التغطية الأميركية للأولمبياد.. السياسة والرياضة جنباً إلى جنب

صور الأعلام الأميركية العملاقة تغزو الصحف والشاشات.. والرياضيون يتحولون أبطالا قوميين

خصصت شبكة «ان بي سي» التلفزيونية الأميركية موقعا اخباريا خاصا للاولمبياد يتضمن احتفاء بالفريق الأميركي («الشرق الأوسط»)
TT

كما توقع الكثيرون، حتى قبل بداية دورة الالعاب الاولمبية في الصين، ربط الإعلام الأميركي الالعاب بالوطنية والسياسة. طبعا، تربط كل دولة بين منتخبها ووطنيتها، لأن المنتخب يتنافس باسم الوطن مع دول اخرى. لكن، وكما يرى كثيرون، فإن الاميركيين يشتهرون في بعض الأحيان بالوطنية المبالغ فيها، رياضة، وسلما، وحربا. لا يرفع شعب علم وطنه، ويعلقه، ويلبسه، ويغني له، مثل الاميركيين. سواء حاربوا العراق، او احتفلوا بعيد الاستقلال، او اشتركوا في الدورة الاولمبية.

في الثامنة من مساء كل يوم منذ ان بدأت الدورة، وبعد العشاء ونشرة الاخبار، يشاهد سبعون مليون اميركي تقريبا قناة «ان بي سي» (التي احتكرت نقل الالعاب)، وهي تبدأ برنامجها بعلم اميركي عملاق يكاد يملأ شاشة التلفزيون. في الحقيقة، نسبة كبيرة من برامج «ان بي سي» اليومية من الصين، أو عن الصين. وحتى نشرة الاخبار المسائية من هناك. (نقلت الدورة، او جزءا منها، قنوات تلفزيونية اخرى نسقت مع «ان بي سي»).

بالاضافة الى الوطنية، هناك السياسة. قبل ستة أشهر، كتبت جريدة «واشنطن بوست» افتتاحية بأن تستغل اميركا الدورة الاولمبية للضغط على الصين حول حقوق الانسان. وقالت:«فصل السياسة عن الالعاب الاولمبية فضيلة عرفت بها منذ اوائل ايامها. لكن، حتى في ذلك الوقت، كانت الالعاب تقام في ظروف تاريخية معينة، اذا لم تؤثر مباشرة في الالعاب، تؤثر فيها بصورة غير مباشرة».

هذا بالاضافة الى موضوعين آخرين زادا اهتمام الاعلام الاميركي بالالعاب: اولا: التمرد في التبت ضد حكومة الصين، وقمع القوات الصينية له، وتحدي الصين للمجتمع الدولى. ثانيا: تحميل الصين مسؤولية جزء من وقف التمرد في دارفور، في السودان، قولا بأن الصين، التي تشتري نفطا من السودان، تقدر على الضغط على حكومته.

فقبيل بداية الالعاب، وزعت الصحف الاميركية الكبيرة ملاحق فيها جداول الدورة، ومعلومات عنها، وعن المشتركين فيها، مع وضع اعتبار خاص للاعبين الاميركيين. (ملحق «واشنطن بوست» 22 صفحة، «يو اس توداي» 12 صفحة، «نيويورك تايمز» 18 صفحة، «ميامي هيرالد» 16 صفحة، الخ ...) بالاضافة الى قناة «ان بي سي»، نقلت الالعاب، او جزءا منها، قنوات: «ام اس ان بي سي» (شراكة مع «مايكروسوفت»)، و«سي ان بي سي» (قناة خاصة بالكيبل)، و«تيليموندو» (باللغة الاسبانية)، و«يو اس ايه» (باتفاق خاص، وهي قناة تهتم بشئون الرجال)، و«اوكسجين» (باتفاق خاص، وهي قناة تهتم بشئون النساء). بالاضافة الى القنوات المحلية في كل مدينة، باتفاق خاص مع القناة الرئيسية «ان بي سي».

لسبب ما، تركز القناة النسائية على العاب الفروسية والتنس والسباحة. وتركز القناة الرجالية على كرة القدم للنساء، والكرة الطائرة للنساء، والجمباز للنساء. وتركز قناة اللغة الاسبانية على كرة القدم وكرة السلة والملاكمة. ربما لأن هذه اكثر الرياضات شعبية في دول اميركا الوسطى والجنوبية، خاصة كرة القدم.

يوم الاحد، ثاني ايام الدورة، سجلت قناة اللغة الاسبانية رقما قياسيا لمشاهدة مباراتين لكرة القدم: الارجنتين واستراليا، والبرازيل ونيوزيلندا. ويتوقع ان يحدث نفس الشيء يوم مباريات الصين والبرازيل، وكوريا الجنوبية وهندوراس. وخلال الايام الاخيرة، ستعتمد التغطية على الفرق التي تصل ما قبل النهائي.

واستغلت التغطية التلفزيونية احدث الاختراعات التكنولوجية: تصور الاستادات من اقمار في الفضاء. وتحدد طرق سباق الدراجات والمسافات البعيدة بخرائط الكترونية. وتقدم احصاءات في سرعة خيالية. وتفصل بين المتسابقين بجزء من عشرة من الثانية. وتضرب وتطرح وتجمع وتقسم كل شيء. وترسم، وتلون. وتشرح المنافسات باسهم ودوائر ترسم على الشاشة.

هذا بالاضافة الى «هيومان كونيكشن» (رابط انساني)، حيث تظهر عائلة منافسة تشاهد التلفزيون في منزلها في اميركا، وتتابع المنافسة في الصين. او زملاء منافس في مقهي يتابعونه وهو ينافس في الصين.

وخلال منافسات الكرة الطائرة، يتكلم المذيع والكرة الطائرة تطير عبر شاشة التلفزيون. ويحدث شيء مماثل خلال منافسات كرة القدم، وكرة التنس، الخ...

ولأن اعداد «ان بي سي» للتغطية بدأ منذ سنوات، خزنت كميات كبيرة من فيديوهات «باكغراوند» (خلفية) عن كل لاعب ولاعبة، احيانا منذ يوم ولادتهم. وتعرض هذه خلال المنافسات، او عند الاستعداد لتقديم لاعب او لاعبة.

وفي عصر الانترنت، تتابع التغطية التلفزيونية والصحافية مواقع لاعبين، ومدربين، وفرق، واتحادات، وتتابع مواقع الانترنت الاخبارية الالعاب اولا بأول (احيانا، تنافس حتى تلفزيون «ان بي سي» الذي يغطي كثيرا من المنافسات في المساء فقط).

ومن قبل اليوم الختامي وتوزيع الميداليات، تراهن تلفزيونات وصحف اميركية على اميركيين واميركيات.

كتبت جريدة «لوس انجليس تايمز» عن مايكل فلبس (من ولاية كاليفورنيا) الذي يطمع في ان يكسب سبع ميداليات ذهبية في السباحة. وكان كسب ست ميداليات ذهبية في اولمبياد سنة 2004 في اليونان. وقالت الجريدة:«مرة اخرى، يستعمل بوب بومان، المدرب القديم الجديد، احدث الطرق. هذه المرة يقدر ليس فقط على توقع العوائق التي سيقابلها فلبس، لكن، يقدر، ايضا، على معرفتها. يكاد المدرب يعرف ما سيحدث في عشرين منافسة سباحة، لمسافات جملتها اكثر من ثلاثة آلاف متر، خلال تسعة ايام حتى النهائي».

وكتبت جريدة «اتلانتا كونستيتيوشن» عن مات ريد (من ولاية الاباما) الذي يطمع في ان يفوز بسباق المنافسات البعيدة، خاصة على فريق نيوزيلندا. لماذا؟ لانه ولد هناك، ثم هاجر الى اميركا. ولأن شين، شقيقه، يمثل نيوزيلندا في نفس المنافسات. ونقلت الجريدة على لسانه:«افكر في شين مرتين: مرة لأني سأكون معه. ومرة لأني سأنافسه». كاد الشقيق الاول ان يمثل اميركا في اولمبياد 2004 في اليونان. لكنه، بعد سنتين فقط في اميركا، لم يكن مؤهلا للحصول على الجنسية. في وقت لاحق تزوج اميركية، ونال الجنسية.

عودة الى موضوع الوطنية الاميركية المبالغ فيها: الجريدة التي كتبت عن بطل السباحة، نشرت صورته ووراءه علم اميركي عملاق. والجريدة التي كتبت عن بطل المسافات الطويلة نشرت صور مشجعين اميركيين وكل واحد يحمل علما اميركيا. وفي هذه وفي غيرها، عشرات الصور التي يلبس فيها منافسون ومنافسات قمصانا عليها اعلام اميركية، او شعارات اميركية.

دخلت السياسة تغطية الاعلام الاميركي للالعاب الاولمبية في اكثر من باب: حقوق الانسان، ودارفور، والتبت. ثم باب الحرب ضد الارهاب. يوم سفر الرئيس بوش الى الصين، وقع هجوم ارهابي في شينكيانغ، المقاطعة الصينية المجاورة لباكستان وافغانستان وقريزغستان. واتهمت الحكومة الصينية حزب تركستان الاسلامي. وسارعت الصحف والتلفزيونات الاميركية وارسلت مراسلين الى اقليم شينكيانغ البعيد. في جانب، فعلوا ما لم يفعل الاعلام الصيني، وقدموا وجهات نظر مسلمين يعيشون هناك. وفي الجانب الآخر، زادوا اشعال نار «اسلاموفوبيا» (الخوف من الاسلام) وسط الاميركيين.

وفي اول يوم للمنافسات، قتل صيني اميركيا في بكين، ثم قتل نفسه. ورغم ان مواقع في الانترنت وقنوات تلفزيونية اثارت الرعب بالحديث عن «ارهابيين اسلاميين يقتلون الاميركيين في شوارع بكين»، تريثت كثير من اجهزة الاعلام الاميركية حتى تعلن الحكومة الصينية معلومات عن الصيني القاتل.

غير ان الرئيس بوش، السياسي الاميركي الاول، سارع وعقد مؤتمرا صحافيا في بكين، وعزى عائلة الاميركي المقتول، وتعهد بحماية الاميركيين في الصين، وظهر في نشرات الاخبار التلفزيونية المسائية في طول اميركا وعرضها.