انقسام الإعلام اللبناني ينعكس على الشبكة العنكبوتية

مواقع إخبارية خاصة بالموالاة.. وأخرى تستهوي أنصار المعارضة

موقع التيار الوطني الحر
TT

لم تسلم المواقع الالكترونية الاخبارية اللبنانية مما عصف بالاعلام المحلي لتتحول بدورها الى «بؤر» ومتاريس تنطق بلسان الفرقاء المتخاصمين لتشكل معارك اعلامية وصحافية عبر شبكة الانترنت. مساحات الكترونية واسعة خصصها كل طرف سياسي ليحيط مناصريه بكل مستلزمات المعركة ويصل بها الى الخارج، حيث انتقلت العدوى الانقسامية والتعصب الحزبي والطائفي الى المغتربين اللبنانيين الذين يجدون في هذه المواقع وسيلة سريعة تسلحهم بآخر أخبار وطنهم خلال ثوان قليلة، كما ترخي بظلالها السلبية بشكل خاص على تفكير الشباب الذين انصبت اهتماماتهم على متابعة الأخبار السياسية ولا سيما عبر الانترنت. كل له موقعه. الاشارات العامة والألوان الخاصة بكل فريق تؤكد هوية المواقع من دون لبس. السياسة نفسها متبعة في العملية الاخبارية. عناوين رنّانة وأخبار تكتسب صفة «الخاصة» ولا سيما في تلك المتعلقة بالفريق الخصم. معلومات فقدت بنسبة كبيرة صفتها الاخبارية مكتسبة صفة الآراء الحزبية تضخ بهدف تجييش المناصرين وتأكيد صوابية وجهة نظرها السياسية التي تسيء الى الطرف الآخر بل وتحلّل مواقفه وتدينه. ويأتي الدعم من زائري المواقع الذين يعكسون نموذجا واضحا عما آلت اليه الأوضاع اللبنانية على أرض الواقع وهذا ما تعكسه المساحات المخصصة للقراء كي يدلوا بآرائهم التي تحوّلت الى سوق عكاظ يصب فيه المناصرون جام غضبهم وشتائمهم.

«راجع راجع يتعمّر نهر البارد، راجع يتحلّى أكثر ما كان بكثير» عنوان ونموذج لما عرض في موقع التيار الوطني الحر لتغطية مشاركة رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة في مؤتمر الدول المانحة في فيينا لاعادة اعمار مخيم الفلسطينيين في نهر البارد في شمال لبنان. جملة بسيطة تحمل بين طياتها تهكّما واضحا تفسره السطور الأولى للموضوع التي جاء فيها «بهمّة رئيس الحكومة غير الشرعي ثم المستقيل والمكلّف وغير المؤلّف حتى الساعة تعود الحقوق الى أصحابها الا الى المواطنين اللبنانين». وفي ما يتعلّق بالنهج العام المسيطر على موقع التيار يلاحظ مرصدها انها تتركّز على النقاط الأحداث والأخبار التي تميل لمصلحة سياسييهم وقادتهم اضافة الى مقابلات مع مسؤولين من داخل التيار من دون أن يحملوا الصفة السياسية، مع شبه اهمال أو عدم تركيز على مواقف الفريق الخصم ونشاطاته باستثناء السلبية منها. فاختاروا مثلا عنوانا جذابا للتعليق على ما قاله النائب مروان حمادة في ما يتعلّق بتصريح النائب غسان تويني بشأن طلبه من السنيورة التنحي وجاء فيه «حمادة يلعب دور المصحّح لتصريح النائب تويني ويهاجم عون». ويظهر في يمين الصفحة ترتيب لمواضيع وضعت في خانة المقالات الأكثر قراءة وهي تحمل بدورها عناوين رنّانة. فاحتلّ المرتبة الثانية «كيف أنفق معالي الوزير 16 مليارا و792 مليون ليرة خلال 5 أشهر» ليظهر صلب الموضوع ان المقصود هو وزير المهجرين نعمة طعمة المحسوب على الحزب التقدمي الاشتراكي.

ولا ينسى القائمون على هذا الموقع اختيار الأخبار السياسية المثيرة كذكر خبر يقول «ميشال المر يبعث برسالة الى دمشق للحلول مكان ابنه في وزارة الدفاع وسورية أهملتها». وخبر آخر نقلا عن جريدة «السفير» وفيه: «اشترى أحد نواب الأكثرية مكتبا مساحته 1500 متر مربع استعدادا لخوض الانتخابات النيابية بشكل مستقل عن كتلته النيابية». مع التركيز على انتقاء مقالات لصحافيين من صحف معارضة كـ «السفير» و«الأخبار» و«الديار». وهذا ما يؤكده مدير الموقع باتريك باسيل الذي قال: «نختار المواضيع التي تلائم توجهاتنا السياسية. مع العلم أننا تلقينا اتصالات من بعض الصحف طلبت منا عدم نشر مقالات لصحافييها.

ويقول باسيل: «هدف الموقع مزدوج، هو موقع رسمي لحركة سياسية وموقع اخباري لبناني يجمع كل الأطياف السياسية». ولا ينفي امكانية تضارب الهدفين في أحيان كثيرة، خصوصا أن الهدف الأول لن يكون موضوعيا في حين يجب على الأخبار أن تكون موضوعية. بقوله: نحاول الاعتماد على مبدأ عدم الكذب، فنكتفي فقط بالتصريحات المهمة لخصومنا ونلقي الضوء على أخطائهم وطبعا لا نعطيهم المساحة والأهمية اللتين نعطيهما للمعارضة. وفي حين يرفض باسيل مقارنة موقع التيار بموقع 14 آذار الذي قال إنه يعتمد على القدح والذم معتبرا أن موقع التيار يعتمد سياسة معارضة ولكنه في الموقع الوسطي.

من جهة أخرى، لا تقل عناوين المواضيع المنشورة في موقع فريق 14 آذار أو NOW LEBANON قساوة عن تلك المذكورة في موقع التيار. في الموقع الأول أخبار متفرّقة ومواقف سياسية معظمها لموالين وردود فعلهم على آخر الأوضاع في لبنان ولا سيما الاشتباكات الأخيرة في الشمال، حيث تقع المسؤولية بحسب أخبارهم على فريق المعارضة ومناصريه. ويدعم الموقع بصور الشهداء الذين سقطوا في السنوات الأخيرة مرفقة بشعارات وسائل الاعلام المرئية والمقروءة المؤيدة لفريق الموالاة كـ «النهار» وتلفزيون وجريدة «المستقبل». «العبسي مهاجما نصرالله: خميني صغير يتزعّم حزب الشيطان»، «ضباط سوريون يقودون معارك طرابلس وآخرون ينتظرون الأوامر لنقلها الى عكار». «عون يلعب دور الضحية لتوظيف موقفه في تعبئة الانتخابات النيابية المقبلة» و«النائب أندراوس: حزب الله مستمر في مشروعه الانقلابي بدعم سوري ايراني». ويتضمّن الموقع زاوية صغيرة تحمل عنوان صوتك يهمّنا طارحا السؤال التالي «بعد توجّه سلاح حزب الله من مواجهة العدو الاسرائيلي الى مواجهة الشعب اللبناني في بيروت والمناطق. كيف تصف هذا السلاح؟ والاحتمالات هي التالية: سلاح ميليشيوي أو ينبغي تسليمه الى الجيش أو ما زال سلاحاً مقاوماً. ويطلع القارئ على أخبار صغيرة تصب في خانة المواجهة نفسها كتلك التي تقول "ذكر أن رئيس تيار معارض يحاول بحديثه عن تسلّح مناطق معينة التغطية على حالة تسلّح وتدريب في صفوف أوساط هذا التيار».

وينفرد موقع Now Lebanon باستطلاع للرأي: في أي اطار تضع شروط النائب ميشال عون بشأن التشكيلة الحكومية؟ هل هي: مطالب سياسية طبيعية أو تصفية حساب شخصي مع النائب المر أو شروط تعجيزية لرغبته في عدم المشاركة في التشكيلة الحكومية. اضافة الى أخبار متفرّقة مستقاة من الصحف اللبنانية وبشكل خاص من «النهار» و«المستقبل» و«السياسة» الكويتية مع غياب شبه تام لتلك المحسوبة على فريق المعارضة.

يعرّف مدير موقع 14 آذار طبيعة عمل الموقع بأنها اخبارية تتوجه الى جمهور 14 آذار بشكل خاص والى الشعب اللبناني بشكل عام، ويعتمد في جمع أخباره على المكاتب الاعلامية لقادة 14 آذار التي تزودهم بالبيانات والنشاطات. ويضيف «نعطي الأفضلية لقياديي الموالاة مع عدم اغفال أخبار الفريق الخصم الذي يسوّق أخبارا مضلّلة. نسلّط الضوء عليها ونترك لجمهورنا مهمة الحكم والتمييز لأنه ليس جمهوراً أعمى ولا ينتمي الى جمهورية ولاية الفقيه بل ان ديمقراطيته مقدسة ويتقبل الرأي الآخر». ويضيف «مع العلم أنه في حين ينقل فريق المعارضة على وسائلهم الاعلامية أخبارا عن صحف اسرائيلية يتهموننا بالعمالة اذا قمنا بالخطوة نفسها».

وبين هذا وذاك يشهد البعض لموقع Lebanon files بالموضوعية في نقل الأخبار والمقابلات ويقول رئيس مجلس الادارة في الموقع ربيع هبر: «نختارالأخبار والمقالات من الصحف بحسب اسم كاتبها وأهمية موضوعها. لدينا 25 مراسلا موزعين على المناطق اللبنانية و12 محررا. عمدت الى اختيار صحافيين ينتمون الى توجهات سياسية مختلفة، كل منهم يتولى مهمة متابعة أخبار فريقه السياسي». ويؤكد هبر أن «السياسة المعتمدة في الموقع تتوخى الحيادية الكاملة لنثبت أن في لبنان صحافة حرة لا تتقيّد بسياسة محددة ونرفض اعطاء مساحة لأناس همهم الوحيد تصفية حسابات شخصية». ويشير الى أن الموقع الذي أنشئ بداية العام 2007 هو قسم تابع لشركة احصاء تستفيد من نتائج عملها في ادارة الموقع ويقول: «تبيّن لنا أن عمر زائري الموقع يتراوح بين 18 و50 عاما، 52 في المائة منهم من داخل لبنان و48 من الخارج».

في حين قد تبدو واضحا للعلن، هوية الجهة المموّلة لمعظم هذه المواقع، وهي الأحزاب التي تنطق بألسنتها، جاءت إجابات مديري المواقع متفاوتة مع اجماع على ارتفاع تكلفة انشائها، واكتفى هبر بالقول إن تكلفة الـhosting أو أجرة الموقع على الشبكة تتراوح بين 500 و2000 دولار، وأضاف «نعتمد بنسبة كبيرة على التمويل الخاص ونسبة قليلة من مردود الاعلانات التي لا تزال ضئيلة لغاية الآن». من جهته قال يمن «الراعي الرسمي لموقعنا هو تلفزيون المستقبل، مع العلم أن التكلفة العامة ليست مرتفعة نظرا الى أن العاملين في الموقع معظمهم متطوعون من لجنة الاعلام في قوى 14 آذار، الذين لم نعد نذكر أسماءهم على الموقع بعد التهديد الذي تلقيناه في 9 مايو (ايار) الماضي». وحده باتريك باسيل أعلن تكلفة الموقع الشهرية التي قال إنها تقارب 8000 دولارإ مشيرا الى ان هذا الرقم لا يشمل أجور العاملين المتطوعين الذين يقومون بعملهم من دون أجر. وأكّد أن تمويل موقع التيار يعتمد على الاعلانات وأرباح خدمة الـSMS.

تعلّق الأستاذة في الاعلام الدكتورة ماجدة أبو فاضل على «الواقع الاخباري الالكتروني» في لبنان بالقول: «بعض المواقع تظهر انحيازا أكثر من غيرها وبعضها الآخر تبدو أنها تقوم بعملها بشكل جيد، لكن من المؤكد أن الموضوعية صعبة في هذا النوع من الاعلام اللبناني الذي تحول الى متاريس تعكس صورة الاعلام الحربي، اذ لم يعد هناك تمييز بين الخبر والرأي». وفي ما يتعلّق بالقواعد الاعلامية الواجب اتباعها في المواقع الالكترونية تؤكد أبو فاضل ضرورة اعتماد الدقة والتوازن والموضوعية الواجب توفرها في كل وسائل الاعلام. وتعتبر أن قول المسؤولين عن هذه المواقع أنهم يجمعون بين المنبر الاخباري والحزبي هو تبرير لعملهم وتقول: «هذه المعادلة متناقضة لأنه لا يمكن أن يكون الشخص حياديا ويروّج لوجهة نظر سياسية وحزبية في الوقت عينه، الأمر الذي يعكس خللا في مكان ما ويؤثر في عنصر التوازن الذي أصبح وجوده صعبا في الأوضاع التي نعيشها في لبنان».