شراء «حقوق تسمية» الأماكن.. مضمار سباق جديد للماركات العالمية

قصص نجاح تتراوح بين «استاد الإمارات» و«قبة الألفية» في لندن.. ومترو دبي أحدث متبنيّ المفهوم

ملصق ترويجي لقبة «The O2» والتي تحولت وجهة لندنية بارزة للفعاليات والحفلات الغنائية (الشرق الأوسط)
TT

«الأماكن كلها مشتاقة لك»، هكذا تقول أغنية فنان العرب محمد عبده، والجملة نفسها يمكن أن تكون عنوانا عريضا لظاهرة تسويقية جديدة نعيشها اليوم... فالأماكن كلها مشتاقة لك بالفعل إذا كنت علامة تجارية كبرى. فذات يوم كانت الماركات العملاقة تتسابق على حقوق الرعاية الإعلانية للفعاليات المختلفة، كالمهرجانات الفنية المختلفة وبطولات كرة القدم والأندية الرياضية مثلا، لكن بات واضحا أن التوجه أصبح مؤخرا هو التحول من مجرد الرعاية... إلى الملكية التامة أو امتلاك «حق التسمية»، فباتت ماركات المشروبات تقيم مهرجاناتها الخاصة مثلا، فيما ماركات أخرى اختارت أن تطلق اسمها على مشاريع أو منشآت عملاقة، مثل ستاد «الإمارات» Emirates Stadium (نسبة إلى الخطوط الجوية التي اشترت حق رعاية فريق «ارسنال» الانجليزي ومن ضمن ذلك تسمية الاستاد الذي يلعبون عليه) في لندن، وقبة «The O2» (نسبة إلى شركة الاتصالات) في لندن كذلك، أو فريق «نيويورك ريد - بولز» لكرة القدم (نسبة لمشروب الطاقة الشهير Red Bull الذي اشترت الشركة المنتجة له نادي كرة القدم الأميركي بأكمله). ولعل اللافت في هذا التوجه الجديد هو ما يعتبره اهل الاختصاص «ميزة خارقة» في عالم التسويق والإعلان، وهي أنك في شراء حق التسمية هذا، تصبح مباشرة جزءا من «واقع» الحياة. وفي هذا السياق نقلت صحيفة «ذا أوبزرفر» عن خبير تسويقي في سياق قصة نشرتها مؤخرا حول تحول مشروع «قبة الألفية» The Millennium Dome، الذي بني كصالة عملاقة للحفلات والمعارض في شرق لندن كجزء من احتفالات بريطانيا بالعام 2000، من الفشل إلى النجاح الشعبي تحت مسمى The O2 خلال العامين الماضيين، أن صفقة حصول شركة الاتصالات على حق تسمية المنشأة تسبب في وضع ماركتها على خريطة الـ Underground (شبكة أنفاق القطارات اللندنية)، وهو أمر يعد بمثابة «الضالة المنشودة» لأي شركة إعلان، لأن ماركتك تتحول إلى «مكان» فعلي بحد ذاته، يشار له بالبنان. وفي السياق نفسه لا بد من ذكر أن المبنى ليس مملوكا ولا مدارا من قبل شركة الاتصالات O2 ولكن من قبل شركة الترفيه والرياضة الأميركية العملاقة «AEG» التي اشترت المشروع عقب فشله كـ «قبة الألفية» وبقائه مغلقا لسنوات، وحولته إلى وجهة ترفيهية بارزة تضم عشرات المطاعم والمحلات ويتسابق نجوم الغناء العالميون على إحياء الحفلات فيها. ومن جهته يوضح فيليب بيرد، الرئيس التنفيذي لشركة «AEG» في أوروبا لـ «الشرق الأوسط» بأن شركة الاتصالات O2 تدفع 6 ملايين جنيه استرليني سنويا مقابل الاحتفاظ بالاسم، موضحا بأن فترة التعاقد الأولى هي لـ 15 سنة. وكذلك يوضح بيرد بأن O2 تنفق الكثير كذلك على إحياء الصالات والقبة بشكل عام، معتبرا إياها شريكا جيدا في هذا المشروع.

على خط مواز، انشغل الوسط الإعلامي بمشروع «مترو دبي» الذي أطلقته هيئة الطرق والمواصلات في دبي، لكن سبب ذلك الانشغال لم يكن التصميم العصري أو الشكل الفريد لهذا المشروع الطموح وحسب، ولكن اعتزام الهيئة تطبيق فكرة «حقوق التسمية» هذه على محطات وخطوط «مترو دبي»، وهي فكرة لافتة بلا شك. وفي التفاصيل أن الهيئة ستطرح 23 محطة (من أصل 47) وخطين من خطوط المترو أمام مختلف الشركات لشراء حق تسميتها بماركاتها، وبحسب ما ذكرت صحيفة «غلف نيوز» فإن عدد الشركات التي أبدت اهتماما بهذا المشروع بلغ 25 حتى الآن. وحاولت «الشرق الأوسط» الحصول على تعليق من هيئة المواصلات بخصوص «حقوق التسمية» لكن الهيئة فضلت عدم التعليق، رغم تأكيد مصدر صحافي بأن مشروع التسمية مستمر. من جهته يقول تريفور رايت، أستاذ إدارة الحملات الإعلانية في جامعة ويستمينستر بالعاصمة البريطانية لندن، بأن هذه الفكرة تعد نموذجا لافتا لما يمكن أن يساهم به القطاع الخاص في تمويل مرفق عام. من جهة ثانية، يقول رايت انه على الرغم من أن الفكرة من وراء تسويق هذا المفهوم هو أن تسمية محطة باسم ماركة معينة سيزيد من نسبة الإدراك لها awareness، فإن تناقضا مثيرا للاهتمام سيحدث على الأرجح، وهو أن الماركات التي تملك ما يكفي لشراء «اسم محطة» لن تكون هي الماركات التي تعاني من مشكلة إدراك لوجودها، فهي ستكون ماركات ضخمة اصلا. ويضيف رايت: «ثم هناك مسألة هل يتسبب مثل هذا النوع من الإعلان بازدياد مبيعات ماركتك، سيكون مستحيلا قياس ذلك». من جهته يرى الخبير الإعلاني رمزي النجار أن اعتماد مفهوم «حق التسمية» بشكل عام يؤثر إيجابا في عملية التسويق للعلامة، ويشير في الوقت عينه إلى أن نتائج هذه العملية ليست مضمونة نظرا للمشاكل التي قد تطرأ فجأة وتترك آثارها السلبية على عملية التسويق.

وهنا لا ينكر فيليب بيرد بأنه لا يوجد قرار في عالم الأعمال لا يحمل في طياته نوعا من المخاطرة، لكنه يشير في نفس الوقت إلى أن قرار شركة الاتصالات O2 شراء حق التسمية لـ «قبة الألفية» كانت به مخاطرة بحد ذاته ولم تكن هناك ضمانات للنجاح، ولا سيما مع النظرة السلبية التي انطبعت عن القبة بعد فشل المشروع الأساسي. لكن بيرد يشير إلى أن المشروع استطاع خلال أقل من سنتين الحصول على شعبية هائلة، وجوائز عدة. ويضيف: «وفي حين أن لـ O2 فضلا كبيرا في ذلك بسبب دعمهم لنا، إلا أن نجاحنا يعود لإدارتنا للقبة وتركيزنا على ما نود تقديمه، ونحن سعداء بما حققناه ولو سألت O2 فسيجيبونك بأنهم سعداء كذلك».