رغم كل الحديث عن تراجع الصحافة.. توقعات بالنمو في الاعلان والتوزيع

أن تكون صحيفة ورقية في عالم رقمي

TT

«احصل على كل الأخبار من الانترنت». هذا ما قاله أحد طلاب كلية الاقتصاد والعلوم السياسية التابعة لجامعة لندن. وبالنسبة لهذا الطالب الغربي يدعى «اليكس ستيفين» الذي سيتخرج قريبا ويطمح للعمل في وزارة الخارجية البريطانية، فالانترنت هي الأسرع والأرخص والاشمل في الحصول على المعلومات.

وما قاله الطالب البريطاني في الحقيقة يعكس بشكل أو بآخر تبدل اتجاهات الإعلام حيث شهدت في السنوات الأخيرة صناعة وسائل الإعلام العالمية وتحديداً في الغرب تغيرات هائلة سواء من ناحية المضمون أو حجم الإيرادات المالية او حتى سلوك المستهلكين.

فقد تمكنت قطاعات جديدة مثل الانترنت والجوال ووسائل الإعلام الرقمية الأخرى من تجاوز وسائل الإعلام التقليدية (تلفزيون، راديو، صحافة) من ناحية معدلات النمو وانتزاع مكاسب من حصصها في كثير من دول العالم. وفي هذا الإطار فقد خلص استطلاع مشترك تحت عنوان «نيوز روم باروميتر» أجرته مؤسسة زغبي ورويترز بالتعاون مع منتدى المحررين العالمي الذي يتخذ من باريس مقرا له، واشترك فيه 704 من رؤساء تحرير وكبار محرري الصحف الدولية، إلى أن 44 في المائة من الناس سيحصلون على الأخبار من الانترنت خلال 10 سنوات مقبلة. بعض المحللين يعتبرون وسائط الإعلام الرقمية سلاحا ذا حدين، فمن ناحية يرى عدد من الناشرين في مناطق مختلفة من العالم أنها تشكل تهديدا لصحفهم المطبوعة التي تعاني أصلا من الركود وتراجع حجم الإعلان، لا سيما في أوروبا والولايات المتحدة... فيما تعيش الهند وبعض المناطق في اسيا انتعاشا في المقابل. من جهة ثانية يرى آخرون أنها تقدم فرصا اقتصادية هائلة لتوسيع نشاطاتهم عبر الانترنت والجوال والوصول الى شريحة واسعة من القراء خصوصا من الأجيال الشابة.

من جهة أخرى يرى معظم محرري الصحف المشمولين في الاستطلاع أنهم غير قلقين على أوضاع صحفهم في الأجل المنظور، فقد وجد استطلاع «نيوز روم باروميتر» ان 85 من المحررين متفائلون جدا بشأن مستقبل الصحافة المطبوعة.

ولعل أكثر المتفائلين في هذا المجال هو رئيس الاتحاد العالمي للصحف غافين أورايلي الذي يقول في بيان صحافي «ان الصحف الورقية مؤهلة للنجاح في بيئة وسائط الإعلام الرقمية، وان المحللين الذين يتوقعون ان تتراجع صناعة الصحف المطبوعة يقعون في خطأ فادح».

وهنا يؤكد أورايلي بالقول «في الحقيقة ان الصحف تربح في عالم الرقمية.. وحاليا صناعة الصحف على الصعيد العالمي تصل قيمتها الى 190 مليار دولار وتبيع نحو 532 مليون نسخة يوميا».

وبكل تأكيد فان كلام أورايلي يستند إلى توقعات اقتصادية قوية وحقيقية في آن، فوفقا لتقرير «اتجاهات الصحافة العالمية في عام 2008» الصادر عن الاتحاد العالمي للصحف، فإن الإعلان في الصحف من المتوقع ان ينمو بمعدل 17 في المائة على مدى الخمس سنوات المقبلة، كما ان معدلات التوزيع ستستمر في النمو بمعدلات جيدة في معظم الأسواق الرئيسية».

وعلى الرغم من ان حصة الصحف من سوق الإعلان العالمي ستنخفض الى نحو 25.9 في المائة مع نهاية العام الحالي من 27.3 في المائة في عام 2007، إلا ان حصتها مقيمة بالدولار الاميركي من المتوقع ان ترتفع خلال الفترة ذاتها الى 126.4 مليار دولار من 125.03 مليار دولار. وفي الإطار تشير بيانات مؤسسة (زينيث اوبت ميديا) Zenith Optimedia المتخصصة في المجال الإعلاني، وتتخذ من لندن مقرا لها، الى انه من المتوقع ان يرتفع سوق الإعلان العالمي الى 522.5 مليار دولار في العام المقبل من حوالي 495 مليار دولار في عام 2008.

وطبقا لمؤسسة «برايس ووتر هاوس كوبرز» فإن إيرادات وسائط الإعلام الرقمية والجوالة من المتوقع ان تقفز الى نحو 154 مليار دولار بحلول عام 2011. في حين ان إيرادات الصحافة ستواصل النمو لتبلغ نحو 133 مليار دولار خلال الفترة ذاتها. ومن المتوقع هنا ان تستأثر إعلانات التلفزيون بنصيب الأسد بنسبة 37 في المائة من إجمالي سوق الإعلان على المستوى العالمي.

وبحسب بيانات مؤسسة «زينيث اوبت ميديا» فان حصة الانترنت، التي يستخدمها حاليا نحو 1.4 مليار شخص، ستتزايد من 8.2 في المائة في عام 2007 (حوالي 37.8 مليار دولار)، الى 9.7 في المائة (نحو 47.5 مليار دولار) مع نهاية العام الحالي لتقفز الى 11.1 (ما يعادل 57.1 مليار دولار) في العام المقبل. ولا يقتصر الأمر على «الشبكة العنكبوتية»، بل ان هناك 3.3 مليار مستخدم للجوال او ما يعادل نصف سكان الكرة الأرضية، وطبقا لمؤسسة «انفورما» للأبحاث في بريطانيا فان إيرادات الإعلانات على الهواتف الجوالة ستحقق هذا العام نحو 1.7 مليار دولار على المستوى العالمي، ولكنها ستقفز بشكل كبير على مدى الخمس سنوات المقبلة حيث من المتوقع ان تبلغ نحو 12.1 مليار دولار بحلول عام 2011.

وعلى صعيد منطقة الشرق الأوسط خصوصا في دول الخليج التي تمتلك اكبر قاعدة من مستخدمي الشبكة في الدول العربية، تعد الانترنت أحدث منصة إعلانية، لذلك يعد موضوع الاعلان عبر الانترنت مجالا خصبا للتطوير. وطبقا لمؤسسة «مدار للأبحاث» ومقرها دبي فقد بلغ حجم الإنفاق الإعلاني في المنطقة على الانترنت 20 مليون دولار فقط في العام الماضي إلا ان التوقعات تشير الى نمو هذا الرقم بنسبة 600 في المائة بحلول عام 2011. يعتمد بشكل كامل على التقنيات الحديثة. حيث إننا نشهد تزايد معدلات محطات التلفزيون المتطورة للغاية من الناحية التكنولوجية. لكن المواقع الإعلامية المماثلة على الانترنت كانت بطيئة في اللحاق بالركب. ولكن ما هي إلا مسألة وقت قبل ان تحتضن وسائل الإعلام العربية كامل امكانات الانترنت».

إلا ان سعي الصحف الورقية الحثيث للمنافسة لاكتساب حصص مهمة من سوق الإعلان قد يشكل خطرا على استقلالية الصحافة. فوفقا للدراسة المشتركة التي أجرتها مؤسسة زغبي ووكالة رويترز بالتعاون مع منتدى المحررين العالمي فإن نصف المشاركين يعتبرون ان المساهمين والإعلانات تمثل خطرا على استقلالية التحرير.

لكن ما هي العلاقة بين الإعلان واستقلالية وسائل الإعلام؟ في معرض إجابتها تقول الدكتورة لينا الخطيب من جامعة رويال هالواي البريطانية إن الأمر يتوقف على ما هو معنى الاستقلال. وتعطي مثالا في هذا الجانب قائلة: «ان هيئة الإذاعة البريطانية، بي بي سي، على سبيل المثال ليست مستقلة ماليا لأنها تعتمد على التمويل من الحكومة البريطانية، غير انها مستقلة في سياسة التحرير التي تضفي عليها مصداقية في نظر الكثيرين في كل من بريطانيا وحول العالم».

وفي هذا السياق يذكر ان هيئة الاذاعة البريطانية مثلا تتمتع بمعايير مهنية ومجلس امناء وضعت خصيصا لضمان استقلاليتها المهنية. كما أن اتجاه الصحف للتأقلم مع الثورة الرقمية يحمل في طياته هو الآخر تغييرات عميقة، فمن جهة ستبرز الانترنت كوسيلة إعلام أولى على المستوى العالمي، وفي ذات الوقت فإن الصحافة الآسيوية هي الأولى توزيعا ويتصاعد نفوذها من حيث سوق الإعلان وستصبح من وسائل إعلام لا يمكن تجاهلها على الإطلاق في المستقبل. ووفقا لتقرير «اتجاهات الصحافة العالمية في عام 2008» فإن 4 أسواق تهيمن على صناعة الصحف في العالم، منها 3 في آسيا تسيطر على أكثر من نصف المبيعات العالمية، وهي على التوالي: الصين حيث يباع هناك 107 ملايين نسخة في اليوم الواحد.

وتأتي الهند في المركز الثاني بمعدل مبيعات يبلغ نحو 99 مليون نسخة يوميا، وحلت اليابان ثالثا حيث تبيع الصحف 68 مليون جريدة في اليوم. وجاءت الولايات المتحدة في الترتيب الرابع حيث يباع في أسواقها ما يقرب من 51 مليون صحيفة يوميا. وقال التقرير ان 74 من أكثر 100 صحيفة في العالم مبيعا توزع في آسيا منها 62 صحيفة في الهند والصين واليابان. وفي المقابل فقد تراجع في العام الماضي التوزيع والإعلان في الولايات المتحدة 3 في المائة وفي أوروبا هبط معدل توزيع الصحف 1.9 في المائة. وعلى مدى الخمس سنوات الماضية تراجع توزيع الصحف في أميركا بنحو 8 في المائة. ومع ذلك فان السوقين الاميركي والاوروبي لا يزالان يسيطران على نحو 61 في المائة من سوق الإعلان العالمي.

وبالمحصلة إذا كانت الصحافة العالمية عليها ان تتأقلم مع الثورة الرقمية لتتمكن من النجاة، فإن الأهم ما هو الاتجاه للمستقبل بالنسبة للإعلام العربي؟ الخطيب تجيب بشيء من التفاؤل الحذر « نحن من المرجح ان نشهد الكثير من التقدم التكنولوجي في الإعلام العربي. ولكن مع ذلك ينبغي القول انه حتى أكثر وسائل الإعلام تطورا لن تستطيع استمالة الجماهير إذا لم ينظر إليها على أنها ذات مصداقية».

إلا ان الخبيرة الإعلامية تعود لتأكد «ان المدونات وصحافة المواطنة في الدول العربية من المحتمل ان تنتشر بشكل أوسع. وهو ما يجعلنا نعتقد ان ذلك سيكون له تأثير ايجابي على وسائل الإعلام الرئيسية أيضا. ومع ذلك في حين انه من غير المرجح ان نشهد تغييرات ايجابية كبيرة في القمة، فان هذه التغييرات سوف تصل في نهاية المطاف من مستوى القاعدة الشعبية».

* كلام بالأرقام

* - قراء الصحف 1.7 مليار شخص في العالم - صناعة الصحف عالميا قيمتها 190 مليار دولار - 532 مليون صحيفة تباع يوميا في العالم - الصين والهند واليابان تسيطر على نصف مبيعات الصحف في العالم - 74 من أكثر 100 صحيفة في العالم مبيعا توزع في آسيا - سوق الاعلان العالمي يبلغ حاليا نحو 500 مليار دولار - التلفزيون يسيطر على ثلث إعلانات العالم - 1.4 مليار شخص في العالم يستخدمون الانترنت - 3.3 مليار شخص يستخدمون الهاتف الجوال