مديرة القسم العربي في «فرنسا 24» : صدمنا تصريح ساركوزي عن قناة تبث بالفرنسية فقط

آنييس لافالوا: الغرب كله مهتم بقنوات تتوجه إلى العالم العربي

آنييس لافالوا («الشرق الاوسط»)
TT

منذ أن أعلن الرئيس نيكولا ساركوزي في المؤتمر الصحافي الذي عقده، مطلع هذا العام، عن رغبته بأن تبث القناة الاخبارية «فرنسا 24» باللغة الفرنسية فحسب، والعاملون في القسم العربي لهذه الفضائية التي لا يزيد عمرها على السنة، يعيشون في انتظار ما ستسفر عنه المداولات بخصوص مصيرهم. إن الرئيس لا يرى سبباً للبث بالانجليزية والعربية، رغم أن البث باللغة الأخيرة لا يزيد على 4 ساعات يومياً. كما أنه يريد تغيير اسم المحطة الى «فرنسا العالم»، مع ما يشكله هذا التغيير من بلبلة لدى المشاهدين.

مع آنييس لافالوا، مديرة التحرير المسؤولة عن النشرة العربية في «فرنسا 24» بباريس، كان هذا الحوار لوضع بعض النقاط على بعض الحروف:

> كم عدد العاملين في القسم العربي؟

ـ يعمل في «فرنسا 24» بكل أقسامها 450 شخصاً، بينهم 205 صحافيين يجيدون أكثر من لغة، ومن 34 جنسية مختلفة. وعدد العاملين في القسم العربي بمجاليه التلفزيوني والإلكتروني هو 30 صحافياً، يضاف اليهم عدد من المتعاونين وهم من 9 جنسيات عربية، بينهم صحافية سعودية.

> أنت فرنسية، ماذا دار في بالك عندما عرضت عليك إدارة تحرير القسم العربي؟

ـ لم أتردد، فالمشروع جديد ويتطلب البدء بالتحضير من الصفر، مع ما في ذلك من ابتكار وتحد. كما أن تجربة العمل في ميدان الاعلام المرئي جديدة عليّ، فقد كنت من المؤسسين للقسم العربي في إذاعة فرنسا الدولية، قبل 20 عاماً. ودرست لغتكم في معهد اللغات الشرقية في باريس، وأمضيت سنتين في المعهد الفرنسي للدراسات العربية في دمشق. وكنت أُقدم من تلك الاذاعة نشرة أخبارية عن فرنسا، باللغة العربية، مدتها 3 دقائق كل يوم. وعملت أيضاً في الترجمة لعدة سنوات ثم مديرة للتحرير والبرامج في راديو مونت كارلو الموجه للشرق الأوسط.

> ما جدوى قناة اخبارية تبث 4 ساعات يومياً فقط؟

ـ هذا البث المحدود هو خطوة البداية في تجربة تهدف الى البث 12 ساعة يومياً، ثم 24 ساعة. ولا تنسي أن المشاهد يستطيع أن يتابع أخبارنا بشكل متواصل على الإنترنت. > هل تعتقدين أن قناتكم قادرة، بالفعل، على منافسة قنوات اخبارية عربية وطيدة الأركان؟ ـ كنا نعرف مسبقاً بمكانة تلك القنوات، لكن قناتنا لها سمة خاصة هي أنها محطة تلفزيونية واحدة تبث بثلاث لغات: الفرنسية والانجليزية والعربية، وحتى ديكور الستوديو ومسار النشرة هو نفسه في النشرات الثلاث. وهو أمر يختلف عن «الجزيرة»، مثلاً، التي تبث نشرة بالعربية للعرب وأُخرى بالانجليزية للجمهور الذي يفهم هذه اللغة. أي أننا، في «فرنسا 24» لا نفتتح نشرتنا العربية بحدث عربي بالضرورة، فاليوم بدأنا بخبر عن تشاد. لكن هذا لا يمنع أن تدور بين مديري التحرير حوارات ومبادلات لوجهات النظر عندما نرى أن من المناسب افتتاح النشرة بخبر عن انفجار في بغداد، مثلاً.

> كيف ستواجهون النشرات المستمرة، ليلاً نهاراً، لقناة «يورونيوز» الاخبارية التي تعتزم العودة الى البث بالعربية؟

ـ الفرق بيننا هو أن نشرتنا العربية ليست مترجمة عن النشرة الفرنسية بل مطوّعة للعالم العربي. ولدينا صحافيونا الذين يتحركون في مواقع الحدث ويقومون بتحقيقات خاصة ولا يكتفون بالترجمة، وهذا التميز هو ما أُجاهد في سبيله كل يوم. وفي الوقت ذاته لدينا سهولة التعاون والتشاور مع القسمين الفرنسي والانجليزي لأن مكاناً واحداً يضمنا جميعاً.

> ماذا ستفعلون مع الـ«بي. بي. سي»، هذه الاذاعة البريطانية العريقة التي ستعود للبث التلفزيوني بالعربية؟

ـ نعم، وهم سيبدأون البث لمدة 12 ساعة يومياً في حين أن ساعات بثنا الأربع ليست مناسبة للوقوف في مواجهتهم. مع هذا أعتقد بأن جمهور المحطتين ليس نفسه. فقد حققت محطتنا تقدماً واضحاً في المغرب العربي، أما في الشرق الأوسط فالأمر مختلف لأن للجمهور هناك علاقة تاريخية مع اللغة الانجليزية ومع إذاعة البي.بي.سي. وبرأيي فإن مفهوم المنافسة لم يعد يعني، اليوم، شيئاً لأن المشاهد يرى كل المحطات ويتنقل بينها على مدار الوقت. ونحن بالتأكيد لا نفكر بمنافسة محطات أو سرقة جمهورها بل ندخل في الفضاء الذي يشترك فيه الجميع وتطرح فيه الكثير من الأخبار والمشاهد يدور عليها كلها.

ولا بد من القول إن هناك تركيزاً حقيقياً من الغرب على حيازة قنوات تتوجه للعالم العربي. وقد بدأ الروس، منذ 3 أشهر، بثهم بالعربية من موسكو وعرضوا مرتبات محترمة على الصحافيين.

> ماذا كان شعورك عندما أعلن ساركوزي رغبته بأن يكون بث محطتكم بالفرنسية فحسب؟

ـ تصريحات الرئيس كانت صدمة لنا ولم يتوقعها أحد. وأظن أنه إما لم يفهم مشروعنا أو أن مستشاريه، الذين يعرفون ملفنا جيداً، لم يشرحوا له مبرر وجودنا بشكل كاف. والقضية اليوم ليست الفرنكوفونية بل ايصال خطابنا الى العالم. وإذا عدنا الى البدايات، نجد أن الرئيس شيراك، أيضاً، لم يكن يجد جدوى لقناة اخبارية بغير الفرنسية الى أن اقتنع بأن العالم لن يفهم سياستنا ومواقفنا ما لم نتوجه اليه بالانجليزية والعربية والاسبانية. ولعل ساركوزي ينطلق من نظرة شيراك السابقة نفسها.

> هناك أيضاً رغبة الرئيس في حرمان المحطات الحكومية من الاعلانات، فكيف ستتعاملون مع هذا النقص في الموارد؟

ـ نحن غير معنيين بهذا القرار لأننا لسنا قناة عامة بل مشروع ذو طبيعة مستقلة تموله الدولة. كما أن لدينا دائرتنا الخاصة لحصر الاعلانات، وهي إعلانات تبث على الشاشة وفي موقعنا الإلكتروني.

> سابقاً، كانت لفرنسا «سياسة عربية» متميزة. أما اليوم فإن توجهات الرئيس ساركوزي تنسجم والسياستين الأميركية والبريطانية تجاه منطقتنا. ما الداعي، في هذه الحال، لقناة تشرح سياسة فرنسا للعرب؟

ـ هذا صحيح، لقد تغيرت سياسة فرنسا العربية عما كانت عليه أيام الرئيس شيراك. لكن للرئيس الجديد اهتماماً كبيراً بالعالم العربي وله مفهومه الخاص للعلاقات بين الدول وقد زار 8 بلدان عربية منذ توليه الحكم قبل 8 أشهر. كما أن لساركوزي مشروعه لدول حوض المتوسط، ما يعزز اهتمامه بالمنطقة وبأهمية قناة تتوجه الى شعوب الضفة الجنوبية للمتوسط.

> هل تخلو قناتكم من الأمراض التقليدية للاعلام العربي، ومنها المحاباة وقلة المبادرة ونقص التدريب والافتقار الى اللغات الأجنبية؟

ـ الجواب صعب، بل إنه فخ. وأستطيع أن أقول إن لديناً فريقاً من الصحافيين العرب الشباب الذين تلقوا تأهيلاً ونواصل تدريبهم. ولعل هناك من يأخذ علينا أن صحافيينا قليلو التجربة. لكن روح محطتنا تقوم على اجتذاب هذا الشباب وتدريبه رغم أنه ليس من جيل الصحافيين المثقلين بتاريخ مضى. وأنا لا أستطيع أن أنتقد فريقي أو أن أخونه، لكني أقول إن كل قناة تحتاج الى مواصلة التأهيل لملاحقة تطورات المهنة وتقنياتها الجديدة.

> كيف ترين القسم العربي، بعد 5 سنوات، عندما تغمضين عينيك وتحلمين؟

ـ أراه يبث ليل نهار، مع المزيد من برامج الحوار، لا في المجال السياسي وحده بل في المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، كما أحلم بنوع من المجلة المصورة التي تتناول كل الظواهر والمشكلات في العالم العربي وتعطي الكلام، بشكل أوسع، للمثقفين وللشخصيات الفاعلة في ميادينها.

> سؤال أخير، كيف تتصرفين إذا تقدمت صحافية محجبة للعمل في القسم العربي؟

ـ لم نواجه مشكلة مثل هذه لكني لن أسمح بالحجاب على الشاشة.

> لماذا؟ ـ فرنسا بلد علماني.