحديدا، وفيما يلي نص الحوار الذي تم بمكاتب «غوغل» في لندن:

> أتوقع ان ما يدور في ذهنك الآن، هو لماذا نجري معك حوارا خاصا بالجوانب الاعلامية، إلا أن الواقع هو أن خطوات واستثمارات «غوغل» المثيرة للاهتمام في هذا المجال، كشراء موقع «يو تيوب» لملفات الفيديو وابرام اتفاقات مع وكالات الأنباء لنقل اخبارها عبر «غوغل نيوز»، هي التي تدفعني للسؤال، هل تنظرون الى أنفسكم كشركة إعلامية مستقبلا؟

- لا على الاطلاق، ونحن نتلقى هذا السؤال باستمرار إلا ان الفكرة هي أننا لسنا شركة اعلامية بالمعنى التقليدي، فالشركة الاعلامية تملك محتواها، نحن لا نفعل. كذلك، فإن كثيرا من الشركات الاعلامية تركز على طريقة تقليدية في الحصول على الدخل الاعلاني، نحن لا نفعل ذلك. وانما نحن عبارة عن «قطعة جديدة» حول ما يحصل في عالم الإعلام. وما نحاول فعله هو تسهيل عمل شركات الاعلام حول العالم عبر الانترنت، خذ مثلا جريدة «الشرق الأوسط»، نحن لا نعمل على منافستها فيما يخص المحتوى، ولكن ما نحاول فعله هو جعل الوصول اليكم اسهل، وجعلكم في موقع الصدارة للناس المهتمين بالأخبار، فإذا نحن عبارة عن «وسيلة» للناس للوصول اليكم (على الانترنت).

> حسنا، هذا اذا افترضنا أن على الشركة الإعلامية ان تملك محتواها بالضرورة، لكنك تعلم ان النموذج الجديد في عصرنا هذا هو المحتوى المعد من قبل المستخدم User Generated Content بحيث يكون دوركم هو مجرد «منصة» platform، كما هو الحال مع موقع «يو تيوب»، واذا ما نظرنا إلى الأمر من هذه الزاوية، فإنكم تبدون أقرب إلى نموذج الشركة الإعلامية المستقبلية، أليس كذلك؟

- «يو تيوب» مثال جيد، فاعتباره «شركة إعلامية» يقودنا الى اعتبار كل شيء على الانترنت كذلك أيضا، فالمحتوى المكون من قبل المستخدم يجعل من المدونات إعلاما، وكذلك «فيس بوك» هو إعلام، لكن الوجه الآخر لهذه النظرية هو انه لا بد من إدراك أن عالم الإعلام يتطور باستمرار، ففي السابق كان الناس يستمعون الى الموسيقى عبر الراديو، ومن ثم جاء التلفزيون، وقال الكثيرون انها ستكون نهاية الراديو، لكن ذلك لم يحصل واستمر الناس في الاستماع الى الموسيقى عبر الراديو وعبر التلفزيون بشكلين مختلفين، والواقع هو انه سيكون هناك دائما تطور في الشكل الذي سيستهلك فيه الناس الإعلام. ولذلك ترى شركات إعلامية تقليدية للغاية مثل «بي. بي. سي» باتت تشجع مساحات للمحتوى المعد من قبل المستخدمين، وبفعل ذلك هي تستقبل هذا التوجه الجديد ضمن شبكتها بدلا من القول أن الشكل التقليدي للإعلام هو الشكل الوحيد المقبول، وانك اذا لم تلعب ضمن تلك المساحة المحددة فأنت خارج لعبة الاعلام. أيضا لفهم «غوغل» لا بد من العودة الى سياستنا، ما نحن عليه هو اننا نحاول ترتيب معلومات العالم، مهما واينما كانت هذه المعلومات، سنحاول جعل هذه المعلومات بصيغة تمكن الناس من الوصول اليها واستخدامها بشكل مفيد.

> خلال العام الماضي اعلنت شبكات تلفزيونية عالمية مثل «بي بي سي» البريطانية و«ان بي سي» الأميركية عن تكوين قنوات خاصة بها على موقع «يو تيوب»، هل سنشاهد قنوات عربية تلحق بهذا الركب؟

- طبعا، سنشاهد عددا منها... لا يجب عليك ان تكون في غاية الذكاء لتوقع ماذا سيحصل في مجال الانترنت في العالم العربي او في الأسواق الناشئة، وما يحدث هو أن الأمور تأخذ وقتا أطول قليلا، لكنها تأتي في نهاية الأمر.

> فلنتحدث قليلا عن الإعلانات، في النهاية «غوغل» هي شركة تجارية، والإعلانات الإلكترونية هي جزء أساسي من دخلكم، كيف تنظرون الى التحدي كونكم تعملون في منطقة لا يتجاوز فيها الإنفاق على الإعلان الالكتروني 1%، ومن جهة ثانية لا يزال الانترنت يحبو فيما يخص عدد الأشخاص المتصلين، ففي مصر هناك 7 مليون من أصل نحو 75 مليون مثلا؟

- الواقع أننا مؤسسة تدار من قبل مهمتها وتحقق نجاحا تجاريا، كان لي شرف العمل مع عدة شركات متعددة الجنسيات، والفرق اننا هنا لا نصمم خططنا التجارية بناء على كم من الدخل سنحصل، فإذا اطلعت على خطتنا التجارية العربية فلن تجد في بدايتها أنها مبنية على الدخل، وإنما على فكرة وجود 315 مليون شخص يتحدث العربية نستطيع خدمتها بشكل افضل، الدخل ليس على الخطة في الوقت الحالي، سيكون هناك دخل لا شك في الأمر، ولكنه سيأتي لاحقا اذا قمنا بعمل جيد واستمررنا في القيام بما قامت به «غوغل» دائما. فقد نمت شركتنا ليس لأننا ذهبنا وقمنا بجهود مكثفة لبيع إعلاناتنا، وانما نمونا لأننا نملك منتجا رائعا في مجال البحث، وطورنا نماذج الإعلان حوله. وبالعودة إلى سؤالك، صحيح أن المنطقة بشكل عام متأخرة نوعا ما عن مناطق عدة من العالم المتقدم في مجال استخدام الانترنت للنشاطات اليومية العامة، لكننا من جهة ثانية نرى أن المنطقة تستعد للتطور بشكل سريع. وعلينا أن ندرك أمرين فيما يخص هذه المنطقة، أولا: انها ليست متساوية فيما يخص الاستعداد، فلديك دول مثلا ذات نسبة نفاذ انترنت مرتفعة للغاية وأخرى نسبة النفاذ فيها متدنية للغاية، هناك تباين ايضا بالنسبة للمحتوى، فهناك بلدان بنسب أكبر من المحتوى العربي المحلي مقارنة بغيرها. إذا من جهة لا يمكنك التعامل مع المنطقة ككيان واحد، ولكن ثانيا، في كل هذه البلدان، بدون استثناءات سوى في بضع البلدان التي تقع ضمن المناطق الأقل نموا من العالم العربي، هي في قسم «عصا الهوكي» من منعطف تطبيق التكنولوجيا المكون على شكل S باللغة الإنجليزية، بمعنى انها تتهيأ لتطور هائل ليس فقط فيما يخص منتجات «غوغل» ولكن فيما يخص الانترنت بشكل عام. إذاً ما نفعله نحن هو أننا لا ننظر الى الأمر لتحقيق ربح على المدى القريب، لأن أية شركة تسعى لذلك تقوم بتعيين مندوبي مبيعات فورا وهو ما لم نفعله نحن، وانما ما نقوم به هو تعيين «مديري تطوير» لكل بلد، وهم أشخاص يقومون ببعض الأمور لنا، من ضمنها تقييم ما الذي نفعله جيدا، وما هي الأشياء التي نستطيع تحسينها.

> جيد، ولكن بحسب فهمي، فإن الدخل الأساسي لـ«غوغل» لا يأتي من المستخدمين مباشرة، ولكن من المعلنين، فما هي أسباب تدني نسبة الانفاق على الاعلان الالكتروني في المنطقة؟

- لا شك اننا متأخرون بخصوص الاعلان على الانترنت، او على الاقل بنفس المستوى الذي وصلت اليه المناطق المتقدمة من العالم، ولكن هل هذا بسبب عدم وجود مستخدمين بالكم الكافي للتوجه لهم اعلانيا عبر الانترنت، أن السبب هو تقنيات الانترنت في بعض البلدان متأخرة، بحيث لا تجعل التجربة ايجابية للمعلن، أم أن السبب هو أن المعلنين ليسوا على دراية بايجابيات الاعلان على الانترنت... في جميع الأحوال هذا سيحدث عاجلا أم لاحقا، وما نريد ان نفعله هو أن نكون جاهزين عندما يأتي هذا الموعد.

> متى تتوقع أن تحصل هذه الفورة؟

- توقعي الشخصي هو أننا الآن سنبدأ بمشاهدة نمو كبير في مجال الاعلان على الانترنت، كثير من المؤسسات الكبرى بدأت تستوعب ذلك، فيما بدأت تدرك كثير من الشركات الأصغر فوائد الاعلان الالكتروني، مقارنة بالاعلان على التلفزيون مثلا وهو ما لا يقدرون عليه ماليا، كثير من المؤسسات بدأت تدرك اهمية ان الاعلان الالكتروني هو اعلان يمكن الوصول اليه عالميا، ونحن نرى ذلك الآن.

> قبل سنوات افتتحتم مركزا اقليميا في القاهرة، وأخيراً افتتحتم مكتبا في دبي، فما هي استراتيجيتكم للمنطقة؟

- حسنا، لا بد من ادراك كيف تعمل «غوغل»، فنحن لسنا شركة تقليدية على الاطلاق، بمعنى لدينا مركز رئيسي وننقل الناس اليه وما الى ذلك، نحن نوظف بناء على الموهبة، ونحن نهتم بالغاية بالناس الذين نوظفهم، نريد افضل الخامات التي نستطيع الحصول عليها، وسوف نوظفهم في المكان الذي يضمن اداءهم الافضل، وهذا يشمل حياتهم الشخصية وأيضا المتطلبات الوظيفية. لذلك سيكون لدينا اماكن عدة، ستجد فيها اشخاصاً موجودين ويعملون على مشاريع مختلفة عبر المنطقة. من جهة ثانية، نحن في المراحل الأخيرة من فهم السوق والتحضير له.

* مشاهدات: هكذا يعمل الـ«غوغليون»

* إذا دخلت الى مكاتب شركة «غوغل» في لندن، او في مكان آخر من العالم، فلا تفاجأ اذا رأيت مساحات كبيرة مخصصة لطاولات البلياردو و«هوكي» الطاولة، فيما يتجول العاملون فيها والذين يطلقون عليهم بالانجليزية اسم googlers، واغلبهم من الشباب، مرتدين الجينز والأحذية الرياضية، وتجدهم مجتمعين على الأرائك... هناك حتى أسرة موضوعة للراحة في صالة تجمع الموظفين، وهناك صالة كبيرة لتناول الطعام... مجانا، وتشمل قائمة الأطباق كل شيء من الدجاج المشوي والمعكرونة، الى السلطة والفواكه... وحتى الـ«سوشي». ويبدو أن الشركة ارادت الاستعارة بشيء من ثقافة بريطانيا في مكتبها اللندني، فتجدها ركبت كبائن الاتصالات الحمراء الشهيرة داخل المكتب، حيث يستطيع الموظفون اجراء مكالمتهم الخاصة، بعيدا عن الضجة او ازعاج الآخرين. من جهة ثانية تطغى التكنولوجيا على كل شيء، في صالة الاستقبال هناك شاشة ضخمة تبث صورا متحركة من بث خدمة «غوغل إيرث» للخرائط وصور المدن، هناك ايضا غرف مزودة بتقنيات الاتصال عبر الفيديو، حيث يستطيع الزملاء حضور ندوات او القائها بالإتصال بين مكاتب «غوغل» حول العالم. وفيما لم يستدع الأمر لي في تلك الزيارة باستخدام دورات المياه، الا انه يقال ان مقاعد دورات المياه في مقر الشركة بكاليفورنيا المعروف بـ googleplex مثلا مزودة بأحدث التقنيات اليابانية من بينها مقاعد تدفئ حسب الطلب، وزر لاسلكي في الباب. ويعكس كل ذلك فلسفة «غوغل» في العمل بحسب ما تذكر صحيفة «واشنطن بوست» في قصة نشرتها العام الماضي حول أجواء العمل في هذه الشركة، وتوضح الصحيفة ان هذه الفلسفة تدور حول الكرم والامتيازات غير المألوفة التي تحافظ على سعادة الموظفين والتفكير بطريقة غير تقليدية كأن يسمح للمهندسين بتخصيص 20 % من وقتهم لأي مشروع من اختيارهم. وكانت ثقافة «غوغل» هذه التي يمكن وصفها بالـ«مرتاحة» طاغية حتى على تصرفات محمد جودت، فهو وعلى الرغم من مسؤولياته الضخمة لم يكن مرتديا بدلة، وانما ملابس «كاجوال» وأصر على ان يضيفنا شيئا نشربه قائلا «شاي، قهوة، عصير.. كل شيء متوفر، فنحن في غوغل»، فاضطررت الى ان امازحه قائلا: «طالما ان العصير حقيقي وليس رقميا، لا مانع». لكن مع رؤية عدد كبير من الموظفين «يلعبون»، كان لا بد من السؤال: متى يعمل هؤلاء؟ الاجابة جاءت من احدى موظفات العلاقات العامة التي رافقتنا خلال الزيارة، وهي آتية من مقر الشركة في كاليفورنيا للعمل لمدة 3 أشهر في مكاتب «غوغل» بلندن، فقالت: إن النظرة هي تكوين مناخ مرتاح للموظفين خلال عملية العصف الذهني، وتوضح: «اذا خرجت مع زميل لك على الغداء، فانكما على الارجح ستتحدثان في العمل، نحن نعمل على توفير الاجواء المناسبة للموظفين داخل المكتب». وتشدد من جهة ثانية، ان الموظفين يمضون كذلك ساعات طويلة في العمل، لذلك توفر لهم الشركة امكانات عدة للتسلية في المقابل... وعلى الرغم من تحفظ الكثير من الاداريين التقليديين في بعض الشركات الاخرى حول رؤية موظف يرتدي الجينز دع عنك حاملا عصا بلياردو داخل المكتب، يبدو أن هذه السياسة تخدم جيداً مع «غوغل»... احدى اكبر الشركات في العالم التي حققت عوائد تقدر بأكثر من 10 مليارات دولار عام 2006 والتي توظف نحو 16 ألف شخص حول العالم.

* سيرة ذاتية

* محمد جودت

* المدير المشرف على الأسواق الناشئة في «غوغل»، وهو بذلك يشرف على المبيعات والاداء التجاري في بلدان اوروبا الناشئة والشرق الأوسط وإفريقيا. يأتي من خلفية في الهندسة، كما انه يحمل كذلك ماجستير في ادارة الاعمال. وبدأ حياته العملية في شركة «أي. بي. أم» بمصر، ومن ثم عمل في مجال المبيعات بالقطاع الحكومي، وانتقل بعد ذلك الى الامارات، حيث تولى مناصب عدة كان آخرها رئيس قطاع الاتصالات في شركة «مايكروسوفت» للأسواق الناشئة حول العالم. ومحمد يهوى الفنون، ويتحدث العربية والانجليزية والألمانية ويتعلم التركية حاليا.