بين «كوبري البيبسي» بجدة و«جسر الكولا» ببيروت.. معركة من نوع آخر

TT

يعود طغيان أسماء الماركات التجارية على الأماكن العامة لزمن بعيد، وقبل أن يصبح الأمر مدروسا ومتعمدا عن طريق «شراء» المعلنين لحق تسمية مكان ما، كانت أماكن عدة تأخذ أسماءها من المعالم التي تحيط بها. ولأن دخول ماركات المشروبات الغازية العالمية مثل «كوكا كولا» و«بيبسي» التي تعد المنطقة العربية من أهم أسواقها يعود لنهايات النصف الأول من القرن العشرين، فقد كانت مصانع هذه المشروبات الضخمة معالم قائمة بحد ذاتها، ومن ذلك تستنبط مفارقة طريفة تكمن في تسميتي «جسر الكولا» في العاصمة اللبنانية بيروت، و«كوبري البيبسي» في مدينة جدة السعودية، سيما وأن هاتين الماركتين تتنافسان تاريخيا في كل شيء. والمفارقة هنا أن هذه التسميات تتفوق على النمط الجديد من شراء حق تسمية الأماكن بأسماء الماركات، لأنها تتميز بكونها نتيجة توافق شعبي وليس عقدا إعلانيا ينتهي في وقت محدد، ويرى المهندس سامي نوار مدير عام الثقافة والسياحة بجدة في حديثه لـ«الشرق الاوسط» ان هناك العديد من الأسماء المشهورة عند العامة وكلها ترتبط بمسمياتها، فالكوبري الواقع بطريق المدينة والمقاطع لشارع التحلية يسمى كوبري البيبسي نسبة الى مصنع البيبسي الذي يحاذيه».

وأضاف «حي بترومين في جدة سمي بهذا الاسم نسبة الى مصفاة بترومين القريبة من الحي وهناك منطقة الكاكولا نسبة إلى كوكاكولا شركة المرطبات التي كان مقرها قديماً قرب باب مكة».

ويستطرد نوار «هناك أحياء وشوارع ارتبطت بماركات محلية مثل «بالبيد» او هكذا تعارف الناس عليه، وذلك لوجود وكالة بالبيد للسيارات عليه منذ أمدٍ بعيد رغم تغير المسمى في المخططات الرسمية لدى البلدية».

في حين يؤكد احمد الغامدي مدير المركز الاعلامي في بلدية جدة «انه رغم محاولات الأمانة الحثيثة لتغيير تلك المسميات لكن الامانة لم تستطع تغيير المفهوم، وذلك لصعوبة حفظ الأسماء أو ملاءمتها للتسمية فيكون للشارع أو للحي من اسمه نصيب».

أما «جسر الكولا» في بيروت، فهو يقع عند المدخل الغربي لمنطقة الطريق الجديدة، حيث أنشئ في الخمسينات مصنع للمشروبات الغازية «كوكا كولا»، ومنذ ذلك الحين أطلق على تلك المنطقة اسم «الكولا». المصنع التابع للشركة اقفل منذ فترة طويلة لكن التسمية بقيت ومحت الاسم الرسمي للشارع وفق التنظيم المديني للعاصمة اللبنانية من ذاكرة السكان الذين لا يزالون يستدلون على هذا المكان باسم «منطقة الكولا».

يقول الباحث والأستاذ الجامعي حسان حلاق انه قبل الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 شيّد جسر يربط بين المدينة الرياضية وبين منطقة برج أبي حيدر ونفق سليم سلام فأطلق عليه حينها اسم «جسر الكولا» تيمنا بمصنع «كوكا كولا» والمنطقة التي عرفت باسمه. ويشير حلاق الى أنه بعد العدوان الاسرائيلي على مصر في يونيو (حزيران) 1967، وبعد اتخاذ الدول العربية قرار مقاطعة المؤسسات التي كانوا يفترضون أن أرباحها تعود الى اسرائيل عمدت ادارة معمل «كوكا كولا» الى تغيير اسمه ليصبح «كا كولا» واستمر العمل فيه. الالتفاف على التسمية لم يغيّر من واقع الحال شيئا، بل على العكس تكبّد المصنع خسائر مادية كبيرة جراء مقاطعة اللبنانيين له، الى أن أقفل نهائيا في بداية التسعينات. ومنذ ذلك الحين تحوّل موقع المصنع الى موقف للسيارات والحافلات العمومية التي تنقل الركّاب من بيروت باتجاه المناطق اللبنانية. ويضيف حلاق «بعد تحرير الجنوب اللبناني في عام 2000» اتخّذت بلدية بيروت قراراً بإطلاق اسم ساحة المقاومة والتحرير على منطقة الكولا، غير أن الاسم الأوّل لا يزال هو الشائع والمستخدم بين أوساط اللبنانيين والبيروتيين بشكل خاص.