توجه الناس نحو الإعلام المتخصص بسبب الأزمة الاقتصادية.. انطباع خادع

لأن القنوات المالية مثل بلومبيرغ تتوجه أصلا للأثرياء ورجال الأعمال

TT

في شهر يونيو (حزيران) من العام الماضي تلقى باتريك تيتر بفرح غامر موافقة إدارة صحيفة «واشنطن بوست» ان يمضي فترة تدريب لمدة ثلاثة أشهر. كان حلم باتريك منذ ان دخل جامعة ميرلاند في ولاية ميرلاند المجاورة لواشنطن، ان يمتهن الصحافة، لذلك اختار طبقاً لنظام الدراسة في الجامعات الاميركية دراسة مواد اقتصادية من بينها «تحليل اتجاهات الاسواق الاقتصادية»، وكذلك مواد صحافية. كان واضحاً انه يريد ان يتخصص في الصحافة الاقتصادية. انخرط باتريك في حماس شديد في عمله بالمقر الرئيسي لصحيفة «واشنطن بوست» في شارع 15 قرب البيت الابيض. يقول باتريك «عملت في عدة اقسام من بينها القسم الذي يعد ملحق البزنيس اليومي، كذا ملاحق السيارات والمنزل والعقارات والوظائف والصحة» وجميعها ملاحق تصدرها واشنطن بوست على مدار الاسبوع. وتحدث باتريك عن تلك التجربة قائلاً «كانت تجربة ممتازة استفدت منها كثيراً لكنها كانت ايضاً مخيبة للآمال» ويشرح لـ «الشرق الأوسط» قائلاً «كنت اعتقد بأنني سأنضم الى فريق المحررين في الصحيفة، خاصة ان المحررين الاساسيين يقولون إنني قدمت عملاً جيداً في تغطية بعض الاحداث، لكن إدارة الموارد البشرية بعد انتهاء فترة التدريب طلبت مني اعادة بطاقة العمل وكان ذلك يعني ببساطة انه لا يوجد اي عرض للتعاقد معي».

غادر باتريك صحيفة واشنطن بوست في سبتمبر (ايلول) من العام الماضي آسفاً بعد ان تبخرت آماله، وذلك لانه لم يجد وظيفة محرر اقتصادي في واحدة من أهم الصحف الاميركية وأكثرها عراقة. عمل باتريك بعد ذلك في شركة صغيرة لاصلاح وبيع أجهزة الكومبيوتر في ميرلاند، ولان شغفه بالصحافة لم يخمد، فقد فضل باتريك ان يكون زبناؤه في «مبنى الصحافة الوطني»، المبنى الذي يضم حوالي 900 مكتب صحافي، ويوجد به كذلك «نادي الصحافة الوطني».

بيد ان الفرصة الضائعة جاءت من جديد مع مؤشرات الأزمة الاقتصادية الحالية، وذلك عندما شرعت «واشنطن بوست» في الاعداد لملف مفصل حول «أزمة الغذاء في العالم» في نوفمبر (تشرين الثاني) حيث تلقى باتريك إشعاراً من إدارة الصحيفة بأن هناك عرضاً لوظيفة محرر سيرسل له بالبريد وعليه ان يجيب عليه خلال اسبوع. هكذا عاد باتريك تيتر الى «واشنطن بوست» ليحقق حلمه وذلك من بوابة الأزمة الاقتصادية. وهي حالة نادرة جداً لم تعد تحدث في السنتين الاخيرتين بسبب تراجع مبيعات الصحف وكذلك الاعلانات، حيث اضطرت الصحف الكبرى في اميركا الى تقليص عدد محرريها.

وعندما سألت «الشرق الأوسط» مصدراً في الموارد البشرية في صحيفة «وول ستريت جورنال» حول ما إذا كانت الصحيفة توظف عناصر اضافية للاسهام في تحليل الازمة الاقتصادية، خاصة ان مبيعاتها لم تتراجع كثيراً كما حدث بالنسبة لصحيفتي «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» قال «نحن نقلص ولا نوظف».

وعلى الرغم من الانطباع السائد بأن الازمة الاقتصادية ربما أدت الى اتجاه القراء والمشاهدين على حد سواء نحو الصحف او القنوات المتخصصة، مثل شبكة بلومبيرغ التلفزيونية التي انطلقت عام 1990 من نيويورك وتقدم اخباراً وتحليلات اقتصادية على مدار الساعة، فإن المتخصصين يرون أن هذا الانطباع خادع وليس صحيحاً وفي هذا الصدد يقول كليفور كمبر عضو مجلس ادارة الجمعية الاميركية للصحافيين والكتاب الاقتصاديين (إس إيه بي إيه دبليو) «لا اتوفر على ارقام دقيقة لموضوع المشاهدين، لكن لا اعتقد ان هناك تحولاً حدث نحو قنوات اقتصادية او صحف متخصصة» ويضيف «قناة مثل بلومبيرغ، هي القناة الوحيدة التي توظف صحافيين حالياً ويبلغ رأسمالها 20 مليار دولار والتي يملك معظم أسهمها عمدة نيويورك مايكل بلومبيرغ، لا تتوجه أصلاً للمشاهدين العاديين بل هي تتوجه للأثرياء ورجال الاعمال الذين يتابعونها بغض النظر عن وجود أزمة من عدمها».

وبشأن ما إذا كانت الازمة الاقتصادية قد زادت طلب الصحف والقنوات على محللين اقتصاديين او زاد الطلب عليهم يقول كمبر «بلومبيرغ مثل وكالة رويترز عندما تكون هناك أزمة طاقة على سبيل المثال تبادر الى تدريب محرريها إذا كانت تنقصهم الخبرات في هذا المجال، واذكر انه كان هناك اهتمام في وقت من الاوقات بموضوع الغابات وتراجع الغطاء النباتي ونظمت الشبكة دورة خاصة لعدد من المحررين في بلومبيرغ في هذا المجال». ويضيف قائلاًً «اما بالنسبة لنا ومن خلال الجمعية يمكننا ان نلاحظ ان وتيرة العمل عادية جداً ولم يطرأ اي تغيير عليها بحيث يمكن ان نتحدث على إقبال». وأوضح كليفور كمبر «هناك جمود في التوظيف بصفة عامة في شبكات التلفزيون والاذاعات والصحف، والقطاع الذي يتحرك في هذا الجانب هو الصحافة الالكترونية». وهو يعتقد أن الناس العاديين يتابعون الآن الأزمة الاقتصادية على شبكة الانترنت أكثر من أي وسيلة اعلامية اخرى.