النشر المتخصص في أميركا.. آفاق لا تحصر

أكثر من 20 مجلة للمهتمين بمجالات القطارات.. وأخرى تتنافس على محبي القطط

النشر المتخصص تسبب بابتكار الاف المطبوعات في أميركا («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم من ان اكثر المجلات والدوريات الاميركية المشهورة هي «تايم» و«نيوزويك» و«يو اس نيوز»، وهي كلها مجلات عامة تغطي مختلف المواضيع، الا أن هناك مجلات متخصصة، تكتب عن موضوع واحد، ويقرأها المهتمون بهذا الموضوع.

مثل مجلة «كات فانسي» (حب القطط) التي تمتلئ صفحاتها بمواضيع مثل: كيف تصففين شعر قطتك؟ قطط من بلاد نائية. قط وقطة. الخ. لكن، تواجه المجلة منافسة من مجلة «كاتز آند كيتنز» (قطط وقطط صغيرة). وهذه عناوين غلاف آخرعدد: اشعار عن القطط. كيف تلعبين مع قطتك؟ قطط ضالة في ولاية ويست فرجينيا. دليل المستشفيات البيطرية في ولاية نيويورك. الخ.

ويبدو أن قطاع النشر المتخصص تطور بشكل كبير، فقد صدرت اول مجلة متخصصة سنة 1731: «جنتلمان»، في لندن، لمؤسسها ورئيس تحريرها ادوارد كيف (توفي سنة 1754). وهذا واحد من اوائل واشهر الصحافيين البريطانيين، رغم انه كان بليدا، وطرد من المدرسة الاولية لأنه سرق نقودا من مدير المدرسة. لكنه، وهو الفقير، ابتكر، في وقت لاحق، فكرة اصدار مجلة تخاطب الاغنياء. ونجح، وصار واحدا منهم. أما ماذا كان يقرأ اغنياء القرن الثامن عشر؟ هذه بعض المواضيع: اعدام وتقطيع اعضاء تيم كرونين بعد ان قتل لوردا. محاكمة ورج باغاردلي لانه قطع زوجته قطعا صغيرة.

وتعد العلوم من ابرز المجالات كذلك في ما يخص النشر المتخصص، فماذا يقرأ العلماء؟ هذه مواضيع آخر عدد من «سيانس» (علوم): الاشعاع في المجرات البعيدة. التصرفات المتوقعة داخل الجينات المايكروبية. الخ. لا غرابة لان هذه المجلة تصدرها الجمعية الاميركية للتقدم في العلوم. وما دمنا في العلوم، ماذا في آخر اعداد مجلة «بناس» (اختصار: وقائع الاكاديمية الوطنية للعلوم)؟ مراقبة ميلاد بروتينة. تحديد تثبيت الكربون. تحليل لقاح مضاد للملاريا. الخ. ويثير الانتباه بحث عن «الاختراع ان او دي 2، ان ايه ال بي 1»، الذي اشترك في كتابته سيد رضا علي، اميركي باكستاني. وكتب الآتي تحت «هوايات»: صناعة روبوتات، تصميم سيارات، فنون الكترونية، الخ.

غير ان مجلة «ايه ايه آر بي» (اختصار: الجمعية الاميركية للمتقاعدين في المعاش) تقول انها اكثر مجلات العالم توزيعا. ويعود سبب ذلك الى انها ترسل الى اربعين مليون شخص في اميركا. كانوا متقاعدين، ثم صارت ترسل الى كل شخص يزيد عمره على خمسين سنة. وهكذا، تحولت من مجلة متقاعدين الى مجلة كبار في السن. وكل مواضيعها لها صلة بالتقاعد والكبر في السن. في آخر اعدادها: الممثل مارتن شين يكبر في السن، ويحكي عن امراض الكبر في السن. ستيفن سلون، رئيس التحرير، يكتب عن كيف بدأت والدته العجوز تفقد ذاكرتها تدريجيا. آباء وامهات الجنود الجرحى العائدين من العراق يتكلمون عن معاناتهم. الخ.

مثال آخر هم العاملون في مجال القطارات، وهواة جمع صفارات القطارات، او لعب القطارات للاطفال، او ملاعق وشوك وسكاكين من غرف الطعام في القطارات. في الولايات المتحدة، لا توجد فقط مجلة واحدة لمثل هؤلاء، ولكن اكثر من عشرين مجلة. منها: «لوكوموتف كوارترلي» (دورية القطارات)، و «باسنجر ترينز» (قطارات المسافرين) و«ستيم ترينز» (قطارات بخارية). وهذه بعض مواضيع آخر اعداد مجلة «رجل السكة الحديد»: الذين ورثوا القطارات البخارية. اسرع قطارات العالم. قوانين السكة الحديد. الخ.

وهناك اكثر من عشرين مجلة متخصصة في التاريخ كذلك: لاساتذته، وطلابه، والمهتمين به، مثل: «هستوري توداي» (التاريخ اليوم)، و«اميركان هيرتدج» (التراث الاميركي). الخ. وهذه بعض مواد آخر عدد من الاخيرة: مذكرات العريف دون مالاركي عندما نزل الحلفاء على ساحل نورماندي (الحرب العالمية الثانية). من اول من اكتشف حضارة «مانشو بيتشو» في اميركا الجنوبية؟ هل سبق اليابانيون الاميركيين؟ الخ.

ويعتقد ان اول مجلات ادبية صدرت في بريطانيا وروسيا في القرن الثامن عشر. غير ان اقدم مجلة ادبية لا تزال تصدر حتى اليوم هي «ييل ريفيو»، من جامعة ييل. وظلت تصدر منذ سنة 1819. وهذه بعض مواضيع آخر اعدادها: هيرودوتس: مؤرخ واديب. تفاصيل من اعمال: نابوكوف وبارثيليم وبراوست. بالاضافة الى قصائد وروايات قصيرة، وعروض لكتب ادبية جديدة.

وبمناسبة القصائد، هناك مجلات لها، مثل: «بويتري» التي أسست قبل مائة سنة تقريبا، واشتهرت لأنها نشرت اول قصائد الشاعر تي اس اليوت: «قصيدة حب بروفروك». كان عنوانها «بروفروك وسط النساء»، لكنه غيره قبل النشر. وعلى اي حال، لا يوجد شخص بهذا الاسم. ومطلعها: «اذا كنت اعتقد انني اجيب على شخص سوف يعود الى عالمنا، لن اجيب. ولأنه لم يعد اي شخص الى عالمنا، لن اجيب». ويعتقد ان المطلع من قصيدة دانتي: «الكوميديا المقدسة». ولهذا فان الرجل بروفروك لا بد ان يكون يتحدث من الجحيم، على لسان الشاعر اليوت.

وينتشر في الولايات المتحدة اكثر من عشر مجلات عن الهندسة المعمارية، منها: «اركتشرال دايجست» الشهرية. وهذه بعض مواضيع آخر اعدادها: هندسة منازل الريف الاميركي. داخل منازل نجوم هوليوود: ديانا كيتون، شير، جون ترافولتا، الخ. وفي عدد سابق موضوع عن زهاء حديد، مهندسة عراقية تعيش في لندن، واشتهرت في مجالها. عنوان الموضوع: «رؤية زهاء حديد: تأثرت بالمعمار الروسي، وبدأت ثورتها».

وللمولعين بالرياضة اكثر من عشرين مجلة، مثل: «شيب» (شكل) و«هيلث» (صحة) و«اوكسجين» (هواء)، و«سيلف» (النفس)، و«ايرن مان» (رجل حديدي)، الخ. وهذه بعض مواضيع آخر عدد من «تستسترون» (هورمونات الرجولة): تقوية العضلات. عضلات النساء. وشعار: «بدون حرية من الماضي، لا حرية في الحاضر»، رغم ان المجلة لم توضح العلاقة بين الرياضة وهذه الحرية.

واذا كانت اول مجلة متخصصة في التاريخ للاغنياء، في عندهم اليوم مجلات ومجلات، عن: الساعات الفاخرة واليخوت الفاخرة، والطائرات الخاصة الفاخرة، والسيارات الرياضية الفاخرة. مثل مجلة «باناشي» التي يصدرها باناشي بروفيه، من كبار مصممي القصور والمنازل الفاخرة. ورغم ان قراءها اقل من نصف مليون شخص، فان متوسط قيمة منازل القراء اربعة ملايين دولار. ومتوسط دخل كل قارئ اكثر من مليون دولار في السنة. وفي آخر اعداد المجلة قصور للبيع تصل قيمة القصر الى عشرين مليون دولار. ومعه وصف يبدأ بـ: «من ولاية كونيتيكات، تقدر على مشاهدة نيويورك».

وفي عصر الانترنت، تنتشر كل يوم مجلات الكترونية، وتسمى «ام زين»، على وزن «ماغازين» (مجلة). واول مجلة من هذا النوع صدرت سنة 1984، ويعتقد انها اول مجلة انترنتية، واسمها: «كلت اوف ديد كاو» (جمعية البقرة الميتة السرية)، وهم مجموعة من «الهاكرز»، هدفهم هو «السيطرة على العالم عن طريق الانترنت». وهي خليط من مواضيع جادة عن اهمية الانترنت ومواضيع خرافية، مثل ان هملر، مساعد هتلر ايام المانيا النازية، لا يزال حيا يرزق في الارجنتين.

ودارت المجلات المتخصصة دورة كاملة، وذلك لأنها، خلال العشرين سنة الماضية، انتقلت الى مواقع في الانترنت. ثم، خلال العشرين شهرا الماضية، بدأت مجلات الانترنت تنتقل الى مجلات مطبوعة على ورق.