حرب العراق في الإعلام الأميركي .. هل انخفض الاهتمام بها؟

تفسيرات عدة لعدم إقبال الأميركيين على متابعتها

جانب من أحد المؤتمرات الصحافية للقيادة العسكرية الأميركية في العراق للرد على استفسارات مراسلي وكالات الأنباء (ا. ف. ب.)
TT

أخيرا، قال اريك بوهارت، مؤلف كتاب «كلاب مطيعة: كيف خضع الإعلام لبوش؟» وخبير في موقع ميديا ماترز «الاعلام مهم»: «قال صحافيون ان سياسة بوش في العراق انتصرت لا لأن الاميركيين لا يعارضون حرب العراق بل لأنهم لا يتابعون اخبارها. لكن، هؤلاء هم الصحافيون الذين قالوا لنا ان الاميركيين ايدوا حرب العراق لأنهم تابعوا اخبارها. لن يقدر الذين فقدوا مصداقيتهم على اقناعنا بنزاهتهم».

لكن، يركز البيت الابيض على نتائج استفتاءات شعبية اخيرة بأن الاميركيين يؤيدون ارسال بوش، في السنة الماضية، لقوات عسكرية اضافية الى العراق. ويرون انها نجحت في تحسين الوضع في العراق.

وتلقفت صحف قلة الاهتمام باخبار العراق، وكتبت عناوين مثل: ـ صحيفة «شاتانوغا تايمز» (ولاية تنيسي): «تعب الشعب الاميركي».

ـ صحيفة «هارتفورد كورانت» (ولاية كونيتيكت): «قل اهتمامنا بالحرب».

ـ صحيفة «فورت ويرث ستار» (ولاية تكساس): «لا شيء يهم».

وهكذا، يتجادل الاميركيون، صحافيون وغير صحافيين، ليس حول تأييد حرب العراق، او عدم تأييدها «لأن غالبية كبيرة ظلت تعارضها منذ ثلاث سنوات». لكنهم يتجادلون حول متابعتهم لاخبارها. وهل يعني انخفاض المتابعة انخفاض المعارضة؟ وهل تعني زيادة المتابعة زيادة المعارضة؟.

في اغسطس (آب) الماضي، اجرى مركز «بيو» استفتاء اوضح ان 50 في المائة من الاميركيين يعرفون ان عدد الجنود الاميركيين الذين قتلوا في العراق وصل الى 3500 شخص. وفي الشهر الماضي اجرى استفتاء اوضح ان ربع الاميركيين يعرفون ان عدد القتلى وصل الى 4000.

اثارت هذه الارقام الاسئلة الآتية: كيف تقل متابعة الاميركيين للحرب رغم زيادة عدد الجنود القتلى؟ وهل يدل عدم معرفة عدد القتلى على عدم متابعة اخبار الحرب؟ وهل هناك صلة بين عدد القتلى ومعارضة الحرب؟ يتابع نفس مركز «بيو» نسبة اخبار العراق في جملة الاخبار، كما تقدمها نشرات اخبار خمس قنوات تلفزيونية رئيسية (اي بي سي، سي بي اس، ان بي سي، سى ان ان، فوكس). في الشتاء الماضي، عندما القى بوش خطابه عن زيادة عدد القوات في العراق، كانت نسبة اخبار العراق اربعين في المائة. وفي الصيف الماضي، عندما بدأت القوات الاضافية عملياتها في العراق، كانت نسبة اخبار العراق خمسة وعشرين في المائة. وهذا الشتاء، صارت نسبة الاخبار خمسة في المائة فقط.

هل يعني هذا انخفاض معارضة الحرب؟ لا. لأن معارضة الحرب لا تزال، منذ ثلاث سنوات، تزيد عن ستين في المائة. ماذا يعني اذاً؟

قال بوهارت ان هناك تفسيرين: اولا: يستمر اهتمام الاميركيين بالحرب، رغم انخفاض اهتمام اخبار التلفزيون وعناوين الصحف. ويقع الذنب على الصحافيين «لانهم يعتقدون انهم اذكى من الشعب»، ولأنهم «لم يملكوا الشجاعة لمعارضة بوش عندما اعلن غزو العراق، قبل خمس سنوات».

ثانيا: لا يتوقع من الاميركيين ان يتابعوا اخبار كل شيء مائة في المائة. واكدت استفتاءات كثيرة ان الاميركيين يجهلون اشياء كثيرة عن السياسة الخارجية، وعن العالم الذي يحيط بهم. مثلا: لا تعرف نسبة 30 في المائة ان وزيرة الخارجية اسمها كونداليزا رايس. ولا تعرف نسبة 40 في المائة ان المسلمين ينقسمون الى سنة وشيعة. ولا تعرف نسبة 50 في المائة ان رئيس فنزويلا اسمه شافيز. ولا تعرف نسبة 60 في المائة ان كوسوفو استقلت الشهر الماضي من صربيا. ولا تعرف نسبة 70 في المائة ان عدد الجنود الاميركيين الذين قتلوا في العراق وصل الى اربعة آلاف جندي.

يعني هذا ان هناك فرقا بين معرفة تفاصيل شيء، وبين تأييده او معارضته «لأن التأييد والمعارضة يمكن ان يعتمدا على معلومات من عنوان واحد في جريدة واحدة، او على خبر واحد في نشرة اخبار واحدة».

في الشهر الماضي، قالت وكالة الصحافة الفرنسية «حتى اخبار المغنية برتني سبيرز غطت على اخبار العراق». هذا صحيح. لكن، ايضا، غطت على اخبار العراق السناتور هيلاري كلنتون، والسناتور باراك اوباما، والسناتور جون ماكين. يعني هذا ان الحملة الانتخابية التمهيدية الحالية هي الأولى من نوعها في تاريخ اميركا «رجل ابيض، ورجل اسود، وامرأة بيضاء»، وكان لا بد ان تغطي على كل شيء غيرها، حرب العراق او غير حرب العراق. وفي الاسبوع الماضي، حسب مركز تابع لموقع «غوغل» ما يسميه مقياس المزاج الاميركي، اعتمادا على احصاءات سياسية واقتصادية واجتماعية يربطها وينسقها الكترونيا. وقال ان المزاج الاميركي متفائل بسبب الحملة الانتخابية المثيرة «ربما أول امرأة، او اول اسود، سيكون رئيسا للجمهورية». ومتشائم بسبب حرب العراق. لكن التفاؤل يزيد على التشاؤم.

وايضا، في الاسبوع الماضي، اعلنت الاذاعة البريطانية (بي بي سي) نتائج استفتاء عالمي اوضح ارتفاع نسبة النظرة الايجابية الى اميركا من 31 في المائة الى 35 في المائة. وقالت ان لذلك سببين: اولا: هدوء الوضع في العراق نسبيا. ثانيا: الحملة الانتخابية المثيرة (اوباما وهيلاري).

وايضا، في الاسبوع الماضي، اعلن مركز اكسلنسن ان جورنالزم «الصحافة المتميزة» انه، خلال شهر مارس، كانت نسبة 52 في المائة من الاخبار عن الانتخابات، ونسبة واحد في المائة فقط عن العراق. وايضا، اعلن موقع «تايندول»، الذي يتابع نشرات اخبار التلفزيون المسائية في القنوات الرئيسية، انه، خلال شهرين، كانت 832 دقيقة عن الانتخابات، مقابل 61 دقيقة عن العراق.

علق على هذه الارقام غريغ متشل، مؤلف كتاب «اخطأوا كثيرا لفترة طويلة: كيف فشل الاعلام في العراق؟» وواضح من اسم كتابه، مثل اسم كتاب «كلاب مطيعة» لزميله بوهارت، انه غير راض عما يريان انه انحياز الاعلام الاميركي الى جانب بوش، منذ غزو العراق.

وقال متشل ان انخفاض متابعة الاميركيين لاخبار حرب العراق، وحتى انخفاض متابعة الاعلام لها، لا يعني انخفاض معارضة الحرب. بل يؤكد ان الاعلام في واد والشعب في واد ثان. ولاحظ ان الاعلام الاميركي لا يهتم بجوانب اخرى في الحرب، مثل تكلفة الحرب. وقال: «هذا موضوع يؤثر على كل مواطن اميركي. هذه ديون تتراكم كل يوم، وكل دقيقة، وكل ثانية. وسنظل ندفع تكاليف هذه الحرب حتى نموت. وربما حتى نهاية القرن الحادي والعشرين». واخيرا، كتب ايريك الترمان، خبير في مركز اميركان بروغريس في واشنطن، واستاذ لغة انجليزية في كلية بروكلين في نيويورك، واستاذ في كلية الصحافة جامعة نيويورك، ومؤلف كتاب: «عندما يكذب الرئيس» وهو سابع كتاب له. قال: «انخفض الاهتمام بحرب العراق، او لم ينخفض، سيأتي شهر نوفمبر. وسيقرر الاميركيون ما يريدون. لكنهم يحتاجون الى اعلام يقول لهم الحقيقة».