كيف تنفق أقل؟

الإعلام الغربي يتجاوز مجرد متابعة ارتفاع الأسعار.. ويحاول مساعدة قرائه بالإجابة عن سؤال جوهري

«دليل للمسترخصين» من صحيفة تامبا باي تايمز الأميركية
TT

«دليلك إلى وجبة غذاء بأقل من 5 جنيهات استرلينية»... «كيف تتسوق في ظل الركود؟»... «كيف تنفق أقل على صديقتك من دون أن تبدو بخيلا؟»... هذه عناوين تصدرت الصحف الأميركية والبريطانية المحلية خلال الأسابيع القليلة الماضية ضمن صفحاتها الاقتصادية وتلك المعنية بأسلوب الحياة، هذا فيما خصصت صحيفة «ذا أوبزرفر» البريطانية الأسبوعية من جهة ثانية ملحقا خاصا أخيرا عنوانه «كيف توفر المال لدى التسوق والترفيه؟»، وكان «التوفير» كذلك محور احدث حلقة من برنامج «بزنيس ترافيلر» المخصص للسفر والسياحة، الذي تعرضه شبكة «سي إن إن» الدولية. وفي ظل طغيان أخبار أزمة ارتفاع الأسعار على التغطية الإعلامية خلال الأشهر الماضية، لا تبدو مثل تلك العناوين مستبعدة او غريبة، لا سيما مع صور السيارات المتوقفة عند محطات البنزين أو مؤشرات الأسعار التي تتصاعد بشكل مستمر. ولا بد أن هذه الظاهرة تعيد إلى الأذهان خلاصة كان أشار إليها تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية منذ شهر مارس الماضي، وقد تحدث ذلك التقرير عن تراجع اهتمام الأميركيين بأخبار الحرب في العراق مقابل قضايا أخرى على رأسها تقلبات أسعار النفط ومخاطر دخول البلاد في حالة ركود، والتنافس بين مرشحي الرئاسة الأميركية (ذوي برامج العمل المرتبطة كذلك بإيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية بالمناسبة).

ونقلت الوكالة في التقرير عينه عن بوب ستوفر مدير تحرير صحيفة «فلوريدا توداي» قوله «يرى الناس أسعار الوقود ترتفع وأسعار منازلهم تنخفض وهذا يؤثر فيهم بشكل مباشر اكثر من الحرب العراقية» الجارية منذ 20 اذار/مارس 2003.

نتيجة كل ذلك كانت بالتأكيد تحول متابعة تقلبات السوق، ومراقبة ارتفاع الأسعار إلى ساحة سباق جديدة بين وسائل الإعلام، وبالتالي كان على كل منها ايجاد طريقة لتمييز تغطيتها عن غيرها، وجذب القارئ أو المشاهد، وبما أن هذا الأخير هو في النهاية «مستهلك» فقد وجدت المطبوعات والقنوات التلفزيونية في التحول إلى ما يشبه «المرشد» في ما يخص الاستهلاك والشراء وسيلة للتفوق على منافسيها، فبات كل منها يصدر دليله الخاص للتبضع في مختلف المجالات بأقل الأسعار، او صفحات خاصة تدلك إلى كيف يمكن أن توفر بضعة جنيهات دون أن تؤثر في مستوى حياتك. من جهتها تعلق د. لينا الخطيب – أستاذة الإعلام في جامعة رويال هاولواي ببريطانيا، بالقول إن ما يجري هو نتيجة طبيعية لما نشاهده من ارتفاع عام بالاسعار، موضحة: «الإعلام يعشق الكوارث». وتضيف الخطيب: «ذلك لأن الكوارث تضع الأجندة للإعلام بما أنها تعتبر قضايا ذات تأثير اجتماعي بارز لا يستطيع الإعلام تجاهله»، من جهة ثانية، توفر الكوارث للإعلام مجموعة جاهزة من القصص لتغطيتها. وعلى الرغم من أن الإعلام يتعامل مع الكوارث باعتباره أمينا على المجتمع (اقتصادي في هذه الحالة)، فهو أيضا يستفيد منها لتوفير مواد للنشر والبث، حسب ما تقول الخبيرة الإعلامية. لكن الخطيب تحذر من جهة ثانية من أن التغطية المبالغ بها قد تتسبب بدورها في مشكلة، لأنها قد تحفز التهافت على الشراء بسبب الذعر. لكن ما يجري يعني أن هناك صحافيين بات عملهم هو التجول على المحلات وتدوين ارخص الأسعار، بمعنى أنهم تحولوا الى ما يشبه «المتسوقين الخاصين» لقراء المطبوعات، فهل هذا يصب في عمل الإعلاميين المحترفين؟ علما بأن هذه الظاهرة منتشرة بالفعل في الإعلام الغربي منذ مدة، لكن كانت قصرا على نوع معين من المطبوعات كجرائد التابلويد والصحف المجانية التي توزع في محطات القطارات ومجلات المرأة والموضة أو في ملاحق خاصة بالتسوق تنشر دوريا ضمن المطبوعات. تجيب الاختصاصية الإعلامية لينا الخطيب بالقول: «لا مشكلة في ذلك، لكن ما هو مثير للجدل ان تتحول هذه الاقتراحات (التي تنشرها المطبوعات) الى الخيارات الوحيدة المتاحة (أمام المستهلك أو أن يتم تصوير الأمر على انه تم بناء على بحث مطول ومعمق، بينما هو في معظم الحالات ليس كذلك».

وتوضح الخطيب بالقول بأن المسألة الأساسية هي الشفافية، فتقول «هناك فرق بين القول بأن الصحافي قام بمسح سريع في المتاجر بمنطقة معينة ووجد أن محلا ما يبيع بسعر أقل من جاره، والقول بأن ما نشر هو خلاصة عملية بحث».

الجدير بالذكر أن ما يساعد على انتشار هذا النوع من التغطية، هو أن الصحافيين كذلك هم «مستهلكون» بدورهم، وذلك يعني انهم يعانون من «لسعة» غلاء الأسعار مثلهم مثل غيرهم... وربما مع مرور الوقت يصبح لدينا صحافيون متخصصون في الإرشاد.. والتوفير.