جون سولومون.. الوجه الجديد لـ «واشنطن تايمز»

بصماته بدأت تظهر على شكل الصحيفة ومحتواها

سولومون بمكتبه في جريدة واشنطن تايمز («الشرق الأوسط»)
TT

خلال الشهور الأربعة التي مرت منذ توليه رئاسة تحرير صحيفة «واشنطن تايمز»، نجح «جون سولومون»، الذي سبق وأن تولى المنصب ذاته لمدة عام في «واشنطن بوست»، في ترك بصمة واضحة من خلال إجراء تغييرات كبرى. ورغم أن بعض هذه التغييرات جاء شكلياً، حيث خرجت الصحيفة أخيرا، على سبيل المثال، بتصميم جديد، فإن البعض الآخر جاء أكثر أهمية وعكس نجاح «سولومون» في إقرار شعور بالتوازن السياسي داخل الصحيفة التي وصفها سابقوه بأنها محافظة. من جانبه، علق «فيل سنجر»، المتحدث الرسمي باسم «هيلاري كلينتون»، على رئيس التحرير الجديد بقوله: «عندما يتصل بك جون سولومون، تعلم أن أمراً ما سيئا وقع، لكنك تتطلع نحو معاودة الاتصال به لأنه وسيط أمين. لقد وجدته دائماً متحمساً للغاية».

أما المسؤولون المعنيون بالحملة الانتخابية لـ«باراك أوباما» فيرون أن بعض التغطيات التي قدمتها «واشنطن تايمز» بشأن مرشحهم تفتقر إلى الإنصاف. إلا أن بعض المراقبين أبدوا دهشتهم إزاء الصراحة والأسلوب المباشر الذي اتبعته الصحيفة مؤخراً في تناول القضايا السياسية. خلال لقاء أُجري معه بمقر رئاسة الصحيفة، أبدى سولومون، (41 عاماً)، خليطاً من النشاط ونفاد الصبر، متناولاً مجموعة من الأفكار بسرعة تفوق القدرة على تدوينها على الورق. وقال: «إذا كان هناك تغيير جوهري قمت بإقراره، فهو العمل على ضمان عدم تأثير الآراء والتعليقات على الصفحات المخصصة لتغطية الأنباء». وسعياً لتحقيق هذه الغاية، أصدر «سولومون» تعليماته بالامتناع عن استخدام مصطلحات وصفها بـ«القديمة» اعتادت الصحيفة الاعتماد عليها، مثل «شاذ جنسياً» و«الغرباء غير القانونيين». على الجانب الآخر، أعرب «رالف هالو»، المراسل البارز، عن اعتقاده بأنه بينما تميل «واشنطن تايمز» نحو التيار اليميني، تميل «واشنطن بوست» للتوجهات اليسارية. وأضاف أن «سولومون» يرمي لإرضاء أذواق جمهور محافظ «من دون جعل الصحيفة منبراً للترويج لأي من القضايا الخاصة باليمين».

إلا أن «دافيد كين»، رئيس «الاتحاد الأميركي المحافظ»، قال إنه لم يلحظ أي تغييرات بالصحيفة، مؤكداً أن: «نقطة القوة التي تميزت بها واشنطن تايمز دوماً لم تكن عدم انحيازها، وإنما تغطيتها مجموعة من القضايا المختلفة أكثر من واشنطن بوست. وتغطي الصحيفة عددا أكبر من القضايا التي تهم المحافظين». يمكن القول بأن أول إنجازات «سولومون» تمثلت في إحداث تحول بموقع «واشنطن تايمز» على شبكة الانترنت، الأمر الذي أسهم في مضاعفة عدد الزائرين إلى قرابة 2.5 مليون شهرياً. وحالياً، يجري تحديث الموقع باستمرار، وبات يعتمد بدرجة أكبر على المقاطع المصورة وبدأ في بناء مجتمعات على غرار تلك الموجودة بموقع «فيس بوك» حول عدد من القضايا مثل التعليم المنزلي والأمومة.

لكن تبقى الصحيفة ذاتها، التي أُنشئت عام 1982 على يد مسؤولين بـ«كنيسة التوحيد»، التحدي الأكبر أمام رئيس التحرير الجديد. يبلغ معدل المبيعات اليومية للصحيفة 94.000، مقارنة بـ673.000 بالنسبة لصحيفة «واشنطن بوست». يذكر أن «سولومون» قرر أخيراً الاستغناء عن حوالي 30 موظفا من العاملين بالصحيفة البالغ مجمل عددهم 200 موظف، إلا أنه يخطط للاستعانة بقرابة 20 من المتخصصين في المواقع على شبكة الانترنت. ورغم أن الصحيفة الخاضعة للملكية الخاصة لا تكشف عن أوضاعها المالية، نوه «سولومون» بأن الميزانية تتحرك بقوة نحو الربحية.

وبالأمس، صدرت الصحيفة في صورتها الجديدة، حيث تم جمع كل من الأخبار الوطنية والمحلية والتجارية، علاوة على صفحات الرأي المحافظة، في القسم الأول، بينما تضم الصحيفة قسماً آخر يوزع اهتماماته بأسلوب تدويري (حيث يعنى بالاقتصاد يوم الاثنين، والسياسة يوم الثلاثاء، والأوضاع المعيشية يوم الأربعاء وهكذا). أما النسخة الصادرة يوم الأحد، والتي تبيع 38.000 نسخة فقط، فسيتم إصدارها في صورة مجلة بعدد صفحات يبلغ 32. يذكر أن «سولومون» عمل في الأصل مراسل تحقيقات وقضى ما يقرب من عقدين مع وكالة «أسوشيتد برس»، ينفي باستمرار الاتهامات الموجهة ضده من جانب عناصر ليبرالية بأنه يبدي صرامة أكبر تجاه الديمقراطيين. من جانبها، قالت «كريستينا بلانتوني»، المراسلة الأولى للصحيفة فيما يخص شؤون الديمقراطيين والتي يحظى عملها بالإشادة من قبل فريقي العمل المعاونين لكل من «أوباما» و«كلينتون»، إن «سولومون» يحظى بالكثير من المصادر داخل الحملتين، مشيرة إلى أن «رؤساء التحرير السابقين لم يكونوا على صلة قوية بالحملات الانتخابية الديمقراطية». يذكر أن «واشنطن تايمز» سبق وأن أبدت خلال العديد من الفترات تحيزاً واضحاً، فعلى سبيل المثال، أثناء تولي «ويسلي برودن» رئاسة التحرير في مطلع التسعينات، تقدم اثنان من المراسلين باستقالتيهما احتجاجاً على تدخل رؤسائهم في التغطيات التي وضعوها وتشويههم إياها. وأثناء الحملة الانتخابية عام 1992، حملت الصحيفة عناوين رئيسة إيجابية للغاية تجاه الرئيس «بوش» الأب، مثل «بوش يسحق كلينتون بسبب تأرجح مواقفه» و«بوش يهاجم خداع كلينتون»، بينما جاءت عناوينها بشأن «بيل كلينتون» سلبية بشكل واضح، مثل «الصدق: العقبة الكبرى أمام كلينتون» و«كلينتون يتجول في موسكو في ذروة الحرب». على النقيض، جاءت العناوين الرئيسة التي حملتها «واشنطن تايمز» أخيراً حول «هيلاري كلينتون» إيجابية، مثل «كلينتون تبدي صرامتها» و«كلينتون تثبت أن ثقتها فاقت التوقعات». (بينما جاء عدد العناوين الرئيسة الإيجابية حيال «أوباما» أقل).

بيد أنه في الوقت ذاته، أشارت الصحيفة الشهر السابق إلى أن المحققين الفيدراليين يعكفون في هدوء على جمع مئات الصفحات من الأدلة توحي بأن «هيلاري كلينتون» أخفت معلومات وضللت هيئة محلفين فيدرالية في إطار التحقيق الخاص بقضية «وايت ووتر». وقد اعتمد هذا الخبر على أوراق تبرع بها «سام داش»، مستشار المحامي الخاص «كين ستار»، إلى مكتبة الكونجرس. وفي تعليقه على الخبر، قال «جاي كارسون»، المتحدث الرسمي باسم «كلينتون»، إنه «يتضمن اتهاما لا أساس له تم النظر فيه منذ ما يزيد على عقد مضى». وفي مارس، انفردت «واشنطن تايمز» بنشر خبر فصل وزارة الخارجية لاثنين من العاملين بها لتطفلهما بالاطلاع على الملف الخاص بجواز سفر «أوباما». إلا أنه في بعض الأحايين، أبدت الصحيفة اهتمامها بتناول قضايا اعتبرتها الصحف الأخرى دون أهمية، مثل قضية اعتذار «أوباما» الشهر السابق عن حديثه إلى مراسلة لقناة تلفزيونية في ديترويت بقوله «حبيبتي». إلا أن أكثر الأخبار التي أثارت غضب معسكر أنصار «أوباما» فكان الخبر الذي نشرته الصحيفة في أعقاب تولي «سولومون» رئاسة التحرير بثلاثة أيام، وقال إن المرشح الديمقراطي بدل مواقفه تجاه عدد من القضايا منذ أن بدأ حملته الانتخابية لنيل عضوية مجلس الشيوخ، واعتمد الخبر على مجموعة من الفيديوهات المصورة التي نشرتها الصحيفة على موقعها على شبكة الانترنت. من بين أبرز الأمثلة في هذا السياق قول «أوباما» منذ أربع سنوات ماضية أثناء إحدى المناظرات أنه يرغب في إنهاء تجريم «الماريجوانا»، لكنه لا يؤمن بتقنينها. وقال أعضاء المعسكر المؤيد لـ«أوباما» أنه كان يعني ضرورة أن يحسن المجتمع أسلوب تعامله مع المدانين بتعاطي المخدرات للمرة الأولى. من ناحيته، أشار «سولومون» أن أحد مساعدي المرشح الديمقراطي أصدر بيانين متناقضين، وأنه حرص على نشر الاثنين.

وأضاف «سولومون» أنه بدأ العمل في هذا الخبر منذ أن كان يعمل في صحيفة «واشنطن بوست» التي رفضت نشره بسبب شكوك أحاطت بالمصدر. في المقابل، أوضح رئيس التحرير التنفيذي لـ«واشنطن بوست» أنه لم يتخذ قراراً نهائياً قط بشأن نشر هذه القصة، لكن كانت لديه شكوك إزاء مدى ملاءمة نشر معلومات سلبية عن أحد المرشحين «تم وضعها من قبل الفريق المعارض»، مضيفاً أن الأمر برمته كان «أن احدى الحملات الانتخابية تهاجم الأخرى، وكان من الضروري أن يعلم القارئ ذلك». وبعد أن ساعد مراسلو «واشنطن تايمز» في توثيق الخبر وحصلوا على المزيد من اللقطات المصورة، نوهت الصحيفة بأنه تم الحصول على الشرائط من مجموعة متنوعة من المصادر، بينها «عملاء سياسيون معارضون لحملة أوباما الانتخابية».

وفي رده على سؤال حول ما إذا كانت الصحيفة قد عملت بذلك كأداة لصالح عميل منافس تم رفض الكشف عن هويته، أجاب «سولومون»: «كيف نحمي أي شخص؟ لقد كان شريطاً مصوراً لنقاش عام. لا أعتقد أن الحصول على معلومة من إحدى الحملات أو العملاء ينفي حقيقة أنه كان جديرا بالنشر».

ونالت حملة «ماكين» أيضاً نصيبها من ضربات «واشنطن تايمز» المدوية، ففي أبريل، أشارت الصحيفة إلى أن اثنين من كبار مستشاري الحزب الجمهوري، وهما «تشارلي بلاك» و«توم ليفلر»، دفعا ما يزيد على 15 مليون دولار في إطار جهودهما لحشد التأييد لحكومات أجنبية منذ عام 2005. وفي الأسبوع السابق، دار الخبر الرئيس في الصحيفة حول استغلال «ماكين» لثغرة في قانون تمويلات الحملات الانتخابية، الذي سبق وأن تولى الدور الأكبر في الدعوة لإقراره، تسمح للمتبرعين بتقديم كل منهم ما يصل إلى 70.000 دولار لحملته الانتخابية، وهو إجراء وصفه المتحدث الرسمي باسم المرشح الجمهوري بأنه روتيني.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الاوسط»