الصحف.. ومخاض البقاء

الناشرون يناقشون هجمة الوسائل الجديدة وسبل مواجهتها في مؤتمر «وان» بالسويد

أعيد انتخاب غافين اورايلي رئيسا لاتحاد الصحف العالمي خلال المؤتمر الذي عقد في السويد («الشرق الأوسط»)
TT

عالم الصحافة المكتوبة يتعرض للغزو. غزو من عالم جديد بات يهدد وجوده بالشكل الذي هو عليه اليوم، ويجبر اربابه على ادخال تغييرات عليه، لابقائه على ساحة المنافسة الاعلامية.

هذا الغزو المتصاعد الذي تشنه وسائل التكنولوجيا الجديدة وعالم الانترنت على الصحف منذ مدة، دفع بكبار رجال الاعمال في الصحافة المكتوبة الى دق ناقوس الخطر، للتنبه الى التحولات الطارئة على عالمهم الذي ظنوا أنهم يتحكمون به.. حتى أخيراً. فطوال ثلاثة أيام، التقى أصحاب الصحف والمديرون العامون والعاملون في مجال الصحافة المطبوعة من أكثر من 130 بلدا، في مدينة غوتنبرغ السويدية بدعوة من الاتحاد العالمي للصحف (وان)، وناقشوا مخاوفهم من مستقبل الصحف في العالم، وعرضوا انطلاقا من تجاربهم الخاصة، اساليب مواجهة التطور التكنولوجي الذي أصبح يتهدد الصحافة المكتوبة.

واذا كان البعض قد رسم صورة أكثر تشاؤمية من غيره حول مستقبل الصحف في العالم، إلا ان آخرين رفضوا ان يفقدوا الامل بأن الصحف قادرة على المنافسة حتى في ظل ثورة الانترنت ومصادر المعلومات الرقمية التي تتدفق على القراء من كل حدب وصوب.

آرن والن مثلا، رئيس «هولمن بيبر» في السويد، وهي احدى شركات الانتاج الرائدة في مجال طباعة الصحف في اوروبا، عرض لاحصاءات ترسم صورة قاتمة عن وضع الصحف في شمالي اميركا وبلدان غرب اوروبا. وقال ان الاحصاءات تؤكد تراجع نسبة توزيع الصحف تدريجيا في هذه المناطق منذ عام 1990. إلا انه شدد على ان الصحافة المكتوبة قادرة على البقاء في حلقة المنافسة، «اذا ابقت تركيزها على القارئ والمعلن وعلى ما تتقنه بشكل افضل».

وفي الوقت الذي كان النقاش يتركز على اهمية القراء بالنسبة الى الصحف، وضرورة ابقائهم منجذبين الى الصحافة المكتوبة، برز توم بروغنار، المدير التنفيذي لـ«ستامبن غروب»، وهي مجموعة اعلامية تملك نحو 25 مطبوعة في السويد، ليتحدث عن ضرورة التركيز على «الزبائن الاخرين»: المعلنون. وبحسب بروغنار، فإنه «من السهل جدا على المعلن ان يتجاوز وسائل الاعلام التقليدية ويختار وسائل الاعلام الجديدة المنافسة، ما يحتم على الصحف ان تطور علاقتها مع المعلنين وتبتكر طرقا جديدة لخدمتهم».

ولكن بالنسبة الى البعض، فإن التكامل بين الصحافة المكتوبة ووسائل الاعلام الجديدة هي افضل طريقة لابقاء الصحافة المكتوبة على قيد الحياة. بير لينغباي، المدير الاداري ورئيس تحرير المجموعة الاعلامية «نوردجيسكي» في الدانمارك، رأى ان الكلمة المفتاح اليوم لانقاذ الصحافة المكتوبة، لا تزال «المثابرة»، لكن اضيفت اليها اربع كلمات جديدة: التكامل (او الاندماج)، التحول، التنويع والتوسع. وانطلاقا من تجربة شركته، قال لينغباي: «قبل سبع سنوات، قالت شركتنا وداعا للاساليب التقليدية في العمل والاحادية في الترويج لوسائل اعلامنا. التكنولوجيا كانت في يوم من الايام عائقا بين الصحف والتلفزيون والراديو، أما اليوم فإن انتاج هذه الوسائل مرتكز على اندماج هذه الوسائل مع بعضها». وبحسب لينغباي، فان الفصل بين وسائل الاعلام كان بسبب الحدود التي تفرضها الجغرافيا، اما اليوم فان لا حدود تمنع التداخل. وأضاف انه في عام 2001، اعتمدت شركته خطة جديدة لشكل مكتب التحرير وجمعت كل محرري وسائل الاعلام وجعلتهم يعملون معا كأنهم يعملون لوسيلة اعلام واحدة: «فجأة أصبح بامكانك ان تشاهد محررينا في الصحف على شاشات التلفزيون، وتعلم الصحافيون انه على الرغم من الاختلاف بين وسائل الاعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة، الا انها جميعها تؤدي عملا اخباريا». الا ان هذا التداخل والاندماج الذي تمكن لينغباي من تحقيقه في شركته لا ينطبق على عدد كبير من الصحف في العالم التي بقيت محافظة على شكلها التقليدي. وقال فيليب شيبرد وهو شريك في شركة «برايس ووتر هاوس كوبر» الاعلامية البريطانية، ان احد اسباب تباطؤ شركات الاعلام بالتغيير هو لانها لا تزال محافظة على المردود نفسه من الاعلانات، على الرغم من انخفاض نسبة التوزيع. وحذر شيبرد وسائل الاعلام من الاطمئنان كثيرا الى هذا الامر لان هناك «مؤشرات على ان التغيير السلبي آت»، واشار الى ان التغيير الاهم هو تفاقم قوة الانترنت: «علينا ان نبدأ بالتفكير، صناعتنا تتغير، وسيكون امامنا الكثير من التحديات في المستقبل». وأعطى مثلا عن تنامي سوق الاعلانات على الانترنت في بريطانيا بمعدل 50 في المائة سنويا بين عامي 2004 و2005. واشار الى ان هذا النمو يؤثر في مردود الصحف، وقال ان اكثر ما يقلقه هو ان الاعلانات تتوجه نحو مواقع أخبار غير مواقع الصحف.

ولكن الصورة المتشائمة التي رسمها شيبرد، ليس قاتمة الى هذه الدرجة. فهو ذكر ان ما لا تملكه شركات الاعلام التي تنشر على الانترنت، هو النوعية والقراء والعلاقة مع المعلنين. وهذه بالنسبة اليه، نقاط ايجابية كبيرة يجب البناء عليها.

وشيبرد ليس وحده الذي يعتبر ان حرب الاعلانات بين وسائل الاعلام التقليدية والجديدة بدأت. ويليام دين سينغلتن، نائب مدير عام شركة «ميديا نيوز غروب» في الولايات المتحدة، قال: «لفترة طويلة، كنا نحن العاملين في حقل الصحافة المكتوبة نظن اننا محصنون ضد خطر البقاء... فجأة خطر البقاء أصبح موضوعا نتحدث عنه بشكل دائم». وأشار سينغلتن الى ان المشكلة الاكبر التي على صناعة الصحف ان تواجهها، هي انتقال الاعلانات منها الى الانترنت، لكنه رأى ان الصحف مستعدة للمنافسة.

الا ان الاتحاد العالمي للصحف طمأن الى ان صناعة الصحف لا تزال بخير، وقال تيموثي بالدينغ المدير التنفيذي للاتحاد، ان توزيع الصحف في العالم ارتفع بنسبة 2.5 في المائة في عام 2007، فيما يساهم توزيع الصحف المجانية ومواقع الانترنت الخاصة بالصحف في ايصالها الى كل مكان. وقال انه عندما ادخلت الصحف المجانية الى سوق الصحف المدفوعة، ارتفعت نسبة توزيع الصحف في العالم. واشار الى ان عدد الصحف المجانية في العالم يشكل اليوم نحو 7 في المائة من السوق في العالم، و23 في المائة من السوق في اوروبا.

أما غافين اورايلي، رئيس الاتحاد الذي جرى انتخابه لولاية ثانية تمتد لسنتين خلال المؤتمر، فقد اكد ان الصحف تصل الى 1.7 مليار قارئ في العالم يوميا. وقال انه من المتوقع ان تشهد الصناعة ارتفاعا في سوق الاعلانات بنسبة 17 في المائة خلال الاعوام الخمسة المقبلة. السنوات المقبلة ستقول كلمتها وتثبت ما إذا كانت الصحف ستقدر على الصمود والتأقلم مع العالم الجديد.