صحافيون يجمعون بين القلم وشاشة التلفزيون

باحثون عن الشهرة أم رافضون لأسلوب الحوارات التلفزيونية؟

TT

راغبون في المزيد من الشهرة، أم طامحون للمزيد من نشر المعرفة وجرأة الحوار، أم متشككون في قدرات مقدمي البرامج التلفزيونية المعتادين؟ تساؤلات تطرح نفسها مع تنامي ظاهرة عمل بعض الصحافيين المصريين في تقديم البرامج التلفزيونية، وهي ظاهرة ليست بالحديثة مع وجود مثال شهير عليها هو الصحافي مفيد فوزي رئيس تحرير مجلة «صباح الخير» الأسبق الذي بدأ علاقته بالبرامج التلفزيونية في الستينات كمعد لبرامج المذيعتين ليلى رستم وأماني ناشد، ثم تحول إلى تقديم البرامج منذ نهاية الثمانينات من خلال برنامجه الشهير«حديث المدينة» الذي كان ولا يزال أشبه بمجلة تلفزيونية لرصد اللقطات السياسية والاجتماعية والفنية المهمة في المجتمع. أما الآن فقد بات الصحافي المذيع ظاهرة تستحق التوقف عندها بعد انتشارها في قنوات التلفزيون المصري الرسمي والخاص. النماذج متعددة من أشهرها الصحافي محمود سعد مدير مكتب مجلة «لها» في القاهرة الذي يقدم اكثر من برنامج منها «البيت بيتك» على القناة الثانية المصرية، و«اليوم السابع» على قناة الام بي سي الفضائية، وآخر ديني على قناة «الحياة» الفضائية المصرية الخاصة مع الشيخ خالد الجندي. وهناك الصحافي محمد صلاح مدير مكتب جريدة الحياة اللندنية بالقاهرة الذي يقدم برنامج «كلام والسلام» على القناة الاولى بالتلفزيون المصري، والكاتب الصحافي عمرو عبد السميع المسؤول عن طبعة الأهرام الدولية الذي يقدم برنامج «حالة حوار» على القناة الاولى بالتلفزيون المصري، وهناك تجربة الصحافي الراحل مجدي مهنا الذي كان يقدم برنامج «في الممنوع» على قناة دريم الفضائية الخاصة حتى رحيله منذ نحو شهرين، والصحافي أحمد المسلماني الذي يقدم على شاشة دريم ايضا برنامج «الطبعة الاولى» وغيرهم الكثير. السمة المشتركة بين تلك البرامج أو هؤلاء الصحافيين هو أنهم يقدمون نوعية واحدة من البرامج السياسية التي تستحوذ على اهتمام المشاهد، حيث تناقش معظمها الشأن السياسي على المستوى المحلي بما فيه من مشكلات وقضايا. وهو ما يعود بنا إلى التساؤل لماذا البرامج السياسية بالتحديد؟ وهل يعني هذا عدم امتلاك القنوات التلفزيونية في مصر الحكومية منها والخاصة لمذيعين مثقفين وملمين بالشأن السياسي؟ لا نستطيع التعميم عند الإجابة على هذا السؤال، خاصة في ظل وجود بعض النماذج الناجحة من المذيعين المصريين الذين اخترقوا دائرة الحوار بكل مجالاته وفي مقدمة هؤلاء المذيعة منى الشاذلي التي تقدم برنامج العاشرة مساء على قناة «دريم» الفضائية ومي الشربيني التي شاركت معتز الدمرداش لنحو عامين في تقديم برنامج «90 دقيقة» على قناة «المحور» الفضائية الخاصة في مصر. وعلى الرغم من هذين النموذجين يبقى السؤال من دون إجابة.

إذا سلمنا بأهمية العنصر البشري في العملية الإعلامية، خاصة التلفزيونية منها، وإذا ما دققنا النظر في تلك الفئة، سنكتشف وجود نقص في المهارات الاعلامية لدى نسبة ليست بالقليلة من مقدمي البرامج التلفزيونية هكذا بدأ الاعلامي حمدي الكنيسي حديثه وأضاف: «السبب هو أننا ما زلنا نعتمد في اختياراتنا لمقدمي البرامج التلفزيونية على الوسامة والطلة الجاذبة للمشاهد بغض النظر عما يمتلكونه من مهارات اتصالية وقدرة على التحاور وعمق المعرفة والإطلاع على ما يحدث في المجتمع. وأعتقد أن ذلك هو السبب الرئيسي في ارتفاع معدلات الصحافيين العاملين في مجال تقديم البرامج، حيث تسمح لهم ظروف مهنتهم بالإلمام بكافة المعلومات التي يتطلبها تقديم برنامج على الشاشة وهو ما يجعلهم مميزين لدى المشاهد الذي يشعر بالفرق حتى لو افتقد الصحافي للوسامة أو الطلة المطلوبة. الغريب أنه وقبل أن يوجد التلفزيون في الستينات كانت الإذاعة المصرية تحرص على تنظيم الاختبارات واختيار من يمتلكون الموهبة والقدرات الثقافية واللغوية التي تؤهلهم للعمل كمقدمي برامج في الإذاعة، ولا تسمح لهم بممارسة العملية الاذاعية الا بعد التأكد من تحقيقهم لمستوى معين بعد التدريب حيث كان يتم استبعاد غير المؤهلين منهم، وهي أمور لم نعد نقوم بها الآن رغم حاجتنا الشديدة لها». يذكر أنه من بين الاتهامات التي ما زالت توجه للتلفزيون المصري حتى يومنا هذا وتعد من بين أسباب تنامي ظاهرة الصحافي المذيع، هي تعيين أبناء المذيعين والمذيعات في المبنى واعتمادهم كمقدمي برامج فيما لا يمتلكون تلك المقدرة. وهو ما يعبر عنه الصحافي عبد الحليم قنديل بقوله: «كان لا بد من الاعتماد على الصحافيين بعد أن تغلبت تكتلات القرابة والمعرفة على المهنية في التلفزيون وقنواته المختلفة. فغالبية من يعملون في تلك المهنة لا شأن لهم بتقديم البرامج، كل مقوماتهم أنهم أبناء كبار المذيعين والمسؤولين بالمبنى، حتى القنوات الخاصة عندما بدأت نشاطها تفاءلنا خيراً ولكن كان الاعتماد الاكبر فيها على الشكل من دون المضمون، وهو ما كرس الحاجة للصحافي المذيع».

وعلى الرغم من الاتهامات الموجهة لمذيعي التلفزيون بضحالة الثقافة التي فتحت الباب للصحافيين والكتاب، إلا أن تجارب بعض القنوات المصرية في أسلوب اختيار المذيعين من الشباب وتدريبهم بشكل عالي التقنية، أفرزت نماذج لا بأس بها كما تقول الإعلامية هالة حشيش رئيس قناة النيل للأخبار التابعة لقطاع القنوات المتخصصة بالتلفزيون المصري والتي أكدت أن الاعتماد على الصحافيين في تقديم البرامج التلفزيونية، خاصة السياسية منها، كان له ما يبرره في وقت مضى، ولكن لا أحد الآن ينكر تجربة قناة «النيل» في تقديم عدد من النماذج الناجحة، والدليل سعي قنوات عالمية وعربية لإلحاقهم بالعمل بها مثل شريف عامر في «الحرة»، ومي الشربيني ودينا سالم في قناة «العربية»، هذا غير النماذج التي انتقلت من القناة للعمل في قطاع الأخبار المصري مثل تامر أمين وريهام إبراهيم، مشيرة إلى أنه لولا نجاح تلك الأسماء لما اختارتها قنوات أخرى للعمل بها. وأضافت: يتوجب على المسؤولين إتاحة الفرصة لبعض النماذج المؤهلة من خلال تقديمها في برامج متميزة كتلك التي يقدمها الصحافيون.

السعي وراء شهرة الكاتب أو الصحافي والرغبة في استغلالها قد تكون أحد أسباب اختيار القائمين على البرامج التلفزيونية للصحافيين لتقديمها. فهو من جانب سيحقق نسبة أعلى في المشاهدة، ومن جانب آخر يضمن تسويق البرنامج وتحقيقه نسبة عالية من الإعلانات. من أمثلة ذلك برنامج الصحافي الراحل مجدي مهنا «في الممنوع» الذي استمد اسمه من مقاله اليومي في صحف المعارضة، وكان مقالا مقروءاً يحرص الناس على متابعته، وبالتالي حظي البرنامج بنسبة مشاهدة عالية بالتبعية. هناك أيضاً الصحافي محمود سعد الذي نجح منذ تقديمه أول برنامج حواري له في عام 2001 على قناة «دريم» وكان عنوانه «على ورق» وعلى الرغم من انه اعتمد على استضافة الفنانين، إلا أنه حقق لمحمود كما هائلا من الشهرة والنجاح جعله مطلباً من قنوات اخرى مثل الـ «ام بي سي» التي قدم على شاشتها العديد من البرامج. ثم استعان به برنامج البيت بيتك في التلفزيون المصري ليشارك في تقديم الحلقات، وبات محمود من اهم الصحافيين في مجال تقديم البرامج. ويقول محمود سعد: ان الصحافي من أقدر الناس على المحاورة، فهذه هي مهنته من الاساس الى جانب امتلاكه رؤية بانورامية للموضوع الذي يتحدث عنه. وأضاف: في اعتقادي ان الصحافي المتميز من أقدر الناس على العمل كمذيع إذا ما توافرت فيه بعض المؤهلات مثل الصوت المقبول وعدم التلعثم في الكلام والقدرة على الوقوف أمام الكاميرا التي لا تقبل أي أحد. فلا بد من أن تكون محبة لوجه الصحافي وتلك هبة من الله.

وعلى الرغم من عدم امتلاك جميع النماذج الصحافية التي خاضت تجربة تقديم البرامج لنعمة محبة الكاميرا لوجوههم، الا أن العدد في تزايد وهو ما يفسره البعض بالرغبة في تحقيق مزيد من الشهرة وكسب كم أكبر من المال. حيث ان الصحافي قد يقضي فترة طويلة من حياته يكتب من دون ان يحقق ولو نسبة ضئيلة مما قد يحققه له تقديم برنامج واحد. وهو ما عبر عنه الصحافي محمد صلاح مدير مكتب الحياة بالقاهرة في حديث سابق له حيث قال انه قضى سنوات طويلة في العمل الصحافي من دون أن يعرفه الناس أو المتابعون له، بينما نجح برنامجه في التلفزيون في تقديمه للقراء وتعريفهم به.

وتبقى ظاهرة الصحافي المذيع، محل اختلاف شأنها شأن العديد من الظواهر الحياتية، يختلف معها البعض، ويقبلها البعض الآخر، الا ان المحك الرئيسي لنجاحها هو مدى إقبال الجمهور على ذلك الصحافي الذي يقف أمام الكاميرا.